الاقتصاد الدوليروسيا

انخفاض الروبل.. هل تخرج تأثيرات الحرب على الاقتصاد الروسي عن السيطرة؟

يواجه الاقتصاد الروسي أوضاعًا اقتصادية متفاوتة مع امتداد أجل الحرب في أوكرانيا ليقترب من عامين، وفرض الدول الغربية قيودًا اقتصادية على روسيا، بما تسبب في تدهور صادرات الغاز بنسبة 42% في فبراير بوتيرة سنوية، والنقص في بعض سلاسل الإنتاج، وهبوط قيمة الروبل بأكثر من 50%، وتوقف قطاع السياحة، وغيرها من التبعات والآثار الناتجة عن خروج روسيا من نظام “السويفت” العالمي.

الأمر الذي وصفه المحللون بأن روسيا تواجه “وضعًا صعبًا ومستقبلًا غير مؤكد”، وذلك على الرغم من تكيفها مع العقوبات الشديدة المفروضة عليها، وأن هذه العقوبات لم تحقق حتى الآن الآمال الغربية بشأن انهيار الاقتصاد الروسي، فقد كان التضخم في روسيا أقل منه في أوروبا، فضلًا عن أن تقديرات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن الاقتصاد سيعود إلى النمو خلال العام الحالي.

يركز هذا المقال بشكل أساسي على تحليل أداء الاقتصاد الروسي بعد 18 شهرًا من اندلاع الحرب الأوكرانية، والأسباب وراء انخفاض قيمة الروبل الروسي لأدنى مستوى له ليصل إلى 100 روبل مقابل الدولار، على خلفية قرارات البنك المركزي الروسي أنه سيتوقف عن شراء العملات الأجنبية في السوق المحلية؛ وذلك وفقًا لآلية الميزانية التي وُضعت لتحصين الاقتصاد من تقلبات أسعار السلع الأساسية. بما دفع البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة؛ للتغلب على الآثار التضخمية الناتجة عن انخفاض قيمة العملة.   

تطور سعر الروبل مقابل الدولار

للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، يشهد الروبل الروسي انخفاضا إلى مستوى 100 مقابل الدولار الواحد، وقد مرت العملة منذ بداية الحرب بموجات من التحسن مقابل الدولار الأمريكي؛ فقد انخفض سعر العملة في اليوم التالي لاندلاع الحرب إلى 87 روبل للدولار، مقارنة بنحو 77 روبل للدولار في بداية عام 2022، ثم أخذ في التحسن، حتى اقترب من 50 روبل نهاية يونيو 2022، ثم عاد ليصل حاليًا إلى 98 روبلا للدولار.

تطور سعر الروبل مقابل الدولار خلال عام الفترة (أغسطس 2022- أغسطس 2023) – المصدر: الشرق بلومبرج.

لتفقد العملة الروسية حوالي ربع قيمتها مقابل الدولار منذ بداية العام الحالي، وتصنف الآن ضمن أسوأ ثلاث عملات أداءً في الأسواق الناشئة، بعد الليرة التركية والبيزو الأرجنتيني. وقد انخفضت قيمتها بنسبة تقدر بحوالي 50% مقارنةً بأعلى مستوى تحقق في يونيو 2022. وتُعزَى هذه الانخفاضات إلى استمرار الحرب الروسية الأوكرانية دون أي أفق واضح، بالإضافة إلى استمرار فرض العقوبات على روسيا، وتحديد سقف لأسعار النفط، مما أدى إلى تقليص عائدات صادرات البلاد من النفط.

توقعات نمو الاقتصاد الروسي في ظل الحرب

بالرغم مما تم الإشارة إليه من تراجع ملحوظ في قيمة العملة الروسية عبر 18 شهرًا، فإن التوقعات تشير إلى صمود الاقتصاد الروسي في عام 2023، رغم الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية، وفقًا لأحدث تقارير صندوق النقد الدولي الصادر في أبريل 2023، والذي أشار إلى أن اقتصاد روسيا سينمو هذا العام بنسبة 0.7%، أي أكثر من النسبة التي كان يتوقّعها في تقريره السابق قبل 3 أشهر، والتي بلغت نحو 0.4%.

وعلاوة على ذلك، ارتفعت إيرادات صادرات النفط الروسية خلال شهر يوليو 2023 إلى أعلى مستوى منذ نوفمبر 2023، محققة ما يقرب من 15.3 مليار دولار من صادراتها من النفط الخام والوقود، بزيادة تقارب 20% عن شهر يونيو 2023 السابق؛ وفقًا لبيانات وكالة الطاقة الدولية، متخطية سقف الأسعار المحدد مسبقًا لمجموعة السبع. فقد تخطى سعر النفط الروسي في يوليو 2023 مستوى 60 دولارًا للبرميل، ليصل إلى 64.4 دولارًا للبرميل. ومع ذلك، انخفضت عائدات موسكو من النفط بأكثر من الخُمس عن العام السابق، وفق وكالة الطاقة الدولية.

وقدّرت الوكالة إنتاج روسيا من الخام بنحو 9.4 ملايين برميل يوميًا في يوليو، منخفضًا 50 ألف برميل عن يونيو. وهذا يعني أنها التزمت بتعهدها بخفض الإنتاج 500 ألف برميل يوميًا من خط الأساس لشهر فبراير الذي قيّمته مصادر “أوبك” الثانوية عند 9.949 ملايين برميل يوميًا.

 فيما يخص أوضاع الموازنة الروسية، فقد تحولت من فائض في عام 2021 إلى عجز بنسبة 2.2% العام الماضي بسبب نفقات الدعم الذي تقدمه الدولة لتخفيف أعباء التضخم عن المواطنين، ويتوقع ارتفاع العجز هذا العام إلى 6.2%، وأن يتواصل عجز الموازنة حتى عام 2027، لتعود لتحقيق فائض في 2028.

الاحتياطات النقدية والتصنيف الائتماني

أشارت البيانات الروسية إلى انخفاض قيمة احتياطات النقد الأجنبي مع نشوب الحرب، لتصل في سبتمبر 2022 إلى 451 مليار دولار مقارنة بنحو 630 مليارًا عند اندلاع الحرب في فبراير من عام 2022، لكن استرد الاحتياطي المالي مساره التصاعدي بدءًا من أبريل 2023 ليسجل نحو 596 مليارًا، وبذلك فإن مجمل ما خسرته روسيا من أرصدتها الاحتياطية لم يزد على 34 مليار دولار أي 5.5% فقط.

فيما يخص أسعار الفائد؛ فقد أقدم البنك المركزي الروسي على رفع أسعار الفائدة إلى نحو 12% بدلًا من 8.5%، وهي ثاني زيادة على التوالي والأكثر حدة منذ اندلاع الحرب. وجدير بالإشارة أن أسعار الفائدة قد ارتفعت إلى 20% في فبراير 2022 الذي بدأت فيه الحرب مقارنة بنحو 9.5% قبل بدء الصراع، لكنها ظلت تتراجع تدريجيًا حتى بلغت 7.5% منذ سبتمبر 2022 ثم 8.5 في يوليو 2023. ولم يزد معدل البطالة على 2.5% مايو 2023.

على الرغم أن المؤشرات المالية قد تحسنت منذ عام 2023 ولكن وكالات التصنيف الدولية “ستاندرد آند بور” و”فيتش” و”موديز” قد خفضت جميعها تصنيف روسيا إلى درجة “سي” (C) التي تشير إلى ارتفاع درجة المخاطر، لا سيما بعد العقوبات الغربية المتتالية على البنوك والشركات وعدد من المسؤولين الروس، ومنع حركة الطيران إلى روسيا ومنع التصدير إليها (خاصة المنتجات التكنولوجية)، ومنع استفادتها من شبكة التحويلات المالية “سويفت” (SWIFT)، ووقف أنشطة معظم الشركات الأجنبية داخل روسيا، ووقف استيراد الوقود منها، ومحاولة وضع سقف لتسعير النفط الروسي، سعيًا نحو تقليل الموارد الروسية.

مما سبق عرضه يتضح مدى تأثر الاقتصاد الروسي باستمرار أمد الصراع، على الرغم من قوة الاقتصاد الروسي ومحاولة موسكو البحث عن بدائل، سواء بالتوجه ناحية آسيا وفي مقدمتها الصين والهند، والبحث عن بدائل للدولار الأمريكي في المعاملات التجارية بين روسيا والبلدان الحليفة لها عبر ما يعرف بالصفقات المتكافئة.

سالي عاشور

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى