مصر

“مصر” و”ألبانيا”.. تاريخ من التعاون المشترك

وصل رئيس وزراء جمهورية ألبانيا” إيدي راما”، اليوم السبت، إلى القاهرة في زيارة رسمية لمصر. وكان في استقباله د. مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء؛ حيث أجريت مراسم الاستقبال الرسمية للضيف الألباني والوفد المرافق له والذي يضم وزيري الداخلية، والثقافة، وعددا من المسئولين.

يتضمن جدول الزيارة ، عقد لقاء ثنائي بين رئيس الوزراء ونظيره الألباني، وجلسة مباحثات موسعة؛ لبحث مجالات التعاون وسُبل تعزيزها، فضلاً عن توقيع عدد من مذكرات التفاهم وبروتوكولات التعاون في المجالات الثقافية. كما تتضمن الزيارة، جولة لرئيس الوزراء الألباني، في أهم المشروعات القومية التي تنفذها الدولة المصرية.

تاريخ من التعاون المشترك

بدأت العلاقات الدبلوماسية بين مصر وألبانيا في 19 أبريل 1956، وتفتخر ألبانيا بكونها موطن محمد علي باشا، فقد ولد لسلالة ألبانية في «قولة» أحد الموانئ الصغيرة الواقعة على الحدود بين «ترافية» و«مقدونية».

محمد علي باشا حكم مصر، واتخذ من الألبان حرسا خاصا، وسار على نفس النهج، أبناؤه من بعده، ومنحهم اقطاعيات كبيرة، وأنشأ زملك (حي الزمالك) وسماها بهذا الاسم لأنها تشبه ضاحية جميلة في ألبانيا تحمل الاسم نفسه ولا يزال للألبان آثارهم في حي الزمالك حتى الآن، أبرزها شارع محمد مظهر الألباني الذي عاش في حي الزمالك فترة ثم عاد الى ألبانيا.

 وتطورت العلاقات بين البلدين واللتين وقعتا تحت الاحتلال العثماني قرونا عديدة مما أدى إلى وجود نقاط متشابهة جعلت ألبانيا تسعى دائماً إلى تعزيز علاقتها بمصر نظرًا لأهمية الموقع المصري والمصالح الاستراتيجية المتبادلة بين البلدين، فضلًا عن التراث الثقافي والإسلامي المشترك الذي تعمل على عودته مرة أخرى.

العلاقات السياسية

نظراً لاشتراك البلدين في عضوية كل من منظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد من أجل المتوسط، تتقارب مواقفهما السياسية في العديد من المحافل الدولية وتساند البلدان بعضهما البعض من أجل تحقيق الأهداف المشتركة، وتؤيد ألبانيا العديد من الترشيحات المصرية وحتى في حالة عدم الاتفاق في وجهات النظر فإن عمق العلاقة وطبيعتها تسمح للبلدين باحترام وتفهم المواقف المختلفة.

وشهدت العلاقات بين البلدين تعاونا كبيرا في مختلف المجالات في ظل رئاسة الرئيس الحالي “إيلير ميتا”، الذي ما يؤكد دائماً على ثقل مصر الإقليمي وخطواتها السابقة نحو المستقبل، وأن حجم المشروعات الكبرى في مصر يدعو إلى الدهشة والاحترام.

وتولي مصر اهتماماً كبيراً لتعزيز علاقاتها الثنائية مع ألبانيا، وتبحث دائما إمكانية مد هذا التعاون لآفاق جديدة، بحيث تكون مصر جسراً للقارة الأفريقية بالنسبة لألبانيا، وأن تكون ألبانيا صوتاً داعماً لمصر في أوروبا، فمصر تحرص على عقد جولات المشاورات السياسية بشكل منتظم بين البلديّن للتشاور حول القضايا ذات الاهتمام المُشترك، وتبادل الرؤى ووجهات النظر بشأن التطورات التي تشهدها الساحتين الإقليمية والدولية، علاوة على تبادل الخبرات في المجال متعدد الأطراف، خاصة مع قرب حصول ألبانيا على مقعد غير دائم بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال الفترة 2022-2023.

وفي عام 2020، استضافت العاصمة الألبانية “تيرانا”، جولة جديدة من المشاورات السياسية بين مصر وألبانيا، برئاسة كل من السفير د. بدر عبد العاطي، مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية، ومدير عام الخارجية الألبانية للقضايا السياسية والاستراتيجية، وبمشاركة السفير محمد حيدر سفير مصر في تيرانا، وذلك لبحث سُبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلديّن، وكذا الاعداد لزيارات رفيعة المستوى بين الجانبين خلال الفترة المقبلة، فضلاً عن البناء على ما تم الاتفاق عليه بين السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي والرئيس الألباني “إيلير ميتا”، خلال زيارته للقاهرة في فبراير ٢٠١٩.

واختُتمت جولة المشاورات بالتوقيع على مذكرة تفاهم للتعاون بين معهد الدراسات الدبلوماسية التابع لوزارة الخارجية المصرية، والأكاديمية الدبلوماسية الألبانية، لتعزيز التعاون في مجال بناء القدرات وتبادل التدريب.
في 27/2/2019، قام الرئيس إيلير ميتا رئيس ألبانيا بزيارة لمصر، واستقبله الرئيس عبد الفتاح السيسي في قصر الاتحادية. وأعرب الرئيسان حينها عن حرصهما على تفعيل اللجنة المشتركة برئاسة وزيري خارجية البلدين لبحث سبل تدعيم العلاقات الثنائية ومواصلة التنسيق لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية الراهنة، وذلك مع دفع مسار التعاون الاقتصادي، وفقاً للاتفاق المبرم بين البلدين عام 1993، مؤكدين على أهمية العمل على زيادة التبادل التجاري والاستثماري. كما تطرقت المباحثات إلى سبل تعزيز التعاون في مجال الطاقة على ضوء التطورات التي يشهدها هذا المجال حالياً في مصر في مختلف الجوانب.

العلاقات الاقتصادية

يعمل البلدان على تحسين العلاقات الاقتصادية للرقي بها إلى أعلى المستويات، وقد وصل حجم التبادل التجاري إلى 18.4 مليون يورو في عام 2009، وبلغت الصادرات المصرية إلى ألبانيا 17.642 مليون يورو، وفي عام 2020 ، وصل حجم الصادرات إلى 22.5 مليون دولار بمعدل نمو 104.2%.
ومن أهم الصادرات المصرية إلى ألبانيا هي غاز “البروبان” السائل بقيمة 1.7 مليون دولار، سماد نترات النشادر بقيمة 686.3 ألف دولار، بالإضافة إلى الأرز والخضروات والفواكه والأسمنت والسيراميك والسجاد ومنتجات النسيج والأدوات الصحية والأجهزة الكهربائية، ومن أهم الصادرات الألبانية لمصر هي البقول وبلاط السيراميك وقرميد الأسقف والحبوب.

فرص التعاون في مجال السياحة

يسعى الجانبان دائماً إلى تعزيز سبل التعاون فيما يتعلق بتنشيط حركة السياحة، وتبادل خبرات الترويج السياحي، وكذلك طرح مقترحات لتشجيع الاستثمارات في مجال السياحة وحماية الشواطئ في البلدين.

وفي ظل ازدهار السياحة في ألبانيا التي تعتبر من أجمل دول البلقان التي تجذب السياح وخصوصاً المصريين، الذين يحبون زيارة أوروبا والتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة واكتشاف المعالم السياحية والتاريخية، فحب التاريخ والسياحة يجري في عروق المصريين كما يجري النيل في ارض أم الدنيا مصر.

وتعتبر ألبانيا من الدول الأقل كلفة نسبة إلى باقي الدول الأوروبية، وتسهيلاً لزيارة السائح المصري قررت الحكومة الألبانية إلغاء نظام التأشيرات والتطعيم للمواطنين المصريين الراغبين في زيارة ألبانيا في الفترة من 1 أبريل إلى 31 ديسمبر 2021 .

وتقوم السفارة المصرية بدور كبير بالتنسيق مع وزارتي السياحة واتحادات الغرف السياحية لبناء علاقات مؤسسية ومظلة حكومية داعمة للقطاع الخاص في الجانبين، وهو الأمر الذي ستكون له انعكاسات إيجابية، ليس فقط على قطاع السياحية، وانما على دعم كافة أوجه التعاون الثنائي بين مصر والبانيا والتعريف بمقومات البلدين المتعددة بما يدعم التجارة والاستثمار.

العلاقات الثقافية

ترتبط الدولتان باتفاق ثقافي وعلمي وفني، وتجتمع الألفة الثقافية بين البلدين والرؤية المشتركة من أجل مستقبل أفضل ومستوى أعلى، والسبب الأساسي للتقارب الثقافي بين البلدين هو الألفة التاريخية المذكورة، فضلاً عن أن نسبة المسلمين في ألبانيا 70% من السكان و20% من السكان أرثوذوكس وهما الديانتان اللتان يدين بهما المصريون، وتتميز ألبانيا ومصر بالتسامح الديني بالنسبة للديانات المختلفة. ومن أهم الاتفاقيات الثقافية، الصندوق المصري للتعاون الفني مع دول الكومنولث الذي يقدم العديد من المنح للمتدربين الألبان في مجالات مختلفة.

التعاون المثمر مع التعليم والأزهر الشريف

تقدم وزارة التعليم العالي وجامعة الأزهر 20 منحة للدراسات الجامعية و4 منح للدراسات العليا لألبانيا كل عام في إطار التعاون المستمر بين البلدين والاهتمام المصري الدائم بالمساهمة في عملية التطوير الألبانية، وتتضمن مجالات الدراسة العديد من الكليات المختلفة العلمية والأدبية وعلى مستوى البكالوريوس والماجستير بالإضافة إلى الدراسات الدينية في جامعة الأزهر.

 وفي زيارة رئيس المشيخة الألبانية للصرح العظيم والقلعة المحصنة الأزهر الشريف بمصر، أبدى الأزهر استعداده باستضافة أئمة ألبانيا في أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعاظ، وإخضاعهم لبرنامج تدريبي معد خصيصا للأئمة الوافدين بما يتناسب مع طبيعة مجتمعاتهم، وصقل مهاراتهم ورفع مستوى تمكنهم من مناقشة القضايا الفكرية المعاصرة بفكر مستنير، بما يسهم في مكافحة الفكر المتطرف.

كما رحب وكيل الأزهر بالتعاون العلمي مع ألبانيا، مشيدا بمستوى الطلاب الألبان الوافدين للدراسة في أروقة المعاهد الأزهرية وجامعة الأزهر العريقة، مؤكدًا حرص الأزهر على توطيد العلاقات مع ألبانيا من خلال تشكيل لجنة علمية مشتركة لخدمة العلوم والثقافة الإسلامية، وتحقيق التبادل العلمي النافع، فضلًا عن إيفاد أساتذة من الأزهر لتدريس العلوم الدينية بألبانيا، والعمل على تطوير المناهج الدراسية والتوسع في دراسة وتعليم اللغة العربية بما يخدم المسلمين في ألبانيا.

وأشاد فضيلة الشيخ بويار سباهيو، رئيس المشيخة الإسلامية الألبانية، وهي السلطة الأعلى المعنية بشئون المسلمين، بالتعاون المثمر مع الأزهر الشريف خلال السنوات الماضية، الأمر الذي كان له أبلغ الأثر في تقديم كافة أشكال الدعم للمسلمين بها. كما أعرب عن تقديره لما تقوم به مصر من جهود بشأن التعاون مع العالم الإسلامي، وبصفة خاصة خلال الفترة الراهنة في ظل جائحة كورونا، وأثنى في هذا الصدد على الحفاوة التي لقيها خلال مشاركته في المؤتمر الحادي والثلاثين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية الذي عُقد بالقاهرة في مارس الماضي، وحرص مصر على عقده رغم ظروف الجائحة، وما تضمنه من أبحاث قيمة ومناقشات ثرية.

الاطار التعاقدي بين البلدين


التعاون بين وزارتي الخارجية ـ تشجيع الاستثمار ـ التعاون الثقافي والفني والعلمي ـ إنشاء لجنة مشتركة ـ تعاون في المجال القضائي ـ إعفاء الجوازات الدبلوماسية والمهمة والخاصة من تأشيرة الدخول ـ اتفاق تسليم المجرمين ـ التعاون في الحرب ضد الإرهاب ـ تجنب الازدواج الضريبي ـ اتفاق تعاون بين وزارة الزراعة الألبانية وجامعة أسيوط ـ اتفاقية للحماية من آفات النبات ـ اتفاقية بشأن إنشاء خطوط جوية منتظمة بين حكومة مصر  وألبانيا ـ اتفاق تعاون بين اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري والإذاعة والتلفزيون الألباني ـ اتفاق تجارة. 

Website |  + posts

باحثة بالمرصد المصري

مي صلاح

باحثة بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى