
مع بداية فبراير الحالي انتهجت الرئاسة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي استراتيجية أفريقية لمواجهة التغيرات المناخية بالقارة، في ضوء استضافة مصر لقمة المناخ Cop 27 في نوفمبر المقبل، تقوم على مبدأي “تحمل الدول الكبرى فاتورة تأخر الدول الأفريقية الناتج من الاستعمار وعدم استغلال القارة لثرواتها، من خلال التوزيع العادل والموضوعي والاستخدام الأمثل لثروات القارة، وإعطاء فترة انتقالية أكبر للقارة للتحول الأخضر”.
وذلك بالعمل على محورين رئيسين هما “تحقيق الأمن والسلم الأفريقي، وإعادة إعمار البنية التحتية وتحقيق التنمية” لمواجهة تلك التغيرات المناخية. وذلك هو محور الأجندة المصرية خلال زيارة الرئيس إلى العاصمة البلجيكية بروكسل لحضور الدورة السادسة لقمة “المشاركة بين الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي” على مدار يومي ١٧ و١٨ فبراير الجاري بمقر الاتحاد الأوروبي. فكيف سيسهم التقارب المصري الأوروبي في تنفيذ الاستراتيجية المصرية لتحقيق الرؤية الأفريقية الموحدة لمواجهة التغيرات المناخية، وما هي محاورها؟
التقارب المصري الأوروبي
ظهر التقارب المصري الأوروبي في مجال المناخ في المشاركة المصرية في القمة الأفريقية الأوروبية ببروكسل بعنوان “أفريقيا وأوروبا: قارتان برؤية مشتركة حتى ٢٠٣٠” في دورته السادسة، والتي ستنعقد على مدار يومي ١٧ و١٨ فبراير الجاري بمقر الاتحاد الأوروبي.
وهذه وهي ليست الأولى من نوعها لمناقشة أجندة التغيرات المناخية الأفريقية على طاولة الاتحاد الأوروبي خلال هذا الشهر؛ ففي ضوء استضافة مصر المنتظرة لمؤتمر المناخ في نوفمبر المقبل شارك الرئيس السيسي في أعمال قمة “محيط واحد” بمدينة بريست الفرنسية، والتقى عددًا من الدبلوماسيين والساسة الأوروبيين؛ كرئيس الوزراء النرويجي يوناس جاهر ستوره، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون ديرلاين، على هامش أعمال القمة، والتقى في القاهرة ووزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، إلى جانب الشراكة مع القطاع الخاص من خلال لقاء عدد من المستثمرين الأجانب في مجالات الطاقة بالقاهرة.
وتنبع الأهمية المصرية للقارة الأوروبية من كونها بوابة أفريقيا، ووقوعها على أكبر ممر ملاحي دولي هو قناة السويس، ويحدها البحران الأبيض والمتوسط، وتلعب دورًا محوريًا استراتيجيًا مع الدول الواقعة على ممري البحرين الدوليين، مما يسهم في حفظ أمن واستقرار المنطقة، وبالتالي عدم تهديد الدول الأوروبية بالاضطرابات الموجودة في القارة والتي تؤثر على ملف الهجرة غير الشرعية، والاقتصاد الأوروبي.
هذا إلى جانب اكتشافات وإنتاج الغاز في المتوسط، بما سيحول مصر إلى مركز إقليمي لإنتاج وتداول الطاقة فى شرق البحر المتوسط، والذي بدوره لن يكون بمعزل عن تحقيق الأمن البيئي والعسكري للحفاظ على الموارد الطبيعية والاقتصادية للقارتين الأوروبية والأفريقية.
وعلى الرغم من كون هذه القمة دورية، وتعد الدورة الحالية هي المرة السادسة لأعمال القمة الأفريقية الأوروبية التي بدأت منذ عام 2000 والتي شهدت تأسيس آليات المشاركة بين الجانبين من خلال “خطة عمل القاهرة”؛ إلا ان هذه النسخة لها دلائل ورمزية أكبر تتمثل في استضافة مصر قمة المناخ المقبلة من ناحية، وتولي فرنسا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي منذ يناير المقبل من جهة أخرى.
وذلك خاصة مع إعلان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر صحفي في 9 ديسمبر الماضي عن كون القمة الحالية ستكون بمثابة “إصلاح جذري” للعلاقات التي أسماها “المتعبة” بين القارتين، من خلال إعادة تأسيس عقد اقتصادي ومالي مع أفريقيا، ووضع استراتيجية مشتركة تعتمد على تطبيق سياسات واضحة في ملفات “التعليم والصحة والمناخ” بالقارة، في ضوء تأثير التحديات الأفريقية على الدول الأوروبية؛ فانعدام الأمن وانتشار الإرهاب والأوبئة قد يعيق التنمية ويهدد أمن البحار الدولية بوصفها ممرات للتجارة العالمية وبالتالي الاستثمارات الأجنبية في القارة، إلى جانب قضايا الهجرة غير الشرعية.
وقد أظهرت جائحة كورونا كذلك الحاجة إلى التعاون الدولي للقضاء على الوباء ووضع سياسات عادلة بشأن توزيع اللقاحات، وهو ما ينطبق أيضًا على سياسات مواجهة التغيرات المناخية وبحث سبل تمويل تلك السياسات. وبالتالي تتوافق الأجندة المصرية تجاه قضايا المناخ في القارة الأفريقية والعقد الاجتماعي الاقتصادي الجديد الذي يتولاه الاتحاد الأوروبي تجاه القارة الأفريقية في ظل الرئاسة الفرنسية.
الرؤية المصرية الأفريقية الموحدة تجاه قضايا المناخ في القارة
يمكن تحديد الاستراتيجية المصرية لمواجهة التغيرات المناخية في أفريقيا من خلال مواجهة التحديات التي تقف حائلًا أمام مواجهة هذه التغيرات، وعلى رأسها تحسين خدمات البنية التحتية للدول الأفريقية، وتحقيق الأمن والسلم القاري من خلال أعمال التنمية ومواجهة الفكر المتطرف، وهو ما يصب في مصلحة الشعوب الأفريقية، والبدء في اتخاذ إجراءات فورية للوصول إلى إجراءات تنفيذية فاعلة تتوافق واحتياجات القارة. ويمكن طرح الإجراءات في التالي:
تحقيق السلم والأمن: تعاني القارة الأفريقية من حالة من عدم الاستقرار السياسي، وانتشار الفكر المتطرف، ووجود مناطق للبؤر الإرهابية وعلى رأسها منطقة الساحل والصحراء، مما جعلها على رأس أجندة الاتحاد الأفريقي في ظل رئاسة السنغال للدورة الحالية.
وهو ما ظهر في إشادرة وزيرة خارجية ألمانيا بالدور المصري المحوري في إرساء مبادئ التسامح وتعزيز الدور الانساني من خلال استقبال وإدماج الملايين من اللاجئين في المجتمع المصري، واعتبارها نموذجًا يجب أن يُحتذى به في الإقليم والعالم. وكذلك تشديد الرئيس الفرنسي ماكرون على أهمية الدور المصري في صون المؤسسات الوطنية الليبية وتعزيز مسار التسوية السياسية للأزمة، والعمل على التنسيق لخروج القوات المرتزقة والأجنبية بكافة أشكالها من الأراضي الليبية، والقضاء على الإرهاب.
ولتحقيق الأمن يجب العمل على تحقيق التنمية في البلدان الأفريقية من خلال تبني مبادئ التكامل والمصالح المشتركة، وعلاج جذور المشكلة، وبناء الدول الوطنية، من خلال العمل المشترك بين الحكومات الأفريقية والأوروبية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص لتنفيذ أجندة مشتركة لمواجهة التحديات المشتركة، لا سيّما وأن تحقيق الاستقرار سينعكس بالتالي على الاستثمارات وإنعاش الخطط الاقتصادية، واستغلال الموارد والثروات بالشكل الأمثل.
تحقيق التنمية وتعزيز البنية التحتية: أدى التنافس الدولي في القارة الأفريقية إلى تأخر القارة عن الركب العالمي، فتعاني الدول الأفريقية ضعفًا في البنى التحتية ونقل التكنولوجيا والعناصر البشرية المدربة، وهو ما طالب به الرئيس السيسي خلال أعمال مؤتمر ايجيبس بأن تنقل الشركات الدولية لحكوماتها حاجتها للدول الأفريقية بكونها ثاني أكبر سوق بعد السوق الآسيوية، وبالتالي سينعكس تحولها إلى سوق غنية على الحالة الاقتصادية الدولية، وجعلها سوقًا قادرة على الشراء من الدول الصناعية الكبرى.
وهو أيضًا ما ستشهده أعمال القمة الأفريقية/الأوروبية، من خلال مناقشة سبل تعزيز الجهود الدولية لتيسير إدماج القارة الأفريقية في الاقتصاد العالمي، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة 2030، ونقل التكنولوجيا ودفع حركة الاستثمار الأجنبي إليها، خاصة في مجالات الطاقة والنقل والمواصلات والكهرباء والتكنولوجيا والطاقة النظيفة والمتجددة، وتمكين الدول النامية من زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، في ظل ما تعاني منه ما يقرب من نصف القارة من عدم وجود مصادر للحصول على الطاقة، واستمرار العديد من الدول الأفريقية في الاعتماد على المصادر الضارة بالبيئة وفقًا لتصريحات أماني أبوزيد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي للبنية التحتية والطاقة.
يضعنا الطرح السابق أمام حقيقة أن مشكلات الأمن والتنمية وعدم توافر بنية تحتية سليمة للعديد من الدول الأفريقية والتي كلفت مصر ما يقرب من 400 مليار دولار في قطاعات النقل والكهرباء والاتصالات، قد تعيق تنفيذ سياسات التغيرات المناخية دون التكاتف الدولي لتمويل تلك السياسات وإعطاء فرصة أكبر للدول الأفريقية للتنفيذ.
فتعمل الدولة المصرية على الحشد الدولي لمواجهة تلك التحديات التي تعاني منها القارة، لما لها من آثار في لحاق القارة الأفريقية بركب التطور، والقدرة على مواجهة تلك التغيرات من خلال العمل على مواجهة جذور المشكلات وتحديات التنمية، للخروج بمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة لمواجهة التحديات المناخية COP27، والذي ستستضيفه مصر، بقرارات عادلة وموضوعية قابلة للتنفيذ تتماشي وإمكانيات الدول الأفريقية والتي تحتاج لتعزيز سبل التمويل لمواجهة التحديات التي تواجه القارة من قضايا المناخ ودعم القضايا الصحية والتعليم والتدريب ونقل التكنولوجيا الحديثة.
وذلك لتحقيق إعادة إعمار كامل للإنسانية القائم على التكامل الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، لتحقيق الأسباب “الإنسانية والأخلاقية والاقتصادية” من خلال التعاون المشترك، والذي سينعكس بالضرورة على مواجهة التحديات الدولية وتحسين سبل الاقتصاد الدولي، وهو ما سنشهده خلال أجندة الرئيس أثناء زيارته إلى بروكسل من خلق الشراكات مع القطاع الخاص واللقاءات الثنائية مع رؤساء دول وحكومات الدول الأوروبية.
باحثة بالمرصد المصري



