دول المشرق العربي

تراكم التوترات: انعكاسات أزمة العلاقات اللبنانية الخليجية على مستقبل حكومة ميقاتي

دخلت العلاقات اللبنانية الخليجية مرحلة جديدة من التأزم والتوتر على وقع تصريحات أدلى بها وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي عُدّت مسيئة للسعودية، وقامت على إثرها كل من السعودية والبحرين والكويت باستدعاء سفرائها من بيروت، وإمهال سفراء لبنان لديها 48 ساعة لمغادرة البلاد، فيما استدعت الإمارات سفير لبنان لديها للاحتجاج. تضيف هذه التوترات أزمة جديدة لحكومة نجيب ميقاتي المثقلة بتركة من الأزمات القديمة والمستحدثة والتي تجعل استمرار ممارستها لأعمالها أمرًا محل شك.

توترات متراكمة

تعد تصريحات وزير الإعلام اللبناني -التي قالها في حلقة مسجلة في 5 أغسطس 2021 قبل توليه منصبه وأذيعت 25 أكتوبر الجاري وتحدث فيها عن الحرب في اليمن واصفًا إياها بالعبثية- أحدث حلقات التأزم في العلاقات اللبنانية مع دول الخليج وخاصة مع المملكة العربية السعودية؛ إذ سبقتها حوادث وتصريحات راكمت من الأزمات التي تعتري هذه العلاقات. إلا أن التعاطي السعودي والخليجي مع الأزمة الجديدة بدا أكثر حدة من الأزمات السابقة، وخاصة قرار السعودية بوقف كل الواردات اللبنانية إلى المملكة وتأكيد منع سفر مواطنيها إلى لبنان.

وقد شهد العام الجاري أزمتين ضاعفتا من رد الفعل السعودي على تصريحات قرداحي، أحد الأزمتين كانت تصريحات تلفزيونية لوزير الخارجية في حكومة حسان دياب شربل وهبة في مايو الماضي عُدت مسيئة للسعودية ومواطني دول الخليج العربي بشكل عام، واستقال على إثرها وهبة من منصبه. وقبل هذه التصريحات بشهر كانت الأزمة الأولى حيث أعلنت السعودية حظر دخول الفواكه والخضروات من لبنان أو نقلها عبر أراضيها بعدما أحبطت عملية تهريب 2.4 مليون حبة من مخدر الكبتاجون إليها داخل شحنة فاكهة، محمّلة حزب الله مسؤولية محاولات التهريب.

ولمّا كان نفوذ حزب الله ومن ثم النفوذ الإيراني المتصاعد أحد أهم أوجه الرفض السعودي والخليجي لدعم لبنان وعدم الاكتراث بتطوراته بعدما تيقنت من أن شروطها لدعم لبنان والمتمثلة بشكل رئيس في تقليص الحضور السياسي والاقتصادي لحزب الله تمثل شروطًا مستحيلة التحقق، فإن هذه الأزمات الثلاث تزيد من هذا الرفض الذي يصل إلى حد المقاطعة الخليجية للبنان.

ويصب ذلك تلقائيًا في مصلحة حزب الله وتغلغل نفوذه، علاوة على إذكاء مساعيه لتوجيه دفة بيروت من الجوار العربي إلى حاضنة إيران التي سعت إلى ظهورها وحزب الله بمظهر المساعد للبنان واللبنانيين من خلال قافلة المازوت التي عبرت إلى عبر معبر غير رسمي بين سوريا ووادي البقاع في 17 سبتمبر الماضي. ومن ثم فإن ثمة مصلحة لحزب الله وإيران في إشعال فتيل التوتر بين فينة وأخرى بين لبنان ودول الخليج العربي بما يقطع أي آمال ترجوها قوى داخلية أخرى وعبّر عنها رئيس الوزراء نجيب ميقاتي في أكثر من مرة من أن تقدم السعودية المساعدات اللازمة لانتشال لبنان من أزماته. 

شلل حكومي

سارعت رئاستا الجمهورية والحكومة في لبنان إلى إدانة تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي والتنصل منها والتأكيد أنها لا تعبر عن الموقف الرسمي للدولة اللبنانية. ورغم ذلك فإن ردود الفعل الخليجية على تصريحات قرداحي أضافت أزمة كبيرة إلى الأزمات المتوالية منذ تشكيل حكومة نجيب ميقاتي، ولعل أكبرها ما يتعلق بتعليق انعقاد جلساتها على خلفية الخلاف على استمرار المحقق في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، وما شهدته بيروت من أحداث دامية في منطقة الطيونة 14 أكتوبر الجاري، في ضوء رغبة الثنائي الشيعي (حزب الله – حركة أمل) في إعفاء القاضي بيطار من نظر القضية، وإصرار قوى أخرى على عدم التدخل في الشأن القضائي، ومن ثم انسحاب الوزراء المحسوبين على حزب الله وحركة أمل وتيار المردة من المشاركة في جلسات الحكومة، ما يعني تعطيلها.

وأضفت أزمة التحقيق في انفجار مرفأ بيروت ضبابية على حكومة ميقاتي المهددة باستمرار تعطيلها، ولذلك تجري مشاورات للضغط على جورج قرداحي لتقديم استقالته من الحكومة في محاولة لتفادي انهيارها على وقع القرارات الخليجية، لا سيّما وأن الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها لبنان ستكون معرضة لضغوط أكبر إثر القرار السعودي بوقف جميع الواردات اللبنانية، والتي تقدر بنحو 250 مليون دولار سنويًا.

ويأتي تصريح رئيس الوزراء نجيب ميقاتي بأنه طلب من جورج قرداحي “تقدير المصلحة الوطنية واتخاذ القرار المناسب لإعادة إصلاح علاقات لبنان العربية” في إطار الضغوط التي تُمارس على قرداحي لتقديم الاستقالة، بالنظر إلى أن الحكومة في ظل تعطيل أعمالها والخلافات الكبيرة بداخلها لن تكون قادرة على إقالته؛ إذ يُشترط تصويت ثلثي الأعضاء لصالح قرار الإقالة حسب المادة 65 من الدستور. علاوة على تصريح سليمان فرنجية رئيس تيار المردة والذي رشح قرداحي لتولي المنصب بأن ” لن أقبل تقديم جورج قرداحي فدية وإذا استقال أو أقيل لن نسمي خلفًا له “، فضلًا عما أشارت إليه تقارير بأن حزب الله أبلغ رئيس الحكومة بأن أي مسعى لإقالة وزير الإعلام في مجلس الوزراء يعني استقالة وزراء الحزب.

ويضع هذا المشهد المعقد حكومة ميقاتي أمام تحديات مفصلية قد تنتهي بانهيارها، ويبدو أنها لن يكون بمقدورها لاحتواء هذه الأزمة إلا استمرار الضغط على قرداحي للاستقالة، الأمر الذي يعني في كل الأحوال استمرار تعطيل أعمالها لمدد أخرى. هذا فضلًا عن أن احتمالات أن تسهم هذه الاستقالة في احتواء الأزمة تبدو ضعيفة في ضوء الموقف الخليجي التصعيدي، وفشل استقالة وزير الخارجية السابق شربل وهبة إبان أزمة مشابهة في احتواء الأزمة. وستدخل أزمة جورج قرداحي مع أزمات داخلية أخرى وأزمة الحكومة ذاتها في سياق الصراع المشتد بين القوى اللبنانية قبيل الانتخابات النيابية.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد عبد الرازق

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى