
مصر من الخط الهمايوني إلى ترسيخ قيم المواطنة
الحقوق المدنية والسياسية كانت على رأس أولويات الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، ومن بينها حرية الدين والمعتقد، وقد خطت الدولة خلال الأعوام الأخيرة خطوات رصينة تجاه كفالة حرية الدين والمعتقد. بدءًا من التكفل بترميم كافة الكنائس المتضررة جراء الأعمال الإرهابية في أعقاب إنهاء فترة حكم جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، مرورًا بإصدار قانون بناء وترميم الكنائس رقم 80 لسنة 2016، والبناء لدولة ترسخ قيم المواطنة وحرية الاعتقاد والعقيدة.
حرية العقيدة والاعتقاد … والمواطنة
قبل التطرق إلى الخطوات التي مرت بها الدولة في الطريق لتأسيس دولة المساواة والمواطنة. يجب التطرق إلى بعض التعريفات المهمة في هذا السياق، وأبرزها:
- حرية العقيدة والاعتقاد: ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان المادة 18: “لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة”.
- المواطنة: وفقًا لدراسة للهيئة العامة للاستعلامات أشارت إلى أن مفهوم (المواطنة) من الناحية النظرية ينقسم إلى ثلاثة جوانب أولًا: يتضمن علاقة قانونية هى ”علاقة الجنسية“ وهى علاقة بين الفرد والدولة بمقتضاها تسبغ الدولة جنسيتها على عدد من الأفراد وفقًا للقوانين المنظمة لذلك، وثانيًا يشير إلى علاقة سياسية تشمل مجموعة من الحقوق والحريات والواجبات؛ فالمواطنون وحدهم هم الذين من حقهم الاستفادة من الخدمات الاقتصادية والاجتماعية التي تقدمها هيئات الدولة، وهم وحدهم الذين يحق لهم ممارسة الحقوق السياسية كالانتخابات والترشيح وتكوين الأحزاب وعليهم واجب أداء الخدمة العسكرية. ومؤدى ذلك أن مفهوم المواطنة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بمشاركة المواطن فى الحياة العامة، وثالثًا هو علاقة معنوية وعاطفية ترتبط بحب الوطن والولاء لمعطياته ورموزه من لغة وتاريخ وثقافة وغير ذلك من رموز الهوية والانتماء.
وتعرف اصطلاحًا: بأنها مجموعة من القيم والمشاعر والانتماءات، تتضمن معنى المساواة، وتحترم مفهوم التعددية، وتسقط الفوارق المتصلة بالدين أو الجنس أو الأصل بين البشر بلا استثناء.
- المساواة: تعد مساواة المواطنين أمام القانون دون تفرقة وفق لون أو جنس أو دين أحد مكملات مبدأ المواطنة، فوفقًا للمادة 87 من الدستور حق المواطنة يستلزم المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات العامة، ولا يجوز تقييده أو الانتقاص منه إلا لمبرر موضوعي يتطلبه ولا يشكل في حد ذاته مخالفة دستورية.
وقد أشار الدستور المصري إلى قيم المواطنة والمساواة بين المواطنين، لكن ما نود التحقق منه هل تسير الدولة في الطريق الصحيح نحو ترسيخ قيم المواطنة والمساواة؟ وما أبرز الكبوات -في هذا الصدد- التي مرت بالدولة في التاريخ الحديث؟
الوحدة في وجه الإرهاب
“عاش الهلال مع الصليب” جملة عهدنا سماعها في مصر منذ ثورة 1919 وألفنا رؤيتها في تعاملاتنا اليومية، ولم تتغير في أعتى الأحداث السياسية التي مرت بمصر، رغم أن ممارسات جماعة الإخوان المسلمين خلال فترة حكمها كادت أن تعصف بحالة الوحدة التي تتميز بها مصر، فكانت الكنائس دائمًا الهدف الأول لأذناب الجماعة لتنفيذ العمليات الإرهابية لنزع فتيل الأمان والاستقرار بالدولة على خلفية نبذ الجماعة بعد عام في السلطة.
فقد تعرضت 72 كنيسة للتلف والتخريب والحرق أو قيام الإرهابيين بتفجير أنفسهم بداخلها عقب ثورة 30 يونيو 2013، وخاصة بعد أحداث فض اعتصامي رابعة والنهضة، لكن تم ترميمها من خلال الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، بعد تكليف الرئيس عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع حينها، بسرعة بناء وإعادة ترميم جميع الكنائس التي تم الاعتداء عليها على نفقة القوات المسلحة، تقديرًا للدور الوطني والتاريخي الذي يقوم به شركاء الوطن من الإخوة الأقباط.
ففي مساء 6 يناير 2017، أعلن الرئيس السيسي خلال كلمة مختصرة عقب حضوره قداس عيد الميلاد، بمقر الكاتدرائية المصرية بالعباسية، الانتهاء من ترميم أغلب الكنائس التي تضررت قبل 3 سنوات في البلاد، وذلك بعد حوالي أسبوع من تقديم الكونجرس الأمريكي لمشروع قانون يدعو لترميم وإصلاح الممتلكات المسيحية المصرية، الأمر الذي رفضته الخارجية المصرية والكنيسة المصرية في بيانين منفصلين، وهي كانت واحدة من أهم نقاط القوة والفرص بحرية الدين والمعتقد وفقًا لاستراتيجية حقوق الإنسان المصرية.
ولم تكن هذه الفترة هي الأصعب في تاريخ حياة الوحدة والمواطنة بمصر، فسبق وتعرضت حقوق الأقباط للإجحاف قبل قرابة قرن ونصف أثناء فترة الحكم العثماني لمصر، وإصدار الخط “الهمايوني”.
الخط الهمايوني
وفقًا للخط الهمايوني الذي تم إصداره في فبراير 1856 تم ربط ترخيص بناء الكنائس وترميمها بموافقة السلطان العثمانى، والتي سمَّاها “بالامتيازات والمعافات الروحانية”. ويقسم الخط الهمايوني طريقة التعامل مع ممارسة الشعائر الدينية إلى نوعين: الأول الأماكن التي لا يوجد فيها اختلاط طوائف، وسكانها من نفس الطائفة، وهنا لا توجد مشكلة للطائفة أو صعوبة في ممارسة الشعائر الدينية علنًا، أما النوع الثاني هي الأماكن الخاصة ببناء دور عبادة لغير المسلمين في الأماكن التي تحتوي على سكان متنوعي الأديان فيكون الترميم بحسب ما هو قائم من إجراءات. أما بناء الكنائس الجديدة فيكون بحسب ترخيص من الباب العالي.
ولم يختلف الأمر كثيرًا بعد الاستقلال، فانتقل الأمر إلى رأس الدولة المصرية أيضًا، مع صدور دستور 1923 والذي تضمن المادة 167 والتي تقضي باستمرار نفاذ القوانين والمراسيم السابقة على صدور الدستور بشرط عدم تعارضها مع مبادئ الحرية والمساواة، مرورًا بلائحة الشروط العشرة للعزبي باشا، وكيل وزارة الداخلية المصرية، لبناء الكنائس عام 1934، وهي أول إجراءات تفصيلية لتنظيم بناء الكنائس، والتي تم وصفها بالتعجيزية، فالتصريح اللازم لبناء كنيسة جديدة يحتم استيفاء البيانات التالية:
- هل الأرض المرغوب بناء الكنيسة عليها أرض فضاء أم زراعة؟ وهل مملوكة للطالب؟ مع بحث الملكية من أنها ثابتة ثبوتًا كافيًا، وترفق أيضا مستندات الملكية.
- ما هى مقادير أبعاد النقطة المراد بناء الكنيسة عليها عن المساجد والأضرحة الموجودة بالناحية؟
- إذا كانت النقطة المذكورة من أرض الفضاء، هل هى وسط أرض أماكن المسلمين أو المسيحيين؟
- إذا كانت بين مساكن المسلمين فهل لا يوجد مانع فى بنائها؟
- هل يوجد للطائفة المذكورة كنيسة بهذه البلدة، خلاف المطلوب بناؤها؟
- إن لم يكن بها كنائس فى مقدار المسافة بين البلد وبين أقرب كنيسة لهذه الطائفة بالبلدة المجاورة؟
- ما هو عدد أفراد الطائفة المذكورة الموجودين بهذه البلدة؟
- إذا تبين أن المكان المراد بناء الكنيسة عليه قريب من جسور النيل، والترع، والمنافع العامة، بمصلحة الري، فيؤخذ رأى تفتيش الري، وهكذا إذا كانت قريبة من خطوط السكك الحديدية، ومبانيها، فيؤخذ رأي المصلحة المختصة.
- يحرر محضر رسمى عن هذه التحريات، ويبين فيه ما يجاور النقطة المراد إنشاء الكنيسة عليها، من المحال السارية عليها، لائحة المحال العمومية والمسافة بين تلك النقطة وكل محل من هذا القبيل ويبعث به إلى الوزارة.
- يجب على الطالب أن يقدم مع طلبه رسمًا عمليًا بمقاس واحد فى الألف، يوقع عليه من الرئيس الدينى العام للطائفة، ومن المهندس الذى له خبرة عن الموقع المراد بناء الكنيسة به، وعلى الجهة المنوطة بالتحريات أن تتحقق من صحتها، وأن تؤشر عليها بذلك، وتقدمها مع أوراق التحريات.
واستمر الوضع الخانق لعملية بناء الكنائس أو حتى ترميمها، فكانت عملية ترميم وصيانة وتوسعة ولو دورة مياه داخل أحد الكنائس تحتاج إلى قرارا من رئيس الجمهورية، مما أدى في بعض الأحيان لنشوب نزاعات طائفية. ويعد أبرزها في التاريخ الحديث أحداث الخانكة 1972، والتي وقعت بسبب الصلاة داخل جمعية مسيحية غير مخصصة للصلاة وهي جمعية دار الكتاب المقدس. ونجم عن الحادث حرق الجمعية و6 منازل وتحطيم محلات مملوكة لأقباط.
وعلى خلفية الأزمة، خرج تقرير جمال العطيفى، وكيل مجلس الشعب، بعدة توصيات، طالب فيها بضرورة تفعيل مواد الدستور، التى تنص على المساواة الكاملة فى الحقوق والواجبات، بين المصريين بلا تمييز، واقترح أن تتقدم الكنيسة الأرثوذكسية بخطتها السنوية، لإقامة الكنائس لتدرسها الجهات المختصة دفعة واحدة، بدلًا من أن تترك للمبادرة الفردية للجمعيات أو الأشخاص، ودون تخطيط علمي سليم.
وفي عام 1998، وخلال فترة حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، قرر تفويض المحافظين فى سلطات ترميم وتدعيم الكنائس، واحتفظ لنفسه بحق بناء الكنائس، إلا أنه فى ديسمبر 1999، أصدر قرارًا جمهوريًا آخر، بإنهاء اختصاص المحافظين، فى الموافقة على قرارات تدعيم وترميم دور العبادة، وإحالة الاختصاص إلى مكانه الطبيعي، إدارات التنظيم والمباني بالمحليات.
وتوالت الحوادث على فترات متباعدة خاصة بقرى الصعيد، بشأن بناء الكنائس أو تحويل أحد المباني إلى كنيسة أو ممارسة إقامة الشعائر أو الصلاة داخل مبنى تابع للكنيسة أو حتى داخل بيت أحد المسيحيين، أو بالأماكن العامة والشوارع، أو ادعاء بناء بيت بينما النية مبيتة لبناء كنيسة، وشهدت الفترة ما بعد ثورة يناير 2011 تفاقم للمشكلة.
مظاهر الإنصاف
جاء قانون بناء وترميم الكنائس، وهو أول قانون ينتصر لحرية الأديان، والذي تم فيه النص على ضرورة إصداره من خلال المادة 235 من الدستور والتي نصت على: ” يصدر مجلس النواب فى أول دور انعقاد له بعد العمل بهذا الدستور قانونًا لتنظيم بناء وترميم الكنائس، بما يكفل حرية ممارسة المسيحيين لشعائرهم الدينية.”. وبالفعل تمت الموافقة عليه نهاية أغسطس 2016 من قبل البرلمان، وعلق الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب حينها، إن الانتهاء من هذا القانون هو شهادة للعالم كله بأن مصر يد واحدة.
وسبق أن صرح الرئيس قائلا: “أصدرنا قانون لبناء الكنائس فى مصر بعد أن ظل حلمًا لمدة 150 سنة لأن الدولة معنية بكفالة حق العبادة لجميع مواطنيها”.، مضيفًا: “الدولة لازم تبني كنائس لمواطنيها، لأن لهم الحق فى العبادة كما يعبد الجميع، ولأن ده حق المواطن يعبد كما يشاء”.
ليغير من هذا الواقع، حيث نصت المادة الثانية منه على أن “يراعي أن تكون مساحة الكنيسة المطلوب الترخيص ببنائها وملحق الكنيسة على نحو يتناسب مع عدد وحاجة مواطني الطائفة المسيحية فى المنطقة، التى تقام بها، مع مراعاة معدلات النمو السكانى”.
وفيما يخص المباني التي كانت تقام فيها الشعائر الدينية المسيحية لعدم توافر كنائس بالحيز العمراني، فقد نص القانون في مادتيه (8، 9) على اعتبار كل مبنى قائم فى تاريخ العمل بأحكام هذا القانون تقام به الشعائر الدينية المسيحية مرخصًا ككنيسة بشرط ثبوت سلامته الإنشائية وفق تقرير من مهندس استشاري معتمد من نقابة المهندسين، على أن يتم توفيق أوضاعها من خلال لجنة تابعة لمجلس الوزراء.
ويلتزم المحافظ المختص في البت بالطلب المشار إليه (تقنين وضع الكنيسة) بعد التأكد من استيفاء كافة الشروط المتطلبة قانونًا في مدة لا تجاوز 4 أشهر من تاريخ تقديمه، وفي حالة رفض الطلب يجب أن يكون قرار الرفض مسببًا. فالقانون نظم إجراءات وضوابط بناء الكنائس الجديدة، كذلك تقويم أوضاع المباني، التي تقام فيها الشعائر الدينية المسيحية خلال الفترات السابقة من دون ترخيص، وملحق الكنيسة، ومباني الخدمات وبيوت الخلوة غير المرخصة.
على الجانب الآخر، في مارس 2021، نشرت الجريدة الرسمية قرار الرئيس السيسي رقم 80 لسنة 2021 بشأن تشكيل مجلس إدارة هيئة أوقاف الكنيسة الكاثوليكية، كما أصدر الرئيس السيسي القرار رقم 81 لسنة 2021 بتشكيل مجلس ادارة هيئة أوقاف الطائفة الإنجيلية.
ويبلغ عدد الكنائس والمباني التي تمت الموافقة على توفيق أوضاعها منذ بدء عمل اللجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء، في يناير 2017 وحتى نهاية يوليو 2021 إجمالًا 1958 كنيسة ومبنى تابعًا. حيث تتولى اللجنة دراسة الطلبات والتحقق من توافر الشروط الآتية: أن يكون الطلب مقدمًا من الممثل القانوني للطائفة الدينية المالكة للكنيسة أو المبنى، وأن يكون المبنى قائمًا في تاريخ العمل بالقانون رقم 80 لسنة 2016، وسليم من الناحية الإنشائية وفق تقرير من مهندس معتمد بنقابة المهندسين، وأن يكون المبنى ملتزمًا بضوابط وقواعد الحماية المدنية والقوانين المنظمة لأملاك الدولة.
وعن المدن الجديدة، فقد تم افتتاح كاتدرائية ميلاد المسيح بالعاصمة الإدارية الجديدة، هذا فضلًا عن تنفيذ 14 كنيسة بالمدن الجديدة 6 منها بمدينة حدائق أكتوبر وذلك حتى بداية عام 2020، وذلك تأكيدًا على توجيهات الرئيس السيسي بأهمية إنشاء كنيسة في كل مدينة جديدة يتم التخطيط لها والعمل على إنشائها وتأسيسها، وتخصيص 41 قطعة أرض لبناء الكنائس بالمدن الجديدة خلال الفترة من 2014 حتى 2019.
هذا فضلًا عن عملية الترميم والتأهيل للكنائس والأديرة الأثرية. فحتى بداية 2020 تم ترميم وتطوير 13 كنيسة ودير على مستوى الجمهورية، وبلغت تكلفة ترميم كنيسة السيدة العذراء المعلقة بمصر القديمة 101 مليون جنيه، وكذلك بلغت تكلفة ترميم دير “الأنبا بضابا” بنجع حمادي 4 ملايين جنيه، وجارٍ ترميم وتطوير 42 كنيسة ودير على مستوى الجمهورية.
وبعيدًا عن القوانين وإنشاء وترميم الكنائس وغيرها من جهود الحكومة، كان الرئيس السيسي صاحب المبادرة في ممارسة المواطنة، فهو أول رئيس جمهورية في مصر يحرص على حضور احتفالات الأقباط بعيد الميلاد المجيد وزيارة الكنيسة منذ أن أصبح رئيسًا، حيث زار الكنيسة 8 مرات لتهنئة الأقباط ونشر رسالة السلام والمحبة والطمأنينة، وكانت أولى هذه الزيارات إلى كاتدرائية العباسية في 6 يناير 2015 للتهنئة بعيد الميلاد الجديد، في الأعوام (2015-2020)،
فمثلًا في 2017 قال الرئيس: “مصر لن تسمح لأحد أن يؤثر على وحدتها الوطنية.. ولا أحب لفظ فتنة طائفية لأننا واحد وهنفضل واحد”.. وفي 2018 قال: البلد دي بلدنا كلنا ومحدش ليه زيادة أو نقص، وطول ما إحنا مع بعض محدش يقدر يعمل فينا حاجة”. وكانت الزيارة السابعة في يناير 2019 بمثابة ليلة تاريخية عاشتها مصر بافتتاح الرئيس السيسي مسجد (الفتاح العليم) وكاتدرائية (ميلاد المسيح) بالعاصمة الإدارية الجديدة، الأكبر حجمًا وسعة بمنطقة الشرق الأوسط.
تخلل زيارات التهنئة زيارتان في فبراير 2015، وابريل 2017 لتقديم واجب العزاء في شهداء العملية الإرهابية في ليبيا – والتي على إثرها وجهت القوات المسلحة بعد ساعات ضربة جوية ضد أهداف تابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا أسفرت عن مقتل أربعين من تنظيم داعش على خلفية نشر جماعة متشددة أعلنت مبايعتها لتنظيم الدولة الإسلامية مقطع فيديو لإعدام 21 قبطيا ذبحا في ليبيا.
ونجحت جهود الدولة في استعادة رفات الشهداء ووضعها ضمن كنيستهم بقرية العور بالمنيا- وشهداء الحادثين الإرهابيين بكنيستي “مار مرقس” بالإسكندرية و”مار جرجس” بأبو النجا في طنطا. وشارك الرئيس السيسي في الجنازة الرسمية لشهداء الكنيسة البطرسية، التي أقيمت في 12 ديسمبر 2016، ويومها أعلن عن منفذ العملية الإرهابية محمود شفيق محمد مصطفى، وأن العزاء لكل المصريين، قائلا “لن نترك ثأرنا”.
هذا إلى جانب الوفاء بوعد إعادة ترميم الكنائس المتضررة لحالة أفضل من الحالة الإنشائية الأولى لها. إلى جانب الاهتمام الشخصي بمشروع إحياء مسار العائلة المقدسة، بالإضافة إلى تطوير موقع شجرة مريم بمنطقة المطرية وضمها لقطاع الآثار.
الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان
تم إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان بتاريخ 11 سبتمبر 2021، من قلب العاصمة الإدارية الجديدة أيقونة الجمهورية الجديدة، والتي تتضمن المحاور الرئيسة للمفهوم الشامل لحقوق الإنسان في مصر، وذلك بالتكامل مع المسار التنموي القومي لمصر الذي يرسخ مبادئ تأسيس الجمهورية الجديدة ويحقق أهداف رؤية مصر 2030. ويتناول البند الثامن من المحور الأول (الحقوق المدنية والسياسية)، وهو حرية الدين والمعتقد. وحددت الاستراتيجية خمسة تحديات رئيسة في سبيل تحقيق حرية الدين والمعتقد بمصر، وهي:
- انجراف بعض الشباب إلى تيارات التطرف والعنف، ونقص الوعي بالقيم الصحيحة للأديان السماوية، مما يؤدي إلى وقوع البعض فريسة للأفكار المتطرفة، وسلوكهم سبيل العنف والإرهاب.
- الحاجة إلى تجديد الخطاب الديني؛ لترسيخ ما يعزز نشر قيم التسامح، ونبذ التطرف، وتفنيد الأفكار المتطرفة والمغلوطة.
- الحاجة إلـى اسـتمرار تنقيـة المقـررات الدراسـية مـن أيـة موضوعـات لا تسـهم فـي تعزيـز التسـامح فـي المجتمـع، وفـي نبـذ العنـف والتطـرف والكراهيـة.
- الحاجة إلى المزيد مــن الجهود الوطنية الموجهة لنشر ثقافة حقوق الإنسان، وبيان القواسم المشتركة بين الأديان السماوية، واحترام الآخر أيًا كان معتقده.
- وجود بعض الصحف والمواقع الإلكترونية التي تبث وتنشـر ما ينطوي على التمييـز بيـن المواطنيـن بسبب الدين.
وهي النقاط التي حاول الرئيس السيسي التأكيد عليها خلال مداخلاته أثناء الحلقة النقاشية “حقوق الإنسان.. الحاضر والمستقبل” بحفل إطلاق الاستراتيجية، حيث قال “يجب أن نحترم حرية الاعتقاد وحرية عدم الاعتقاد”، مؤكدًا أن “هذا لا يتعارض مع غيرته على دينه”. واستطرد: “إيه يضايقك كمسلم لما تشوف كنيسة أو معبد يهودي؟ اللي عايز يسلم يسلم واللي عايز يؤمن لا يؤمن.. وهذه الحرية من منظور ديني”.
وتستهدف الحكومة عبر إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان تحقيق ما يلي:
- تكثيف حملات التوعية خاصة بين الشباب لتعزيز التعايش والتسامح وقبول الآخر، ونبذ العنف والكراهية ونشر القيم والمبادئ التي تدعو إليها الأديان السماوية، بالإضافة إلى تنمية قدرات الشباب على التعامل النقدي مع المحتويات المختلفة.
- تنفيذ المزيد من الأنشطة والمبادرات الشبابية الرامية إلى تعزيز ودعم قيم المواطنة والانتماء والتسامح واحترام الأديان وتفنيد الأفكار المتطرفة والمغلوطة.
- تعزيز التنسيق بين المؤسسات الدينية في تنفيذ خطط تجديد الخطاب الديني ونشر التسامح واحترام الأديان وتفنيد الأفكار المتطرفة والمغلوطة.
- مواصلة العمل على مراجعة كافة المقررات الدراسية الدينية لتنقيتها من أية موضوعات لا تسهم في تعزيز التسامح وفي نبذ العنف والتطرف، وإدراج الموضوعات التي تسهم في ترسيخ قيم الحوار، وإقرار الاختلاف والعيـش المشترك مع المخالف، ومحاربة الكراهية في ترسيخ قيم الحوار ومحاربة الكراهية والتعصب بشتى صورهما.
- تنفيذ المزيد من المبادرات الوطنية المعنية بنشر ثقافة حقوق الإنسان وترسيخ قيم المواطنة وبيان القواسم المشتركة بين الأديان السماوية وخلق وعي مجتمعي باحترام الحريات الدينية ونبذ التعصب والأفكار المتطرفة.
- رصد المواد الإعلامية التي تبثها وسائل الإعلام أو المواقع الإلكترونية أو الصحف وتنطوي على تمييز أو تحريض بين المواطنين بسبب الدين، وذلك للتصدي لها باتخاذ الإجراء القانوني المناسب حيالها.
- مواصلة الوزارات والهيئات المختصة أعمال الصيانة والترميم التي تجريها للمواقع الأثرية الدينية الإسلامية والمسيحية واليهودية على نحو يبرز الثراء الحضاري الذي تتمتع به مصـر ويجسد توالي الحقب التاريخية عليها.
- مواصلة اللجنة المختصة بتقنين أوضاع الكنائس عملها من أجل تقنين أوضاع بقية الكنائس والمباني الخدمية التي لم تخضع للتنظيم بعد.
ووفق ما أسلفنا ذكره، فالدستور المصري، والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان أكدتا على حقوق ومبادئ المساواة والمواطنة. ولطالما نادت القوانين والمواثيق المصرية بحرية الاعتقاد واحترام الآخر، وأبرزها المواد 98، و160 من قانون العقوبات المصري، والتي تنص على العقوبة بالحبس أو بالغرامة لكل من استغل الدين فى الترويج أو التحيز بالقول أو بالكتابة أو بأي وسيلة أخرى لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة أو التحقير، أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها، أو الضرر بالوحدة الوطنية أو بالسلم الاجتماعي، أو التشويش على إقامة شعائر ملة أو دين فريق من الناس. وفي مجمل القول، ليست بالقوانين فقط تقام الحريات، فالحرية هي ممارسة في المقام الأول، وكل ممارسة هي نابعة عن سلوك ومعتقدات ووعي فردي وجمعي. وما القوانين إلا أداة تنظيمية رقابية لحفظ الحقوق والواجبات. لذا يجب مع سن الدساتير والقوانين المنظمة تعزيز الوعي المجتمعي القادر على استيعاب وتنفيذ القيم المختلفة، وعلى رأسها قيم التعايش السلمي واحترام عقيدة الآخر والمواطنة والمساواة.
باحث أول بالمرصد المصري