
قراءة لمشهد سباق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية 2023
تشهد الساحة التركية الآن العديد من الحملات الانتخابية في سباقٍ محمومٍ ومنافسة محتدمة في ظل بيئة سياسية واجتماعية مستقطبة على نحو غير مسبوق؛ استعدادًا لتوجه الناخبين الأتراك إلى صناديق الاقتراع للتصويت للانتخابات الرئاسية والبرلمانية يوم 14 مايو 2023. وباتت الآن ملامح الخريطة الانتخابية التركية أكثر وضوحًا مع حسم الأحزاب الرئيسة لمواقفها من التحالفات في الانتخابات المقبلة، وإعلان المرشحين المتنافسين على منصب الرئيس. وتكتسب هذه الانتخابات زخمًا كبيرًا؛ كونها تُعقد في توقيتٍ حرجٍ تواجه فيه تركيا مجموعة من القضايا المهمة والملحة التي تحتاج إلى وضع سياسات قوية وحاسمة، خاصة فيما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية ومواجهة تداعيات زلزال فبراير المدمر الذي ضرب جنوب شرق تركيا، وأسفر عن مقتل نحو 50 ألفًا وتشريد الملايين.
هذا إلى جانب أن نتائجها قد تعلن عن استمرار حقبة الرئيس رجب طيب أردوغان -الذي يقود تركيا طيلة عقدين من الزمن-، في حال فوزه بهذه الانتخابات. أما في حال فوز مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو وتحالفه فسيكون هذا إيذانًا ببدء حقبة جديدة مغايرة في تركيا، لا سيما مع تعهد المعارضة بالتراجع عن العديد من سياسات أردوغان والعودة إلى النظام البرلماني وتطبيق سياسات نقدية أكثر صرامة واستعادة استقلال البنك المركزي.
لذا لن تقرر هذه الانتخابات من سيقود تركيا فقط، بل ستقرر أيضًا طبيعة حكم هذه البلاد، وما ستؤول إليه سياساتها الاقتصادية، فضلًا عن تحديد طبيعة الدور الذي ستلعبه تركيا في الساحتين الإقليمية والدولية، وهو ما يدفع إلى التساؤل -في هذا الجزء الأول من دراسة شاملة حول الانتخابات- بشأن طبيعة النظام الانتخابي في تركيا، والمرشحين المتنافسين في هذه الانتخابات، وخريطة التحالفات الانتخابية، وأبرز مؤشرات استطلاع الرأي بشأن نتائج هذه الانتخابات.
النظام الانتخابي في تركيا
- انتخاب رئيس الجمهورية:
تغير النظام السياسي في تركيا من نظام برلماني إلى رئاسي بموجب تعديلات الدستور التي تمت عام 2017، والتي تمنح الرئيس صلاحيات واسعة، وبدأ تطبيق النظام الرئاسي في تركيا عقب انتخابات عام 2018. وتحدد مواد الدستور أرقام: “8، و101، و103، و104، و105، و106” وظائف وصلاحيات الرئيس، ومؤهلاته وانتخابه، وتحدد مدة ولاية الرئيس بخمسة أعوام، ويسمح بانتخاب الشخص نفسه لولايتين على الأكثر. وهو ما أثار الجدل بشأن مدى أحقية الرئيس أردوغان في خوض الانتخابات القادمة، لكن تم الاستناد إلى أن ولايته عام 2018 تعد الأولى بعد تطبيق النظام الرئاسي ويحق له الترشح للولاية الثانية.
وفيما يتعلق بانتخاب الرئيس، فيحق للمواطن التركي الذي أكمل دراسته الجامعية وبلغ عامه الأربعين أن يترشح للرئاسة. ويتم انتخاب المرشح الذي يحصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات الصحيحة في عملية التصويت العام (أكثر من 50%( رئيسًا للجمهورية. وإذا تعذر حصول أحد المرشحين على الأغلبية المطلقة في الجولة الأولى، تقام جولة ثانية يوم الأحد التالي بعد هذا التصويت، ويشارك فيها المرشحان الحاصلان على أكبر عدد من الأصوات في الاقتراع الأول، وينتخب المرشح الذي يحصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات الصحيحة رئيسًا للجمهورية.
وفي حال عدم مشاركة أحد المرشحين الاثنين الحائزين على حق الترشح للجولة الثانية لأي سبب من الأسباب، يشارك بدلًا منه المرشح الحاصل على الترتيب الثالث في الجولة الأولى. أما في حال بقاء مرشح واحد فقط للجولة الثانية، يجري التصويت على شكل استفتاء. وإذا حصل المرشح على أغلبية الأصوات الصحيحة يتم انتخابه رئيسًا للجمهورية، أما في حال عدم حصوله على أغلبية الأصوات الصحيحة فيتم تجديد الانتخابات الرئاسية فقط، وفي حالة عدم اكتمال العملية الانتخابية، يواصل الرئيس الحالي مزاوله مهامه حتى يتولى الرئيس المنتخب منصبه.
- انتخاب البرلمان:
زاد عدد مقاعد البرلمان من 550 مقعدًا إلى 600 مقعد، وأصبح الحد الأدنى لعمر النائب 18 سنة بدلا من 25 بموجب تعديلات الدستور، كذلك الأمر بالنسبة لعمر الناخب، وزادت مدة الدورة البرلمانية من أربع إلى خمس سنوات.
وقد أقر البرلمان عام 2017 تعديلًا سمح بموجبه للأحزاب بتشكيل تحالفات انتخابية، والتقدم بقوائم مشتركة للمرشحين. وفي أبريل 2021، أقر البرلمان تعديلًا لقانون الانتخابات شمل ضمن بنوده تخفيض العتبة الانتخابية من 10% إلى 7%، وإلغاء وجود كتلة برلمانية كشرط لمشاركة الأحزاب في الانتخابات، وحساب الفائزين بمقاعد البرلمان وفق نتيجة أحزابهم -وليس التحالف ككل- في كل دائرة انتخابية على حدة. وفي حال فشل أي حزب أو تحالف في عبور عقبة الـ 7% فيحرم من دخول البرلمان، ويتم توزيع الأصوات التي نالها على الأحزاب الفائزة، وهنا يحصل كل حزب على نسبة تعادل النسبة التي حققها في الانتخابات.
من هم المرشحون المتنافسون على منصب رئيس الجمهورية التركية؟
أعلنت الهيئة العليا للانتخابات في نهاية شهر مارس 2023 عن قبول أوراق ترشح أربع شخصيات لخوض غمار السباق الرئاسي المرتقب، وهم الذين حصلوا على مائة ألف توقيع مطلوب للترشح لخوض الانتخابات الرئاسية، وهم:
- الرئيس رجب طيب أردوغان:
يعد الرئيس التركي الحالي أردوغان (68 عامًا) أبرز المتنافسين على منصب رئاسة تركيا، ويخوض هذه الانتخابات مدعومًا من تحالف “الجمهور” الحاكم، المكون من: (حزب العدالة والتنمية AKP، وحزب الحركة القومية MHPاليميني المحافظ بقيادة دولت بهجلي) واللذين يشكلان معًا تحالفًا متينًا يقوم على الأيديولوجيا القومية والدينية المحافظة، وانضم إليهما حزب الوحدة الكبرى، وحزب “الرفاه من جديد” وهو حزب إسلامي يتزعمه فاتح أربكان نجل الزعيم الإسلامي الراحل نجم الدين أربكان مؤسس حركة “النظرة الوطنية”-وهذه الحركة لها حضور قوي في الداخل التركي وتأثير كبير على الشارع المحافظ والإسلامي في تركيا-، وحزب “هدى بار” وهو حزب كردي ذو ميول إسلامية ويضم كتلة انتخابية محافظة.
- كمال كليجدار أوغلو:
يُعد كمال كليجدار أوغلو (74 عامًا) رئيس حزب الشعب الجمهوري (حزب علماني ينتمي إلى تيار يسار الوسط) أبرز منافسي وخصوم الرئيس أردوغان، ويخوض الانتخابات بقوة مدعوم من تحالف الأمة المعارض المعروف باسم “الطاولة السداسية”، والمكون من ستة أحزاب، هي: (حزب الشعب الجمهوري”CHP”-أكبر أحزاب المعارضة، ويترأسه كمال كليجدار أوغلو، وهو حزب علماني ينتمي إلى تيار يسار الوسط-، الحزب الجيد “IYİ” -هو حزب قومي وسطي أسسته وتترأسه وزيرة الداخلية السابقة ميرال أكشينار، وهو ثاني أكبر أحزاب المعارضة تأسس عام 2017-، وحزب السعادة “SP”، وحزب المستقبل “GP”، والحزب الديمقراطي “DP”، وحزب الديمقراطية والتقدم “DEVA”))، هذا بالإضافة إلى تأييد ضمني من قبل حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد..
- محرم إنجه:
هو أستاذ فيزياء متقاعد، انتُخب لعضوية البرلمان على قوائم حزب الشعب الجمهوري لأربع دورات متتالية. وفي عام 2018، كان منافسًا لأردوغان في انتخابات الرئاسة، حيث كان مرشحًا عن حزب الشعب الجمهوري، وحصد نحو 30% من الأصوات، ثم انشق عن الحزب وأسس حزب “الوطن” 2021.
يعد ترشح محرم إنجه لخوض سباق الانتخابات الرئاسية مشتتًا لأصوات المعارضة لصالح أردوغان، مما يرجح أن الرئاسة ستحسم في الجولة الثانية بين المنافسين الرئيسين (أردوغان وكليجدار)، وهو ما يرغب تحالف الأمة في تجنب حدوثه من خلال سعيه إلى إقناع محرم إنجه بسحب طلب ترشحه.
وتجدر الإشارة هنا إلى المزاعم التي تتردد حول استقطاب ودعم أردوغان الخفي لمحرم إنجه لإضعاف المعارضة، وخاصة أن النسب المتوقع أن يحصل عليها “إنجه” قد تتراوح ما بين 6: 7% على الأكثر، ومع ذلك يشار إلى أن محرم إنجه له صدى بين الناخبين الشباب الذين سئموا من الرئيس أردوغان، وغير مقتنعين بترشيح “كليجدار”.
- سنان أوغان:
هو مرشح تحالف أحزاب أقصى اليمين: “آتا”، و”الأجداد”. وانتخب سنان أوغان نائبًا عن حزب الحركة القومية عام 2011. ويرى مراقبون أن ترشحه -على الرغم من أنه لن يحصل على تصويت مرتفع- سيؤثر أيضًا على مسار المعارضة لأنه سيقتطع من أصوات “كليجدار”، مما يعزز فرص فوز أردوغان، خاصة وأن سنان أوغان قد يسحب من أصوات المتطرفين من مؤيدي حزب الجيد القومي ومن حزب الحركة القومية.
لذا على الرغم من اعتقاد الكثيرين أن التنافس الأكبر في الانتخابات الرئاسية بين “أردوغان” و”كليجدار”، لاسيما مع تصدرهما نتائج استطلاعات الرأي؛ فإن كلًا من محرم إنجه وسنان أوغان يحتفظان بالمفتاح لأن عدد الأصوات التي سيحصلان عليها ستؤثر بشكل خطير على السباق الانتخابي. ووفقًا للهيئة العليا للانتخابات، في حال لم يصل أحد المرشحين إلى نسبة الحسم (أي أكثر من 50 %) في الانتخابات الرئاسية التي ستعقد يوم 14 مايو، ستنعقد جولة ثانية للتصويت يوم 28 مايو.
حمى الاستقطاب وخريطة التحالفات الانتخابية
أعلنت الهيئة العليا للانتخابات أن 26 حزبًا تقدموا بقوائمهم المشتركة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية. لذا خلال الآونة الأخيرة مع اقتراب موعد عقد الانتخابات، شهدت الساحة التركية حمى الاستقطابات السياسية، وشهدت خريطة التحالفات الحزبية العابرة للأيديولوجيات والتوجهات حراكًا كبيرًا، وخاصة من قبل الحزب الحاكم والمعارضة؛ إذ حاول الطرفان استقطاب الاحزاب الصغير للحصول على المزيد من الاصوات، نظرًا للدور الذي قد تلعبه في ترجيح كفة أحد الطرفين على حساب الأخر.
وعلى الجانب الآخر، تهدف الأحزاب الصغيرة من الاصطفاف مع التحالف الحاكم أو تحالف المعارضة إلى إيجاد موطئ قدم في البرلمان، ومع ذلك قد تواجه هذه التحالفات تحديًا كبيرًا في استمرار نجاح اتحادها، في ظل توجهات وأيديولوجيات أحزابها المختلفة. وبشكل عام، تبرز على الساحة التركية الآن أربع تحالفات انتخابية، هي:.
- تحالف الجمهور الحاكم:
يتألف تحالف الجمهور الحاكم من خمسة أحزاب وهي: ( حزب العدالة والتنمية AKP، وحزب الحركة القومية اليميني المحافظ MHP، وحزب الوحدة الكبرى BBP، وحزب الرفاه من جديد RP “الإسلامي”، وحزب هدى بار “كردي محافظ”). وقدم حزب العدالة والتنمية قوائمه للهيئة العليا للانتخابات، حيث ينافس على مقاعد البرلمان الـ600. وخصص الحزب 4 مرشحين في قوائمه لحزب “هدى بار”، و3 مرشحين من حزب “اليسار الديمقراطي”، من بينهم زعماء هذه الأحزاب، أما بقية أحزاب تحالف الجمهور فقد ترشحت بأسمائها وهي: حزب الحركة القومية، وحزب الوحدة الكبرى، وحزب الرفاه الجديد. وتضمنت القوائم ترشيح 15 وزيرًا من الحكومة الحالية في مقدمة اللوائح في أهم المدن التي تعد معاقل الحزب.
- تحالف الأمة المعارضة:
ويعرف أيضًا بتحالف الطاولة السداسية، مكون من ستة أحزاب، هي: (حزب الشعب الجمهوري”CHP”، والحزب الجيد “IYİP”، وحزب السعادة “SP” المنبثق عن الرؤية الوطنية بزعامة تمل كرم الله أوغلو، وحزب المستقبل “GP” الذي يتزعمه رئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو، والحزب الديمقراطي “DP” بزعامة غول تكين أويصال، وحزب الديمقراطية والتقدم “DEVA” بزعامة الوزير السابق على باباجان)، وانضم إلى الطاولة السداسية مؤخرًا حزب “التغيير”، هذا بالإضافة إلى التأييد الضمني من قبل حزب الشعوب الديمقراطي أقوى الأحزاب الكردية.
وقد تمكن تحالف أحزاب المعارضة من الاتفاق على قائمة مشتركة للمنافسة في الانتخابات البرلمانية، تضم أحزاب: “الشعب الجمهوري، والسعادة، والمستقبل، والديمقراطية والتقدم، والحزب الديمقراطي، وحزب التغيير”. وحصل حزب “السعادة” على 24 مرشحًا، وحزب “الديمقراطية والتقدم” على 25 مرشحًا، وحزب “المستقبل” على 19 مرشحًا، وتم منح زعيم حزب “التغيير” المنشق عن “الشعب الجمهوري” مصطفى سارغول موقعًا داخل القوائم يُمكنه من دخول البرلمان، فيما قرر حزب الخير المشاركة بقوائم خاصة به.
ويعد حزب الشعوب الديمقراطي؛ أقوى الاحزاب الكردية، وثالث أقوى حزب في البرلمان، وله قاعدة تصويتية صلبة مكنته من الفوز في الانتخابات العامة عام 2018 بنحو 12% من الأصوات، ولديه كتله انتخابية تقدر بنحو 6: 7 ملايين ناخب، مما يجعل له دورًا مهمًا في هذه الانتخابات، لاسيما أن تحالفه مع المعارضة في الانتخابات المحلية الأخيرة مكنهم من الفوز ببلدية اسطنبول وأنقرة، لذا اصطفافه الضمني مع “كليجدار” سيكون له تأثير كبير لصالحه.
وتعزى الشراكة الضمنية غير المعلنة بين حزب الشعوب الديمقراطي و”كليجدار” إلى الحيلولة دون تأثيرها السلبي إذا تمت بشكل رسمي على وحدة تحالف الطاولة السداسية الذي يضم أحزابًا أخرى معروفة بمعارضتها الشديدة لحزب الشعوب الديمقراطي، وأبرزها حزب الجيد القومي الذي يُعارض مثل هذه الشراكة لتأثيرها على قاعدته القومية. وعلى الجانب الآخر، تبرز فرضية أن حزب الشعوب الديمقراطي يقدم دعمًا ضمنيًا لكليجدار بهدف الحصول منه على أكبر قدر من المكاسب..
وتجدر الإشارة هنا إلى أن حزب الشعوب الديمقراطي قد يُمنع من خوض العملية الانتخابية؛ على خلفية دعوى قضائية مرفوعة ضده أمام المحكمة الدستورية العليا، لذا قدم الحزب قوائمه للهيئة العليا للانتخابات باسم اليسار الأخضر.
- تحالف “العمل والحرية”:
يضم تحالف العمل والحرية أحزابًا يسارية بقيادة حزب “الشعوب الديمقراطي” المؤيد للأكراد، وإلى جانبه أحزاب: “العمال”، و”الحركة العمالية”، و”اتحاد الجمعيات الاشتراكية”، و”الحرية المدنية”.
- تحالف “آتا”:
ويضم أحزابًا قومية بقيادة حزب “النصر” الذي يتزعمه أوميت أوزداغ، المعروف بعدائه للأجانب، ويضم أيضًا أحزاب: “العدالة” و”الحقيقة” و”التحالف التركي” و”بلدي”.
ما الحظوظ الانتخابية لكل طرف وفقًا لاستطلاعات الرأي؟
تتعدد استطلاعات الرأي بشأن الانتخابات التركية، وعلى الرغم من تباين الآراء حول تأثير استطلاعات الرأي العام على توجهات الناخبين وما تعكسه من توقعات قد تتحقق أو لا تتحقق على أرض الواقع، فإنها تعطي إشارات إلى الفرضيات الممكنة لتوقعات نسب الفوز التي قد تؤول إليها الانتخابات. ومع ذلك تبقي استطلاعات الرأي مؤشرات لا تنبئ بالضرورة عن نتيجة الانتخابات، لذا تبقى كل الاحتمالات مفتوحة في السباق الانتخابي.
وبإلقاء نظرة على جميع الاستبيانات الـ 24 التي أجريت خلال العامين السابقين، للمقارنة بين “كليجدار” و”أردوغان”، لاسيما استطلاعات رأي الشركات التي نجحت في توقع نتائج الانتخابات السابقة، كان بها “أردوغان” متقدمًا، فيما عكست نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت حتى منتصف عام 2022 حالة من التعادل بينهما، لكن في استطلاعات الرأي التي أجريت بعد هذا التاريخ وحتى الآن لم يتقدم بها أردوغان تقريبًا، حيث يعكس متوسط استطلاعات الرأي التي أجريت قبل زلزال فبراير المدمر ارتفاع متوسط نسب التصويت لـ “كليجدار” إلى 45%، بينما تراجع متوسط نسب التصويت لـ “أردوغان” إلى 40%. ووفقًا لاستطلاع رأي شركة “Yöneylem” الذي أجري بعد وقوع الزلزال، بلغ متوسط نسب تأييد أردوغان 36%، في حين ارتفع مستوى تأييد “كليجدار” إلى 50 %. ويُظهر عدد من استطلاعات الرأي التي أجريت خلال شهر فبراير 2023 تقدم كتلة المعارضة على تحالف الجمهور، وتراجع أصوات حزب العدالة والتنمية.
وعلاوة على ذلك، عكست نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت خلال شهر مارس 2023، تفوق كتلة المعارضة على تحالف الجمهور، وتفوق “كليجدار” على “أردوغان”.
ففي أعقاب الإعلان الرسمي عن ترشح “كليجدار”، أُجري استطلاع رأي بواسطة شركة “الف ريسيرش” ALF Research في الفترة من 6 إلى 7 مارس، وأظهر أن الفارق بين المرشحين في نحو 10.2 نقطة، حيث حصل “كليجدار” على 55.1% من الأصوات، في حين بقي أردوغان عند 44.9%، وحقق حزب الشعب الجمهوري تأييدًا أكبر مسجلًا 31.8%، وجاء في أعقابه حزب العدالة والتنمية الحاكم مسجلًا 31%. وأظهر الاستطلاع أن تحالف الأمة حصد 43.5% من التأييد، بينما حصل حزب الشعوب الديمقراطي على 11.3%، وحصل حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية معًا على 37.5%.
ونقلًا عن يور نيوز، جاء متوسط نتائج نحو 11 استطلاعًا للرأي أجريت في مارس حول الانتخابات التركية، من قبل عدد من المؤسسات وهي: (:Yöneylem, MAK, ArtıBir, GENAR, Saros, ORC, Türkiye Raporu, AR-G, Aksoy, PİAR , ALF)، كما يلي : الأحزاب التي تجاوزت عتبة الـ 7% هي: “حزب العدالة والتنمية بمتوسط نحو 32,8%، وحزب الشعب الجمهوري بمتوسط نحو 27.6%، وحزب الجيد بمتوسط نحو 10.5%، وحزب الشعب الديمقراطي بمتوسط نحو 10.7%”، فيما حصل حزب الحركة القومية على 6.5%، وحزب الرفاة على 1.9%. وهو ما يعكس تصدر حزب العدالة والتنمية الحاكم، إلا أنه يفقد تفوقه أمام المعارضة، حيث يعكس إجمالي أصوات الكتلتين المتنافستين ذلك، حيث حصل الائتلاف الحاكم على 40.6٪ من الأصوات، فيما يتصدر تحالف المعارضة استطلاعات الرأي بنسبة 42.2٪ من الأصوات.
فيما كشفت نتائج استطلاع رأي لمؤسسة أبحاث بوبار، أن نحو 80% من الشباب الذين يتراوح أعمارهم ما بين 18: 25 عامًا سيصوتون لمرشحين وأحزاب لا ينتمون لتحالف الجمهور. فيما كشف تقرير يبحث مشاكل المرأة التركية اقتصاديًا واجتماعيًا أعدته مؤسسة الديمقراطية الاجتماعية “SODEV” بمساهمة من جمعية فريدريش إيبرت “Stiftung ” في تركيا، أن نحو 30% من المشاركات في التقرير أشرن إلى رغبتهن في التصويت لحزب الشعب الجمهوري، فيما انخفض عدد الراغبات في التصويت لحزب العدالة والتنمية إلى 26.6%. ووفقًا للتقرير، كانت الخسارة الأكبر للأصوات في حزب الحركة القومية، حيث خسر الحزب أصوات نحو 72.1% من اللواتي صوتن له في السابق، وخسر حزب الخير أصوات نحو 53.2% من النساء.
ختامًا، تُعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية القادمة مفصلية وحاسمة لمستقبل تركيا، فهي لن تحدد فقط من سيقود تركيا، ولكن سيتحدد من خلالها أيضًا طريقة إدارة وحكم البلاد، ومسار اقتصادها، والدور الذي ستلعبه في الساحتين الإقليمية والدولية، هذا إلى جانب تحديد المصير السياسي للمشاركين فيها؛ لذا يحاول كل طرف استمالة الأصوات لصالحه وتعزيز قاعدته الانتخابية. وعلى الرغم مما تعكسه نتائج استطلاعات الرأي من تراجع في شعبية “أردوغان” وتحالفه، فإن الأمر يظل بيد الناخب التركي الذي سيحدد مصير نتائج هذه الانتخابات، وخاصة أن نتائج استطلاعات الرأي تختلف وفقًا لتغير المزاج العام للناخب التركي.
باحثة متخصصة في العلاقات الدولية