مصر

الغازات الطبية والصناعية .. تأمين احتياج داخلي وتعزيز فرص التصدير

في مثل هذا التوقيت منذ ثلاثة أعوام، بدأ انتشار فيروس كورونا المستجد من مقاطعة ووهان بالصين ليجتاح العالم، ويكشف عن هشاشة القطاع الصحي بأكثر الدول تقدمًا أمامه، ليعلن عدد من الدول المتقدمة عن عدم قدرة نظامها الصحي على توفير المستلزمات الطبية وأدوات التعقيم والكمامات لمواطنيها، بل مع زيادة شراسة الفيروس وتوالي موجات اجتياحه الشرسة -خاصة قبل بدء تصنيع لقاح مضاد للفيروس- كان الوضع يزداد تأزمًا، وكان أكثر هذه المستلزمات ندرة وخطورة توفير غاز الأكسيجين الصناعي الذي بات العلاج الأساسي وقد يكون الأوحد لعلاج مرضى فيروس كورونا في بعض الحالات. 

ومع تحذير منظمة الصحة العالمية مطلع ديسمبر الحالي من أن جائحة كورونا لم تنته بعد، وتزايد أعداد المصابين مرة أخرى، إلى الحد الذي أدى ببعض الدول إلزام القادمين من بعض البلدان بإجراء اختبار كورونا، والخضوع للحجر الصحي إذا ظهرت عليهم أعراض كوفيد-19. فتفشي الجائحة كان له عواقب غير مسبوقة، لا يزال العالم إلى يومنا هذا يدفع ثمنها باهظًا، سواء خسائر بشرية أو اقتصادية. بيد أن جائحة كوفيد-19 أطلقت جهودًا عالمية لتحسين الأنظمة الصحية عمومًا، وإمدادات الأكسجين على وجه التحديد. فماذا عن الوضع في مصر حال أطلت الجائحة بوجهها الغبر مرة أخرى؟

غاز الحياة

تعرضت وزارة الصحة مطلع يناير 2021 لشائعة نتجت إثر وفاة 6 حالات مصابين بفيروس كورونا بغرف العناية المركزة في مستشفييّ زفتى بالغربية والحسينية بالشرقية، وكان السبب المزعوم حينها نقص أو انقطاع غاز الحياة “الأكسجين” عن المرضى، الأمر الذي نفته الوزارة، حيث أكدت التحقيقات أن هناك عدة مرضى آخرين مصابين بنفس المرض، وجميعهم يتم توفير الأكسجين لهم من نفس شبكة الأكسجين بترددات عالية ولم يتأثر أحد منهم، مما يؤكد عدم وجود علاقة بين حالات الوفاة وما يُثار عن حدوث نقص في الأكسجين بالمستشفى.

وخلال أيام، دشّنت وزارة الصحة المصرية منظومة إلكترونية جديدة لمتابعة معدلات الإمداد والاستهلاك للأكسجين الطبي بجميع المستشفيات، وتمت زيادة عدد “تانكات” الأكسجين والاسطوانات بجميع المستشفيات، مع رفع كفاءة جميع شبكات الغازات الطبية بالمستشفيات وإجراء الصيانة الدورية لها. وبخلاف هذا الحادث الذي ثبت عدم صحة ادعائه، استطاعت الدولة المرور بسلام من الاختبار الطويل والصعب للجائحة، فلم تشهد الدولة أزمات نقص المستلزمات الطبية، قد يكون السوق قد تأثر لبعض الوقت نتيجة تجار الأزمات، لكن حجم الإنتاج في حد ذاته لم يكن به أي أزمة.

صمام الأمان

قد يكون ذلك بفضل كفاية الإنتاج المحلي للاحتياجات حتى في أحلك الأوقات، فقبيل انتشار الجائحة، 31 أكتوبر 2019، افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي، مصنع الغازات الطبية والصناعية رقم (٣) لدى شركة النصر في مجال إنتاج الغازات الطبية والصناعية، ومصنع فوق أكسيد الهيدروجين تركيز (٥٠٪) بالمقر الرئيسي لشركة النصر للكيماويات الوسيطة بأبو رواش، والتي ساهمت في تغطية احتياجات السوق المحلي من الأكسجين الطبي اللازم للمستشفيات والمراكز الطبية. 

حيث ينتج المصنع 23 ألف طن سنويًا، في حين كان يتم استيراد 15 ألف طن سنويًا، على أن يتم تصدير الفائض إلى الخارج. وتوفر هذه المصانع حوالي 20 ألف فرصة عمل غير مباشرة، بالإضافة إلى وجود 4 آلاف فرصة عمل مباشرة. وأقيم المصنع بتكلفة 250 مليون جنيه، وتبلغ طاقته الإنتاجية نحو ٢٢٠٠ م٣ في الساعة من الأكسجين و٩٠٠ م٣ ساعة من النيتروجين وحوالي ١٠٠ م٣ في ساعة من غاز الأرجون.

ومصانع الغازات الطبية والصناعية ليست ضرورية للقطاع الطبي فقط، بل لعدد من المشروعات الإنتاجية كالاستخدامات الصناعية بشركات المنتجات البترولية وصناعة الورق والمنسوجات وعدد من الصناعات الغذائية والدوائية، وقد تم تنفيذ هذه المشروعات بالتعاون مع العديد من الشركات المدنية، ومن أهم الغازات المنتجة غازات النيتروجين والأرجون.

ويعد مصنع فوق أكسيد الهيدروجين الأول من نوعه في مصر لهذا المنتج الذي يستخدم في صناعة الورق والمنسوجات والعديد من الصناعات الغذائية الدوائية والمنتجات البترولية، والذى تتعاظم أهميته حيث سيتحقق بإنتاجه الاكتفاء الذاتي الكامل لاحتياجات السوق المحلية من هذا المنتج وإيقاف استيراده من الخارج، مع تصدير الفائض منه عن حاجة السوق المحلية. وتقدر جملة الطاقات الإنتاجية للمصنع من مادة فوق أكسيد الهيدروجين بدرجات تركيزه المختلفة وفقًا لاستخداماته الصناعية بنحو 23 ألف طن سنويًا، ويغطي حتى الآن 50% من احتياجات السوق المحلية.

ويحرص جهاز مشروعات الخدمة الوطنية على أن تقوم شركاته بتطبيق أحدث نظم الإدارة في العمل، وتحقيق أعلى معايير الجودة في الإنتاج بحصول شركة النصر للكيماويات الوسيطة على شهادات الجودة من المجلس الوطني للاعتماد «إيجاك» وفى مجال الحفاظ على البيئة وإتباع الاشتراطات الصحية والسلامة المهنية حصلت الشركة على شهادات الأيزو من مؤسسة TUV العالمية.

أمل جديد

واليوم يُكشف الستار عن أمل جديد بأيدي شركة النصر للكيماويات الوسيطة، التي تحتفل بمرور خمسين عامًا على تدشينها -فقد تأسست عام 1972- لتضاف مجموعة جديدة من المصانع التي تلبي احتياجات القطاع الصناعي والزراعي والطبي بالدولة، بالاعتماد على الكفاءات والخبرات الوطنية. فتم اليوم 26 ديسمبر 2022، افتتاح مصنعين للغازات الطبية والصناعية (4، و5)، بالإضافة إلى محطة توليد طاقة ثلاثية؛ وذلك لتأمين احتياجات القطاع الطبي من غازات الاكسجين والنيتروجين والأرجون، وذلك تماشيًا مع خطة الدولة لزيادة عدد المستشفيات وتحفيز الاقتصاد وتقليل الفاتورة الاستيرادية، خاصة في ظل المتغيرات العالمية، وتأمين المنتجات الاستراتيجية التي يمثل نقصها تهديدًا للأمن القومي.

فخلال الثماني سنوات الماضية، أضافت الشركة 13 مصنعًا جديدًا بمناطق أبو رواش، والفيوم، والعين السخنة، ليصبح عدد مصانع الشركة 39 مصنعًا متخصصًا في الصناعات الكيماوية والأسمدة الفوسفاتية، أمكنها تأمين احتياجات السوق المصرية من الكلور ومشتقاته، والأسمدة الفوسفاتية، والغازات الطبية والصناعية، والشبة السائلة والصلبة، ومبيدات مقاومة الآفات الزراعية، ومبيدات الصحة العامة والأيروسولات، والكمامات والمطهرات، وتصدير الفائض إلى 55 دولة حول العالم. وذلك بفضل 6 آلاف عامل مصري هم حجم العمالة المنتظمة داخل مصانع الشركة.

ففي عام 2015، تم افتتاح مصنع سماد أحادي وثلاثي سوبر فوسفات المحبب بمجمع إنتاج الكيماويات والأسمدة بالفيوم. وفي عام 2016، افتُتح مصنع الكلور والصودا الكاوية (رقم4) بمجمع الصناعات الكيماوية بأبو رواش. وشهد عام 2019 انطلاقة جديدة بافتتاح مجمع الأسمدة الفوسفاتية المركبة بالعين السخنة، وفي نفس العام افتُتح مصنع فوق أكسيد الهيدروجين، ومصنع الغازات الطبية والصناعية (3)، وغيرها ليصبح إجمالي مصانع الشركة 39 مصنعًا.

وتم كذلك تطوير مصانع الكلور المسال، ليرتفع الإنتاج من 25 ألف طن إلى 50 ألف طن في 2021 مقارنة بعام 2015، ومن المستهدف أن تصل إلى 70 ألف طن في 2024. وتم تطوير مصانع الأسمدة المنتجة بالشركة ليرتفع الإنتاج من 220 ألف طن إلى مليون طن 2021، ومن المستهدف زيادة الإنتاجية لتصل إلى مليون و700 ألف طن.

وزادت الكميات المنتجة من الغازات الطبية والصناعية من 16 ألف طن إلى 42 ألف طن 2021، بالإضافة إلى طرح 18 ألف طن من مادة فوق أكسيد الهيدروجين عام 2021 لأول مرة في الأسواق المصرية، مما أدى إلى المساهمة في الاكتفاء الذاتي من بعض هذه المنتجات، ومضاعفة كميات التصدير بنسبة تقدر بستة أضعاف ما كانت عليه عام 2015، وارتفع عدد الدول المصدر إليها من 40 إلى 55 دولة. 

وخلال أقل من عامين، أُنشئ مصنعان جديدان للأكسجين والنيتروجين والأرجون، بطاقة يومية 200 طن؛ ليصبح إجمالي الإنتاج من الأكسجين السائل 340 طنًا يوميًا، ومن الأرجون المسال 1000 طن سنويًا، ومن النيتروجين 43 ألف طن سنويًا، مما ساهم في تلبية احتياجات أكثر من 280 مستشفى، مقارنة بـ 135 مستشفى بمختلف محافظات الجمهورية. وشهد مصنع أبو رواش كذلك افتتاح مصنع فوق أكسيد الهيدروجين بتركيز 50%؛ ليزداد الاحتياطي المصري من الغازات الطبية والصناعية. 

وافتتح الرئيس السيسي اليوم كذلك محطة توليد الطاقة الثلاثية، بقدرة 27 ميجا وات/ساعة كهربائية، و16 طن/ساعة بخار، وحوالي 430 طن من المياه المبردة، مما أسهم في الحفاظ على البيئة، وخفض استهلاك المحروقات بمعدل 25% عن الطرق التقليدية، مع خفض في البصمة الكربونية للمجمع بنحو 40 ألف طن ثاني أكسيد كربون كل عام.

وبفضل هذه المشروعات والإنتاج الضخم، استطاعت الدولة تلبية استحقاقات ثورتها الزراعية، ونهضتها الصناعية، وقبلها العبور من أزمة كوفيد-19، ومجابهة التحدي بالإنجاز؛ فخلال السنوات الأخيرة تم توفير عدد من السلع الأساسية والاستراتيجية بأسعار وكميات مناسبة، واستصلاح آلاف الأراضي الزراعية بشرق العوينات، وتوشكى، وعين دالة ووادي الشيخ، وإنشاء المزارع السمكية وتطوير البحيرات والمسطحات المائية وزيادة إنتاجيتها، كذلك توفير البروتين الحيواني من خلال التوسع في إنشاء مزارع التسمين والحلاب، وخلق القيمة المضافة في الأسمدة والمبيدات الزراعية والكلور والشبة والاكسجين والمبيدات الأمنة على الصحة والمطهرات، هذا كله مع مراعاة الجانب البيئي في إنشاء هذه الصناعات.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

هبة زين

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى