
“أزمة المناخ”: ما بين المسؤول والذي يدفع الثمن.. الكل سواسية!
تعددت الدول وتغيرت القارات، وتظل هناك حقيقة راسخة، مفادها أن سُكان كوكب الأرض يتشاركون جميعًا في عالم واحد، مثلهم في ذلك كمثل أهل البيت الواحد والسفينة الواحدة، التي ستغرق حتمًا إذا افتعل أحد سكانها رتقًا من أي نوع في أرضيتها.
لهذا السبب، تُنادي الأمم المتحدة ونشطاء المناخ بضرورة التكاتف العالمي لمجابهة تطورات أزمة المناخ، التي وعلى ما يبدو، لازالت القوى الصناعية الكُبرى –باعتبارها مسببا رئيسيا للأزمة- لا تتخذ ما يكفي من جهود مشددة لتخفيض انبعاثات الكربون.
ويعقد المؤتمر العالمي للمناخ بعنوان “COP26″، الذي بدأت فعالياته أمس الأحد 31 أكتوبر ويستمر حتى 12 نوفمبر الجاري، في مدينة “جلاسجو” في اسكتلندا وسط تحذيرات هائلة من تجاهل تطورات أزمة المناخ وتأثيرها على مستقبل الحياة على وجه الأرض.
وفي هذا الإطار، يشارك الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمة، التي تنعقد بناءً على نداء وجهته منظمة الأمم المتحدة، حيث من المقرر أن يبحث نحو 25 ألف شخص، من بينهم آلاف الصحفيين ونشطاء حماية المناخ، تطورات الأزمة المتصاعدة.
تأتي هذه القمة بينما تصاعدت شكاوى منظمات بيئية وناشطين في مجال الحفاظ على المناخ، من أن الدول الكُبرى، بصفتها المسؤول الأول عن تصاعد انبعاثات الكربون، قد خذلت المجتمع الدولي ولم تُشدد حتى الآن من خططها بشأن الحفاظ على المناخ.
وكانت قضية مواجهة أزمة المناخ، قد ظهرت باعتبارها قضية رئيسية في روما، خلال مطلع الأسبوع الجاري، أثناء قمة رؤساء دول وحكومات مجموعة العشرين، إلا أن هناك آمالاً ضئيلة معلقة على حجم الجهود التي أبداها قادة هذه الدول لأجل مكافحة تطورات المناخ.
ووفقًا لما نقله المتحدث الرسمي، باسم رئاسة الجمهورية، فإن مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي تأتي تلبية لدعوة رئيس الوزراء البريطاني، “بوريس جونسون”، والذي تتولى بلاده الرئاسة الحالية للقمة، ويأتي ذلك في ضوء الدور المهم الذي تضطلع به مصر على المستويين الإقليمي والدولي في إطار مفاوضات تغير المناخ.
وأوضح راضي، أن الرئيس سيركز خلال أعمال القمة على الموضوعات التي تهتم الدول النامية بها بوجه عام، والأفريقية بوجه خاص، تحديدًا فيما يتعلق بتعزيز الجهود لدفع عمل المناخ الدولي، فضلاً عن اعتزام الرئيس تأكيد ضرورة التزام الدول الصناعية بتعهداتها في إطار اتفاقية باريس لتغير المناخ، وكذلك التأكيد على تطلع مصر لاستضافة الدورة القادمة لقمة تغير المناخ خلال العام القادم ٢٠٢٢.
المناخ.. أزمة افتعلتها القوى الصناعية الكُبرى ودفع ثمنها الكُل
لم يكن العام الحالي وحده هو الأول الذي يُدق فيه ناقوس الخطر من تطورات أزمة المناخ. فعلى مدار عقود ماضية، كانت الحكومات المختلفة قد تعهدت بشكل جماعي ببذل المزيد من الجهود للإبطاء من ظاهرة الاحتباس الحراري.
وتوصلت تلك الحكومات إلى العديد من الاتفاقيات، كان أبرزها بروتوكول “كيوتو” واتفاقية باريس 2015، وقد وافقت بموجبهما الدول على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، لكن ثبت مع مرور الوقت أن كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي مستمرة في الارتفاع، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بمعدل يُنذر بالخطر الصارخ.
عندما احتدمت الأمور، وأنذر علماء المناخ من عاقبة استمرار الاحترار العالمي بهذه الطريقة، فإنه من المتوقع أن ينتج عن ذلك كوارث بيئية جمة على معظم أنحاء العالم، وقد شهد العام الجاري بالفعل أحداثا ضارية بدت وكأنها انتقام من الطبيعة لما يتعرض له المناخ من انتهاكات، مثل فيضانات ألمانيا، وحرائق الغابات في تركيا، وغيرها.
لكن هل كانت تلك التحذيرات المناخية كافية لإقناع القوى الكبرى بضرورة تشديد سياساتها؟! قبيل انعقاد مؤتمر المناخ “COP26″، قدمت عشرات الدول تعهدات والتزامات جديدة. لكن مع ذلك، يظل الأمل ضعيفًا، ولايزال النشطاء والخبراء في مجال المناخ يشعرون بالقلق من أن حتى هذه التعهدات تظل غير كافية لأجل تدارك الموقف. ولم تكن هذه المرة الأولى التي يحدث أن وجهت فيها منظمات البيئة نداءات عاجلة لإنقاذ المناخ.
ففي 2015، اجتمع قادة العالم من كل البُلدان تقريبًا ووضعوا خططًا محددة لمكافحة التغيرات المناخية تضمنت استراتيجيات لخفض انبعاثات الكربون. مما ولد حالة من التفاؤل المؤقت سرعان ما تلاشت بمجرد أن أظهرت غالبية دول مجموعة العشرين عدم قدراتها على الوفاء بتعهداتها.
ووفقًا لتقرير صدر عن برنامج الأمم المتحدة، بتاريخ نوفمبر 2018، فإن الوقت كان ينفذ أمام وفاء الدول الكبرى بتعهداتها المناخية، وانه حتى لو كانت تلك الدول اتخذت ما يلزم من خطوات لمجابهة تغيرات المناخ، لكان الآوان قد فات بوقتها بالفعل.
ووفقًا للتقرير ذاته، فإن دول الغالبية العظمى من دول مجموعة العشرين، بما في ذلك الولايات المتحدة باعتبارها ثاني أكبر مصدر لانبعاثات الكربون في العالم، لم تكن على المسار الصحيح لخفض انبعاثاتها بما يتماشى مع الالتزامات التي قطعتها على نفسها في عام 2015. وبينما تعرضت دولاً مثل روسيا وتركيا لانتقادات، احتلت الصين المكانة الكبرى باعتبارها المسؤول الأول عن تفاقم أزمة المناخ حول العالم. وفي الوقت الراهن، تظل الصين والهند في مرتبة الصدارة بين أكبر الدول المسببة للانبعاثات السنوية في العالم، إلى جانب الولايات المتحدة.
اتفاقية باريس وقمة “COP26“.. هل هي جهود كافية؟
وُضعت اتفاقية باريس في عام 2015 لتعزيز جهود مكافحة التغيرات المناخية. لكن على الرغم من ذلك، يقول معظم الخبراء أن الاتفاقية وحدها غير كافية، وأنه من المُرجح أن تؤدي السياسات الحالية إلى ارتفاع 2.9 درجة مئوية بحلول عام 2100، ذلك وفقًا لتحليل أجرته أجراه معهد “نيوكلايمت” في ألمانيا 2021، والذي قدر ارتفاع درجات الحرارة المتوقع إلى نحو 2,7 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، حتى في حالة التزام الدول بتعهداتها المناخية الحالية بموجب اتفاقية باريس!
إذًا فإن التزام الدول الكبرى باتفاقية باريس –إن وجد- لن يكون كافيًا. إن الاتفاقية بحد ذاتها كان يفترض بها أن تكون مجرد خطوة أولى على طريق الوصول إلى عالم أفضل. لهذا السبب، يكتسب مؤتمر “COP26” أهميته باعتباره أول قمة تراجع مدى التقدم الذي حققته الدول الصناعية الكبرى، والمسؤولة عن انبعاثات الكربون، أو لتقييم مدى فشلها في تحقيق الأهداف المطلوبة منها والالتزامات المعلقة على عاتقها منذ توقيع اتفاقية باريس للمناخ. مع الأخذ بعين الاعتبار بأنه إذا ارتفعت درجة حرارة كوكب الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية مقارنة بدرجة الحرارة التي كانت سائدة قبل الثورة الصناعية، فإن الكثير من التغييرات التي طرأت على الكوكب تصبح دائمة ولا رجعة فيها. ويعد تأكيد ضرورة الالتزام الجماعي بمكافحة التغيرات البيئية لكافة الدول الأطراف المشاركة في المؤتمر أحد الجوانب التي يكتسب منها هذا المؤتمر أهميته كذلك.
وقبيل انعقاد القمة، كانت بعض الدول قد سعت بالفعل لاتخاذ بعض الخطوات التي تعكس حسن نواياها وعزمها الحقيقي على تحسين أوضاعها المناخية.
ومن هذا المنطلق، قد فعلت أكثر من 12 دولة العديد من سياساتها التي تعمل على تقليل انبعاثات الكربون. مثال على ذلك، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، في ابريل 2021، أن بلاده ستهدف إلى خفض انبعاثات الكربون بنسبة تتراوح ما بين 50% إلى 52%، مما يضعه في تحدي أمام الحد الأدنى الذي كان سلفه باراك أوباما قد أعلن عنه في وقتٍ سابق. لكن مع ذلك، يظل بايدن في تعهداته، شأنه كشأن العديد من القادة العالميين. إذ أنه من غير الواضح ما إذا كان بايدن سيكون قادرًا في حقيقة الأمر على تحقيق هذا الهدف في الواقع، خاصة من دون دعم الكونجرس والتشريعات الفيدرالية الجديدة. كما تعد كندا والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة كذلك من بين الحكومات التي قدمت أهدافًا أكثر طموحًا، بما في ذلك زيادة استخدامها للطاقة المتجددة والسعي وراء انبعاثات صافية صفرية في غضون العقود القليلة القادمة.
وبالنسبة للصين، فإن الأهداف الوطنية الواعدة التي تم الإعلان عنها قبل أيام من القمة في شكلها الجديد، تتخذ شكلاً طموحًا بشكل أكبر مما ذي سبق. بينما تظل هناك مخاوف في أوساط خبراء البيئة حول قدرة الصين بالفعل على التقليل من انبعاثاتها في حقيقة الأمر. ففي وقت سابق من العام الجاري، كان الرئيس الصيني “شي جين بينج”، قد تعهد بوقف بناء محطات طاقة تعمل بالفحم خارج البلاد، ذلك على الرغم من رفع الصين لمستويات استخدامها المحلي للفحم.
كما حددت 49 دولة بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، أهدافًا “صافية صفرية”، والتي – إذا تم تنفيذها بالكامل- ستخفض الارتفاع المتوقع في درجة الحرارة إلى 2.2 درجة مئوية، وفقًا لتقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة لعام 2021. لكن من الجدير بالملاحظة أن العديد من الخبراء لفتوا إلى أن عديدا من هذه التعهدات الصفرية تفتقر للتفاصيل وتؤخر العمل على تقليل الانبعاثات حتى الى عام ما بعد 2030.
ختامًا، يأخذ العالم أي تعهدات دولية بالحفاظ على مستوى انبعاثات كربون منخفض بوجه عام على محمل التفاؤل، بينما ينظر علماء المناخ بعين الحذر إلى أي تعهدات صادرة عن الدول المسؤولة عن تدهور حالة المناخ العالمي، وينتظر منها ما هو أكثر من مجرد تعهدات أو تصريحات عن نوايا والتزامات مستقبلية، نظرًا لأن الكوكب بالكامل هو من سيدفع الثمن، ويتحتم على الجميع الكف عن الإضرار بمستقبل الأرض عاجلاً وليس آجلاً.
باحث أول بالمرصد المصري