
قمة شرم الشيخ: العالم يتحد لتفادي حدوث الأسوأ في التغيرات المناخية والسياسية
بينما تمثل التغيرات المناخية أحد أهم القضايا البيئية المثيرة للقلق على المستويات الوطنية والعالمية، والتي حظيت في السنوات الأخيرة باهتمام دولي واسع؛ نظرًا إلى ما تنطوي عليه من مخاطر متعددة التأثيرات تمتد إلى مختلف القطاعات الحيوية منها الزراعة والمياه والطاقة والصحة والنقل والمناطق الساحلية والموارد البحرية وغيرها من المجالات البيئية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية؛ فإن منسوب تلك التداعيات يبدو غير متساوٍ بين كافة الدول، وتتباين حدة تأثيراتها من نقطة جغرافية لأخرى، مما جعلها من أكبر التحديات التي تواجه دول العالم.
نحو ذلك يترقب العالم كله بعينين مفتوحتين ما ينبغي أن يحمله مؤتمر المناخ في دورته السابعة والعشرين بمدينة شرم الشيخ بمصر في الفترة من 6 إلى 18 نوفمبر المقبل. ومن اللافت أن قضية تغير المناخ وتداعياتها السلبية الخطيرة على كافة المستويات تبرز خسارة الجميع رغم كافة الجهود الدولية، بيد أن ثمة حقيقة ينبغي التمركز عندها تتمثل في بطء سياسات الدول الصناعية الكبرى نحو تجاوز الآثار السلبية الخطيرة للتغيرات المناخية، وكذا عدم الوفاء بتعهداتها المالية للدول الأكثر احتياجًا لتجاوز التداعيات السلبية للتغيرات المناخية، الأمر الذي يهدد السلم والأمن الدوليين.
إن تغير المناخ والاحتباس الحراري اللذين يتم مناقشة وضعهما البيئي في كافة المؤتمرات الدولية ذات الصلة، خلال العقود الماضية، تتفاعل بشكل دال ومباشر مع قضايا التصحر وتوفير الغذاء وتوطن الجماعات الإرهابية في بعض النقاط الساخنة.
وتعمل مصر من خلال استضافة قمة المناخ المقبلة ممثلة عن القارة الإفريقية -التي تعد من أكثر المناطق تضررًا وتأثرًا من تداعيات التغيرات المناخية- نحو تعزيز دورها الريادي على المستوى الإقليمي والدولي، وأن تبرز جهودها في دعم القضايا البيئية المرتبطة بظاهرة التغير المناخي، وأن يتمركز المؤتمر في نسخته الجديدة على ما تم إقراره في المؤتمرات السابقة لصالح إنقاذ الأرض ودمج الأبعاد الخاصة بتغيرات المناخ في صلب السياسة الدولية على كافة المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، وان يضع المؤتمر في نسخته السابعة والعشرين لبنة جديدة نحو استقرار الارض والبشر، خاصة وان التوترات السياسية والامنية تتفاعل مع بعضها البعض في عديد النقاط الساخنة .
يسهم تغير المناخ في التسبب في تحديات أمنية تصل إلى العنف، خاصة فيما يتصل بالكوارث الإنسانية الناجمة عن حالات الجفاف والفيضانات وتلف المحاصيل وموجات الهجرة القسرية وأحوال الطقس العنيفة التي تتسبب بها التغيرات المناخية، وهو الأمر اليسير في رصده ومتابعته كل لحظة وحين.
تبدو آثار ذلك أكثر وضوحًا وقسوة على الدول الأشد فقرًا ونموًا؛ إذ يصعب على اقتصاداتها التكيف بمرونة مع تلك التداعيات؛ الأمر الذي ينتج عنه خطر متفاقم نحو زعزعة الاستقرار في تلك المجتمعات وتفشي وانتشار ذلك بسهولة عبر الحدود المتاخمة.
يبدو ذلك واضحًا مع النظر إلى منطقة بحيرة تشاد في أفريقيا؛ حيث أسهم التصحر وتغير المناخ في فقدان سبل العيش التقليدية ما سمح للجماعات المتطرفة مثل “بوكو حرام” بالظهور والتفاعل وتزويد سكان المنطقة بمصادر أخرى للعيش، ما دفع مجلس الأمن الدولي في العام 2017 إلى الاعتراف بأن الآثار السلبية لتغير المناخ والتغيرات البيئية أسهمت في عدم استقرار المنطقة. وفي الصومال اشتبك أولئك الذين نزحوا بسبب الأحداث المناخية داخل البلاد مع السكان المحليين وكانوا عرضة للتجنيد من قبل الجماعات المسلحة.
غالبًا ما تبعث تداعيات الاحترار العالمي بتغييرات جيوسياسية تبدو انعكاساتها بعمق في حال حدوثها بالمناطق الهشة مثل القرن الأفريقي على سبيل المثال؛ فوفقًا لما تم طرحه من تأثير للتغيرات المناخية في الموارد الطبيعية، وما قد تتسبب فيه من تقويض لقدرة الدول على حكم نفسها وزيادة فرص النزاعات، فإن النتيجة المحتملة هنا هي تحول هذه المناطق إلى بيئة خصبة للإرهاب خصوصًا في ظل حالة انعدام الاستقرار وتصاعد معدلات الفقر.
وقد أشارت دراسة صادرة عن مؤسسة «دبلوماسية المناخ»، في أكتوبر ٢٠١٦، إلى عمق الدور المحدد الذي يلعبه الفواعل من غير الدول في الديناميات المعقدة لتغير المناخ، وحاولت تحديد كيف يعمل تغير المناخ كمضاعف للمخاطر فيما يتعلق بنمو ونفوذ هذه الجماعات. وأشارت إلى أنه يمكن للمخاطر المعقدة الناشئة عن تغير المناخ والهشاشة والصراع أن تسهم في ظهور ونمو التنظيمات الإرهابية، وتوصلت الدراسة إلى أن المناخ يسهم في نمو وصعود الجماعات المسلحة.
تؤكد هذه الحالات أن التغيرات المناخية يمكنها أن تكون باعثًا فاعلًا للصراع في أي بلد أو منطقة يعتمد فيها السكان على الموارد الطبيعية لكسب لقيمات الحياة. ويمكنها كذلك أن تقلل من قدرة الناس على كسب لقمة العيش، وزيادة المنافسة على الموارد المتضائلة، والتسبب في النزوح الجماعي، وتسهيل التجنيد داخل بيئة الجماعات المتطرفة.
احتشدت كافة التفاصيل الخاصة بأزمة فيروس كورونا وتداعياتها المتفاقمة على كافة المستويات في ذهنية العالم لتبرز حتمية العمل بنسق جاد ومتوازن نحو كبح الآثار السلبية التي تبرز كنتيجة مباشرة ودالة لظاهرة التغير المناخي، الأمر الذي برز غير مرة من خلال مناقشات مجلس الأمن الذي أعرب بصورة واضحة عن قلقه من كون الآثار الضارة المحتملة للتغيرات المناخية قد تؤدي على المدى الطويل إلى تفاقم بعض التهديدات الحالية للسلم والأمن الدوليين.
ثمة حقيقة أن كل سنة بدءًا من العام 2000 أودت الكوارث المناخية بحياة أكثر من 2600 شخص، وأثرت على 7 ملايين آخرين، وتسببت في أضرار مادية مباشرة بقيمة ملياري دولار. وطبقا لتحليل كثير من الدارسين والباحثين، فإن الكوارث المناخية تخفض النمو الاقتصادي السنوي بواقع 1-2 نقطة مئوية على أساس نصيب الفرد. ومن المتوقع أن تصبح هذه الأحداث المناخية أكثر شيوعًا وحدة مع ارتفاع حرارة كوكب الأرض.
وعلى مدار الثلاثة عقود الماضية، ارتفعت درجات الحرارة بمقدار 1,5 درجة مئوية – أي ضِعْف الارتفاع العالمي البالغ 0,7 نقطة مئوية. وكان لذلك تأثير ضار للغاية في البلدان ذات الجو الحار من الأساس؛ ذلك أن ارتفاع الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة في خمسة من أشد البلدان حرارة (البحرين وجيبوتي وموريتانيا وقطر والإمارات العربية المتحدة) يفضي إلى هبوط فوري في نصيب الفرد من النمو الاقتصادي يعادل نقطتين مئويتين تقريبًا.
وبالإضافة إلى ذلك، فكثير من بلدان المنطقة تقع في مناطق ذات ظروف مناخية قاسية حيث يتسبب “الاحترار العالمي” في تفاقم التصحر والإجهاد المائي وارتفاع مستويات البحار. وقد أصبح هطول الأمطار أكثر تقلبًا.
وتتيح قمة المناخ التي ستنعقد في مصر فرصة للمجتمع الدولي من أجل زيادة مساهماته لتمويل المناخ ودعم التكيف في الاقتصاديات النامية، ويمثل تعزيز القدرة على التكيف مع تغير المناخ أمرًا ضروريًا للشرق الأوسط وآسيا الوسطى، وينبغي السعي إلى تحقيقه بالتوازي مع الجهود العالمية لتخفيف آثار تغير المناخ والانتقال إلى مستوى منخفض من انبعاثات الكربون بالنسبة للبلدان التي تحقق التكيف، الأمر الذي يتيح فرص لخلق وظائف مستدامة تدعم التعافي الاقتصادي.
إن ما نشهده من تغيرات مناخية يؤثر بلا ريب في الموارد الأساسية خاصة الغذاء والماء وتتفاعل هذه التأثيرات نحو تضخم هشاشة مشكلات الأمن في العديد من المناطق حول العالم. ثمة علاقة تفاعلية بين التغيرات المناخية والصراع عبر الربط بينها وندرة الموارد، وما قد يترتب على هذه الندرة من تداعيات وآثار.
تضغط الأوضاع الديموجرافية والاقتصادية مع التغير المناخي، حيث يبرز من خلال ذلك تقويض قدرة الدول على تلبية احتياجات مواطنيها وتزويدهم بالموارد الأساسية مثل الغذاء والمياه والطاقة وغيرها. الأمر الذي يؤدي بالضرورة نحو تصاعد الصراعات الداخلية التي قد تمتد إلى التسبب في انهيارها.
إلى ذلك يمثل التغير المناخي تحديًا خطيرًا لاستقرار الدول وشرعية الحكومات. ووفقًا لـ«روبرت ماكلمان»، من جامعة ويلفريد لورير الكندية، فإن «الدول التي تعاني بالفعل هشاشة سياسية هي أهم مراكز المستقبل المحتملة للعنف المرتبط بالمناخ وأحداث الهجرة القسرية». وتبدو المخاطر أعلى في منطقة الشرق الأوسط، فمن بين الدول الـ20 الأعلى تصنيفًا على مؤشر الدول الهشة، نجد 12 دولة في الشرق الأوسط وجنوب آسيا وإفريقيا.
وحول تأثير التغيرات المناخية في استقرار الدول أشارت دراسة شاملة أجراها مجموعة من الباحثين عام ٢٠٠٩ حول العلاقة بين الاحترار ومخاطر الصراعات الأهلية في إفريقيا إلى وجود علاقات تاريخية قوية بين تصاعد الحروب الأهلية والاحترار في إفريقيا، فقد شهدت السنوات التي تشهد معدلات عالية من الاحترار زيادات كبيرة في احتمال نشوب الحروب، وأشارت الدراسة إلى أنه عندما يقترن ذلك بالتنبؤات التي تم حسابها استنادًا إلى «نموذج المناخ» لاتجاهات درجات الحرارة في المستقبل، تشير هذه الاستجابة التاريخية لدرجة الحرارة إلى ارتفاع بنسبة ٥٤٪ تقريبًا في حالات الصراع المسلح بحلول عام ٢٠٣٠، أو ٣٩٣ ألف حالة وفاة إضافية في الحروب المستقبلية.
نحو ذلك فإن ثمة اتفاق حول انعكاسات التغيرات المناخية على مستقبل الصراعات في العالم والتباين حول حجم هذا الأثر؛ فأشارت دراسة منشورة بمجلة «نايتشر» في 12 يونيو 2019، إلى أنه مع ارتفاع درجات الحرارة العالمية من المتوقع أن يزداد خطر النزاع المسلح زيادة كبيرة، وتوصلت الدراسة إلى أن المناخ قد أثّر فيما بين 3 و20% من النزاعات المسلحة خلال القرن الماضي.
ومن المرجح أن يزداد التأثير بشكل كبير في المستقبل، وطرحت الدراسة عددًا من السيناريوهات المستقبلية حول تداعيات التغيرات المناخية على مستقبل الصراع، مشيرة إلى أنه في حال حدوث سيناريو أربع درجات مئوية من الاحترار فإن تأثير المناخ في النزاعات سيزيد أكثر من خمسة أضعاف. وحتى في السيناريو الذي يبلغ فيه الاحترار درجتين مئويتين (الهدف المعلن لاتفاق باريس للمناخ) فإن تأثير المناخ في النزاعات سيزيد بأكثر من الضعف.
على أية حال وفي ظل تعاظم كافة عناصر السيولة التي تسمح لانزلاق الأقدام نحو الصراعات، ينبغي أن يعمل الجميع على تحييد كافة العوامل الممكنة التي تقلل من حدة الصراعات سيما عبر مواجهة التداعيات المناخية والاستعداد لمجابهة التأثيرات المحتملة من خلال تعاضد كافة دول العالم خاصة الدول الصناعية الكبرى، وأن تتحمل فاتورة تكاليف تقليل الآثار السلبية للدول الفقيرة والأقل نموًا. ويفرض كذلك التزامًا على مراكز الفكر ومتخذي القرار حيال وضع صيغ مستقبلية مرتكزة على رؤى وتدابير وتحركات فورية للحد من التداعيات السلبية للتغيرات المناخية وانعكاساتها على الأمن العالمي.