مكافحة الإرهاب

لماذا تتجه جبهة لندن إلى اختيار صلاح عبد الحق قائمًا بأعمال مرشد الإخوان؟

طرح إعلان وسائل إعلام إخوانية عن اختيار جبهة لندن للقيادي القطبي التاريخي بالجماعة صلاح عبد الحق قائمًا بأعمال المرشد خلفًا للراحل إبراهيم منير العديد من التساؤلات المهمة التي تستهدف الوقوف على الدوافع الرئيسة وراء اختيار “عبد الحق”، وأسباب عدم الإعلان حتى اللحظة بشكل رسمي عن اختياره كقائم بأعمال المرشد، ومستقبل الأزمة الراهنة التي يعيشها تنظيم الإخوان في ضوء هذا المتغير. 

وبشكل عام، فإن اختيار “عبد الحق” لقيادة جبهة لندن في اللحظة الراهنة يأتي في إطار مساعي الجبهة إلى تصدير أحد الشخصيات القوية داخل الجماعة لمواجهة التحركات الكبيرة والمتسارعة لجبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين، وهي التحركات الرامية إلى السيطرة على مفاصل الجماعة استغلالًا لغياب إبراهيم منير عن المشهد.

أنباء عن اتفاق على اختيار “عبد الحق”

نشر موقع عربي 21 المحسوب على جماعة الإخوان تقريرًا في 20 فبراير الجاري أكد فيه أن مجلس الشورى العام المصري لجماعة الإخوان المسلمين ومجلس الشورى العالمي انتخبا القيادي القطبي التاريخي في الجماعة صلاح عبد الحق قائمًا بأعمال المرشد العام خلفًا للراحل إبراهيم منير، وأنه سيتم الإعلان عن تلك الخطوة بشكل رسمي خلال الفترة المقبلة. وأشار التقرير استنادًا إلى بعض قيادات جبهة لندن إلى أن “هناك قبولًا وترحيبًا بين قادة وقواعد الجماعة بهذه الخطوة، وأنه لا يوجد خلافات داخلية بهذا الخصوص” وفق التقرير.

والتحق صلاح عبد الحق الذي ينتمي إلى أسرة أرستقراطية بتنظيم الإخوان في خمسينيات القرن الماضي حين كان طالبًا في المرحلة الثانوية، ويعد أحد القيادات التاريخية للجماعة وأحد تلامذة المنظر الجهادي التاريخي للجماعة سيد قطب، فهو من جيل محمد بديع المرشد العام للجماعة ومحمود عزت ومحمد البحيري ومحمد عبدالمعطي الجزار.

وسُجن “عبد الحق” على ذمة القضية المعروفة إعلاميًا بتنظيم 1965 والتي أُعدم على إثرها قطب وبعض قادة الإخوان الآخرين، وكان وقتها طالبًا في كلية الطب جامعة عين شمس، وحُكم عليه آنذاك بالسجن عشر سنوات، قضاها ثم سافر إلى سلطنة عمان في بداية مرحلة انتشار الإخوان بالخليج، ثم استقر في السعودية فترة طويلة بعد أن كلفه مكتب الإرشاد بالسفر خارج البلاد والعمل في الجهاز التربوي العالمي للجماعة، حتى شغل منصب رئيس الجهاز التربوي العالمي للإخوان منذ أكثر من 15 عامًا، وهو مقيم منذ سنوات في العاصمة البريطانية لندن.

لماذا تأخر الإعلان عن القائم بأعمال المرشد؟

كانت جبهة لندن قد حددت في نوفمبر 2022 مدة شهر كحد أقصى لاختيار قائم بأعمال المرشد خلفًا لإبراهيم منير الذي توفي في 4 نوفمبر الماضي، لكن تأخر الإعلان عن شخصية القائم بأعمال المرشد طرح العديد من التكهنات بخصوص الأسباب التي تقف خلف عدم الإعلان حتى اللحظة عن القائم بأعمال المرشد، وهو ما يمكن تفسيره على النحو التالي:

1 – تُشير التجربة التاريخية وما اكتنفها من ممارسات لتنظيم الإخوان إلى أن هذا التنظيم وعلى الرغم من وضعه لأطر مؤسسية ولائحية حاكمة لعمله، فإن الاعتبارات الشخصية لقياداته تكون هي الحاكمة لكافة التطورات الخاصة بالجماعة، الأمر الذي يعرضها لانتكاسات داخلية بشكل مستمر. وتتجسد هذه الفرضية بشكل واضح خلال الفترات الانتقالية التي كان يمر بها التنظيم عقب خسارته لأحد مرشديه. 

فعلى سبيل المثال وعقب اغتيال مؤسس التنظيم حسن البنا في 12 فبراير 1949 تأخر الإعلان عن خليفة “البنا” لمدة عامين بسبب حدة الخلافات التي سادت وقتها، إلى أن تم الاستقرار في أكتوبر 1951 على اختيار حسن الهضيبي كمرشد جديد للجماعة (قاد تنظيم الإخوان من أكتوبر 1951 وحتى أغسطس 1973)، رغم أنه “لم يكن من ضمن ما عُرف وقتها بالهيئة التأسيسية”، وهو ما علق عليه الداعية محمد الغزالي حينها بالقول: “إن المتحاقدين الضعاف من أعضاء مكتب الإرشاد استقدموا رجلًا غريبًا عن الجماعة لقيادتها” وفق تعبيره في أحد المقالات التي كتبها في تلك الفترة.

2- كانت جبهة لندن قد أعلنت عقب وفاة إبراهيم منير عن تسمية القيادي بالجبهة محيي الدين الزايط كقائم بأعمال المرشد، ويُعاونه حلمي الجزار ومحمد البحيري ومحمود الإبياري، مع استمرار صهيب عبد المقصود كمتحدث باسم الجبهة. وبعيدًا عن سعي جبهة إسطنبول إلى استغلال حالة الفراغ والارتباك التي خلفتها وفاة إبراهيم منير عبر إعلانها في منتصف نوفمبر 2022 عن اختيار محمود حسين كقائم بأعمال المرشد -وهي الخطوة التي اعتبرتها جبهة لندن باطلة وغير شرعية- إلا أن العنصر الأهم في هذا الصدد يرتبط بآليات تعاطي جبهة لندن مع هذه المتغيرات، وهو التعاطي الذي غلب عليه العودة إلى استراتيجية “المرشد الخفي”؛ في إشارة إلى تولي بعض القيادات البارزة مسؤولية القيادة لحين الإعلان بشكل رسمي عن قائم جديد بأعمال المرشد.

ويُحيلنا إعادة جبهة لندن إلى الاعتماد على استراتيجية “المرشد الخفي” عقب وفاة إبراهيم منير إلى ما حدث عقب وفاة مرشد الجماعة الثاني حسن الهضيبي، حيث انفرد رجال التنظيم الخاص آنذاك بقيادة التنظيم وعلى رأسهم: مصطفى مشهور، وأحمد حسانين، وكمال السنانيري، وراحوا يُملكون قواعدهم من السيطرة على مفاصل الجماعة، بعيدًا عن آخر تشكيل لمكتب الإرشاد والهيئة التأسيسية للجماعة، واختاروا حينها مرشدًا سريًا / خفيًا قيل حينها إنه حلمي عبد المجيد نائب عثمان أحمد عثمان، وقيل أيضًا إنه الشيخ زكي إبراهيم أحد قيادات الجماعة من حلوان. وحينها أصدر العديد من قيادات الجماعة بيانًا بعنوان “مرشد سري مجهول يقود الجماعة إلى المجهول”، وعقب الأزمات التي ثارت بهذا الخصوص استقر أفراد النظام الخاص على اختيار عمر التلمساني كمرشد جديد للجماعة آنذاك.

3 – يمكن فهم عملية التأخر في اختيار جبهة لندن لقائم بأعمال المرشد العام للإخوان في ضوء قصر فترة الشهر التي حددتها الجبهة لذلك وعدم كفايتها للتوافق حول شخصية تحظى بقبول الجميع، خصوصًا وأن كافة الأسماء المطروحة لخلافة “منير” كانت تُثار بخصوصها بعض الإشكالات، فبالنسبة لـ “محمد البحيري” فإنه يواجه إشكالية تتمثل في علاقته بأجيال الشباب داخل الإخوان، وهي العلاقة التي تفتقد للثقة ويغلب عليها الفتور. وبالنسبة لـ “حلمي الجزار” فإن توليه لقيادة الجبهة ومهام القائم بأعمال المرشد يصطدم ببعض الإشكالات ومنها أنه ليس عضوًا في مجلس شورى الجماعة، وبالتالي فإن توليه قيادة التنظيم سوف يتعارض مع اللوائح الداخلية المنظمة لعمل الجماعة، خصوصًا المادتين 4 و5 اللتين تُحددان من سيخلف القائم بأعمال المرشد حال غيابه عن المشهد.

وبالنسبة لـ “صلاح عبد الحق” فإن بعض دوائر الإخوان ترى أن مسؤوليته عن ملف التربية داخل الجماعة تعكس ابتعاده عن العمل الحركي، وهو اعتبار يقلل من فرصه في تولي مهمة القائم بأعمال المرشد. فضلًا عن أن “محيي الدين الزايط” يعاني من بعض الأمراض المزمنة التي تحول دون قدرته على الاستمرار في قيادة الجبهة.

4- تربط بعض التقديرات بين التأخر في تسمية جبهة لندن لقائم بأعمال المرشد العام للجماعة ومساعي الجبهة اختيار شخصية تحظى بأكبر قدر ممكن من التوافق والتقارب مع كافة الأطراف، بمعنى أن الجبهة تسعى إلى تحقق “البيعة” للشخصية الجديدة التي سيتم تسميتها للقيام بمهام المرشد، فضلًا عن انتظار الجبهة من الشخصيات المرشحة لتولي هذه المهمة تقديم رؤية خاصة بالتعامل مع التحديات الراهنة، خصوصًا على مستوى التعاطي مع الأزمة الراهنة للتنظيم ككل.

5- دفع طول فترة اختيار شخصية جديدة لخلافة إبراهيم منير إلى بزوغ بعض الخلافات داخل جبهة لندن نفسها، وهو ما تجسد فيما تحدثت عنه تقارير من نشر شباب موالين لجبهة لندن رسالة طالبوا فيها بـ “تشكيل مكتب إرشاد جديد للجماعة، يكون بتوافق من عناصر (الإخوان)، وإعداد لائحة جديدة لا تُجامل مجموعة على حساب أخرى وتضع حلولًا للمشاكل الداخلية للتنظيم، وحصر أموال التنظيم وتقنينها رسميًا مما لا يدع مجالًا لإيداعها مع أفراد بعينهم” وفق الرسالة التي نشرت بعض المواقع الصحفية مضمونها.

6- تربط بعض الدوائر الإخوانية ومنها الداعية الإخواني عصام تليمة (من الموالين لجبهة لندن) الذي كان يشغل منصب مدير مكتب يوسف القرضاوي بين تأخر الإعلان عن الشخصية التي ستخلف إبراهيم منير في منصب القائم بأعمال المرشد وبعض الأحداث التي شهدتها الفترة الماضية، ومنها تنظيم قطر لكأس العالم، وصولًا إلى التداعيات الكارثية للزلزال الذي ضرب الأراضي التركية في 6 فبراير، في إشارة إلى أن هذه الأحداث لم تكن تسمح بإعطاء الزخم لخطوة مهمة بالنسبة للجماعة على غرار اختيار القائم بأعمال المرشد.

لماذا تتجه جبهة لندن إلى تسمية صلاح عبد الحق؟

يبدو أن جبهة لندن وضعت على رأس أولوياتها في الفترة الراهنة اختيار قائم بأعمال المرشد بديلًا للراحل إبراهيم منير، خصوصًا مع التحركات المتسارعة من جبهة اسطنبول لاستغلال حالة الفراغ والارتباك التي خلفتها وفاة “منير”، بما يدعم سيطرتها على مفاصل الجماعة. وفي هذا السياق ومع تأكيد العديد من الدوائر الإخوانية على أن الجبهة استقرت على اختيار صلاح عبد الحق قائمًا بأعمال المرشد، يمكن تناول أبرز الاعتبارات التي تقف خلف اختيار الجبهة لـ “عبد الحق” للدفع به إلى موضع القيادة، وذلك على النحو التالي:

1- على الرغم من أن أحد مواضع الانتقاد التي قد توجه من قبل بعض الدوائر الإخوانية لـ “عبد الحق” هو أنه رجل تربوي داخل الجماعة وكان بعيدًا عن العمل الحركي، فإن بعض الدوائر الإخوانية والتقديرات ترى أن هذا الاعتبار يعد ميزة بالنسبة له في ظل الأزمة البنيوية الراهنة التي تعيشها الجماعة، وترى هذه الدوائر أن ابتعاد “عبد الحق” عن الخلافات التنظيمية التي نشبت مؤخرًا في الجماعة هو أمر يعزز من فرصه؛ إذ إنه يستطيع في ضوء ذلك تحقيق أكبر قدر ممكن من التوافق داخل الجماعة.

2- ربما تسعى قيادات جبهة لندن وصقورها إلى تحقيق جملة من المكاسب عبر اختيار “عبد الحق” كقائم بأعمال المرشد، فمن جانب فإن “عبد الحق” من الشخصيات التي يقل الخلاف حولها داخل الجماعة وتحظى بتوافق كافة الأطراف، خصوصًا مع عدم انخراطه بشكل واضح في الصراعات الأخيرة، ومن جانب آخر سوف تمثل فكرة أن “عبد الحق” لم يكن منخرطًا بشكل كبير في العمل الحركي ولا يملك سمات شخصية أو خبرات عملية كبيرة فرصة بالنسبة لصقور الجبهة للقيادة بشكل عملي.

وذلك على غرار ما حدث عند تولي عمر التلمساني قيادة الجماعة؛ فظاهريًا كان “التلمساني” هو المرشد، وعمليًا كان التنظيم الخاص وعلى رأسه كمال السنانيري هو من يقود الجماعة، حتى أن “السنانيري” وقيادات التنظيم الخاص كانوا ينقلون في بعض المواضع تعليمات لقواعد الجماعة مخالفة لتلك التي يضعها “التلمساني”. وبالإسقاط على جبهة لندن والوضع الراهن، ربما يتجه صقور الجبهة وقياداتها إلى وضع “عبد الحق” على رأس الجماعة، مع احتفاظ هذه القيادات وعلى رأسها: محمد البحيري، وحلمي الجزار، ومحمود الإيباري، بالقيادة العملية.

3- اتهمت بعض الدوائر الإخوانية (على رأسها عصام تليمة) زعيم جبهة إسطنبول محمود حسين بإخفاء رسالة بعثها مرشد الإخوان محمد بديع من السجن عقب اندلاع أزمة الإخوان واختار فيها صلاح عبد الحق للقيام بأعمال المرشد، فضلًا عن إصداره تعليمات لمحمود حسين بـ “عدم اتخاذ أي قرار إلا بعد العودة لثلاثة أشخاص هم: صلاح عبد الحق، وحلمي الجزار، ومدحت عاصم، وأن يقوموا بلم شمل الجماعة” وفق زعم هذه الدوائر. وتمثل هذه الفرضية حال صحتها أحد العناصر القوية التي تصب في صالح “عبد الحق” والتي ستسعى جبهة لندن إلى استغلالها. كذلك فقد أشارت بعض التقارير إلى أن إبراهيم منير أوصى في رسالة له قبيل وفاته بتولي صلاح عبد الحق مهام القائم بأعمال المرشد.

وفي الختام، يمكن القول إن اختيار “صلاح عبد الحق” حال الإعلان عن ذلك رسميًا من قبل جبهة لندن في الأيام المقبلة لن يكون الفصل الأخير لأزمة التنظيم البنيوية الراهنة، بل ربما يكون بداية للمزيد من الانشقاقات والانقسامات، والمزيد من الصراع بين الجبهات المختلفة. ويظل العامل المحدد الذي سيحكم مسار الأزمة مرتبطًا إلى حد كبير برؤية “عبد الحق” لآليات التعاطي مع الأزمة الراهنة للإخوان، ومدى قدرته على تحقيق تفاهمات نسبية مع جبهتي إسطنبول والكماليين، اعتمادًا على المكانة التي يحظى بها لدى كافة أطراف الأزمة الإخوانية.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى