أفريقيا

الاتحاد الأفريقي 2022: أولويات وتحديات

تحت شعار “بناء المرونة في التغذية في القارة الأفريقية: تسريع رأس المال البشري والتنمية الاجتماعية والاقتصادية”، عُقدت قمة الاتحاد الأفريقي الخامسة والثلاثين لرؤساء الدول والحكومات الأفريقية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، يومي الخامس والسادس من فبراير الجاري. وسلطت القمة الضوء على التحديات الجماعية التي تواجه القارة، بوصفها مرجعية للتحديات وما تم تحقيقه من أهداف وخطط التنمية، التي باتت تواجه عراقيل في سبيل انجازها –خاصة الخطة العشرية الأولى لأجندة التنمية الأفريقية- ليس أقلها قضايا التمويل في ظل استمرار اعتماد الاتحاد في تمويله على المنح والشراكات، وليس أكثرها انتشار الجائحة وما تسببت فيه من ضغوط على الأنظمة الصحية الأفريقية المتداعية بالفعل، واستمرار محدودية نسب حصول الدول الأفريقية على اللقاحات.

وتعكس قمة رؤساء الدول والحكومات التي تعقد سنويًا أولويات وتحديات القارة، في ضوء التطورات والقضايا التي تفرض نفسها على أجندة الاتحاد. واتصالًا بمواضيع القمة هذا العام وما طُرح من قضايا للنقاش، تتأكد نفس أولويات التنمية والأمن الأفريقي التي وضعت من أجلها أهداف التنمية الأفريقية 2063، التي يواجه تحقيق أهدافها تحديات شديدة مع تفاقم الأزمات بدلًا من تراجعها وفقًا لما وُضع لمواجهتها من خطط وأولويات. وفي ضوء ذلك، تناولت أجندة القمة القضايا الأبرز على الساحة الأفريقية، والتي بحاجة إلى مزيد من العمل الجماعي لإيجاد الحلول الأفريقية للمشكلات الأفريقية.

أولويات الجماعية الأفريقية

بحلول هذا العام، مرّ عقدان على تأسيس الاتحاد الأفريقي عام 2002 بديلًا عن منظمة الوحدة الأفريقية التي كان هدفها الأسمى مواجهة الاستعمار والنضال من أجل استقلال الدول الأفريقية. وبعد أن حصلت الدول الأفريقية على استقلالها وتغير موقع القارة الأفريقية من النظام الدولي بعد انتهاء الحرب الباردة، كان من الأهمية بمكان إعادة صياغة الدور بما يتناسب مع الطموحات الجماعية الأفريقية، فتحولت منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد الأفريقي؛ واضعًا مجموعة من الأهداف المتمثلة في تحقيق الوحدة والتضامن بين الشعوب الأفريقية، والتعجيل بتكامل القارة السياسي والاجتماعي والاقتصادي، مع العمل على تعزيز التنمية المستدامة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

ذلك علاوة على تكامل الاقتصادات الأفريقية، وتهيئة الظروف التي تمكّن القارة من لعب دور في الاقتصاد العالمي، مع تشجيع التعاون الدولي والعمل مع الشركاء. وعلى جانب آخر، استهدف ميثاق الاتحاد تعزيز المبادئ والمؤسسات الديمقراطية والمشاركة الشعبية والحكم الرشيد، والعمل على تعزيز السلام والأمن والاستقرار في القارة.

وفي ضوء تلك الأهداف وما يتسق معها من أولويات التنمية الأفريقية 2063، أضحت القمة الأفريقية حدثًا سنويًا من خلاله يتم متابعة ما تحقق من إنجازات في أجندة التنمية وما طرأ من أولويات وتحديات. ويحمل موضوع القمة سنويًا موضوعًا ضمن موضوعات وأوليات القارة الجماعية. 

  • ويأتي الأمن الغذائي موضوعًا لهذا العام، في ضوء التحديات التي تشهدها دول القارة فيما يتعلق بالأمن الغذائي، وما يرتبط به من مسببات بيئية وسياسية واقتصادية. وجاء الأمن الغذائي ضمن الأهداف والطموحات لأجندة التنمية الأفريقية، التي وضعت تمتع السكان الأفارقة بالصحة والتغذية الجيدة، مع وضع مجموعة من الأهداف المرتبطة بالقضاء على كافة أشكال انعدام الأمن الغذائي، بما في ذلك من خفض نسب التقزم وانخفاض الوزن بين الأطفال بنسب تصل إلى 10%، 5% بحلول عام 2025. 

لكن على خلاف الطموحات والأهداف، تشير التقارير والمؤشرات إلى تفاقم انعدام الأمن الغذائي في أغلب مناطق ودول القارة، إما بسبب الجفاف وتغير أنماط سقوط الأمطار وما يرتبط به من مظاهر التغير المناخي، أو بسبب الصراعات وتاُيرها على أوضاع الأمن الغذائي للسكان المتضررين والنازحين في العديد من الدول بما في ذلك إثيوبيا والصومال وجنوب السودان ومناطق الساحل وغيرها. وهو الوضع الذي يفرض على الدول والحكومات ضرورة الانتباه إلى أوضاع الأمن الغذائي، التي تحتاج إلى تضافر الاستجابات السياسية والإنسانية.

  • واتصالًا بقضايا الأمن الغذائي، فإن التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تزال تمثل إحدى أهم الأولويات الأفريقية، في ضوء أجندة التنمية الأفريقية، والأولويات الأفريقية لتحقيق مؤشرات متقدمة اجتماعيًا واقتصاديًا. ولعل تدشين منطقة التجارة الحرة القارية يمثل أعلى تحرك أفريقي مشترك لتعزيز حلم التكامل الاقتصادي الأفريقي.

ولا يزال حلم التكامل والتنمية الاقتصادية يواجه تحديات تؤثر على قدرة الحكومات على تحقيق والحفاظ على معدلات نمو أسرع، في ظل ما يواجه الأنظمة السياسية من صراعات وتراجع مستويات الحوكمة وانتشار الفساد، وغيرها من الظروف التي تحيط بالاقتصادات المحلية، بما يؤثر على المؤشرات الاقتصادية الكلية، وهي الأحوال التي تؤثر على خطوات التكامل وفي نفس الوقت تدفع نحو أهميته.

  • ولا ينفصل الأمن الصحي، عن غيره من الأهداف التي تناولتها القمة، بل ووضعتها أجندات التنمية الأفريقية هدفًا جماعيًا مشتركًا، فقبل معاناة القارة مع تداعيات جائحة كورونا وتأثيرها على النظم الصحية الأفريقية، فإن القارة عانت على مدار تاريخها من انتشار الأمراض والأوبئة، إلى الحد الذي جعل مواجهة تلك الأوبئة هدفًا ضمن الأهداف التي اشتمل عليها ميثاق الاتحاد الأفريقي الذي نصّ في مادته الثالثة على “العمل مع الشركاء الدوليين ذوي الصلة للقضاء على الأوبئة التي يمكن الوقاية منها وتعزيز الصحة الجيدة في القارة”. 

وكذا، اشتملت أجندة التنمية الأفريقية أيضًا على أهداف القضاء على الأمراض الاستوائية والسيطرة على الأمراض المعدية وغير المعدية وتيسير خدمات الرعاية الصحية للمواطنين. وبعد سنوات من وضع تلك الأهداف والمعاناة التي تعاني منها القارة، فإن انتشار “وباء كورونا” جاء ليفاقم من التحديات الصحية التي تعاني منها الأنظمة الصحية للدول الأفريقية، ولا يزال أمر عدالة توزيع لقاحات فيروس كورونا أحد أهم الأولويات الأفريقية التي يجب أن تعمل عليها المؤسسة القارية بالتعاون مع المؤسسات متعددة الأطراف والدول الشريكة، في إطار تعزيز أهداف التعاون مع الشركاء الدوليين.

  • تأتي مواجهة التغير المناخي ضمن الأهداف التنموية التي نصت عليها أجندة التنمية الأفريقية 2063، التي نصّت على الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية، والتحول نحو الطاقة المتجددة، ضمن هدف أكبر للتحول نحو البيئة والاقتصادات والمجتمعات المستدامة القادرة على التكيف مع التغير المناخي.

وتُعد استضافة مصر لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية حول التغير المناخي في 2022 فرصة نحو تعزيز الأجندة الأفريقية وتوحيد الصوت الأفريقي ورفع الأولويات الأفريقية فيما يتعلق بالتغير المناخي على أجندة العمل الدولية المتعلقة بالمناخ. وتضيف تلك الفرصة إلى الدبلوماسية الأفريقية المصرية، التي عملت على حمل آمال وطموحات القارة في المحافل الدولية، بما يعزز من العودة الأفريقية لمصر، انطلاقًا من وحدة المصير المشترك. 

  • ويُعد التمويل والتنمية ضمن الطموحات والأهداف التنموية الأفريقية، يأتي ذلك المرتبط بتحمل المسؤولية الكاملة عن تمويل التنمية بعيدًا عن تمويل المانحين، على نحوٍ يسمح لها بتمويل المبادرات الاستراتيجية القارية، وبعدما قاربت الخطة العشرية الأولى لأجندة التنمية على الانتهاء، لا تزال قضايا التمويل والتنمية تقف عائقا أمام الأهداف التنموية.

ورغم الأهداف الموضوعة لتمويل التنمية ذاتيًا، فلا تزال المؤسسة القارية نفسها تعاني من أزمات التمويل، في ظل عدم التزام الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي بتسديد حصتها من تمويل ميزانية الاتحاد، رغم أن إجمالي مساهمة الدول الأعضاء من ميزانية الاتحاد تمثل 30% من ميزانية الاتحاد، فيما يسهم الشركاء الدوليين بما يصل إلى 66 % من الميزانية، وهو الأمر الذي يضعنا أمام التحديات المؤسسية التي تواجه المنظمة التي لا تزال تعاني من التحديات الهيكلية وتحديات في ممارسة الأدوار الموكولة إليها.

  • ويأتي الأمن والسلم ضمن التطلع الرابع ضمن التطلعات الأفريقية للتنمية على بروز أفريقيا قارة مسالمة آمنة خالية من النزاعات ويسود فيها الوئام في المجتمعات المحلية بحلول 2063، مع القضاء على الحروب داخل الدول وما بين الدول وبعضها، وإقامة آلية لمنع النزاعات وتسويتها، مع وضع هدف متعلق بإسكات جميع البنادق والقضاء على جميع النزاعات الناجمة عن التنوع العرقي أو الديني أو الثقافي وجميع أشكال الإقصاء الاجتماعي.

وعلى الرغم مما وضعته الأهداف التنموية من أهداف لتعزيز السلم والأمن في القارة والرغبة في القضاء على الصراعات بحلول 2020، وكذلك وضع القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي تعزيز السلم والأمن ضمن أهداف الاتحاد، فإن الظاهرة الأمنية تعقدت بشكل أكبر مما كان عليه الوضع وقت وضع تلك الأهداف، وأصبحت القارة التي كانت ساحة للصراعات والحروب الأهلية إلى أحد أهم حواضن الإرهاب الحالية والمستقبلية، بما يضاعف من التحديات التي تواجه هيكل السلم والأمن القاري.

  • وبالمثل، فإن الحوكمة والحكم الرشيد، تأتي ضمن القضايا الحاضرة بشدة على أجندة الاتحاد هذا العام، في ظل انتشار ظاهرة الانقلابات العسكرية والتغييرات غير الدستورية، والتي كان محلها غرب أفريقيا التي كانت ضمن النماذج الأفريقية الرائدة في تحقيق تقدم ملموس على مؤشرات الديمقراطية، إلا أن هذا الارتداد الديمقراطي، يحبط الآمال القارية في إمكانية استعادة الآمال والطموحات القارية، التي نصّ عليها ميثاق الاتحاد وأجندة التنمية الأفريقية.

فعقدت قمة هذا العام، وهناك أربع دول معلقة العضوية في الاتحاد بسبب الانقلابات والتغييرات غير الدستورية، وهو الأمر الذي يمثل جرس إنذار جماعي للقارة التي ألزمت نفسها بالمضيّ قدمًا نحو قواعد الحوكمة والحكم الرشيد، والقضاء على الفساد وانتهاك القانون، بما يلبي طموحات الشعوب الأفريقية، وفي مقدمتها الشباب.

  • وتعد قضية الشراكات الدولية ضمن الأولويات على أجندة الاتحاد بشكل مستمر، في ضوء أهداف التنمية الأفريقية التي نصت على أفريقيا كعنصر فاعل وشريك قوي ومؤثر على الساحة العالمية، كأحد التطلعات التنموية الأفريقية ليضع القارة في مكانها الصحيح في ضمان منظومة السلام والأمن العالميين، مع تعميق التعاون وتعزيز سياسة خارجية مشتركة، وتعزيز التمكين الذاتي الأفريقي لتصبح أفريقيا قادرة على قيادة أجندتها ووضع أطر الشراكة الفعّالة مع شركائها الخارجيين وتعزيز الشراكة مع الأقاليم الشريكة، وهو نفس الهدف الذي نصّ عليه ميثاق الاتحاد الأفريقي.

وبالفعل وضعت القمة ضمن أجندتها قضية التعددية والتعاون مع الشركاء الدوليين ضمن الأولويات القارية، بما يخدم أجندة وأولويات التنمية الأفريقية. وهو الأمر الذي يتضح جليًا في قمم الشراكة الأفريقية الدولية التي تُعد نافذة لوضع الأولويات الأفريقية على أجندة التعاون الأفريقي الدولي المشترك. ولعل القمة الأفريقية الأوروبية التي ستعقد في باريس على مدار يومي 17 و18 فبراير الجاري تأتي في سياق إعادة صياغة وتأكيد الأولويات الأفريقية – الأوروبية، فيما يتعلق بقضايا الأمن، خاصة في منطقة الساحل، وكذلك الأولويات التنموية الأفريقية.

وأخيرًا يحلّ هذا العام بجدول أعمال مليء بالتحديات المستمرة والمتفاقمة، والتي تفرض على السنغال الرئيس الحالي للاتحاد تحديًا في حمل أولويات القارة وتعزيز الدبلوماسية الأفريقية ودور الاتحاد الأفريقي، الذي يشهد تحديًا في التدخل في الصراعات القائمة في القارة، ولعل في صراع التيجراي وأزمات القرن الأفريقي نموذجًا فريدًا على تحديات ذلك الدور، وكذلك دور الاتحاد في تعزيز قيم الحوكمة والحكم الرشيد، في ظلَ إحاطة السنغال جغرافيًا بجموعة من الدول التي شهدت انقلابات عسكرية، وكذلك في ظل عضويتها في مجموعة الإيكواس، ورئاستها الحالية للاتحاد، بما يضعها في مقدمة الدول الساعة لمواجهة أزمة النموذج في غرب أفريقيا. 

+ posts

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

شيماء البكش

باحثة ببرنامج العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى