مصر

مستلزمات الإنتاج.. أزمة مركبة ومسؤولية مشتركة

الحفاظ على استقرار الأسعار بالأسواق، واحدة من أكبر الأزمات التي تواجه الشارع المصري الآن، ويتطلب حلها طرح مزيد من المنتجات مع عدم رفع الأسعار للحفاظ على القوة الشرائية للمواطنين كي تستمر المصانع في الإنتاج. واستمرار الصناعة يتطلب في المقام الأول توفر مستلزمات الإنتاج، التي تحتاج إلى سيولة أجنبية، وانتظام حركة التجارة الخارجية وسلاسل الإمداد بدول العالم المختلفة. فهي بمثابة معضلة يتخبط بسببها قطاع الصناعة، وإنقاذها يتطلب اضطلاع كافة الأطراف كل بمسؤوليته لتعزيز الصناعة المصرية. لذا نتطلع لإلقاء نظرة أعمق على التحديات التي تواجه القطاع، وأبرز الجهود التي تم اتخاذها حتى الآن لدعم وتوطين الصناعة. 

أزمة مركبة

يواجه الاقتصاد العالمي الآن عدة أزمات حادة متلاحقة ومركبة ومتداخلة، تكاد تكون الأسوأ منذ سنوات الكساد الكبير. فقبل التعافي الكامل من جائحة كورونا، بدأت تظهر متحورات جديدة تفرض ضغطًا جديدًا على اقتصادات العالم الذي لم يتعافٍ بعد من أثر كوفيد-19. وفي هذه الأثناء، يواجه العالم أزمة جيوسياسية معقدة –باندلاع الحرب الروسية الأوكرانية- وما ترتب عنها من نقص بالطاقة بدول أوروبا، بخلاف ارتفاع أسعار الشحن واضطراب سلاسل التوريد؛ وبالتالي نقص في السلع وارتفاع التضخم.

فبعد مرور حوالي عام من انتشار جائحة كورونا، شهدت ربع الشركات حول العالم انخفاضًا في مبيعاتها بنسبة 50%، وفي المتوسط انخفضت المبيعات بنسبة 27%. واضطرت 65% من منشآت الأعمال لتعديل رواتب موظفيها عن طريق تخفيض ساعات العمل أو الأجور. بينما قامت 11% من الشركات بتسريح العمال، وذلك وفقًا لبيانات البنك الدولي. 

وقبل التعافٍ الكامل من الجائحة، نشأت الحرب في أوكرانيا لتعلن عن أزمة إنسانية مفجعة تتطلب حلًا سلميًا. وفي الوقت نفسه، ستؤدي الأضرار الاقتصادية الناجمة عن الصراع إلى تباطؤ ملحوظ في النمو العالمي خلال عام 2022 وارتفاع مستويات التضخم. ولأول مرة منذ عقود نشهد معدلات سالبة لصافي الاستثمار الأجنبي المباشر عالميًا، كما انخفضت التجارة العالمية بعد حوالي 3 أشهر من الأزمة بحوالي 285 مليار دولار. وأصبح التضخم تحديًا عالميًا، وشهدت أسعار السلع الاستراتيجية ارتفاعات كبيرة خلال الفترة القليلة الماضية. 

ووفقًا لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي إبريل 2022 – أي بعد أقل من شهرين من اندلاع الأزمة- فقد شهدت أسعار الوقود والغذاء زيادة سريعة، ويُتوقع تباطؤ النمو العالمي من 6,1% تقريبا في عام 2021 إلى 3,6% في عامي 2022 و2023. ويمثل ذلك تراجعًا قدره 0,8 نقطة مئوية و0,2 نقطة مئوية في عامي 2022 و2023 مقارنة بتوقعات يناير. 

وفيما بعد عام 2023، تشير التنبؤات إلى تراجع النمو العالمي إلى حوالي 3,3% على المدى المتوسط. وفي ضوء ارتفاع أسعار السلع الأولية واتساع دائرة الضغوط السعرية نتيجة الحرب، وصلت معدلات التضخم المتوقعة لعام 2022 إلى 5,7% في الاقتصادات المتقدمة و8,7% في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية – متجاوزة بذلك توقعات يناير بمقدار 1,8 نقطة مئوية و2,8 نقطة مئوية. 

ومع استمرار الأزمة كانت توقعات البنك الدولي أكثر تشاؤمية عما كانت عليه في إبريل، فتوقع تقرير آفاق الاقتصاد العالمي أكتوبر 2022 ثبـات معـدل النمـو العالمي في عـام 2022 حيـث يبلـغ 3.2% ليتراجـع لاحقـًا إلى 2.7% في عـام 2023 – وهـو مـا يمثـل انخفاض قـدره 0.2 نقطـة مئويـة عـن تنبـؤات يوليـو – مـع وجـود احتماليـة بنسـبة 25% لتراجعـه دون 2%، كما تشير التوقعات إلى وصـول التضخـم العالمي إلى ذروتـه في أواخـر عـام 2022، وإن كان سـيظل مرتفع لفتـرة أطـول ممـا كان متوقع في السـابق، ليتراجـع إلى 1,4 % بحلـول عـام 2024.

وسيشـهد أكثـر مـن ثلـث الاقتصـاد العالمـي حالـة مـن الانكمـاش في العـام الحالي أو القـادم، مـع اسـتمرار تباطـؤ النشـاط في أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم – الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصيـن- وسيشـعر الكثيـر بوطـأة الركـود خـلال عـام 2023. 

ويرى التقرير أنه يمكـن لسياسـة المالية العامـة، مسـاعدة الاقتصـادات علـى التكيـف مـع زيـادة التقلبـات والتعـافٍ مـن التداعيـات مـن خـلال الاستثمار في تعزيـز الطاقة الإنتاجية، حيث من شأن رأس المال البشري والتحول الرقمي والطاقة الخضراء وتنويـع سلاسل الإمداد جعـل الاقتصادات أكثر صلابة في مواجهة الأزمة القادمة.

الوضع المحلي

لم تكن مصر بمعزل عن مجريات الأمور بالعالم، فمثلت جائحة كورونا صدمة هائلة للاقتصاد المصري، إذ أدت إلى توقف مفاجئ للسياحة، التي كانت تسهم في بداية الأزمة بنحو 12% من إجمالي الناتج المحلي، وتوفر 10% من فرص العمل، و4% من إجمالي الناتج المحلي من الدخل بعملات أجنبية. كما تعرضت موازنة الحكومة للضغوط بسبب تباطؤ النشاط الاقتصادي الذي أسفر عن انخفاض الإيرادات الضريبية. 

إلا أنها في المجمل استطاعت الصمود أمام الجائحة، وكانت من الدول القلائل التي استطاعت تحقيق معدلات نمو إيجابية رغم الجائحة، بفضل الإصلاحات التي نفذتها منذ عام 2016 لتسوية الاختلالات الاقتصادية الكلية، وكذلك إطلاق البنك المركزي عدة مبادرات كتأجيل سداد الاستحقاقات الائتمانية دون أي غرامات أو رسوم إضافية، وتخفيض أسعار الكهرباء، وتمديد التراخيص والسجلات الصناعية منتهية الصلاحية، وتأجيل سداد الضرائب العقارية المستحق سدادها على المصانع والمنشآت السياحية لمدة 3 أشهر، وصرف 3 مليارات جنيه من مستحقات المساندة التصديرية المتأخرة للمصدرين؛ لتخفيف الضغوط على المقترضين وضمان توافر السيولة للقطاعات الأشد تأثرًا، وغيرها من الإجراءات التي تم اتخاذها والتي خففت من وطأة الأثر الصحي والاجتماعي للجائحة مع ضمان الاستقرار الاقتصادي، واستمرارية القدرة على تحمل الدين، والحفاظ على ثقة المستثمرين، والتي كان لها أثر إيجابي على أداء الشركات.

ورغم ذلك، كان للجائحة أثر سلبي على القطاع الصناعي المصري، حيث سجل مؤشر أداء القطاع الصناعي –الصادر عن منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو) سبتمبر 2020- انخفاضًا عند 0.413 (من 0.0 إلى 0.5 انخفاضًا في الأداء؛ 0.5 لا تغيير ؛ من 0.5 إلى 1.0 زيادة في الأداء) منذ اندلاع الجائحة. 

فقد أدت جائحة كورونا إلى تباطؤ نشاط القطاع الصناعي في مصر، بسبب عمليات الإغلاق والإجراءات الاحترازية وتراجع الطلب المحلي والدولي واختلال سلاسل التوريد العالمية المرتبطة بمصر. وأيضًا بسلاسل القيمة التي تربط القطاع الصناعي بالسوقين العالمي والمحلي، وكان الأثر واضحًا بشكل أكبر في  الصناعات التي تعتمد على مستلزمات الإنتاج المستوردة من الخارج وخاصة من الصين، والتي تأتي في المرتبة الأولى بين الدول الموردة لمصر ووصلت نسبتها إلى 16.2% من جملة الواردات بإجمالي قيمة 14.4 مليار دولار خلال عام 2021. وهو ما أثر على العرض والطلب في هذا القطاع، وبالتالي التأثير على مبيعات وإيرادات بعض المصانع مسببة مشاكل نقص سيولة. 

وعلى الرغم من ذلك استطاع القطاع الصناعي الصمود أمام الجائحة. فلم يتم إغلاق مصنع واحد أثناء الجائحة. إذ يحتل ملف الصناعة أولوية قصوى على أجندة أولويات عمل الحكومة، فالنهوض بقطاع الصناعة يسهم إلى حد كبير في إحداث نقلة اقتصادية حقيقية. إلى أن أتت الحرب الروسية الأوكرانية لتزيد حالة الضبابية والضغط التي يعيشها الاقتصاد العالمي والمصري كجزء لا يتجزأ منه. 

وقد أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، في مايو الماضي أن التكلفة المباشرة وغير المباشرة للحرب هي 465 مليار جنيه؛ وذلك نظرًا للصلات التجارية والسياحية القوية بدول الأزمة وأوروبا؛ إذ إن 42% من إجمالي واردات مصر من الحبوب عام 2021 كانت من روسيا وأوكرانيا. بالإضافة إلى كونهما مصدر 31% من السياحة الوافدة لمصر بما يزيد عن 1.9 مليون سائح خلال الفترة من يوليو 2021 حتى يناير 2022. فأثر الأزمة «الروسية – الأوكرانية» على الموازنة العامة للدولة، هو 130 مليار جنيه كتأثير مباشر، مرتبط بأسعار السلع الاستراتيجية، والبترول، وأسعار الفائدة، والسياحة.

ومن التحديات التي واجهت الدولة إثر الحرب الروسية الأوكرانية ضعف السيولة الأجنبية نتيجة خروج رؤوس الأموال الساخنة، وتباطؤ معدلات استثمارات القطاع الخاص المصري، وارتفاع فائدة الاقتراض السيادي، ومؤشرات الدين الخارجي، وتراجع معدلات جذب استثمارات أجنبية مباشرة لمصر.

وكانت الطريقة المقترحة للتعامل مع الأزمة، هي تعزيز دور القطاع الخاص في النشاط الاقتصادي، ورفع نسبة مشاركته لتصبح 65% من إجمالي الاستثمارات المنفذة خلال 3 سنوات، كذلك دعم توطين الصناعات الوطنية للاعتماد على المنتج المحلي. فالوضع الآن، يتطلب ضرورة طرح كل الإنتاج بالأسواق للحفاظ على استقرار الأسعار بالأسواق، مع عدم رفع الأسعار في الفترة الحالية للحفاظ على القوة الشرائية للمواطنين كي تستمر المصانع في الإنتاج، وللحفاظ على مستويات الأسعار عند معدلات مقبولة.

مستلزمات الإنتاج 

بتوجيه نظرة أعمق على قطاع الصناعة- الذي يعتبر الملاذ الأمن للخروج من الأزمة المالية العالمية الحالية- نجد إنه في الآونة الأخيرة، يواجه القطاع عدة عقبات على رأسها نقص مستلزمات الإنتاج، باعتبارها مكونًا رئيسًا لسير العمل بعملية التصنيع، وبدأت بالفعل بعض المصانع تتأثر بمشكلة نقص مستلزمات الإنتاج، فلا فائدة من العمل على التنمية الصناعية وإعادة تشغيل المصانع المغلقة، دون وجود مستلزمات إنتاج لتشغيلها. 

ويعتبر من أهم أسباب نقصها التأخر في فتح الاعتمادات المستندية، والذي يجعل المصانع تتحمل الكثير من الغرامات لشركات الشحن الأجنبية مما يجعل على المصانع أعباء كثيرة تحول مكاسبها إلى خسائر، فسبق أن أصدر البنك المركزي قرارًا خلال فبراير الماضي، بوقف التعامل بمستندات التحصيل في كافة العمليات الاستيرادية والعمل بالاعتمادات المستندية بدلًا منها. 

وقبلها عانى القطاع نتيجة تعطل سلاسل الإمداد وحالة الإغلاق التام التي شهدتها عدد من الدول خلال انتشار جائحة كورونا، واستمر الوضع مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية لأكثر من تسعة أشهر، فالغالبية العظمى من المصانع المصرية تعتمد على السلع الوسيطة والمكونات المستوردة من الخارج، حيث تحتل السلع الوسيطة قمة واردات الدولة بنسبة 35.2% من إجمالي الواردات، وجاءت المواد الخام في المرتبة الثالثة بنسبة 13.2% من جملة الواردات المصرية. كما تأثر المعروض العالمي من مستلزمات الإنتاج مؤخرًا على أثر أزمة الطاقة في أوروبا.

ويعتبر من الأمور المؤثرة في صمود وتنمية القطاع الصناعي أيضًا، خفض تكلفة الإنتاج، الأمر الذي يخفض سعر المنتج المحلي، ويمنح فرصة أكبر للمنتج المصري للتواجد في أسواق جديدة في ظل جودة وسعر مميز للصادرات المصرية، خاصة وإنه التحدي الثاني الذي يواجه قطاع الصناعة. هذا إلى جانب ارتفاع تكلفة التمويل للتوسع في الاستثمارات، والذي قد يفاقمه قرار رئيس مجلس الوزراء، نوفمبر الماضي، بنقل تبعية مبادرات البنك المركزي للتمويل منخفضة العائد إلى جهات حكومية مختلفة، ووقف إصدار أية مبادرات تمويل جديدة. فمبادرات البنك المركزي لقطاعي الصناعة والزراعة تمنح تمويلًا لرأس المال العامل بفائدة 8% في حين تصل سعر الفائدة في السوق حاليًا إلى 16% أي زيادة تكلفة التمويل للشركات العاملة بالقطاعين للضعف.

كما كان لتحرير سعر الصرف تأثير ذو حدين على الصناعة المصرية، فسيكون له أثر إيجابي على زيادة التصدير، بما يعطيه من قدرة على منافسة منتجات الدول الأخرى بسعر أفضل، ولكن تأثيره على السوق المحلى سيكون سلبيًا إلى حد ما في زيادة الأسعار خصوصًا للصناعات التي تعتمد في إنتاجها على مستلزمات إنتاج مستوردة، إلا إنه يمكن معالجة هذا الأمر من خلال المبادرات الاقتصادية والاجتماعية المختلفة. 

مسؤولية مشتركة

بعد ما تم عرضه من تحديات تواجه الاقتصاد العالمي والمصري عمومًا، وقطاع الصناعة على وجه الخصوص، وما يعول عليه لدفع قاطرة التنمية بمصر. يمكننا الآن التأكيد على أن المسؤولية الآن هي مسؤولية مشتركة بين الدولة والمستثمرين والتجار؛ فعلى الدولة اتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها سرعة الإفراج الجمركي عن مستلزمات الإنتاج. ومن جانب المستثمرين يجب عليهم التكاتف مع الدولة في تلك الفترة من خلال ضخ كميات كبيرة من السلع، وزيادة معدلات الإنتاج لإشباع حاجة السوق المحلي وتصدير الفائض للخارج، وكذلك على التجار عدم تطبيق زيادات سعرية غير مبررة على السلع فأغنياء الحروب والأزمات غالبًا ما يخسرون بالنهاية.

وفي هذا الصدد، اتخذت الدولة عدة إجراءات الهدف منها العمل على تقليل الاستيراد والحد منه دون المساس بالنشاط الإنتاجي والتأثير على استيراد مستلزمات الإنتاج، حيث تضع الدولة على رأس أولوياتها في السنوات الأخيرة توطين الصناعة وإحياء الصناعات المصرية. والتوجيه بمزيد من التوسع في جهود توطين عد من الصناعات وخاصة الثقيلة، في إطار استراتيجية التوطين المحلي لصناعة مستلزمات الإنتاج كهدف استراتيجي وفقًا لمعايير الجودة العالمية.

ولحل أزمة الاعتمادات المستندية، أعلن السفير بسام راضي المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية في مايو الماضي، عن توجيه الرئيس باستثناء مستلزمات الإنتاج والمواد الخام من فتح الاعتمادات المستندية بالبنوك قبل عملية الاستيراد، والعودة إلى النظام القديم من خلال مستندات التحصيل.

كما اهتمت الحكومة والبنك المركزي المصري بملف زيادة الاحتياطيات من النقد الأجنبي- والذي يحتل أولوية قصوى لدى كل من الحكومة والبنك المركزي- من خلال تكثيف الجهود المشتركة لتنمية الموارد الدولارية من خلال جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى جانب تحفيز القطاع السياحي فضلًا عن المبادرة الخاصة بسيارات المصريين العاملين في الخارج وغيرها. 

ولتعويض حظر مبادرات التمويل منخفضة العائد، أعلنت الحكومة عن عدة تسهيلات للمستثمرين، كتعميم إصدار الرخصة الذهبية لكافة أنواع الأنشطة الاستثمارية دون تمييز لمدة ثلاثة أشهر، وطرح الأراضي الصناعية بنظام حق الانتفاع، وتكليف هيئة التنمية الصناعية بسرعة إصدار التراخيص الصناعية، والتوسع في إنشاء المجمعات الصناعية.

وعلى المدى البعيد، تتجه الدولة لتوطين صناعة مستلزمات الإنتاج ضمن خطة الدولة لتعميق التصنيع المحلي، وذلك بدلًا من استيرادها، لخفض فاتورة الاستيراد. وتقدم الحكومة التيسيرات اللازمة لرجال الصناعة، بخلاف إعلان استعدادها للدخول في شراكات مع المُصنعين، مع تولي المُصنعين مسؤوليات الإنتاج والإدارة والتسويق والتشغيل، وغيرها. 

وفي هذا الصدد، تم تحديد قائمة المنتجات المُستهدف التعاون بشأنها مع عدد من مُمثلي القطاع الخاص في مختلف المجالات الصناعية. على أن تتوافر بالشركات ورجال الأعمال المرشحين للتعاون مع الحكومة في ملف توطين مستلزمات الإنتاج محليًا، عدة معايير أبرزها قيام الشركة أو رجل الأعمال المُرشح بالإنتاج الفعلي لعدد من المنتجات المستهدفة أو إنتاج منتجات تتشابه في طبيعتها ومدخلات إنتاجها مع عدد من المنتجات المستهدفة.

وأن يكون للشركة سابقة بالتصدير لعدد من الأسواق، بما يضمن القدرة الفنية للمرشح على استيفاء المواصفات القياسية ومعايير الجودة الموضوعة لإنتاج السلع المستهدفة وإتمام عمليات التوريد، بالإضافة إلى اعتماد نشاطها التصنيعي على التطوير المستمر لعمليات الإنتاج ونقل التكنولوجيا.

على الجانب الأخر، المنتج المحلي يحتاج إلى حماية مُحكمة من البضائع المهربة، وأساليب الغش التجاري التي يتبعها قلة من التجار، لزيادة القدرة التنافسية للمنتج المحلي في الأسواق الخارجية.

بالإضافة إلى ما سبق فإن الجهود لم تتوقف عند توطين الصناعة المصرية، فقد تم الإعلان في يونيو الماضي عن إنشاء 4 مدن صناعية و17 مجمعًا في 15 محافظة، و100 إجراء لتحفيز القطاع الصناعي ودعمه بـ12 مليار جنيه، وهو ما يؤكد على التوجه القوي لتعميق الصناعة المحلية في بعض مجالات الإنتاج عوضًا عن الاستيراد، وأبرزها الصناعات الدوائية والغذائية والهندسية، مع السعي لفتح منافذ تسويق جديدة، في الأسواق الأفريقية خاصة، كما أولت الدولة اهتمامًا بالغًا في تعزيز منظومة إنشاء المجمعات الصناعية لتلبية احتياجات الصناعة المحلية من مستلزمات الإنتاج والسلع الصناعية الوسيطة، حيث تمثل هذه المجمعات منظومة متكاملة تستهدف توفير المناخ والبيئة والبنية التحتية اللازمة لدعم الصناعات المقامة بها، وتوفير فرص للتوسع بتلك الصناعات.

والجهود التي تم اتخاذها خلال الأشهر بل السنوات الماضية، أدت إلى ارتفاع صادرات مصر من الصناعات الهندسية بنسبة 19% خلال أول 9 أشهر من 2022 مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، بحسب بيان من المجلس التصديري للصناعات الهندسية. وأوضح البيان أن الصادرات الهندسية بلغت 2.74 مليار دولار في أول 9 أشهر من عام 2022 مقابل 2.3 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2021. 

وأضاف المجلس أن أبرز القطاعات التي زادت صادراتها منذ بداية 2022 حتى سبتمبر بالمقارنة بنفس الفترة عام 2021 تتضمن قطاع الأجهزة الكهربائية بنسبة ارتفاع 18%، وصادرات الكابلات بنحو 48%، وصادرات مكونات السيارات بنسبة زيادة 15.1%. وتأتي أوروبا (المملكة المتحدة – فرنسا – ألمانيا – التشيك – إسبانيا) من أهم الدول التي زادت صادرات مصر من الصناعات الهندسية إليها في الفترة من يناير إلى سبتمبر 2022 يليها آسيا (السعودية – الإمارات – الكويت – الأردن – لبنان)، ثم أفريقيا (الجزائر – المغرب – ليبيا – كينيا).

مجمل القول، بعد ما شهدناه من أزمات – أغلبها مستوردًا – أثرت على الاقتصاد المصري، كان لا بد من اجتذاب الاستثمار المباشر بدلًا من الأموال الساخنة، فهي الإضافة الحقيقية لاجتذاب عملة أجنبية، وتشغيل عمالة، إضافة إلى زيادة الإنتاج، ما يسمح بالتصدير للخارج وتحقيق مصادر إضافية من العملة الصعبة. فقطاع الصناعة قد يكون الفرصة لخلق مصدر رابع – بخلاف السياحة، وتحويلات العاملين بالخارج، وإيرادات قناة السويس- للسيولة الدولارية، بجانب كونه يدعم الاقتصاد الوطني ويعمل على توفير المنتج المحلي بسعر مناسب ويقلل الفاتورة الاستيرادية للدولة.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

هبة زين

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى