أوروبا

تعرف على خطة أوروبا للوصول إلى “حياد الكربون”

نشرت المفوضية الأوروبية مقترحات حول كيفية وصول الاتحاد الأوروبي إلى هدفه الملزم قانونًا لخفض الانبعاثات إلى 55٪ دون مستويات عام 1990 بحلول عام 2030، والتي أطلقت عليها خطة ” Fit for 55 “، والتي تشمل مجموعة واسعة من الإصلاحات، تغطي سياسات المناخ الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، فضلا عن مختلف القوانين ذات الصلة المتعلقة بالنقل والطاقة والضرائب.

وتتضمن الخطة، المكونة من 13 مقترحا، بنودا لتداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي (EU ETS)، وتسعير الانبعاثات من الحرارة والنقل وإضافة آلية تعديل حدود الكربون (CBAM) لفرض ضرائب على الواردات عالية الكربون، مثل الصلب والأسمنت.

تشمل المقترحات الأخرى أيضا، الإلغاء التدريجي لمبيعات السيارات التي تعمل بالبنزين والديزل في دول الاتحاد بحلول عام 2035، ورفع أهداف مصادر الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، وتحديد أهداف وطنية أعلى وملزمة للقطاعات خارج الاتحاد الأوروبي، ووضع أهداف ملزمة بشكل منفصل لإزالة ثاني أكسيد الكربون (CO2).

كما يُقترح إنشاء “صندوق مناخ اجتماعي” جديد لمساعدة الأسر الضعيفة المتأثرة بشكل غير متناسب بارتفاع أسعار الوقود الأحفوري، مما يوفر دعمًا “مؤقتًا” للدخل واستثمارات طويلة الأجل. ولكن هل ستوافق حكومات الدول الأعضاء والبرلمان الأوروبي على هذا التحول الجذري في اقتصاد الاتحاد الأوروبي في طريقهم لتحقيق صافي الانبعاثات حتى عام 2050.

خطة ” Fit for 55 “

تعتبر دول الاتحاد الأوروبي بشكل جماعي من كبار المساهمين في انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، فقد أنتج الاتحاد الأوروبي 3.5 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون في 2019، ليأتي ترتيبه بعد الصين والولايات المتحدة والهند في قائمة أكبر مصادر الانبعاثات.

وقبل “اتفاقية باريس” في عام 2015، التزم الاتحاد بخفض الانبعاثات إلى40٪ دون مستويات عام 1990 بحلول عام 2030 وإلى 80٪ أقل من عام 1990 بحلول عام 2050.

وفي ديسمبر 2020، أقر القادة السياسيون من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي هدفًا جديدًا لخفض الانبعاثات إلى 55٪ على الأقل دون مستويات عام 1990 بحلول عام 2030 والوصول إلى “الحياد المناخي” (صافي الصفر) بحلول عام 2050. وأصبحت هذه الأهداف ملزمة قانونًا بموجب قانون المناخ الأوروبي، الذي يضفي الطابع الرسمي على أهداف الصفقة الأوروبية الخضراء. وتمت الموافقة على القانون في ابريل وتم اعتماده رسميًا في يونيو 2021.

اهتمت العديد من البلدان أيضا بقضية التغيرات المناخية وزادت طموحاتها من خلال إعلانها لأهدافها المناخية ووصولها للحياد الكربوني بحلول عام 2050، إلا أن القليل منها لم يوضح كيفية تحقيق هذه الأهداف بالتفصيل، وعلى رأسها المفوضية الأوروبية التي أعلنت حزمة أو خطة جديدة تسمى ” Fit for 55 ” والتي تبين مقترحات وسياسات الاتحاد الأوروبي للتعامل مع أهدافها المناخية شاملة. وبشكل عام، تتضمن الخطة، مقترحات لتعزيز ثمانية تشريعات موجودة بالإضافة إلى خمس مبادرات جديدة.

  • توسيع وتعزيز أسواق الكربون في الاتحاد الأوروبي

يتعلق واحد من أكثر التغيرات المهمة التي اقترحتها الخطة بنظام تداول الانبعاثات في الاتحاد الأوروبي (EU ETS)، وسوق الكربون (cap-and-trade) الذي ينتظم فيه حاليا شركات الطيران والمواقع الصناعية المسؤولة عما يقرب من نصف انبعاثات الاتحاد.

هناك مقترحان للإصلاحات، يتمثل الأول: في زيادة نطاق تجارة الكربون في الاتحاد الأوروبي بشكل كبير لتغطية الانبعاثات من الشحن والمباني والنقل البري، بينما يكون الاقتراح الثاني عبارة عن سلسلة من التغييرات الإدارية المصممة لجعل نظام ETS الحالي في الاتحاد الأوروبي يتماشى مع هدف المناخ الأكثر طموحًا لعام 2030 للاتحاد الأوروبي.

سيبدأ تشغيل نظام مواز لتجارة الانبعاثات في عام 2025، مع إلزام موردي الطاقة الأولية بشراء بدلات انبعاثات كافية لتغطية استخدام منتجاتهم اعتبارًا من عام 2026. وفي النهاية سيعمل النظام الجديد على الحد من الانبعاثات من المباني والنقل بنسبة 43٪ دون مستويات عام 2005 بحلول عام 2030.

وتقترح المفوضية تضمين الانبعاثات البحرية في المخطط وتشديد سقف الانبعاثات بسرعة أكبر للتوافق مع هدف 2030 الجديد، بالإضافة الي انبعاثات قطاع الطيران والشحن.

  • تسعير الواردات عالية الكربون بضريبة حدودية

والسياسة التالية من مقترحات خطة “ Fit for 55 ” هو مقترح لفرض ضرائب على بعض الواردات عالية الكربون عبر “آلية تعديل حدود الكربون” (CBAM). والتي ستدخل حيز النفاذ في عام 2023، مع مرحلة انتقالية مدتها ثلاث سنوات، سيتم دفع مدفوعات الانبعاثات على مراحل على مدى 10 سنوات أخرى من 2026 إلى 2035 سيتم خلالها زيادة الالتزام تدريجياً.

وتقترح آلية (CBAM) للواردات خمسة قطاعات، وهي الحديد والصلب والألمنيوم والأسمنت والأسمدة والكهرباء. حيث تمثل الواردات الحالية في القطاعات الخمسة حوالي 200 مليون طن من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

واعتبارًا من عام 2026 فصاعدًا، سيخسر منتجو الاتحاد الأوروبي تدريجياً 10٪ من مخصصاتهم المجانية كل عام وسيتعين على المستوردين شراء عدد مكافئ من شهادات (CBAM) وسيكون لدى المستوردين خيار إثبات أنهم دفعوا بالفعل سعرًا مكافئًا للكربون.

وتقدر اللجنة أن الإجراء سيجمع حوالي 9 مليارات يورو في عام 2030، بناءً على افتراضها بأن تسعير الكربون ستصل إلى حوالي 85 يورو للطن.

الشكل رقم (1) يوضح البضائع المتأثرة بـــ  “آلية تعديل حدود الكربون” (CBAM) حسب البلد والقطاع 2019

المصدر: Centre for European Reform

  • أهداف أعلى للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة

تتضمن الخطة أيضًا، تحديثات لتوجه الاتحاد الأوروبي للطاقة المتجددة (RED) وكفاءة الطاقة (EED) ، والذي حدد أهدافًا لمشاركة مصادر الطاقة المتجددة وتقليل استخدام الطاقة. حيث سيزيد الاقتراح من أهداف 2030 لمصادر الطاقة المتجددة من 32٪ من مزيج الطاقة في الاتحاد الأوروبي إلى 40٪، أي ضعف النسبة الذي تم التوصل إليها في عام 2019 والبالغة 19.7٪.

وبالنسبة لكفاءة الطاقة، فإن الإصلاح الذي اقترحته المفوضية سيزيد من الهدف الحالي غير الملزم المتمثل في الحفاظ على استخدام الطاقة بنسبة 32.5٪ أقل من المستويات المتوقعة في عام 2030 – أي ما يعادل الحد من استخدام الطاقة الأولية في الاتحاد إلى 1،128 مليون طن من مكافئ نفط.

وسيتم استبدال هذا بهدف ملزم بالحفاظ على استخدام الطاقة بنسبة 39٪ أقل من المستويات المتوقعة في عام 2030، أي ما يعادل حدًا قدره 1023 مليون طن مكافئ نفط. أما بالنسبة للمباني، تقترح اللجنة الحصول على 49٪ على الأقل من احتياجات الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2030، بما في ذلك الكهرباء المتجددة والمضخات الحرارية والحرارة الشمسية وتدفئة المناطق.

  • حدود الانبعاثات الوطنية بموجب “سياسة تشارك الجهود” Effort Sharing Regulation 

جنبا إلى جنب مع نظام تجارة الانبعاثات ( EU ETS) للاتحاد الأوروبي، فإن سياسة تشارك الجهود (ESR) هي واحدة من الركائز الثلاث لأهداف الاتحاد الأوروبي المناخية. تنطبق سياسة تشارك الجهود على القطاعات غير المدرجة في ETS للاتحاد الأوروبي ويحدد أهدافًا وطنية سنوية ملزمة للانبعاثات للدول الأعضاء، تصل إلى خفض إجمالي بنسبة 29٪ بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات 2005، وتمثل قطاعات المباني والنقل والزراعة والنفايات وبعض الانبعاثات الصناعية مجتمعة حوالي 60 ٪ من انبعاثات الاتحاد الأوروبي. ولتحقيق الهدف المناخي الجديد للاتحاد بحلول عام 2030، تقترح المفوضية الآن خفض انبعاثات ESR بنسبة 40٪ على الأقل، مع أهداف الدول الأعضاء التي تتراوح بين تخفيضات بنسبة 10-50٪.

فكرة “تشارك الجهود” هي أن الدول الأعضاء تساهم بطريقة عادلة ومنصفة في العمل المناخي للاتحاد الأوروبي، مع تحديد الأهداف الوطنية على أساس الناتج المحلي الإجمالي. ويوضح الرسم البياني التالي تقسيم أهداف ( ESR) بين الدول الأعضاء ، حيث يشير اللون الأزرق إلى أهداف 2030 الحالية واللون الاخضر يشير إلى أهداف اللجنة الجديدة.

الشكل رقم (2) يوضح أهداف خفض الانبعاثات لعام 2030 لكل دولة عضو، مع مقترحات اللجنة باللون الأخضر

  • إنهاء إعفاء الطيران والشحن من ضرائب الطاقة

يحدد توجيه ضرائب الطاقة في الاتحاد الأوروبي Energy Taxation Directive (ETD) الحد الأدنى لمعدلات ضريبة على الوقود للنقل والتدفئة والكهرباء. وأنه لم يتم تحديثها منذ عام 2003.  وتزعم مقترحات الخطة أن التوجيه لم يعد متسقًا مع أهداف الاتحاد المناخية – وفي الواقع يفضل استهلاك الوقود الأحفوري مع مزيج من المعدلات الدنيا المنخفضة جنبًا إلى جنب مع إعفاءات وتخفيضات الدول الأعضاء.

يذكر أن اللجنة تريد إنهاء الإعفاء الكامل الذي تتمتع به حاليًا شركات الطيران والشحن. حيث أن التوجيه الحالي لا يشجع بشكل كافي تخفيضات انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، أو كفاءة الطاقة، أو أنواع الوقود البديلة مثل الهيدروجين أو الكهرباء. وبالتالي فإن النظام الجديد سيضمن فرض الضرائب على الوقود الأكثر تلويثًا لأعلى مستوى وسيرفع الحد الأدنى لمعدلات الرسوم التي لم يتم تحديثها مطلقًا منذ عام 2003. كما تقترح إنهاء الإعفاء الخاص بطيران الركاب ووقود الشحن المستخدم للرحلات داخل الاتحاد الأوروبي، مع زيادة الحد الأدنى للرسوم تدريجياً على مدى 10 سنوات.

  • القضاء على السيارات ذات محركات الاحتراق

تمثل الانبعاثات من النقل البري خمس إجمالي الاتحاد الأوروبي – ثاني أكبر حصة بعد إمدادات الطاقة – بعد أن زادت بأكثر من الربع منذ عام 1990. وفقًا للخطة يجب أن تنخفض انبعاثات النقل بشكل عام – بما في ذلك الطيران والشحن الذي يصعب التعامل معه بنسبة    90٪ بحلول عام 2050، لتلبية هدف الاتحاد الأوروبي للوصول لصافي الانبعاثات. لذا اقترحت المفوضية خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 55٪ في قطاع السيارات والشاحنات الصغيرة المباعة في الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2030، بحيث تتصاعد النسبة إلى 100٪ بحلول عام 2035.

يذكر أنه إذا تم تنفيذ مثل هذه الإجراءات، فسيكون عام 2035 الموعد النهائي الفعلي لآخر سيارات البنزين والديزل التي سيتم بيعها في الاتحاد الأوروبي. وسيكون هناك 15 عامًا بعد ذلك لتقاعد الأسطول المتبقي من المركبات التي تعمل بالوقود الأحفوري واستبدالها بسيارات كهربائية حتى تاريخ 2050.

  • استخدام الأراضي والغابات

تتضمن خطة ” Fit for 55″ تحديثًا مقترحًا للقواعد التي تحكم إدراج الانبعاثات وعمليات الإزالة من استخدام الأراضي وتغير استخدام الأراضي والحراجة land-use change and forestry (LULUCF) في إطار عمل الاتحاد الأوروبي المناخي، والمعروف باسم اللائحة 2018/841.

وفقا لقانون المناخ الأوروبي الجديد، تم تحديد مساهمة استخدام الأراضي وتغيير استخدام الأراضي والحراجة والغابات في الهدف الإجمالي لخفض الانبعاثات بنسبة 55٪ بحد أقصى 225 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، مما يعني أن القطاعات الأخرى يجب أن تكون مسؤولة عن 53٪ على الأقل. وهذا يضمن عدم قدرة القطاعات الأخرى على الاعتماد بشكل كبير على عمليات الإزالة لتعويض انبعاثاتها. وتدعو المقترحات الجديدة للمفوضية إلى هدف الاتحاد الأوروبي المتمثل في 310 مليون طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون من عمليات الإزالة بحلول عام 2030. وسيتم تقسيم هذا الهدف العام بشكل أكبر بين الدول الأعضاء.

  • تعزيز غرس الأشجار باستراتيجية الاتحاد الأوروبي للغابات

بعد إطلاق خطة ” Fit for 55 “الرئيسية، نشرت اللجنة استراتيجيتها الجديدة للغابات لعام 2030، بما في ذلك مجموعة من التدابير لتعزيز زراعة الأشجار، وتشجيع مراقبة الغابات بشكل أفضل وزيادة استخدام المنتجات الخشبية لتحل محل الخرسانة في البناء. ويشير إلى أنه يجب استخدام الخشب أولاً للمنتجات طويلة العمر، مثل مواد البناء أو الأثاث، ثم لإطالة عمر المنتجات الحالية، ثم إعادة الاستخدام وإعادة التدوير.

وعلى الرغم من أن 43 ٪ من الاتحاد الأوروبي مغطاة بالغابات، إلا أن هناك مخاوف بشأن الحصاد المفرط الذي يهدد دورها كمخزن للكربون. وتؤكد الاستراتيجية الجديدة فرص كبيرة للتدابير التي تعمل في نفس الوقت على تحسين إنتاجية الغابات، وإنتاج الأخشاب، والتنوع البيولوجي، وخصائص التربة الصحية، والقدرة على التكيف مع المناخ.

تهدف هذه المقترحات إلى جعل جميع قطاعات اقتصاد الاتحاد الأوروبي ملائمة لمواجهة تحديات تغير المناخ والأثار المحتملة . واستهداف تحويل اوروبا لأول قارة خضراء محايدة مناخيا بحلول عام 2050.

+ posts

باحثة ببرنامج السياسات العامة

أمل اسماعيل

باحثة ببرنامج السياسات العامة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى