
متغيرات جديدة… مستقبل المشهد السياسي العراقي بعد الانتخابات التشريعية
أنهى العراق خامس جولاته الانتخابية منذ عام 2003، بإعلان المفوضية العليا للانتخابات النتائج النهائية التي أفضت إلى إعادة توزيع خارطة القوى السياسية التقليدية، وفقًا لمتغيرات واعتبارات جديدة طرأت على مدخلات العملية السياسية. وفي هذا الإطار، تُناقش هذه الورقة مظاهر ودلالات تحولات المشهد الانتخابي، وانعكاساتها على مسار العملية السياسية والتوجهات الخارجية خلال السنوات القادمة.
متغيرات جديدة
أسفرت الانتخابات المبكرة عن جملة من المتغيرات غير المـألوفة للمشهد السياسي العراقي لكنها تتماشى مع تغير المزاج الشعبي الذي عبر عن نفسه في حراك أكتوبر 2019، ويُمكن استعراضها تاليًا:
• تراجع أوزان الكتل والأحزاب الموالية لإيران وتركيا: أزاحت الانتخابات الطبقة السياسية المرتبطة بإيران أو التي تعمل كأذرع سياسية لميليشياتها المسلحة، بحيث أحرز أفضل مكوناتها “تحالف دولة القانون” المركز الثالث بـ 34 مقعدًا، تلاه في المركز الخامس بفارق كبير “تحالف الفتح” بـ 17 مقعدًا نزولًا من 48 خلال انتخابات 2018، فيما حصل تحالف قوى الدولة (تيار الحكمة + ائتلاف النصر) على 4 مقاعد نزولًا من 19 و24 على الترتيب خلال انتخابات 2018. بينما لم تحرز قائمتا “حقوق” المدعومة من كتائب حزب الله، و”العقد الوطني” بقيادة رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح فياض أية مقاعد. وبالمقابل استطاع المكون السُني لأول مرة إحراز تقدم كبير بواقع 49 مقعدًا، مدفوعًا بارتفاع شعبية الحلبوسي لقيادته عملية إعادة الإعمار بمحافظة الأنبار، واتجاهه المناوئ للأدوار الإيرانية والتركية بالعراق.
الأمر نفسه تكرر بالنسبة للتيارات الموالية لتركيا؛ إذ هُزِمَ الحزب الإسلامي العراقي بقيادة رشيد العزاوي، الذراع السياسية لجماعة الإخوان، وذلك بعد أن حصل أعضاؤه على 14 مقعدًا بالمحافظات السنية خلال انتخابات 2018. وكذلك الحال بالنسبة لقائمة “متحدون” بقيادة رئيس البرلمان الأسبق المقرب لتركيا أسامة النجيفي التي لم تحصل على أية مقاعد. بينما لم يفز تحالف عزم بقيادة خميس خنجر المقيم بتركيا سوى بـ 12 مقعدًا فقط.
ومع ذلك، لا يُمكن إيعاز تلك النتائج إلى التحولات في مزاج الناخب العراقي فقط، فثمة عوامل أخرى حفزت هذا الاتجاه؛ لعل أبرزها اتباع نظام الدوائر الانتخابية المتعددة الذي قسم الدولة لـ 83 دائرة انتخابية وفق نظام اقتراع أحادي يصوت فيه الناخب لمرشح واحد فقط بدلًا من نظام القوائم النسبية (قانون سانت ليغو)، وهو ما عزز فرص المستقلين وقلص التصويت وفقًا للاعتبارات الوطنية. علاوة على الانقسامات التي شهدها الحشد الشعبي بخروج الفصائل المسلحة الأربعة (فرقتي الإمام علي والعباس ولوائي على الأكبر وأنصار المرجعية) في أبريل 2020، وإعلانهم في أكتوبر الجاري تشكيلهم لكيان مستقل تحت مسمى “حشد العتبات المقدسة”، وما ترتب على ذلك من تداعيات سياسية على قوة وتماسك الحشد.
ويضاف إلى ذلك، إلغاء الانتخابات بالخارج التي لطالما جاءت نتائجها لصالح القوى السياسية التقليدية، فضلًا عن صعود تيار الشيعة القوميين الرافض لهيمنة قوى إقليمية على القرار السياسي العراقي. واستمرار الخطاب الطائفي والتقليدي دون وعي للمتغيرات الجديدة المحيطة بالرأي العام حتى بين أوساط الشيعة نفسهم. وفشل القوى السياسية التقليدية في معالجة الأزمات الحادة المتمثلة في تفشي الفساد وتدهور الخدمات والبنية التحتية وتردي الأوضاع المعيشية. وارتفاع نسبة المقاطعة للعملية الانتخابية نظرًا لحالة الإحباط وعدم الثقة في مجمل المشهد الانتخابي الذي لم يخلُ من تأثيرات المال السياسي والخطابات الطائفية.
وأيضًا، عدم امتلاك تحالف الفتح لبرنامج عمل وطني لبناء الدولة والمجتمع وتسيير شؤنها، عندما شكل الحكومة عقب انتخابات 2018، واستمرار العراق كساحة لتصفية الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية، إلى جانب تعاطيها الخشن مع حراك أكتوبر 2019 وما شهده المحتجون من عمليات اغتيال واختطاف وغيرها من الوسائل التي خلفت نحو 800 قتيل وأكثر من 20 ألف جريح.
ومع أن خريطة التحالفات الانتخابية لم تخرج عن طابعها الطائفي التقليدي (تحالف القوى الشيعية مع بعضها وبالمثل السُنية والكردية)، إلا أن نمطًا تنافسيًا جديدًا برز، عكسه التنافس داخل المكونات السنية والشيعية والكردية نفسها؛ فقد انقسم البيت الشيعي على نفسه بين التيار الصدري الأكثر اعتدالًا، والتيارات الولائية المتمثلة في تحالفي دولة القانون والفتح وتحالف قوى الدولة. كذلك انقسم التيار السني بين كتلة تقدم بقيادة الحلبوسي وعزم بقيادة خميس خنجر وكلاهما متنافسان. أما المكون الكردي فلأول مرة يخوض حزباه الكبيران؛ الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الديمقراطي، الانتخابات بقائمتين مختلفتين بما يعكس حجم الخلافات البينية ورغبة كليهما في قياس وزنه النسبي للبناء عليه في شأن إعادة توزيع المناصب السياسية بالإقليم. وحمل حصول قائمة “الجيل الجديد” على 9 مقاعد مؤشرات على تزايد السخط الشعبي تجاه الخلافات السياسية البينية بين القوتين الكرديتين الرئيستين.
• ظهور المتغير الشبابي والمستقل: تقلصت الفضاءات السياسية للقوى التقليدية لصالح بروز قوى وأوجه جديدة داخل البرلمان العراقي للمرة الأولى؛ فقد نجحت قوى الحراك في اقتناص 15 مقعدًا (9 لتحالف امتداد + 6 لإشراقة كانون) وهو ما يشكل نجاحًا كبيرًا بالنظر إلى مقاطعة بعض تكتلات حراك أكتوبر للانتخابات، والتي لو كانت خاضتها لتمكنت من إحراز مقاعد أكثر. كذلك شكل المستقلون نسبة لا يستهان بها بحصولهم على 40 مقعدًا، بما يعكس نواة مهمة لتشكيل معارضة داخل البرلمان قد تكتسب المزيد من الزخم السياسي خلال المرحلة المقبلة. وصاحب ذلك تغير 80% من الوجوه النيابية بدخول 265 نائبًا جديدًا للبرلمان من أصل 329، بينما احتفظ 65 نائبًا فقط بمقاعدهم، وكانت محافظة النجف الأبرز حيث شهدت تغير كامل برلمانييها.
ومع ذلك، يُخشى نجاح التيارات السياسية في اجتذابهم لصفوفها وانخراطهم ضمن المعادلة الطائفية وإجهاض أي تجربة لتشكيل معارضة تقدم أداءً سياسيًا مختلفًا، لا سيمَّا أن المادة 45 من قانون الانتخابات حظرت انتقال الأعضاء بين الكتل المختلفة قبل تشكيل الحكومة، لكنها لم تتطرق إلى وضعية المستقلين.
• تحقق قدر نسبي من النزاهة: اتبعت الانتخابات التشريعية آليات جديدة لتأمين أقصى قدر ممكن من النزاهة، شملت استخدام البطاقة البايومترية التي تتكون من بصمة ثلاثية (البصمة الموجودة في البطاقة – بصمة جهاز التحقق – بصمة الناخب يوم الاقتراع) إلى جانب اشتمالها على البيانات النصية والحيوية وصورة الوجه، ويتم إيقافها عقب التصويت مباشرة ولمدة 72 ساعة، وهو ما يقطع الطريق على التصويت البديل أو تكرار التصويت. ورغم أن التصويت جرى في أجواء هادئة نسبيًا، باستثناء واقعة هجوم داعش الإرهابي على مركز انتخابي بقرية سطيح التابعة لناحية الرشاد جنوب غربي كركوك، إلا أن هذا لا ينفي الأجواء المشحونة المصاحبة لمجمل العملية الانتخابية -يشمل تعريفها أجواء قبل وبعد الانتخابات- إذ تورطت التيارات الولائية في عمليات اغتيال وترهيب وتهديدات ورشوة، ثم اتجهت إلى إرباك فرز الأصوات والتشكيك في النتائج.
ملامح المشهد السياسي المُقبل
تنضوي نتائج الانتخابات الأخيرة على إعادة تشكيل المشهد السياسي العراقي على المستويين الداخلي والخارجي خلال الخمس سنوات المقبلة، وهو ما يُمكن توضيحه على النحو التالي:
• تجزئة المشهد النيابي: أعادت الانتخابات توزيع خارطة الكتل السياسية وأسفرت عن تحولات مهمة على صعيد التوازنات السياسية القائمة، الأمر الذي يطلب تشكيل تحالفات لبلوغ “الكتلة الأكبر”، المنصوص عليها بموجب المادة 76 من الدستور، والمنوط بها تشكيل الحكومة المقبلة، والتي تعني وفقًا للممارسة العملية وتفسيرات المحكمة الاتحادية العليا أعوام 2010 و2015 و2019، تلك الكتلة التي تتشكل عقب الانتخابات من قائمة أو أكثر؛ ومن هنا ظهرت عدة سيناريوهات بشأن مكونات الائتلاف الحكومي المقبل، لعل أقربها إلى الواقع ائتلاف الأغلبية بين كتلة الصدر وتقدم والحزب الديمقراطي الكردستاني؛ إذ يحرزون مجتمعين 142 مقعدًا بأقل 23 مقعدًا عن الحد المطلوب لتشكيل الحكومة بـ 165 مقعدًا، وهنا يُمكن استمالة بعض المستقلين إلى جانب تحالف عزم أو التحالف الوطني الكردستاني. هذا السيناريو سيثير بالتأكيد غضب الكتل الشيعية التي قد تتخذ منحىً تصعيديًا، لاسيَّما أن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي –أحد رجال أيران الأقوياء وتولى رئاسة الحكومة خلال الفترة بين 2006 و2014– استطاع اقتناص المركز الثالث بواقع 34 مقعدًا.
ولما كان هذا السيناريو يعني كسرًا لقاعدة أرستها إيران بتشكيل الحكومة توافقيًا بين الكتل الشيعية، ويعني تشكيل أول حكومة أغلبية عابرة للطوائف، فإن طهران قد تلجأ إلى إرباك المشهد الأمني والضغط على بعض القوى السُنية أو الكردية لمنع ائتلافهم مع الصدر، خاصة أن خميس خنجر محسوب على إيران بشكل أو بآخر ولديه علاقات وثيقة وتنسيق مع هادي العامري زعيم تحالف الفتح. أو قد تفضي مساومة سياسية ما برعاية إيران إلى إدماج تحالف فتح ودولة القانون ضمن الائتلاف الحكومي.
وبالنظر إلى المشهد الضبابي والمرتبك يبدو أن مصطفى الكاظمي سيظهر كمرشح توافقي يحظى بقبول كافة الفاعلين الداخليين والخارجيين لتشكيل الحكومة المقبلة، بينما قد يترفع الصدر عن شغر هذا المنصب بالنظر إلى حجم الآمال والأعباء الملقاة على عاتق الحكومة المقبلة والتي لا يُمكن إنجازها خلال دورة برلمانية واحدة، مما سيفقده المكانة التي اكتسبها جراء خطابة المناهض للفساد والداعي إلى حصر السلاح بيد الدولة والداعم للتوجه العروبي للعراق، وتجنب الخطاب الطائفي قياسًا بالكتل الشيعية الأخرى.
• استقرار رئاستي الدولة والبرلمان: بالتزامن مع مسار اختيار رئيس الحكومة وتوزيع المناصب الوزارية، تشهد الساحة السياسية العراقية مناقشات أخرى تتعلق باسم رئيسي الدولة والبرلمان؛ وفيما يخص الأول فقد جرى العرف تركه لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني منذ أن دشن جلال طالباني هذا التقليد، باعتبار أن منافسه الكبير الحزب الديمقراطي الكردستاني يسيطر على منصب رئاسة إقليم كردستان، ومع ذلك، ظهرت بوادر انقسام عكسها تلميح سعدي بيرة عضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني بسعيه إلى الترشح لمنصب الرئاسة الجمهورية، بينما رد هوشيار زيباري عضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكردستاني بتأكيد أن المعادلة تغيرت بفض الشراكة بين الحزبين.
هذا السجال أثار مخاوف بشأن تعميق الانقسامات داخل المكون الكردي بما ينعكس سلبًا على قضايا الإقليم خاصة ما يتعلق بحصته من الموازنة الاتحادية، والحصول على حقوقه الدستورية وتلك المتعلقة بتطبيق المادة 140 (ستخضع للمواءمة السياسية) وسياسات الحكومة القادمة تجاه قضايا الإقليم. وهو ما يرجح تحجيم الخلافات وحصرها على المنافسة السياسية الطبيعية والسعي إلى تعظيم المكاسب، واللجوء إلى طرح اسم الرئيس الحالي برهم صالح كمرشح توافقي، والالتفات إلى توحيد الجبهة الكردية لتوحيد الصوت التفاوضي بشأن المناصب الوزارية التي ستؤول للأكراد، والدخول في مفاوضات مع الحكومة العراقية الجديدة والكتلة الأكبر نيابيًا بشأن قضايا الإقليم. وقد شهدت مدينة السليمانية اجتماعات بين قيادتي الحزبين لتنسيق المواقف.
أما فيما يتعلق بمنصب رئيس البرلمان، فمن المتوقع أن يؤول إلى الرئيس الحالي محمد الحلبوسي حاصلًا بذلك على دورة ثانية يتطلع إليها، استنادًا إلى حلول كتلته “تقدم” في المرتبة الثانية بواقع 37 مقعدًا، بينما تقل فرص منافسة خميس خنجر زعيم تحالف عزم المقرب من إيران وتركيا بالنظر إلى الدعم الصدري للأول.
• تصاعد فرص الاضطرابات السياسية: تثور مخاوف بشأن الانزلاق إلى فوضى أمنية واقتتال داخلي مدفوع بالتصعيد الميليشياوي الذي يعمل كغطاء مسلح للتيارات والكتل الشيعية المهزومة؛ وقد تبلورت ملامحه خلال الأيام الماضية في رفض نتائج الانتخابات ونعتها بالمزورة وتقديم الطعون إلى مفوضية الانتخابات والمطالبة بالفرز اليدوي. علاوة على تشكيل تكتلات سياسية كالإطار التنسيقي الذي يضم نحو 10 أحزاب شيعية، واللجوء إلى ورقة الشارع عبر تنظيم احتجاجات واعتصامات في محافظات بغداد والبصرة وذي قار وغيرها شهدت احتكاكات مع سرايا السلام التابعة للتيار الصدري والقوات الأمنية الحكومية.
هذا فضلًا عن التلويح بالاحتكام للسلاح، وجميعها تكتيكات تحاول عبرها فرض رؤاها وإرادتها للالتفاف على نواتج العملية الانتخابية الجديدة لصالح الإبقاء على التوازنات السياسية التقليدية، أو على الأقل الحصول على تمثيل ملائم وموازن خلال تشكيل الحكومة المقبلة؛ إذ تخشى تلك التيارات ترجمة انحصار فرصها السياسية إلى تراجع مناصبها الحكومية والإدارية.
ومع ذلك، يبدو أن هناك رغبة في عدم الاحتكام الكلي إلى الأداة العسكرية مع حرص طهران على تقليص الاعتماد عليها؛ إذ تحتل مسألة الميليشيات أولوية متقدمة على أجندة المباحثات مع الولايات المتحدة والسعودية، علاوة على تأثير انسحاب ألوية المرجعية الدينية من الحشد الشعبي على قوة الفصائل الولائية داخله.
• استمرار الهيمنة الإيرانية: لا يُمكن اعتبار نتائج الانتخابات هزيمة كاملة للإيرانيين؛ فرغم التراجع الشديد لكتلة الفتح إلا أن طهران ممسكة بخيوط السياسة والاقتصاد في العراق منذ عام 2003، أي قبل سنوات من دخول تحالف الحشد الشعبي البرلمان لأول مرة في 2018، ولا يجب تغافل أن الأخير لديه السيطرة الفعلية على الأرض ويملك تحريك المشهد الميداني بفعل امتلاكه أكثر من 160 ألف عنصر مسلح يشكلون قسمًا أساسيًا من القوات المسلحة العراقية، في بلد لا تقتصر اللعبة السياسية فيه على الأدوات السياسية، بينما تتولى الميليشيات دورًا مؤثرًا في بناء أو تفكيك التحالفات.
علاوة على أن الكتل الموالية والمقربة من إيران – دولة القانون والفتح وعزم – ما زالت تملك نسبة معتبرة تُقدر بـ 19.1%، مما يجعلهم شركاء فعليين في صنع القرار. وتكشف الزيارة السرية لإسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس، إلى بغداد صبيحة ظهور النتائج الأولية محاولات إيران تقليص خسائرها وإيجاد أرضيات مشتركة بين التيارات الولائية للدخول في تحالفات تمنحها الفرصة لاقتناص حقائب وزارية في الحكومة الجديدة. ناهيك عن أن الصدر وإن كان على خلاف تكتيكي مع النظام الإيراني، فإنه أحد المكونات السياسية الشيعية التقليدية التي امتلكت أذرعًا عسكرية حظيت بدعم إيران كجيش المهدي وسرايا السلام التي لم ينفك ارتباطها بإيران إلا بعدما انفصلت عن الحشد الشعبي وسلمت أسلحتها للأجهزة الأمنية عام 2017، وبالتالي فإنه لن يتدخل بطريقة عدائية ضد الإيرانيين الذين لا يرونه عدوًا، وليس لديه برنامج حكومي متماسك.
إضافة إلى ذلك، فإن إيران لن تتعاون بشأن تشكيل الحكومة العراقية القادمة حيث تتزامن مع جملة من التحركات الدبلوماسية؛ مباحثات فيينا بشأن الاتفاق النووي، ومحادثات التقارب مع السعودية، والتحركات الجارية لتسوية الأزمتين السورية واليمنية، وتحرص طهران على بقاء العراق ورقة مساومة فعالة، وبالتالي لن تتنازل عن حكومة عراقية غير مُعادية على أقل تقدير، إن لم تكن موالية.
• تعزيز الاندماج عربيًا: يعزز تصدر التيار الصدري لنتائج الانتخابات والاحتمالات الكبيرة لبقاء مصطفى الكاظمي في منصبه رئيسًا للوزراء، استمرار نهج الانفتاح والاندماج عربيًا الذي اتبعه خلال الفترة الماضية، والبناء على التقدم الذي أحرزته بغداد على صعيد التواصل الفعال مع السعودية والإمارات، والمضي قُدمًا في مشروعات الشراكة متعددة المستويات، كمشروع المشرق الجديد، وفتح قنوات جديدة للتعاون مع العالم العربي، وهو ما سيتلاقى أيضًا مع التوجهات الإيرانية لحلحلة الجمود في العلاقات مع الدول الخليجية.
ختامًا، أسفرت الانتخابات العراقية الأخيرة عن إعادة توزيع توازنات القوى داخل البرلمان العراقي، دون أن يعني ذلك تغير النظام السياسي القائم على أساس المحاصصة الطائفية أو فك الارتباط مع إيران؛ حيث ستظل التكتلات السياسية التقليدية مسيطرة على المشهد، وستحاول جميع الكتل إيجاد أرضية مشتركة لتقاسم المناصب الحكومية المتوقع أن يمتد تشكيلها لعدة أسابيع للتوصل لصيغة توافقية. بينما سيزيد اتجاه الكتل المهزومة إلى التصعيد الميداني من تعقيد المشهد السياسي والانزلاق إلى دائرة العنف والفوضى الأمنية بما يصعب بلوغ الاستقرار السياسي ويعرقل التقدم الاقتصادي.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية