دول المشرق العربيأسواق وقضايا الطاقة

لبنان ومعادلة الغاز الطبيعي الضائعة

شغل موضوع الثروة النفطية اللبنانية المفترضة الرأي العام المحلي والعالمي؛ كون من شأن ثبوته أن يؤدي إلى تغيير وجه ومستقبل لبنان، ليحوله من بلد يعيش تحت الديون إلى بلد نفطي. واستبشر الشعب اللبناني خيرًا عندما اكتُشفت كميات من الغاز الطبيعي في مياه بلادهم الاقتصادية، لكن هذا الأمر أسال لعاب إسرائيل والتي بدأت في وضع العراقيل أمام استخراج الغاز اللبناني، وتعثرت عمليات البحث والتنقيب عن الغاز في المياه اللبنانية لأكثر من ثلاثة أعوام بفعل الأزمات السياسية والاقتصادية المستفحلة في لبنان.

وقد شغلت ثروة لبنان النفطية، وبالأخص الغاز الطبيعي، حيزًا كبيرًا من اهتمام الكثير من دول المنطقة على مدى السنوات الماضية، واختلفت التكهنات حول حجم تلك الثروات، وتوالت فصول الأحلام من أن لبنان سيدخل الغنى من بابه الواسع، وأن مشكلاتها آيلة للانتهاء، في حين ذهب البعض إلى الهجوم على طريقة استغلال هذه الثروة وهي لا تزال تحت باطن الأرض.

مدخل

يسعى الجميع إلى تقييم موارده ودول العالم تنفض الغبار عن مشاريعها الغازية المتوقفة، ولبنان يدفن ثرواته الموعودة تحت أطنان من رمال الخلافات والتناقضات. إنها معادلة الفرصة الضائعة التي يتفنن المسؤولون في حياكة حبائلها كل مرة، ففي غمرة النزاع على الحدود البحرية، بدأت إسرائيل فعليًا، عقد التحالفات والانتشار لوجستيًا في المنطقة الممتدة بين الخطين ٢٣ و٢۹ المتنازع عليها.

أدرك الشعب اللبناني مؤخّرًا أن الاهتمام العالمي الكبير بثروات الدولة اللبنانية ليس وليد اليوم واللحظة فمنذ عام ١۹٧٤، عندما كان لويس أبو شرف، وزيرًا للنفط والطاقة، وفاجأته الشركات العالمية والعاملة في قطاع النفط العالمي بطلبات الحصول على تراخيص للتنقيب والبحث في الجزء الشمالي من المياه اللبنانية، شمالي العاصمة بيروت، منح يومها تراخيص لبعضها مقابل أكثر من ١٥ مليون ليرة لكل شركة. ولكن مع اندلاع الحروب في بداية عام ١۹٧٥ أقفل الملف ليعاد فتحه بعد اتّفاق الطائف في عام ١۹۸۹، وتوالت العديد من الحكومات، وتشابكت الطوائف والأحزاب، وتقاطعت المصالح الشخصية بالوطنية في أسرار النفط والغاز الطبيعي، بما أرعب اللبنانيين وجنح بهم مجدّدًا للتبشير بتجدد الحروب الأهلية، ووقف الشعب اللبناني يراوح مكانه عائمًا بين الديون والأزمات السياسية.

البعد الجيوسياسي لصراع الغاز

تقع منطقة الشرق الأوسط عمومًا وشرق المتوسط خصوصًا في بقعة جغرافية تتميز بثقلٍ جيوسياسي واضح وقوي، وقد أعطت هذه الأهمية الجيوسياسية دولًا صغيرة جغرافيًا دورًا جيوسياسيًا ضخمًا وكبيرًا كان في معظم الأوقات أكبر من قدرتها على استيعابه أو اللعب ضمن شروطه، ما تُرجم في صورة مشاكل داخلية وإقليمية، أو نظم سياسية عصية على التطور السياسي لتلحق بباقي الدول الكبرى.

وما يهم هنا هو الطاقة، وبالأخص الغاز الطبيعي، ودوره في الصيغة الجيوسياسية والتي صبغت المنطقة، حيث ينعكس الواقع الجيوسياسي في طموحات الدول بكل وضوح وحساباتها الجيوستراتيجية. ويمكن تصنيفها ضمن دول كبرى والتي تعمل وفق استراتيجيات محددة ذات توجهات عالمية، ودول المنطقة والتي تحاول أن تجد لنفسها مكانًا في الصراع بين الاستراتيجيات الكبرى لتصريف إنتاجها من الموارد الطبيعية والسعي إلى تحقيق مصالحها القومية والاقتصادية في المنطقة.

لبنان وشرق المتوسط

ساد الاعتقاد الغامض خلال السنوات الطويلة الماضية بأنه لا موارد هائلة للطاقة بالنسبة إلى معظم الدول الواقعة شرقي البحر المتوسط، لكن المفاجئ أن الشركات العالمية أيقظت أنظمة جميع دول المنطقة وربما شعوبها على مناخاتٍ طاغية وجاذبة للبحث السريع والتنقيب والحفر في مياه المتوسط لاستخراج الاحتياطات الضخمة في هذه المنطقة من العالم.

يعد لبنان من الدول غير المنتجة للنفط والغاز الطبيعي، وهو ما يوضح اعتماده بشكل رئيس على استيراد الوقود والغاز الطبيعي من الخارج، ولكن سيظل السؤال ما هو سبب عدم إنتاج لبنان للغاز الطبيعي رغم أنه يقع في شرق البحر المتوسط، والذي شهد اكتشافات هائلة وبكميات تجارية كبيرة منذ عام ٢٠٠۹، أبرزها حقلا غاز لوثيان وتمار في المياه الإسرائيلية والواقعان بالقرب من حدود بحرية متنازع عليها مع لبنان، بالإضافة إلى حقل الغاز الطبيعي المصري ظُهر والذي غير من خريطة شرق المتوسط.

ومن الممكن إن يكون الصراع السياسي الذي يشهده لبنان منذ سنوات طويلة، مما أدى إلى حدوث أزمة اقتصادية بعيدة المدى، هو العدو الأول له في بطء محاولات البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي في المياه البحرية اللبنانية والتي تقع قرب حقول غاز هائلة ومياه تتمتع باحتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي.

ووفقًا لهيئة إدارة قطاع البترول في لبنان، يشير المسح ثنائي وثلاثي الأبعاد إلى احتمالية نجاح عمليات التنقيب في المياه البحرية اللبنانية، وإمكانية العثور على موارد من الغاز الطبيعي. وأكدت الدراسات الفنية في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط أن هذه المنطقة تحتوي على كميات كبيرة من الموارد والثروات الطبيعية، وبالأخص الغاز الطبيعي، وتبلغ مساحة المياه البحرية الخاضعة إلى لبنان حوالي ٢٢٬٧٣٠ ألف كيلومتر مربع، وتتضمن منطقة عازلة تمتد على طول الشاطئ وتبلغ مساحتها حوالي ١٢٠٠ كيلومتر، يُمنع فيها تنفيذ جميع الأنشطة البترولية.

وتنقسم المياه البحرية اللبنانية إلى حوالي ١٠ قطاعات على أساس خصائصها وتراكيبها الجيولوجية، وكانت أحدث محاولات لبنان نحو البحث واستكشاف النفط والتي تأخرت كثيرًا هي قيام تحالف شركات يضم شركة توتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية بحفر أول بئر استكشافيّة في المياه البحرية اللبنانية، في فبراير من عام ٢٠٢٠ بالقطاع رقم ٤.

لبنان وتاريخ التنقيب عن ثرواته النفطية

عند تتبع محاولات لبنان للبحث واستكشاف النفط والغاز الطبيعي والتشريعات التي اتخذها بشأن ذلك، نجد أن هناك فترات زمنية متباعدة تشير إلى بطء محاولات الدولة اللبنانية نحو اكتشاف النفط والغاز الطبيعي، والتي كان بعضها يشير إلى احتمال إيجاد ثروة نفطية تساعد على حل مشكلة استيراد كامل للوقود.

والبحث والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي في لبنان ليس مسألة بجديدة ولا هو بالاكتشاف المفاجئ، فمشاريع التنقيب اللبنانية يعود تاريخها إلى عام ١۹٢٦، حين أصدر المفوض السامي الفرنسي بونسو في ذلك الوقت تشريعًا أجاز فيه البحث والتنقيب عن النفط والمعادن واستثمارها واستخراجها، وقد أقر مجلس النواب قانون النفط البري وذلك في عام ١۹٣٣.

ومع بدايات عام ١۹٤٤، قامت شركة IPC، بأعمال الحفر في منطقة تربل شرق لبنان، ويحمر وسحمر في البقاع الغربي، وتل زنوب في البقاع، وعبرين شرق البترون، بالإضافة إلى منطقة عدلون في جنوب لبنان. وقد استندت آراء الجيولوجيين الذين أشرفوا على عمليات الحفر إلى إمكانية وجود غاز الميثان والموارد الهيدروكربونية الثقيلة.

ومثّل عام ١۹٧٤ تاريخًا مفصليًا في مسار عمليات البحث والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي اللبناني تشريعيًا، إذ أدخلت الدولة اللبنانية تعديلات جوهرية على قانون النفط، والتي بموجبها تسمح بالمباشرة بعمليات البحث والتنقيب عن النفط والغاز الطبيعي، دون أن تتمكن من تحقيق ذلك، بسبب اندلاع الحرب الأهلية في عام ١۹٧٥.

وتعاقبت الحكومات وتم غلق الملف لفترات طويلة. وعلى الرغم من توافر المعلومات عن وجود ثروة نفطية في لبنان، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تتحرك في هذا الملف حتى بداية عام ٢٠٠٢ وبحث الدولة اللبنانية عن مجالات جديدة لتأمين مداخيل إضافية للخزينة اللبنانية، فتعاقدت الحكومة مع شركة سبكتروم الانجليزية والتي قامت بإجراء مسح ثنائي الأبعاد غطى كامل الساحل اللبناني، وشملت خطوط المسح ما يقارب من حوالي ٢٠ ألف كيلومتر شرق البحر المتوسط، وبعض هذه الخطوط كان بمحاذاة الشاطئ، والبعض الآخر كان عموديًا عليه.

وقد وصل المسح إلى مسافة حوالي ١٦٠ كيلومتر في عمق البحر بين قبرص ولبنان، وأشار تقرير الشركة في ذلك الوقت إلى إمكانية وجود النفط والغاز الطبيعي على السواحل اللبنانية بنسبة كبيرة، ولكن الخطط الموضوعة للمباشرة بالبحث والتنقيب تم تجميدها مجددًا بعد التطورات السياسية والأمنية التي وقعت في لبنان، وذلك ما بين عامي ٢٠٠٥ (اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية رفيق الحريري) وحرب ٢٠٠٦ وما أعقبها من أوضاع سياسية وأمنية، إلى أن تسلمت وزارة الطاقة اللبنانية في عام ٢٠١٥ المسوحات الجيوفيزيائية الجوية الخاصة عن النفط والتي نفذتها شركة Geos Neos Solution وحددت فيها أماكن النفط والغاز الطبيعي الممتد على طول الساحل اللبناني البحري مع خط بري يمتد بين البترون واللبوة بطول ٦٥ كيلومترًا مخترقًا ٢٦ بلدة وقرية.

وفي مايو 2020، انتهى تحالف شركات توتال الفرنسية وإيني الإيطالية ونوفاتيك الروسية من حفر بئر الاستكشاف الأولى في المياه البحرية اللبنانية، والتي وصلت إلى عمق حوالي ٤٠٧٦ مترًا من سطح البحر وفي مياه عمقها حوالي ١٥٠٠ متر، وبالفعل اكتُشفت آثار للغاز الطبيعي، مما يؤكد وجود وعمل النظام الهيدروكربوني في المياه البحرية اللبنانية، ولكنه ليس باكتشاف تجاري ذي جدوى من استخراجه بسبب تكاليف الإنتاج الضخمة في المياه العميقة.

ورغم أن الاكتشاف ليس تجاريًا، فإن حفر البئر في القطاع رقم ٤ ساعد في تجميع وتوفير المعلومات والبيانات الفنية التي تسهم في تحليل الفرص الهيدروكربونية بالمياه اللبنانية، تمهيدًا لتحديد موقع حفر في القطاع رقم ۹، وإنهاء دراسة تقييم الأثر البيئي لأعمال الاستكشاف. والجدير بالذكر أن الحكومة اللبنانية وقعت في عام ٢٠١۸ عقودًا مع الشركات الثلاث للتنقيب والبحث عن النفط والغاز الطبيعي في المنطقتين رقم ٤ و۹.

قيمة المخزون النفطي اللبناني

قُدرت الاحتياطيات النفطية طبقًا للدراسات الفنية والتي تمت بواسطة شركة سبكتروم بحوالي ۹٥ تريليون قدم مكعبة من الغاز و۹٠٠ مليون برميل نفط (غير مؤكدة) في المنطقة الاقتصادية الخاصة، ووصلت القيمة المالية المقدرة للغاز الطبيعي إلى حوالي ٦٠٠ مليار دولار، والقيمة المالية المقدرة للنفط إلى حوالي ٤٥٠ مليار دولار (يجب الإشارة إلى أن هذه البيانات تقديرية ولم تؤكد بعمليات الحفر).

اقتصاديًا وبشكل مواز، كانت توقعات الخبراء الماليين والاقتصاديين متفائلة بارتفاع قيمة الناتج المحلي إلى حوالي أكثر من ١٠٠ مليار دولار في حال بدء الاستفادة من إنتاج النفط والغاز الطبيعي وإيراداتهما، فقطاع النفط والغاز الطبيعي سيؤثر بشكل إيجابي فيما يتعلق بتوفير إمدادات الطاقة، بما يساعد على خفض معدلات الاعتماد على الموارد الخارجية، وسيساعد على تقليص الدين العام (الذي يأتي جزء كبير منه من دعم قطاع الطاقة وخاصة الكهرباء) وهو الأمر الذي سيؤدي إلى نمو الناتج المحلي اللبناني.

الاكتفاء الذاتي من الغاز

هناك العديد من الدراسات الواعدة التي تؤكد أن المياه اللبنانية تحتوي على كميات كبيرة من الغاز الطبيعي، ولدى العمل على استخراج هذه الكميات سيتحول لبنان من دولة مستوردة للطاقة إلى دولة منتجة لديها اكتفاء ذاتي. ذلك بالإضافة لدراسة أخري أعدها بنك فرنسبنك في لبنان، ونقلها موقع اتحاد المصارف العربية، وتؤكد أن المسوحات التي قامت بها شركات بريطانية ونرويجية وأمريكية توضح وجود احتياطات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي في المياه اللبنانية قُدرت بحوالي ٣٠ تريليون قدم مكعبو من الغاز الطبيعي وحوالي ٦٦٠ مليون برميل من النفط السائل.

ذلك مع الأخذ في الحسبان إن مساحة المياه الخاضعة للمسح هي ١٠٪ فقط، وإن تضاربت الأرقام ولكن تظل هناك كميات اقتصادية من النفط والغاز الطبيعي في المياه اللبنانية. وترى تلك الدراسة الفنية أنه بناءً على تقديرات الجهات العالمية المتخصصة بشأن الاحتياطيات الهيدروكربونية المتوقعة، فإن قيمة احتياطات الغاز الطبيعي في لبنان تُقدر بحوالي أكثر من ١٦٠ مليار دولار، في حين تُقدَّر قيمة احتياطات النفط بنحو بحوالي أكثر من ۹٠ مليار دولار وذلك حتى عام ٢٠٤٠، وبناءً على تلك الحسابات، فإن قيمة إنتاج الغاز الطبيعي سنويًا ستكون في حدود حوالي ۸٬٥ مليار دولار، وللنفط نحو حوالي ٥ مليار دولار.

يقف لبنان بين جسر الصراع السياسي وصعوبات الإنتاج

أكدت دراسة مصرف فرنسبنك أن عائدات النفط والغاز الطبيعي المحتملة ستكون ذات مساهمة مهمة وقوية ومؤثرة في الاقتصاد اللبناني؛ إذ من المقرر أن تسهم في خفض حجم واردات الدولة اللبنانية من الطاقة، وهو الأمر الذي يعمل على تقليص العجز التجاري ويسهم في ضبط عجز الموازنة، بالإضافة إلى إنه من المتوقع أن يؤدي استخراج النفط والغاز الطبيعي إلى وجود فرصة حقيقية ومهمة لتطوير إمكانات لبنان على صعيد الطاقة البديلة، مما يعزز معدلات النمو الاقتصادي مستقبلًا، بالإضافة إلى خفض معدلات البطالة محليًا.

ولكن على الرغم من تفاؤل مصرف “فرانس بنك” في حالة تحقيق تلك التقديرات بشأن احتياطيات النفط والغاز الطبيعي المحتملة، فإنها أشارت كذلك إلى أن استخراج النفط والغاز الطبيعي يتطلب فترة طويلة نسبيًا قد تمتد إلى أكثر من ١٠ سنوات، بالإضافة إلى التكلفة المرتفعة لعمليات البحث والتنقيب، والتي قد تصل إلى نحو ١٥٠ مليون دولار للبئر الواحدة، وذلك وفقًا لتقديرات المصرف اللبناني، بالإضافة إلى المعوقات السياسية والصراعات.

وأثارت مطالبة سيزار معلوف نائب البرلمان السفيرة الأمريكية العام الماضي بضرورة السماح للبنان باستخراج النفط والغاز الطبيعي، العديد من التساؤلات وعلامات الاستفهام حول وجود تدخلات دولية قد تقف حائلًا أمام الدولة اللبنانية لاستخراج الغاز الطبيعي نتيجة الخلافات السياسية والتاريخية حول الحدود البحرية بين دولة لبنان وإسرائيل، وقائلًا نريد أولًا أن تسمح السفيرة الأمريكية لنا باستخراج النفط والغاز من لبنان، نحن لا نريد حلًا مؤقتًا، بل حلًا دائمًا ونحن نتحدث عن دولة منتجة.

وتضمن أول عقد للتنقيب الذي وقعه لبنان في عام ٢٠١۸ قطاعين، يقع إحداهما في الجزء المتنازع عليه مع إسرائيل، وهو القطاع رقم ۹. وفي مايو من عام ٢٠٢١، عُقدت الجولة الخامسة من المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وبرعاية الأمم المتحدة وبوساطة الولايات المتحدة الأمريكية، وسط إصرار الجانب اللبناني على حقه في حدوده البحرية، وفقًا لقانون البحار المتعارف عليه دوليًا، فقد رأى رئيس مجلس النواب، نبيه بري، في تصريحات سابقة، أن عملية التوصل إلى اتفاق بشأن الحدود البحرية من شأنه أن يدفع إلى البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي في القطاعين ٤ و۹، وسوف يكون من أحد أهم أسباب سداد الديون اللبنانية. وكان بري قد أكد في ذلك الوقت، أنه طلب من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الضغط على شركة توتال لعدم تأجيل التنقيب عن الغاز في المنطقة البحرية الممتدة بطول المنطقة المتنازع عليها.

مجمل القول، إن موضوع الثروة النفطية اللبنانية قد فُتح على مصراعيه، وعلى الحكومة اللبنانية أن تعمد إلى عمل كل ما يلزم للشروع في هذه العملية المعقدة والتي تستلزم حسب الخبراء ما لا يقل عن خمسة عشر عامًا قبل أن يبدأ لبنان الاستفادة من هذه الثروة الهائلة. والحكومة مدعوة كذلك إلى اتخاذ إجراءات قانونية سريعة للحفاظ على حقوقها في هذا النفط الواقع قبالة السواحل اللبنانية؛ إذ إن موضوع الغاز اللبناني يتخطى الجانب الاقتصادي، ولا يمكن الاقتصار في حساباته على مفهوم الربح والخسارة والجدوى الاقتصادية فحسب، فالمنطقة تُمثل شبكة معقدة من المصالح الدولية والإقليمية.

ومن ثم، فعلى لبنان أن يعد دراسة سياسية مفصلة في المقام الأول، تترافق مع دراسة اقتصادية كبيرة، لتحديد مكامن القوة لديه، ثم تحديد خيوط الصراع الكبير التي يمكن له أن يناور ضمنها؛ بغية الوصول إلى ما يمكن أن يقدمه ليكون جزءًا من اللعبة الكبرى ليحفظ حقوقه وثرواته، ولكي يتمكن من استغلال ثرواته الطبيعية من دون أن يشهد صراعًا عليه ويتحول إلى بقعة أزمات حادة وطويلة الأمد.

+ posts

دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة

د. أحمد سلطان

دكتور مهندس متخصص في شؤون النفط والطاقة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى