أفريقيا

قوة “الإيكواس” الجديدة ما بين انعدام الأمن والانقلابات العسكرية في غرب أفريقيا

أُعلن عن إنشاء قوة إقليمية تابعة للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “الإيكواس”، عقب القمة الثانية والستين لرؤساء دول وحكومات “الإيكواس” التي عقدت في أبوجا بنيجيريا في الرابع من ديسمبر 2022، وستتدخل هذه القوة في حالة الضرورة، سواء كان ذلك في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف أو استعادة النظام الدستوري والعودة إلى الحكم المدني في الدول الأعضاء، في ظل تفاقم موجة الانقلابات العسكرية خلال الفترة الأخيرة، وضرورة العمل على ترسيخ قيم الديمقراطية وتعزيز الاستقرار في هذه المنطقة.    

وقد لعبت جماعة “الإيكواس” دورًا في تعزيز الاستقرار السياسي والأمن في غرب أفريقيا. وتوسطت في النزاعات وقدمت الدعم لعمليات حفظ السلام في المنطقة. كما أنشأت قوة أمنية إقليمية للرد على التهديدات للسلام والأمن في المنطقة، ولكن لماذا هذا المنعطف لإنشاء قوة جديدة، بدلاً من استخدام القوة الاحتياطية أو الآليات الأخرى، ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي.         

عودة ظهور سردية الانقلابات العسكرية                      

تعرضت دول مالي وغينيا وبوركينا فاسو لانقلابات عسكرية خلال العامين الماضيين، وتم تعليق عضوية الدول الثلاث في هيئات صنع القرار في جماعة “الإيكواس”، وتتشابه الأسباب والدوافع لحدوث هذه الانقلابات بين العوامل الداخلية ونشاط الجماعات المسلحة المرتبطة بتنظيمي القاعدة وداعش والعوامل الخارجية، وعجز المقاربات السياسية تجاه مكافحة الإرهاب، في ظل انعدام مستويات الثقة في قدرة الرؤساء على وقف موجة التطرف العنيف، بما تفرزه الانقلابات من مخاطر السيولة الأمنية وتنامي نفوذ الجماعات الإرهابية، وتغيير شكل المعادلة الاستراتيجية من خلال انخراط قوى خارجية في هذه الدول لاستغلال حالة الفوضى وانعدام الأمن، لخدمة مصالحها وإيجاد موطئ قدم جديد لها بالمنطقة.                 

فقد شكلت هذه العوامل مدخلًا وذريعة للسيطرة على السلطة، وتضغط جماعة “الإيكواس” لعودة النظام الدستوري في مالي خلال الإطار الزمني المحدد في مارس2024، منذ حدوث الانقلاب الثاني في مايو 2021، الذي عرف بالانقلاب على الانقلاب، وقد حدث الانقلاب الأول في أغسطس 2020، وحدوث الانقلاب في دولة غينيا كوناكري خلال سبتمبر 2021، مع حث المجلس العسكري في غينيا على إشراك جميع الأطراف والمجتمع المدني في حوار وطني بشأن عملية استعادة الحكم المدني، ولكن تُعارض الأحزاب السياسية الرئيسة وجزء كبير من المجتمع المدني الحوار، وانتهاء الفترة الانتقالية في يناير 2023.          

أما بالنسبة لبوركينا فاسو، ففي 30 سبتمبر 2022 حدث انقلابًا عسكريًا ثانيًا في بوركينافاسو بعد أقل من تسعة أشهر من الانقلاب الأول، حيث أطاح النقيب “إبراهيم تراوري” بحكومة “بول هنري داميبا” بطريقة مماثلة بالإطاحة بالرئيس المؤقت “روش مارك كريستيان كابوري” في يناير 2022، مع التزام السلطة الانتقالية بعقد الانتخابات في يوليو 2024، والتوقيع على مذكرة تفاهم بشأن الرصد والتقييم المشترك بين البلاد وجماعة “الإيكواس”.                      

وما نتج عن هذه الموجات الانقلابية من تداعيات خطرة، بما في ذلك عدم الاستقرار، وانعدام الأمن، وانتشار الفوضى، والتأثيرات على أداء الاقتصاد، ومُعاناة المدنيين.  في ضوء ذلك، تسعى جماعة “الإيكواس” إلى الانتهاء من البروتوكول التكميلي لعام 2001 بشأن الديمقراطية والحكم الرشيد، باعتبارها أساسية لتعزيز التقدم الاجتماعي والاقتصادي الشامل وتعزيز الاستقرار السياسي والأمن والسلام.       

تفاقم انعدام الأمن وتنامي التهديدات الإرهابية                   

تعاني عدة دول في المنطقة من انتشار الإرهاب والتطرف العنيف، بما في ذلك مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وانتشار عدوى الإرهاب في إقليم الساحل الأفريقي جنوبًا إلى الدول الساحلية في خليج غينيا مثل بنين وتوجو وساحل العاج (كوت ديفوار). بالإضافة إلى ذلك، الديناميات المعقدة والمتداخلة بين ظاهرة الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والهجرة غير الشرعية، مع التشابك بالتحديات البيئية والمناخية، وتحديدًا في المجتمعات المحلية الريفية والمناطق الحدودية لهذه الدول؛ اتسع انعدام الأمن عبر منطقة غرب أفريقيا والساحل ليشمل مناطق كانت تعتبر آمنة في السابق مع استمرار الجماعات المسلحة في شن هجمات مميتة، ويمكن معرفة ذلك، كما يلي:                      

• تصاعد الهجمات الإرهابية وارتباك استراتيجيات مكافحة الإرهاب: خلال عام 2022 ارتفعت أعداد أنشطة وعمليات الجماعات الإرهابية في الأجزاء الشمالية من بنين وكوت ديفوار وتوجو، وتكافح الحكومات في جميع أنحاء المنطقة لحماية المجتمعات الهشة في الحدود الشمالية ومعالجة ثغرات الحدود. ولذلك، ظلت تدخلات مكافحة الإرهاب في غرب أفريقيا إشكالية لأسباب متعددة، ووفقًا للمركز الدولي لمكافحة الإرهاب (ICCT)، فقد اتخذ المشهد الأمني منعطفًا جديدًا عبر منطقة الساحل. خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2022، في منطقة مزقها العديد من الصراعات المسلحة، تظهر الأرقام زيادة هائلة في الهجمات العنيفة، ومركز هذه الأزمة منطقة الحدود الثلاثة بين مالي وبوركينا فاسو والنيجر، واستفادة الجماعات الإرهابية من خلال تجنيد المواطنين. بالإضافة إلى، تصاعد الهجمات الإرهابية وانعدام الأمن في منطقة ديفا جنوب شرق النيجر، ومنطقة تيلابيري غرب النيجر، ومنطقة تاهوا شمال غرب النيجر، ومخاطر العصابات الإجرامية على الحدود بين نيجيريا ومنطقة مارادي جنوب شرق النيجر، مع القدرة المحدودة للجيوش الوطنية في المنطقة وهي ليست أفضل استعدادًا لمواجهة هذا التهديد بمفردها.              

• تفكك جهود مجموعة الساحل الخمس(G5) وتقلص المشاركة الدولية في قوات حفظ السلام الأممية من مالي: تشهد دول مجموعة الساحل عددًا من التحديات الأمنية المحلية والاضطرابات السياسية وموجة الانقلابات المتزامنة في المنطقة التي تشكل تهديدات مشتركة، في ضوء إعلان مالي في 15 مايو 2022 الانسحاب من مجموعة دول الساحل الخمس (G5) التي تضم دول: تشاد، ومالي، والنيجر، وموريتانيا، وبوركينافاسو، وتضمن القرار الانسحاب  من جميع أجهزة المجموعة، بما في ذلك القوة العسكرية المشتركة التي تحارب الجماعات الإرهابية (FC-G5S)، وتداعيات ذلك على ضعف قدرة قوات المجموعة بسبب الافتقار إلى الترابط الجغرافي، في إطار أهمية الحدود البرية المشتركة لنجاح العمليات ضد الجماعات الإرهابية من الناحية الميدانية؛ إذ أصبحت دولة موريتانيا بعيدة جغرافيًا عن دول تشاد والنيجر وبوركينافاسو، حيث كانت مالي محور تنفيذ العمليات لموقعها المتوسط بين هذه الدول.                 

اتصالاً بالسابق، أعلنت العديد من الدول الغربية سحب قواتها من بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي (مينوسما) التي كانت تعمل في مالي لما يقرب من عقد من الزمان كحائط ضد انتشار أعمال العنف والتطرف العنيف، وقالت بريطانيا إنها ستسحب قواتها البالغ عددهم 249 جنديًا من البعثة. كما أكدت ألمانيا على سحب قواتها البالغ عددهم 595 جنديًا بحلول مايو 2024. وأعلنت ساحل العاج بعد يوم من إعلان بريطانيا أنها ستسحب 300 جندي من قوة حفظ السلام، وتحديدًا بعد احتجاز مالي 49 جنديًا من ساحل العاج في يوليو 2022 بتهمة كونهم مرتزقة، ولكن كانوا جزءًا من وحدة أمنية ولوجيستية تعمل في إطار مهمة حفظ السلام.                  

• تنامي تهديدات الأمن البحري: تؤثر القرصنة والجرائم البحرية في منطقة خليج غينيا بغرب أفريقيا على حركة النقل البحري، وطرق الشحن الدولية الرئيسة، وزيادة تكاليف التأمين البحري، وهناك تحولاً كبيرًا في جغرافية القرصنة البحرية، والعنف في الممرات البحرية، واستهداف شركات الشحن الدولية، وناقلات النفط، والتأثير البيئي للأنشطة البحرية، حيث تعتبر المنطقة نقطة عبور رئيسة لعصابات المخدرات من دول أمريكا اللاتينية.  ناهيك عن التحديات المتداخلة في المجال البحري باعتبار منطقة خليج غينيا ملتقى للتهديدات الناشئة، مع تصاعد عمليات الإرهاب البحري، والهجمات على ناقلات النفط والمنشآت النفطية البحرية.                 

تحديات قائمة                      

مع عدم ذكر تفاصيل متعلقة بالهيكل التنظيمي لهذه القوة، من المقرر اجتماع وزراء دفاع دول “الإيكواس” خلال عام 2023 للحديث بشأن ذلك، ولا تزال هناك عدة عقبات على طريق النجاح للقوة؛ فتوجد تحديات الخدمات اللوجيستية وقدرة القوة، والإرادة السياسية للدول، ونطاق مهام القوة، وتصاعد المصالح الإقليمية المتنافسة. علاوةً على ذلك، مسألة تحديد تمويل القوة، وعدم الاعتماد على المساهمات الطوعية فقط، وضرورة الحصول على تمويل مستدام، ولا تزال أيضًا التحديات كثيرة أثناء متابعة تنفيذ انتشار القوة، ومدى توفير العدد المطلوب من القوات في سياق تم فيه إرهاق العديد من دول المنطقة أكثر من طاقتها في القتال ضد التهديدات الأمنية المتعددة.          

إلحاقًا بالسابق، توجد أولويات وتعهدات لجماعة “الإيكواس” بشأن استراتيجية مكافحة الإرهاب (ECTS)، التي اعتمدتها هيئة رؤساء الدول والحكومات في فبراير 2013 لمعالجة ظاهرة الإرهاب، وسياقات تنفيذ خطة العمل 2020-2024 للقضاء على الإرهاب في المنطقة، في إطار تدهور الوضع الأمني ​​في منطقة الساحل مع استمرار تعرض المنطقة لهجمات إرهابية متزايدة وانتشار جغرافي لهذه الهجمات، مما يجعل انتشار هذه القوة أكثر أهمية. في حين تواجه الترتيبات الأمنية الثنائية والمتعددة الأطراف في المنطقة تحديات هائلة مع ضرورة التعاون والتنسيق الجماعي.       
    حاصل ما تقدم، تظل معضلة الأمن والديمقراطية في منطقة غرب أفريقيا مستمرة، في ظل تداعيات الانقلابات العسكرية على تقليل جهود مكافحة الإرهاب وتفاقم السياقات المحفزة لتنامى نشاط الجماعات الإرهابية. ولذلك، يعطى مزيج الحكم الرشيد ومكافحة الإرهاب فرصًا لإنهاء الاضطرابات السياسية، وأهمية التنسيق بين مختلف قوى الأمن والجهات الفاعلة في المنطقة، كما يجب الاهتمام بطرح استراتيجية متعددة الأبعاد بشأن الحوكمة والتنمية والتدخلات البيئية والإنسانية التي يتم دمج الاستجابة العسكرية فيها. وتُمثل فرص إنشاء هذه القوة شكلاً جديدًا من أدوات الدمج بين الشق السياسي والأمني في الاستجابة للأزمات داخل دول المنطقة، ولكن يتوقف مدى نجاحها على مجموعة من العوامل، في ضوء التحديات القائمة من المشكلات اللوجيستية والتمويل.          

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى