الأمريكتانمصر

أبعاد خصوصية المشاركة المصرية في القمة الأمريكية الأفريقية

تشهد العاصمة الأمريكية واشنطن في الفترة من 13 وحتى 15 ديسمبر الجاري انعقاد القمة الأمريكية – الأفريقية في نسختها الثانية، حيث عُقدت النسخة الأولى في أغسطس 2014، وهي القمة التي يُعد إحياء العلاقات بين واشنطن ودول القارة السمراء أحد أهدافها الرئيسة، خصوصًا في ظل تنامي أدوار العديد من القوى الدولية الصاعدة كالصين في الساحة الأفريقية، وهو الأمر الذي تراه واشنطن أحد مكامن التهديد الاستراتيجي لها. ويمثل انعقاد القمة نقطة تحول في مستوى تعاطي إدارة “بايدن” مع القارة الأفريقية، وهو التعاطي الذي غلب عليه “التهميش” لحساب ملفات أخرى منذ وصول الرئيس الديمقراطي إلى سدة الحكم.

من المقرر أن يلتقي الرئيس عبد الفتاح السيسي بنظيره الأمريكي جو بايدن على هامش القمة الأمريكية الأفريقية، وهو اللقاء الذي يأتي في إطار حالة الزخم التي شهدتها العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة، في إطار عودة الأسس التقليدية الحاكمة للعلاقات بين القاهرة وواشنطن، في ضوء وجود قدر كبير من المصالح المشتركة بين البلدين.

لماذا تهتم مصر بالقمة؟

تحظى القمة الأمريكية الأفريقية باهتمام واسع بالنسبة لدول القارة الأفريقية ككل، وعلى رأسها الدولة المصرية؛ لما تمثله من فرصة لإحياء الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين، وبحث السبيل الأمثل لمواجهة التهديدات المشتركة. لكن الحالة المصرية تحظى ببعض الخصوصية على مستوى الاهتمام والمشاركة في القمة؛ وذلك في ضوء عاملين أساسيين: الأول أن العلاقات بين مصر والولايات المتحدة شهدت في العقود الأخيرة خصوصًا منذ حقبة الرئيس الراحل محمد أنور السادات حالة من الشراكة الاستراتيجية إلى الحد الذي جعل مصر “الشريك الرئيس لواشنطن في المنطقة”، والثاني يرتبط ببعض المتغيرات التي تشهدها القارة الأفريقية والعالم، وهي المتغيرات والملفات التي ستُطرح في القمة، والمكانة التي تحظى بها مصر في معادلة التعاطي مع هذه الملفات، ويمكن إبراز أوجه الأهمية التي تمثلها القمة بالنسبة لمصر، من خلال الاعتبارات التالية:

1 – طبيعة العلاقات مع الولايات المتحدة: مثلت الشراكة الاستراتيجية المصرية – الأمريكية أحد المرتكزات الأساسية للسياسة الخارجية لكلا البلدين، وهي الشراكة التي تمخض عنها العديد من المخرجات المهمة، وحافظت في الوقت ذاته على مصالح الدولتين في المنطقة سواء المصالح السياسية والأمنية أو الاقتصادية. وعلى الرغم من صعود بعض المتغيرات في السنوات الأخيرة لا سيما في مرحلة ما بعد 2011، بما دفع باتجاه حدوث تباينات بين الجانبين على أكثر من مستوى، فإن هذه التباينات لم تؤثر على “استراتيجية الشراكة الثنائية”، واقتصر تأثيرها فقط على حدوث تغيرات على مستوى الأهداف الثنائية.

وقد عزز من هذا التوجه تبني إدارة “بايدن” سياسات “واقعية” على المستوى الخارجي، بما جعل التعامل مع مصر ينطلق من كونها شريكًا استراتيجيًا رئيسًا للولايات المتحدة، وضامنًا للاستقرار والأمن في منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا. ومن هنا فإن مشاركة مصر في القمة، والمباحثات المحتملة بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي والأمريكي جو بايدن تمثل استمرارًا لنهج التعاون القائم بين البلدين.

2- الدور المصري الريادي في أفريقيا: شهدت الحقبة التي أعقبت رحيل الرئيس جمال عبد الناصر، وصولًا إلى العام 2014، حالة من الفتور على مستوى علاقة مصر بالقارة الأفريقية، لكن ثورة الثلاثين من يونيو 2013 وما تبعها من تغيرات، خصوصًا على مستوى السياسة الخارجية، أعادت مصر إلى عمقها الاستراتيجي الأفريقي، حيث حرصت السياسة الخارجية المصرية في الحقبة الجديدة، على الانفتاح على العمق الأفريقي لكونه أحد الدوائر الأساسية للسياسة الخارجية المصرية، وقد تجسد هذا التوجه في عقد الرئيس ومسؤولي الدولة المصرية عشرات الاجتماعات وجلسات المباحثات مع الزعماء والقادة الأفارقة. وانطلاقًا من الدور الريادي لمصر أفريقيًا، حرصت مصر خصوصًا في فترة رئاستها للاتحاد الأفريقي في العام 2019 على أن تلعب دور إيصال أصوات الدول الأفريقية في المحافل الدولية، بما يضمن وجود مشاركة دولية أكثر فاعلية في حلحلة الأزمات الأفريقية، ومن هنا تمثل القمة الأمريكية الأفريقية أحد المحافل التي تسعى مصر إلى توظيفها من أجل إيصال آمال وتطلعات الشعوب الأفريقية للمجتمع الدولي.

3- المناقشة المحتملة لقضية سد النهضة: أشارت بعض التقارير إلى وجود نية من جانب الإدارة الأمريكية لطرح قضية “سد النهضة” على أجندة اجتماعات القمة الأمريكية – الأفريقية في واشنطن، استغلالًا لمشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيسة الإثيوبية سهلي ورق زودي في القمة، فضلًا عن كون هذا التوجه يأتي كاستمرار لسعي واشنطن إلى لعب دور الوسيط في الأزمة الممتدة منذ سنوات.

وترتبط أهمية هذا الاعتبار بكونه يمثل فرصة لعرض وجهة النظر المصرية بخصوص السد وما يحمله من تهديدات بالنسبة للأمن المائي والقومي المصري وكذا السوداني، وما يُنذر به استمرار النهج الإثيوبي الانفرادي والمتعنت من تهديد للسلم والأمن في المنطقة، وقد كان مبدأ “الصبر الاستراتيجي”، وكذا طرق الأبواب الدبلوماسية العالمية، من أجل الضغط على إثيوبيا للوصول إلى اتفاق ملزم يحافظ على الأمن المائي المصري، أحد الركائز الأساسية للتعاطي المصري مع قضية سد النهضة في الحقبة الحالية.

ركائز العلاقات المصرية الأمريكية

تُعبر مشاركة مصر في القمة والمباحثات المحتملة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس جو بايدن، وما سبقها من مباحثات مكثفة في أكثر من محفل وعلى أكثر من مستوى عن عودة “الأسس التقليدية” الحاكمة للعلاقات المصرية – الأمريكية، وهي الأسس التي تقوم بشكل أساسي على عدد من الركائز، وذلك على النحو التالي:

1- تحييد الملفات الخلافية عن الشراكة الاستراتيجية: كانت الفترة من 2011 وحتى 2015 (إعلان إدارة أوباما عن استئناف الحوار الاستراتيجي المصري الأمريكي) استثنائية في عمر العلاقات المصرية الأمريكية، حيث كانت سمات “التوتر والغموض” هي المسيطرة على العلاقات الثنائية في تلك الحقبة، وذلك في ضوء المتغيرات التي شهدتها منذ عام 2011، لكن ومع وصول الرئيس السابق دونالد ترامب إلى سدة الحكم، ولاحقًا الرئيس الحالي جو بايدن، عادت “الأسس التقليدية” الحاكمة للعلاقات بين البلدين، وهي الأسس التي تركز على تعزيز التعاون الاستراتيجي بين البلدين بما يدعم تحقيق المصالح الجوهرية المشتركة.

الجدير بالذكر أن ملف حقوق الإنسان وتسييسه وتوظيفه في أوقات كثيرة كان أحد الملفات الرئيسة التي تُضفي بعض التوترات على العلاقات الثنائية، لكن السردية والمقاربة المصرية القائمة على ضرورة النظر إلى حقوق الإنسان على نحو شامل يأخذ في الحسبان الخصوصيات الوطنية والظروف الاستثنائية لدولة تكافح الإرهاب، ويدعو للتبصر بالحقوق الاقتصادية وأوضاع المعيشة الخاصة بالفقراء والمهمشين والمناطق العشوائية، نجحت في تحييد هذا الملف عن علاقات مصر الاستراتيجية مع واشنطن.

2- استعادة مصر لعافيتها الإقليمية: يمثل الدور المصري في منطقتي الشرق الأوسط وأفريقيا أحد المحددات الرئيسة التي تحكم العلاقات المصرية الأمريكية؛ إذ تُدرك واشنطن أن مصر في المرحلة الراهنة استعادت عافيتها الإقليمية، وباتت الفاعل واللاعب الأهم في العديد من الملفات، خصوصًا في ملفات القضية الفلسطينية، وكذا الدول المأزومة في المنطقة، فضلًا عن أن السياسة الخارجية المصرية حققت في السنوات الأخيرة اختراقًا مهمًا لبعض دوائر السياسة الخارجية الجديدة، كالعلاقات الفعالة بدول القارة الآسيوية. وفي سياق متصل باتت الدولة المصرية أحد أهم الفاعلين المؤثرين في منطقة شرق المتوسط، وهي الفرضية التي عبر عنها إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط وتحويله إلى منظمة إقليمية حكومية مقرها القاهرة، فضلًا عن تبني مصر لمجموعة من الخطوات على طريق التحول لتصبح مركزًا إقليميًا لإنتاج وتداول الطاقة.

ويبدو أن هذه التحركات النشطة لمصر منذ عام 2014، قد دفعت مؤسسات الفكر وجماعات الضغط وصناعة القرار في واشنطن إلى مراجعة مقارباتها في التعامل مع مصر، وإعادة تقييم الدور المصري في المنطقة والعالم، والتأسيس لعلاقات جديدة تقوم على أساس تعزيز المصالح المشتركة.

3- علاقات اقتصادية كبيرة: بالإضافة إلى ما سبق، ترتبط مصر والولايات المتحدة بعلاقات كبيرة على المستوى الاقتصادي، وهي العلاقات التي تُعظم من حجم الشراكة الثنائية. وفي هذا السياق تُشير البيانات الرسمية إلى أن الاستثمارات الأمريكية تبلغ نحو 23 مليار دولار في مختلف القطاعات في مصر، كذلك بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية 9.1 مليارات دولار خلال 2021، بإجمالي 65.8 مليار دولار خلال العشر سنوات الأخيرة.

وفي الختام، يمكن القول إن القمة الأمريكية الأفريقية، وإلى جانب مخرجاتها المحتملة على مستوى العلاقات بين الجانبين الأمريكي والأفريقي، تمثل فرصة في طريق تعزيز مساحة التفاهم والتعاون بين الولايات المتحدة ومصر، خصوصًا في ظل الدور الريادي لمصر في المنطقة والعالم، وقدرة مصر على الضلوع بدور كبير على مستوى معالجة القضايا الملحة في أفريقيا والمنطقة بشكل عام.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى