الأزمة الأوكرانية

أداء سوق المعادن عالميًا بعد 100 يوم من الأزمة الأوكرانية؟

كان الربع الأول من عام 2022 بمثابة ضربة قاصمة لظهر الاقتصاد العالمي، حيث ازدادت حدة التوترات بين الجارتين روسيا وأوكرانيا وتطور الأمر ليصل إلى العمليات العسكرية الروسية على أوكرانيا في 24 فبراير الماضي، وحيث إن الاقتصاد والسياسة هما وجهان لعملة واحدة فقد كانت الحرب الاقتصادية تلوح في الأفق، إذ استخدم الغرب والولايات المتحدة الأمريكية سلاح العقوبات الاقتصادية لمحاولة إثناء روسيا عن الاستمرار في المعركة، لكن نظرًا لحجم روسيا الجغرافي وكونها مركزًا عالميًا لتصدير الطاقة والغذاء والمعادن، دفع بالحرب السلعية إلى الأفق ومكن استخدام روسيا لتلك الأدوات من الصمود، لكن كيف كان أداء أسواق المعادن قبل وخلال الأزمة الأوكرانية؟

تعد روسيا مصدرًا رئيسًا للمعادن الصناعية عالميًا، وعادة ما يتم تقسيم المعادن إلى قسمين هما، المعادن الثمينة، وهي الذهب – الفضة – البلاتينيوم – البلاديوم، ومعادن ثمينة أخرى وهي الروديوم والروثينيوم والأوزميوم والإيريديوم والرينيوم والإنديوم، والقسم الثاني، المعادن الأساسية، وهي تلك التي يتم استخدامها بشكل واسع في التطبيقات التجارية والصناعية والتي تشمل الألومنيوم – النحاس – الحديد – الرصاص – الموليبدينوم – النيكل – الصلب – القصدير – الزنك.

تحتوي المعادن الثمينة على عناصر طبيعية ذات قيمة اقتصادية عالية من حيث كونها تدخل في العديد من الصناعات المهمة، مثل الإلكترونيات والمجوهرات، والمحولات الحفازة، وحيث إنها تصنف على أنها ثمينة فهناك طلب آخر يتولد عليها من جانب المستثمرين الراغبين في حفظ أموالهم في مخزن للقيمة، أو من جانب المضاربين الراغبين في تحقيق أرباح من التقلب في أسعار تلك المعادن. أما عن باقي المعادن والتي تسمي بالمعادن الأساسية فهي مجموعة من المعادن التي يتم استخدامها على نطاق واسع في العمليات الصناعية والتجارية.

تمتلك روسيا حصة كبيرة في سوق المعادن عالميًا، خاصة في معدن البلاديوم والذي تشارك فيه روسيا بحوالي 40% من الإنتاج العالمي، ويستخدم بالأساس في صنع المحولات الحفازة التي تدخل في صناعة السيارات، ومعدات طب الأسنان وقطع الإلكترونيات، وتشارك روسيا بحوالي 10% من سوق الذهب العالمي، و7% في سوق النيكل، و 6% في سوق الألمونيوم، و4% في سوق الكوبلت، و4% في سوق الصلب، و3.5% في سوق النحاس. لكن حال النظر إلى احتياطيات روسيا من تلك المعادن فهي تمتلك أيضًا حوالي 30% من الحديد في العالم وفقًا لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية والمعادن.

الشكل 1 : أداء معدني الذهب والفضة خلال الفترة من 2020 – المصدر Investing

ارتفعت أسعار معدني الذهب والفضة منذ عام 2020 بحوالي 50% للذهب و 30% للفضة، خشية من حالات الإغلاق العالمي ودخول الاقتصاد العالمي في حالة من الركود، ومن ثم هرع المستثمرون والمضاربون لتحويل أموالهم إلى المعادن الثمينة في محاولة للاحتفاظ بقيمتها، وشهدت تلك الفترة حالة كبيرة من التيسير النقدي (طباعة الأموال وضخها في السوق بهدف تحفيز الطلب) وذلك في محاولة للحفاظ على معدلات الطلب عند مستويات معقولة لتحفيز المواطنين على الإنفاق ومن ثم الحفاظ على عجلة الاقتصاد.

لكن، وما أن عادت الاقتصاديات عالميًا للانفتاح مرة أخرى، حتى أشارت البنوك المركزية عالميًا إلى إمكانية البدء في رفع أسعار الفائدة كمحاولة لامتصاص السيولة الزائدة من السوق. ومن المعروف عالميًا أن أي رفع في أسعار الفائدة يترتب عليه تحول المستثمرين لادخار أموالهم في عملة الدولار الأمريكي والاستغناء عن المعادن النفيسة، وهو ما يعني أن الذهب والدولار بدائل للاحتفاظ بالقيمة بشكل عام.

لكن الحرب الروسية الأوكرانية كسرت تلك الروابط بين العملات النفيسة والدولار، حيث تسببت تلك الحرب في ارتفاع أسعار معظم السلع الأساسية عالميًا، وترتب على ذلك زيادة الطلب على العملات النفيسة كمخزن للقيمة حتى تظهر أي بوادر للأفق السياسي للحل بين روسيا وأوكرانيا، وتسببت تلك الحرب في ارتفاع سعر الذهب بحوالي 15%، أما عن أسعار الفضة فقد ارتفعت هي الأخرى بحوالي 23%، لكن السياسة الانكماشية التي اتبعتها الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلفها باقي دول العالم ترتب عليها حالة من التخوف عالميًا من احتمالية حدوث انكماش وانخفاض الطلب عالميًا.

ترتب علي تلك الارتفاعات في أسعار الفائدة والسياسة الانكماشية التي طبقها العالم بغية السيطرة علي معدلات التضخم التي أصبحت الأعلى منذ عقود، حيث تخطت 8% في الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، ومن ثم فقد كان لتلك الارتفاعات في أسعار الفائدة اثر كبير على توقعات العالم تجاه معدلات الطلب عالميًا، وهو ما يعني احتمالية التأثير على النشاط الصناعي عالميًا بشكل سلبي ومن ثم انخفاض الطلب على تلك المعادن مستقبلًا، وعليه فقد انخفضت أسعار المعادن  خاصة الصناعية منها 25% من قيمتها منذ شهر أبريل الماضي، حيث انخفض سعر معدن النحاس من 4.98 دولار لكل باوند ليصل إلى سعر 3.42 دولار للباوند بتاريخ 07/06/2022 ، أي نسبة انخفاض بحوالي 31.3% خلال 3 أشهر. البلاتينيوم هو الآخر انخفض بنسبة 27.99% خلال ثلاثة أشهر (حيث انخفض من 1190 دولارًا لكل أونصة في شهر مارس ليصل إلى 845 دولارًا للأونصة الواحدة).

ختامًا، كان للسياسات النقدية الانكماشية عالميًا أثر كبير على أسعار المعادن النفيسة والصناعية، حيث إن ذلك الرفع في أسعار الفائدة والمتوقع أن يستمر خلال العام 2022 والربع الأول من عام 2023 حتى تعود معدلات التضخم للهدوء، ترتب عليه وجود تكهنات حول احتمالية تأثر الطلب بشكل كبير وهو ما ترتب عليه انخفاضات كبيرة في أسعار المعادن الصناعية والنفيسة، ومن المتوقع أن تستمر أسعار تلك المعادن في الانخفاض خلال العام 2022 والربع الأول من عام 2023، قبل أن تعود للاستقرار والهدوء أو الارتفاع بنسب بسيطة خلال السنوات المقبلة.

+ posts

باحث ببرنامج السياسات العامة

أحمد بيومي

باحث ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى