
مجاعة وشيكة: الجفاف يهدد حياة 22 مليون شخص في القرن الأفريقي
يشهد القرن الأفريقي أسوأ موجة جفاف منذ أكثر من أربعة عقود، ويواجه أكثر من 20 مليون شخص، بحلول منتصف عام 2022، جوعًا شديدًا في إثيوبيا وكينيا والصومال، وذلك ارتفاعًا من 13 مليون شخص في بداية العام، ويتوقع برنامج الأغذية العالمي أن يتخطى عدد من يعانون من الجوع الشديد في البلدان الثلاثة 22 مليون شخص بحلول سبتمبر القادم، على أن يستمر هذا العدد في الصعود، وتتعمق شدة الجوع إذا فشل موسم الأمطار القادم في أكتوبر، واستمرار ارتفاع الأسعار في ظل ضعف الاستجابات الدولية.
وتعد موجة الجفاف الحالية الأزمة الأحدث من بين عدة أزمات يعاني منها القرن الأفريقي، بما في ذلك الصراعات والفيضانات المدمرة وجائحة كوفيد -19 وتفشي الجراد الصحراوي، وعلى الرغم من أن حالات الجفاف في المنطقة ليست جديدة، إلا أنها أصبحت أكثر تواترًا وشدة في السنوات الأخيرة، بسبب التغيرات المناخية.
أوضاع إنسانية طارئة
تعاني الصومال وإثيوبيا وكينيا من أوضاع إنسانية طارئة، في ظل وجود عدد كبير من حالات شديدة من انعدام الأمن الغذائي بين سكانها، وتشير التقديرات الأخيرة لبرنامج الأغذية العالمي أن الوضع سيزداد سوءًا في الدول الثلاثة، خلال الشهور القليلة القادمة، ويوضح الشكل التالي حالة الأمن الغذائي في المنطقة في الفترة بين يونيو وسبتمبر 2022.
- الوضع في الصومال: يبدو الوضع حرجًا بشكل خاص في الصومال، حيث ارتفع عدد الأشخاص الذين يواجهون نقصًا حادًا إلى شبه كامل في الغذاء في البلاد من 4.9 مليون في مارس 2022 إلى حوالي 6 مليون في أبريل، ثم إلى ما يزيد عن 7 مليون شخص بنهاية مايو، من بين هؤلاء، هناك 1.7 مليون في مرحلة الطوارئ (المرحلة الرابعة)، بينما يواجه أكثر من 81000 شخص كارثة المجاعة (المرحلة الخامسة)، ويعاني حوالي 1.5 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء تغذية حاد، ومن المرجح أن تتفاقم هذه الأعداد على مدار العام حيث تشير التوقعات الأخيرة للأمطار قصيرة الأجل إلى هطول أمطار أقل من المتوسط لعام 2022.
بالإضافة لذلك، في الأشهر الخمسة الأولى من عام 2022، سجلت شبكة مراقبة الحماية والعودة (PRMN) التي تقودها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين 805 ألف نازح داخلي جديد في الصومال، وهو ضعف عدد النازحين خلال حالة الجفاف في 2016/2017، وفي شهر مايو وحده، تم تسجيل ما يزيد عن 107 ألف حالة نزوح داخلي جديدة، من بينها 33.4 ألف نزوح بسبب الجفاف أو الافتقار إلى سبل العيش، في حين أن 74 ألف منها تتعلق بالصراعات الداخلية من بين أسباب أخرى. بناءً على هذا السيناريو، قد يتم تهجير ما يقدر بنحو 1.4 مليون شخص خلال الأشهر الستة المقبلة. ومع ذلك، فإن خطة الاستجابة الإنسانية لم يتم تمويلها سوى بنسبة 18 %، فمن أصل نداء يصل إلى 1.46مليار دولار تم توفير 260 مليون دولار فقط.
- الوضع في إثيوبيا: تواجه إثيوبيا حالتين من حالات الطوارئ الغذائية، الأولى تتعلق بالصراع في شمال البلاد، الذي خلف أكثر من تسعة ملايين شخص في تيجراي وعفر والأمهرة في حالة انعدام أمن غذائي، أما الحالة الأخرى فتتعلق بالجفاف الذي أصاب الأراضي المنخفضة الشرقية والجنوبية، والذي أثر على نحو 8 ملايين شخص بحلول أبريل 2022، وذلك ارتفاعًا من 6 مليون شخص في بداية العام، وتعد الولايات الإقليمية الثلاث الأكثر تضررًا من الجفاف في إثيوبيا هي الصومالية (ست مناطق 3.5 مليون شخص)، وأوروميا (أربع مناطق 3.4 مليون شخص)، ومنطقة واحدة في الأمم والجنسيات والشعوب الجنوبية (SNNP 1.1 مليون شخص).
بالإضافة لذلك، يعاني حوالي 7.4 مليون طفل من انعدام الأمن الغذائي، بينهم أكثر من 4.7 مليون طفل يعاني سوء التغذية الحاد، علاوة على ذلك، يؤثر الجفاف أيضًا على سبل العيش الضعيفة التي تعتمد على الثروة الحيوانية، حيث تم الإبلاغ عن نفوق أكثر من 2.5 مليون رأس من الماشية بين أواخر عام 2021 ومنتصف مايو 2022، فضلًا عن نزوح أكثر من 420 ألف شخص داخليا في إثيوبيا بسبب الجفاف منذ عام 2021.
- الوضع في كينيا: من بين 47 مقاطعة في كينيا، يؤثر وضع الجفاف على 23 مقاطعة في الأراضي القاحلة وشبه القاحلة بما في ذلك مقاطعتي توركانا وغاريسا اللتين تستضيفان 460.000 لاجئ، ووجدت التقييمات التي أجريت في أبريل أن ما يصل إلى 3.3 مليون شخص في هذه المقاطعات يعانون من انعدام أمن غذائي حاد وفي حاجة إلى مساعدة إنسانية عاجلة، وبحلول منتصف عام 2022 ارتفع هذا العدد إلى نحو 4.2 مليون شخص بينهم 1.1 مليون شخص على شفا المجاعة وذلك ارتفاعا من 368 ألفا في يناير، ومن المتوقع أن يصل عدد من يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد إلى نحو 5 ملايين شخص مع تدهور الأوضاع.
في غضون ذلك، انخفض إنتاج المواد الغذائية الأساسية على المستوى الوطني بنسبة 5-10٪، فضلًا عن نفوق ما يقدر بنحو 1.5 مليون رأس ماشية، بينما بلغ عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية الحاد ما يقرب من مليون طفل، ومن المتوقع أن يكون هذا الرقم قد تضاعف بحلول سبتمبر. ومع ذلك، فإن خطة الاستجابة الإنسانية في كينيا لم تتخطى نسبة 16% من المطلوب، فمن أصل نداء يصل إلى 180.7 مليون دولار تم توفير 27 مليون دولار فقط.
إلى جانب ذلك، يؤثر الجفاف بشدة على ملايين اللاجئين والنازحين داخليًا والمجتمعات المضيفة لهم في إثيوبيا وكينيا والصومال، ويعاني هؤلاء اللاجئون من انخفاض في المساعدات الغذائية بسبب نقص التمويل، إلى جانب الارتفاع الكبير في أسعار السلع الغذائية، حيث يتأثر أكثر من 3.5 مليون، (75٪) من إجمالي اللاجئين في المنطقة الأوسع، بتخفيض المساعدات الغذائية بما في ذلك إثيوبيا وكينيا، حيث يتلقى اللاجئون 60٪ فقط من الحصة الغذائية الكاملة، مما ترك العديد من اللاجئين والأسر النازحة داخليًا غير قادرين على تحمل تكلفة المواد الأساسية.
أسباب انتشار المجاعات
ظهرت المجاعة في منطقة القرن الأفريقي نتيجة تضافر مجموعة من العوامل أبرزها:
1- تغير المناخ: على الرغم من أن القارة الأفريقية تعد الأقل انبعاثا لغاز ثاني أكسيد الكربون، إلا أنها باتت أول ضحايا التغير المناخي، وتعاني دول القرن الأفريقي من تأثيراته الشديدة، فإلى جانب الفيضانات المدمرة، وزيادة التصحر، واجهت الصومال وكينيا وإثيوبيا ثلاث حالات جفاف في العقد الماضي (2010-2011 و2016-2016 و2021-2022)، مما أدى إلى دمار المحاصيل والماشية وجعل من الصعب على المواطنين التعافٍ في كل مرة، ويذكر أن موجة الجفاف الحالية هي الأطول منذ 40 عامًا.
وعلى الرغم من أن تغير المناخ هو العامل الرئيس في موجات الجفاف التي أصابت الدول الثلاث، وأدت إلى زيادة أعداد الجياع بها، إلا أن هناك عوامل أخرى مثل الصراعات، والحرب في أوكرانيا، وارتفاع أسعار السلع الغذائية، قد فاقم من الآثار الناجمة عن هذا الجفاف.
2- الصراعات: تعد الصراعات المحرك الرئيس لانعدام الأمن الغذائي على مستوى العالم، ويعتبر القرن الأفريقي من أكثر مناطق العالم تضررًا من النزاعات، حيث أدت الصراعات والعنف إلى تفاقم آثار التغيرات المناخية على السكان المتضررين، وتقويض سُبل العيش، وتقويض إنتاج الغذاء، ودفع الملايين للنزوح، ففي الصومال على سبيل المثال؛ تسيطر حركة الشباب الإرهابية على جزء كبير من الريف وتعرقل عمل وكالات الإغاثة الغربية، وتهاجم العاملين في المجال الإنساني، مما يؤدي إلى عدم وصول المساعدات للمحتاجين ويضاعف من حالة انعدام الأمن الغذائي والجوع الشديد لديهم.
وكذلك الوضع في إثيوبيا، فبينما يحتاج حوالي 25 مليون إثيوبي على الأقل إلى مساعدات إنسانية عاجلة في جميع أنحاء إثيوبيا، تعرقلت المساعدات في المناطق المتضررة من الصراع، سواء بسبب المخاطر الأمنية وانهيار البنية التحتية في مناطق النزاع، أو بسبب العوائق التي تفرضها حكومة إثيوبيا على وصول المساعدات، ما يؤدي إلى تفاقم آثار التغيرات المناخية على سكان هذه المناطق.
ومن جهة أخرى، قد ينشأ الصراع ذاته كأثر جانبي للجفاف، على سبيل المثال؛ في شمال غرب كينيا، على طول حدود البلاد مع أوغندا وجنوب السودان، أدى الجفاف الشديد وانعدام الأمن الغذائي إلى نشوب صراع على الموارد الطبيعية الشحيحة.
3- الحرب في أوكرانيا وارتفاع أسعار الغذاء: أثرت الحرب في أوكرانيا على إمدادات القمح والأسمدة إلى القرن الأفريقي، مما أدى إلى ارتفاع أسعار الحبوب وأسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم نتيجة لارتفاع تكاليف الوقود والأسمدة والشحن، وفي الوقت نفسه، كان للجفاف تأثير مدمر على الزراعة، حيث تسبب في نفوق الملايين من الماشية وانخفاض كبير في إنتاج الغذاء بسبب فشل المحاصيل، وفي ظل نقص المعروض من السلع، سواء بسبب عدم توافر المحاصيل محليًا أوعدم القدرة على استيرادها من الخارج، مع زيادة الطلب عليها، ارتفعت أسعار السلع الغذائية بشكل كبير خلال الشهور القليلة الماضية، حيث ارتفع متوسط تكلفة سلة الغذاء بنسبة 66٪ في إثيوبيا، وبنسبة 36٪ في الصومال، مما جعل الكثير من الناس غير قادرين على تحمل تكلفة المواد الأساسية، ومن المتوقع أن ترتفع الأسعار أكثر في النصف الثاني من عام 2022، مع تداعيات كبيرة على الوصول الشامل للغذاء في المنطقة.
بالإضافة لذلك، أثرت الحرب في أوكرانيا على المساعدات المقدمة لدول القرن الافريقي، فقبل الحرب، كانت مخزونات القمح الروسية والأوكرانية تمثل نسبة هائلة من مشتريات المساعدات الغذائية الإنسانية للمنطقة، ومع اشتعال الأزمة، توقفت هذه الإمدادات، وعلى الرغم من ظهور بودار انفراجة في الأيام الأخيرة بعد إبحار أول سفينة محملة بالمساعدات الغذائية الإنسانية المتجهة إلى إفريقيا من أوكرانيا في منتصف أغسطس الجاري، إلا أن الفجوة لا تزال كبيرة بين الاحتياجات الفعلية للمنطقة وما يمكن أن تفي به الجهات الدولية في ظل ظروف عدم التأكد العالمية.
استجابات دولية ضعيفة
تستلزم الآثار المجمعة للأزمات المناخية والاقتصادية والأمنية في منطقة القرن الافريقي استجابة إنسانية طارئة، للتقليل من حدة هذه الآثار، وأطلقت الأمم المتحدة نداءً بقيمة 4.4 مليارات دولار لتغطية الاحتياجات الطارئة في المنطقة، وتعهد المانحين بتقديم 1.4 مليار دولار في أبريل لتغطية الاحتياجات الإنسانية للأشهر الستة المقبلة، ولكن ما تم جمعه بالفعل منها لا يتخطى 400 مليون دولار، وبالتالي فإن هذا النقص في المساعدات الإنسانية يُعزى في المقام الأول إلى نقص التمويل، ما أدى إلى تقييد الجهود المبذولة للاستجابة المبكرة للاحتياجات الإنسانية وتجنب المجاعة في القرن الأفريقي.
في سياق متصل، منذ المجاعة التي ضربت المنطقة في عام 2011، وأودت بحياة ما يزيد عن 260 ألف شخص، أصبح لدى المجتمع الدولي التزام أكبر تجاه الدول التي تعاني مجاعات، وخلال آخر موجة جفاف ضربت المنطقة بين عامي 2016 – 2017، أظهر المجتمع الدولي قدرته على تجنب المجاعة المدمرة بشكل فعال من خلال اتخاذ إجراءات فورية استجابة للجفاف، والتوسع المبكر في المساعدات الإنسانية.
لكن في الآونة الأخيرة، وعلى الرغم من الإنذار المبكر للمجاعة القادمة في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا منذ عام 2020، لم تُقدِم الدول الكبرى على تقديم المساعدات الطارئة المطلوبة، وانشغلت بقضايا دولية أخرى كانت أكثر إلحاحًا، من وجهة نظر المجتمع الدولي، عن قضية المجاعات في أفريقيا، وربما كانت أبرز هذه القضايا؛ التداعيات الاقتصادية لجائحة كوفيد 19، والمهاجرين الأفغان بعد استيلاء طالبان على الحكم في أفغانستان، ثم الحرب في أوكرانيا، هذه القضايا شغلت المجتمع الدولي، ووجه إليها الجزء الأكبر من التمويل، متجاهلًا النداءات المتكررة من منظمات الإغاثة لتجنب المجاعة في القرن الأفريقي، ومن ثم أدى نقص التمويل إلى تقييد الجهود المبذولة للاستجابة المبكرة.
ختامًا، مع اشتداد ظروف الجفاف، من غير المرجح أن تنحسر الاحتياجات الإنسانية الناشئة عن تغير المناخ في منطقة القرن الأفريقي قريبًا، في ظل توقع موجة جفاف خامسة بين أكتوبر وديسمبر القادمين، وللتغلب على التحديات المعقدة التي تواجهها المنطقة، وتقليل أثر الجفاف وتخفيف حدة المجاعات، يحتاج المانحون الدوليون إلى زيادة التمويل الإنساني الفوري والمستدام، لمنع الخسائر في الأرواح على نطاق واسع في جميع أنحاء القرن الأفريقي. وذلك بجانب، تنفيذ خطة طويلة الأجل للتكيف مع المناخ وبناء القدرة على الصمود في ضوء التدهور السريع للظروف المناخية، لتجنب مجاعات قادمة، أو الخروج منها بأقل الخسائر الممكنة.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية