آسيامصر

العلاقات المصرية الصينية: المحددات والأطر الحاكمة

اتجهت أنظار العالم منذ الثامن من ديسمبر إلى العاصمة السعودية الرياض، إثر الزيارة المهمة التي يقوم بها الرئيس الصيني شي جين بينج للعاصمة السعودية، وانعقاد القمة العربية الصينية، وهي القمة التي تُعد أحد المخرجات الرئيسة للاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون العربي- الصيني الذي عُقد في يوليو 2020. وتحظى قمة الرياض بما تحمله من دلالات رمزية وما تتضمنه من مباحثات بأهمية كبيرة؛ وذلك في ضوء ما تعبر عنه من نقلة على مستوى العلاقات العربية الصينية، فضلًا عن السياق العالمي المتغير الذي تأتي في ظله.

وقد حظيت العلاقات المصرية الصينية بهامش اهتمام كبير على مستوى القمة الجارية، وهو ما عبرت عنه مباحثات الرئيس عبد الفتاح السيسي مع نظيره الصيني، وبشكل عام مثلت الصين منذ المتغيرات التي شهدتها الساحة المصرية في أعقاب ثورة 30 يونيو 2013، شريكًا استراتيجيًا مهمًا للدولة المصرية، الأمر الذي يطرح بعض التساؤلات حول محددات العلاقات المصرية الصينية في السنوات الأخيرة، وكذا انعكاسات القمة على العلاقات الثنائية بين البلدين.

أهمية القمة في ضوء السياق العالمي والإقليمي

ترتبط أهمية القمة العربية الصينية الجارية في الرياض بشكل رئيس بالسياق العالمي والإقليمي المتغير الذي تأتي في ظله، ويمكن إيضاح أبرز معالم هذا السياق على النحو التالي:

1 – تأتي القمة في ظل سياق عالمي متغير وديناميكي؛ إذ صعدت عوامل عديدة عبرت عن إرهاصات تبلور مشهد عالمي جديد، وهو المشهد الذي يغلب عليه تراجع فكرة “القطب الأوحد”، وبروز بعض القوى الصاعدة كالصين وروسيا وشغلها مساحة أكبر في النظام الدولي، وتبني العديد من دول العالم لخيار “العصيان الاستراتيجي” للقطب الأوحد “الولايات المتحدة” وفقًا للمصالح القومية والوطنية لها وكذا مهددات الأمن القومي الخاصة بها.

وقد أضفت هذه المتغيرات طابعًا “صراعيًا” فيما يتعلق بمسألة التنافس بين القوى الكبرى، سواءً على المستويات الدبلوماسية أو الاقتصادية والعسكرية. ومع تراجع جاذبية القطب الأوحد في النظام العالمي، بدأ العديد من الدول بما في ذلك دول المنطقة العربية في النأي بحساباتها وتحالفاتها الخارجية عن حسابات الولايات المتحدة؛ إذ باتت المصالح القومية والرؤية الوطنية الخاصة بمهددات الأمن القومي هي المحددات الحاكمة لنمط التفاعلات الخارجية.

2- أما الملمح الثاني الخاص بالمشهد المحيط بالقمة الحالية بين العرب والصين فيرتبط بالسياق الإقليمي الراهن؛ إذ إن منطقة الشرق الأوسط بشكل عام تشهد بعض المتغيرات التي تُعلي من فكرة “تصفير المشكلات” وتبني خيار التهدئة إقليميًا، نظرًا للتكلفة الكبيرة لخيارات التصعيد، وجعل المنطقة ساحة للتنافس بين القوى العظمى.

3- الملمح الثالث الخاص بالسياق الذي تأتي القمة في ضوئه يرتبط بالحالة العربية الراهنة؛ إذ إن القادة العرب بدأوا مع المتغيرات التي يشهدها النظام العالمي في أعقاب أزمتي كورونا والحرب الروسية الأوكرانية في تبني أنماط من السياسة الخارجية تقوم في محدداتها على فكرة “المصالح القومية والأولويات الوطنية”، بعيدًا عن حسابات القوى العظمى. ويقوم هذا النمط من السياسة الخارجية على فكرة توظيف الأدوات والقوة الجيوسياسية التي تحظى بها الدول العربية، بما يدعم استقلالية القرار العربي عن حسابات القوى العظمى، والخروج بأكبر قدر ممكن من المكاسب التي تتوافق والحسابات العربية وتتجاوب مع مهددات الأمن القومي.

تأكيد مصري على استراتيجية العلاقات مع الصين

منذ وصوله إلى العاصمة السعودية الرياض للمشاركة في القمة العربية الصينية، أجرى الرئيس عبد الفتاح السيسي العديد من المباحثات الدبلوماسية المهمة مع نظرائه العرب، فضلًا عن الرئيس الصيني، الأمر الذي عبر عن دبلوماسية فاعلة لتوظيف الحدث من أجل تقريب وجهات النظر بخصوص العديد من القضايا المشتركة. وفي هذا السياق، أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي على جملة من الرسائل المهمة؛ ففي كلمته في القمة أشار الرئيس إلى أن الشراكة بين الدول العربية والصين تم تأسيسها على قاعدة متينة وراسخة من التواصل الإنساني والثقافي والتجاري، بما يكفل تبادل الأفكار وتلاقي الثقافات. مضيفًا أن التعاون العربي الصيني تأسس على تعظيم المنفعة والمصالح المشتركة ومواجهة التحديات التنموية وتعزيز التعاون وصيانة النظام الدولي المرتكز على ميثاق الأمم المتحدة.

وأشار كذلك إلى “السعي المشترك لإقرار نظام عالمي أكثر عدالة يتأسس على القيم الإنسانية وقواعد القانون الدولي وصولًا إلى التعاون العربي الصيني المثمر من خلال المنتدى العربي الصيني وآلياته المختلفة”، منوهًا إلى ضرورة “احترام خصوصية الشعوب وحقها في الاختيار دون وصاية أو تدخلات خارجية ورفض تسييس قضايا حقوق الإنسان وتعزيز حوار الحضارات وتقارب الثقافات والتعاون في مواجهة تحديات التغير المناخي وتفشي الأوبئة ومكافحة خطر الإرهاب والأفكار المتطرفة”.

محددات العلاقات المصرية الصينية

شهدت العلاقات المصرية الصينية نقلة نوعية في السنوات الأخيرة في مرحلة ما بعد ثورة 30 يونيو 2013، كجزء من المتغيرات التي طرأت على السياسة الخارجية المصرية في هذه الحقبة، إلى الحد الذي تحولت معه الصين إلى شريك استراتيجي رئيس بالنسبة للدولة المصرية، ويمكن القول إن هناك جملة من المحددات التي تدفع باتجاه تنامي العلاقات المصرية الصينية، وتحكمها، وذلك على النحو التالي:

1- المحدد الثقافي والحضاري: يعد المحدد الثقافي والحضاري من المحددات الرئيسة الحاكمة لمسار تطور ونمو العلاقات المصرية الصينية، فمصر والصين دولتان لهما جذور حضارية تاريخية عميقة، أسهمت في خلق مجموعة من القيم والمبادئ الحضارية المشتركة، وهي المبادئ التي أعطت العلاقات الثنائية دفعة كبيرة منذ قرون، فضلًا عن أن قطاعًا واسعًا من المصريين لديه انطباعات فكرية إيجابية تجاه الصين؛ إذ لا ترتبط الصين في أذهان المصريين بأي تاريخ استعماري. وقد لعبت هذه العوامل الثقافية دورًا كبيرًا في تنامي العلاقات الثنائية، خصوصًا مع تحول هذا العامل إلى أحد العوامل التي تستند إليها مصر في سياستها الخارجية في السنوات الأخيرة.

2- دعم الصين لثورة 30 يونيو: أحد المحددات الرئيسة التي حكمت التقارب المصري الصيني في السنوات الأخيرة تمثل في الموقف الإيجابي لبكين من ثورة 30 يونيو 2013، وهو ما تجسد في الموقف الصيني الرسمي من المتغيرات التي شهدتها مصر عقب الإطاحة بحكم الإخوان، وتعدد الزيارات الرسمية المتبادلة، خاصةً على القيادات السياسية العليا.

3- المحدد الاقتصادي: أما الاعتبار والمحدد الثالث الذي يعزز من الشراكة الاستراتيجية بين مصر والصين، فهو ذو طابع اقتصادي؛ إذ تعد الصين أحد أكبر الشركاء الاقتصاديين والتجاريين لمصر، فوفقًا لإحصاءات وزارة التجارة والصناعة المصرية بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر والصين خلال أول 11 شهرًا من عام 2021 نحو 12 مليارًا و863 مليون دولار، وبلغت الصادرات المصرية إلى السوق الصيني خلال الفترة ذاتها نحو 638 مليون دولار مقابل 373 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2020 بنسبة زيادة 71%، كذلك فإن مصر تلعب دورًا محوريًا في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية، خصوصًا وأن قناة السويس تمثل نقطة التقاء طريقي الحرير البري والبحري، فضلًا عن أن النموذج التنموي في الصين يحظى بجاذبية كبيرة لدى قطاعات مصرية شعبية ونخبوية، وذلك في ضوء كونها دولة ذات كثافة سكانية كبيرة، وتتمتع باقتصاد قوي.

4- عوامل استراتيجية: بالإضافة إلى ما سبق، توجد جملة من العوامل الاستراتيجية التي تدفع باتجاه تنامي العلاقات المصرية الصينية، خصوصًا مع المحددات المشتركة التي تحكم السياسة الخارجية لكلا البلدين، خصوصًا على مستوى رفض فكرة “القطب الأوحد” والسعي إلى تشكيل نظام عالمي أكثر عدالة، فضلًا عن الاتفاق على مبدأ “الدولة الوطنية” ومواجهة الفاعلين المسلحين دون الدول وخطرهم على توحد الدول، وكذا رفض البلدين لمبدأ “تسييس قضايا حقوق الإنسان” وتأكيدهما على ضرورة احترام خصوصية الدول وحساباتها الوطنية.

وفي الختام، يمكن القول إن القمة العربية الصينية تعبر عن نقلة نوعية على مستوى العلاقات العربية بالصين، فضلًا عن أن مباحثات الرئيس المصري مع نظيره الصيني، وكذا الرسائل التي حرص الرئيسان على تمريرها خلال القمة، تُعبر في مجملها عن التطور الحادث في العلاقات الثنائية منذ ثورة 30 يونيو 2013، وهو التطور الذي وصلت معه العلاقات إلى مرحلة “الشراكة الاستراتيجية”.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى