روسيا

“مينسك” ما بين “موسكو” و”الغرب”.. سيناريوهات مستقبل “بيلاروس”

لطالما مثلت العلاقة بين “موسكو” و “مينسك”، أو بالأحرى بين قائدي هاتين البلدين، مُعضلة بالنسبة للغرب، الذي كان يود لو تحذو “مينسك” حذو جارتها كييف، وتُلقي بالدب الروسي خلف ظهرها وتركض لتُلقي بنفسها بين ذراعيه. لكن ذلك لم يحدث- على الرغم من أنه ربما بدا وشيكًا في أحيان كثيرة- بل والأكثر من ذلك، أن الرئيس البيلاروسي نفسه، صرح مرارًا وتكرارًا أمام وسائل الإعلام، مؤكدًا أن بلاده ليست مثل أوكرانيا وليست ضد روسيا ولا تطمح للانضمام إلى حلف الناتو.

وعلى الرغم من أن تاريخ تلك التصريحات يعود إلى عام 2017، إلا أن من الواضح أن “لوكاشينكو” كان خير من يعرف أن “كييف” ستؤول في النهاية إلى مصير مُغلق، وأن تعليق آمالها على الغرب لم يكن الرهان المُناسب لأوكرانيا منذ بداية كل هذه الأحداث.  

وعلى الرغم من أن الرئيسين، “ألكسندر لوكاشينكو”، و “فلاديمير بوتين”، تجمعهما صداقة وطيدة نتج عنها بطبيعة الحال هذا النوع القوي من الدعم، الذي قال عنه الصحفي الأمريكي، “ماثيو تشانس”، في خلال حواره الأخير مع “لوكاشينكو”، “لكنك تحتاج إلى روسيا، ربما لأن بوتين كان أقوى مؤيديك خلال الأشهر الـ 12 الأخيرة فيما بعد الانتخابات، حيث كان يمنحك الدعم الدبلوماسي والمالي”. وتابع الصحفي طارحًا سؤاله، “سؤالي، ماذا وعدته في المقابل؟ ما هو ثمن روسيا، ما هو ثمن دعمها؟”.

وأبرز ما يلفت الانتباه في سؤال المحاور الأمريكي، هو أنه حدد فترة دعم بوتين للوكاشينكو بالـ 12 عشر شهرًا الأخيرة! إنه لم يقل أكبر داعم على طول الطريق، ولكن وصف دور الرئيس الروسي بالداعم على مدار العام الأخير الذي تلى الانتخابات فقط. وهو الأمر الذي يُلقي بالضوء كذلك على حقيقة أن لوكاشينكو وبوتين لم يكونا رفقاء درب طوال رحلتهما الرئاسية، وأنه كانت هناك بالفعل أوقات عندما وقعت خلافات ليست هينة بين الطرفين. كما أن الغرب لم يكن دائمًا منبوذًا بالنسبة لـ “لوكاشينكو” بل أن الأوضاع فيما بين هذه الأقطاب الثلاثة لطالما شهدت تغييرات كانت أشبه ما يكون بحركة المد والجزر، والتي تتغير فيها الأوضاع مع كل حركة، وما بين طُرفة عين والأخرى، تجد عدو الأمس بات صديق اليوم، وصديق الأمس بات عدو اليوم!

موسكو ومينسك.. نظرة على أبرز محطات الخلافات فيما بين رحلة الحلفاء

كان “لوكاشينكو” مُتصالحًا مع حقيقة أن مستقبل بلاده وقدراتها على البقاء يتوقف –بنسبة كبيرة- على الدعم الذي يتلقاه الاقتصاد البيلاروسي من الجارة الروسية. لذلك، ومنذ فترة رئاسته الأولى 1994، عكف على التوقيع على اتفاقية صداقة وتعاون وحسن جوار مع الاتحاد الروسي، ومن ثم ألُحقت باتفاقيات حول انشاء نظم مدفوعات واتحادات جمركية بين البلدين.

وبوجه عام، جمع البلدين، عدد ليس قليلاً من معاهدات التعاون المختلفة، من ضمنها؛ بروتوكولات تعاون في المجالات العسكرية التقنية، وبروتوكولات تعاون فيما يتعلق بدخول المواطنين الأجانب والأشخاص في 2008، وبروتوكول تعاون بشأن الاعتراف المتبادل بشهادات التعليم والشهادات الأكاديمية في عام 2012، واتفاقية بين حكومة البلدين لبناء محطة نووية روسية في بيلاروسيا في عام 2011.

ووقع الطرفان في ديسمبر 1991، معاهدة أخرى نصت على أن يتبنى الطرفان سياسات خارجية وأمنية ودفاعية واحدة، وأن تكون لهما ميزانية مشتركة، بالإضافة إلى سياسة مالية ائتمانية وضريبية موحدة، وتعريفة جمركية موحدة، ومنظومتين للطاقة واتصالات ومواصلات واحدة. 

وعلاوة على كل ذلك، فإن الاقتصاد البيلاروسي يقوم في المقام الأول –كما ذكرنا في الجزء السابق- على استيراد النفط الخام من روسيا وتكريره في المعامل البيلاروسية ومن ثم إعادة تصديره للخارج مرة أخرى بعد إضافة الأسعار المناسبة عليه.

وحقيقة الأمر، أن “مينسك” حققت استفادة عظيمة تُحسب لها من وراء اعتمادها على اتفاقيات التكامل والتعاون مع موسكو، فقد أنفقت موسكو على مدار عشرين عامًا نحو مائة مليار دولار في سبيل تنفيذ هذه الاتفاقيات التي تصبو جميعها باتجاه التكامل مع موسكو.

وبالإجابة عن سؤال حول السبب وراء رغبة موسكو في عقد جُملة هذه الاتفاقيات مع مينسك، أو بمعنى آخر، السؤال عن طموحات موسكو وتطلعاتها في مينسك. نجد أن الإجابات بالطبع لن تكون بعيدة عن تطلعات القيصر الروسي بوتين نفسه لإعادة إحياء سلطة بلاده السابقة على الجمهوريات المحيطة بها، والتي تعتبرها موسكو منطقة نفوذ روسي خالص حتى اليوم الحالي، ولا تسمح لأي طرف دولي بالاقتراب للعب في الباحة المجاورة لورسيا.

وبالنسبة لبيلاروس، فإن لوكاشينكو كان مُحقًا عندما قال إن بلاده ليست مثل كييف، لأنها في الحقيقة تكاد تكون أقرب إلى العاصمة الروسية موسكو من حيث الموقع الجغرافي. ووفقًا لما ذكرناه في الجزء الأول من هذه السلسلة، تقع العاصمة موسكو على بُعد 700 كيلو متر من العاصمة البيلاروسية “مينسك”.

لذلك، فمن يعتقد أن مينسك قد تُفكر، حتى في أقصى لحظات احتدام خلافاتها مع موسكو بالاقتراب، مجرد الاقتراب، من عقد أي تحالفات مع حلف الناتو، سيظل على خطأ. بالإضافة إلى اعتبارات موسكو الأمنية التي تجعل من مينسك بلدًا بالغة الأهمية بالنسبة لها، فإن موسكو أيضًا تنظر إلى “بيلاروس” برمتها على اعتبار أنها جزء أصيل من روسيا. إنها بلد صغير، وحبيس، ويعيش على مساعدة موسكو، لذا ما المانع في انضمام بيلاروس تحت لواء العلم الروسي. وعندها ستنجح موسكو في إعادة تحقيق الوحدة مع إحدى جمهورياتها السابقة من ناحية، ومن ناحية أخرى سيكون لزامًا على الاقتصاد البيلاروسي أن يحصل بالفعل على الدعم الروسي باعتباره جزءًا من اقتصاد روسيا!

ومن هذا المنطلق، وقعت خلافات بين الرئيسين لوكاشينكو وبوتين في وقت ليس بعيدا عن اليوم، أو بالأحرى أنه ليس بعيدًا عن تاريخ الانتخابات الأخيرة التي مثلت نقطة تحول قذفت لوكاشينكو مرة أخرى إلى عمق الحضن الروسي، تاركًا خلفه صفحة كل خلافاته السابقة مع بوتين، والتي وصلت في بعض الأحيان إلى حد أن أبدى لوكاشينكو تجاه قضية القِرم مواقف تختلف مع الإرادة الروسية.

ففي عام 2014، خلال اجتماعٍ له مع الرئيس الأوكراني المؤقت “ألكسندر تورتشينوف”، عبر عن رأيه مُباشرة فيما يجري بالبلاد، مُشددًا بأنه ينبغي على الأوكرانيين القتِال من أجل أراضيهم. وقال “إذا كانت هذه أرضك، فلماذا لا تقاتل من أجلها؟” كما استقبل لوكاشينكو أنباء وصول الرئيس الأوكراني المناوئ لبوتين “فولوديمير زيلينسكي”، بصدر رحب. ووصف خلال انعقاد المنتدى الأول والثاني لرؤساء الدول الشقيقة، أوكرانيا بأنها الشريك التجاري الرئيسي لبيلاروسيا مع تأكيد أن الدولتين معًا على استعداد تام لمقاومة التأثيرات الخارجية سويًا.

وكانت مواقف لوكاشينكو تجاه أوكرانيا نذيرًا بأن شهر العسل المُمتد بين بلاده وموسكو على وشك الانتهاء. وكان ذلك ما جرى بالفعل، عندما لاحظت موسكو أن كل ما بذلته من جهود وكل ما تكبدته من نفقات اقتصادية لأجل الإبقاء على تعاونها مع بيلاروس لم يُسفر عن نوع التكامل أو الوحدة المأمول. بل والأكثر من ذلك، أن موسكو نظرت إلى سياسات مينسك التي باتت أكثر حيادية في تعاملاتها مع الغرب بعين السخط. حتى أن “لوكاشينكو” نفسه كان قد أشار في أكثر من مناسبة –قبل انتخابات 2020- إلى احتمال اتجاه بلاده إلى التعاون مع الغرب بفعل التصرفات الروسية.

وأشار صراحة في خطاب له أمام البرلمان إلى أن التعاون مع الغرب وحلف الناتو هما الضمانات الحقيقية لاستقلال وسيادة بلاده. لهذا السبب بدأ بوتين يُكشر عن أنيابه لجاره البيلاروسي. وبدأ الحديث يجري عن نية موسكو رفع سعر خام النفط، الذي تستورده منها بيلاروس، لأجل إرغام مينسك على الركوع أمام موسكو. وهو الأمر الذي ترتب عليه وقوع توترات في العلاقات بين البلدين. وصولاً إلى لحظة إعلان موسكو بالفعل عن قرارها برفع قيمة الضرائب على النفط الذي يتم تصديره للخارج بدءا من عام 2019، في عملية أطُلق عليها اسم “المناورة الضريبية”، وهو ما يعني بالتبعية أنه سيتحتم على الحكومة البلاروسية تعويض مصافي التكرير الخاصة بها عن ارتفاع أسعار المواد الخام، علاوة على ذلك، ستفشل بيلاروس في بيع منتجاتها النفطية في الأسواق العالمية، لأن موسكو ستبيعها لمينسك بالسعر العالمي وليس بسعر مخفض كما جرت العادة، مما يعني أن بيلاروس تكون بهذه الطريقة حُرمت من هامش الربح المادي الذي كانت تُضيفه على أسعار النفط التي تقوم بتصديرها بالسعر العالمي للأسواق الخارجية.

وبتاريخ ديسمبر 2019، واجه لوكاشينكو نظيره الروسي بتصريحات حادة، أوضح من خلاله وبصراحة شديدة، أن بيلاروس لن تكون أبدًا جزءًا من دولة أخرى، حتى لو كانت هذه الدولة هي روسيا. مُضيفًا، “لا تنوي موسكو ومينسك إنشاء برلمان واحد، وليست هناك أي خطط لتعميق التكامل السياسي”.

كما أن الخلافات بين البلدين لم تقف عند حد النفط فقط، بل أن أغوارها طالت من الغاز أيضًا، والذي كانت مينسك ترى أن سعر الغاز الذي يتم تصديره من موسكو يتم تحديده وفقًا لمدى تجاوب بيلاروسي مع روسيا، فيما اعتقدت موسكو أنه غير مرتفع. فضلًا عن أن البضائع البيلاروسية واجهت مشكلات مختلفة في النفاذ إلى السوق الروسية، بالإضافة إلى ما واجهته الشركات البيلاروسية من مشكلات فيما يخص المشتريات العامة من روسيا. لكن كل هذه الأمور كانت تُعد مشكلات صغيرة للغاية مقارنة مع ما يجري على صعيد الصراع النفطي، الذي قدرت مينسك –في وقتها- حجم خسائرها المتوقعة وصولاً الى عام 2025 في حالة تطبيق المناورة الضريبية، أنه سيبلغ نحو 11 مليار دولار، وهو مبلغ كبير للغاية بالنظر إلى إجمالي الناتج المحلي البيلاروسي لعام 2018 على سبيل المثال، والذي بلغ نحو 55 مليار دولار فقط.

كما أن ما حدث في نهاية خريف 2018، كان واحدًا من أسباب تعقد الخلافات بين البلدان. عندما وصف “لوكاشينكو”، خلال أحد اجتماعاته مع مجموعة من المحليين الأمريكيين في مينسك، التأسيس المحتمل لقاعدة عسكرية روسية في البلاد بأنه أمر غير ضروري، ما أدى إلى تأكيد “لافروف” شعوره بالأسف بعد رفض بيلاروسيا إنشاء قاعدة عسكرية روسية على أراضيها.

وخلال محادثة له مع وسائل إعلام، دعا “لوكاشينكو” السلطات الروسية إلى الكف عن توجيه اتهامات لبلاده بالتطفل، مشيرًا إلى وجود منشأتين عسكريتين روسيتين بالفعل في بلاده، وفي مقابل ذلك لا تدفع روسيا لبيلاروس أي مقابل مادي نظير نشرهما على أراضيها. لكن نعود لنقول إن كل ذلك كان بالماضي غير البعيد، بالأحرى فيما قبل انتخابات 2020 وما لحقها من أحداث.

إلى أين ذهبت كل تلك التوترات؟ وما هو الدور الذي لعبته موسكو في إخماد احتجاجات 2020؟

مثلت احتجاجات 2020 نقطة تحول في سياسات لوكاشينكو الذي كان يأمل في يوم من الأيام، بأن ينجح بموازنة سياساته بين روسيا والكتلة الغربية. لكنه فقد أي آمال بمجرد اندلاع الاحتجاجات العريضة التي واجهتها الشرطة البيلاروسية بعنفٍ بالغ. لذلك لم يمض ولو دقيقة واحدة في التردد بإلقاء نفسه وبلاده بالكامل على أعتاب الكرملين، أملاً في الحصول على مساعدة روسية تسمح له بالبقاء إلى جانب أكثر شيء يُحبه على الإطلاق، سُلطته. شهد يوم 14 أغسطس 2020 أول مكالمة هاتفية من لوكاشينكو إلى بوتين، وفي 15 أغسطس، انعقد لقاء بين القيادة العسكرية لبيلاروس وروسيا، وأعلنت موسكو عن استعدادها لتقديم المساعدة الفورية لبيلاروس في حالة وجود أي تهديدات عسكرية محتملة.

وفي 16 أغسطس، جرت محادثة هاتفية بين الرئيسين في أعقاب الانتخابات الرئاسية، ووفقًا لما نشره الكرملين آنذاك عن تفاصيل المكالمة، فإن بوتين أكد استعداده للمساعدة في حل المشكلات التي نشأت في بيلاروس من خلال منظمة معاهدة الأمن الجماعي.

تلى ذلك، أن أعلن بوتين عن تجهيز احتياطي عسكري جاهز لمساعدة بيلاروس. في غضون ذلك، سرت قناعات إلى نفوس المحتجون في الشوارع بأن إدخال القوات الروسية إلى البلاد سيكون مسألة أيام ليس أكثر. وتكررت الشائعات في الميادين المختلفة بالفعل حول دخول قوات مُسلحة روسية إلى البلاد للمساعدة في قمع المحتجين، وعلى الرغم من أنه كان من الصعب تأكيد أو نفي حقيقة هذه الشائعات، إلا أن مجرد سريانها كان له قد ترك أثرًا بالغ الأهمية في الروح المعنوية للمتظاهرين.

وبعد ذلك، تكررت اللقاءات المباشرة بين الرئيسين بعد الانتخابات حتى بلغت إجمالاً نحو خمس مقابلات، انعقدت جميعها في روسيا. وكان من أبرز نتائج هذه الاجتماعات أن أعلنت موسكو عن قرض بقيمة 1,5 مليار دولار. ثم أعقبته بإعلانها عن تسليم مينسك تركيبة إنتاج لقاح كورونا الروسي “سبوتنيك في”. وفي خلال اجتماعهما الأخير، الذي انعقد بتاريخ يوليو 2021، ناقش الطرفان كيف يمكن لروسيا مساعدة روسيا البيضاء في مقاومة العقوبات الغربية.

وعوضا عن نقل تفاصيل مُتابعات مشهد الاحتجاجات البيلاروسية خطوة بخطوة، بدأت وسائل الإعلام الروسية في تنظيم حملات ممنهجة لتبييض وجه الرئيس البيلاروسي، والذي كان من أشهر لقاءاته الإعلامية بعد الاحتجاجات هو مقابلته المجمعة مع رؤساء وكبار ممثلي أبرز وسائل الإعلام الروسية في سبتمبر 2020، والذي كان الغرض منه تلميع صورة الرئيس البيلاروسي وإتاحة الفرصة أمامه للدفاع عن نفسه وتبرير موقفه المتدهور بالفعل.

وتلاشت الاحتجاجات الغاضبة من الشوارع، بل أنها اختفت تمامًا من كافة الأنحاء بحلول نوفمبر. والسبب بالطبع لا يُعزى إلى حملات القمع المكثفة التي أنهكت كاهل الجميع فحسب، بل بسبب أيضًا حلول فصل الشتاء واستحالة التظاهر في هذا الطقس. كما أن المتظاهرون بدأوا يشعرون بالخوف من التعرض للملاحقة الإدارية أو الجنائية.  ومنذ ذلك الحين، اختلفت نبرة ولغة أحاديث لوكاشينكو تمامًا عن روسيا عما ذي قبل. لم يُعد يُسمع منه عبارات تتحدث عن مدى سيادة بلاده كما كان الحال في أيامٍ سابقة، ولم يعد يتكلم بخصوص رغبات دولة كُبرى بفرض هيمنتها على بلاده. بل كل ما بات مسموعًا منه هو حديثه المستمر عن العناصر المشتركة التي تجعل من روسيا وبيلاروس بمثابة بلدًا واحدًا وليس بلدان.

أما عن القواعد العسكرية الروسية التي أعلن لوكاشينكو رفضه إقامتها في وقتٍ سابق، فهذه يُسأل عنها “لوكاشينكو” نفسه. وهو ما حدث بالفعل، إذ وجه له محاوره “ماثيو تشانس”، سؤالاً بـ “إذا قلت إنه لا توجد وعود –من قِبل روسيا- لكن ماذا عن القواعد العسكرية؟ ماذا عن القواعد العسكرية؟ واستطرد “تشانس” شارحًا، “إن محطات الرادار موجودة هنا بالفعل، وهناك مركز التدريب القتالي الجوي المشترك الذي تم افتتاحه مؤخرًا، وربما سيكون هناك المزيد من هذه المؤسسات أيضًا.” وتابع “تشانس”، “هل هذا ما تفعله بتسليم السيطرة العسكرية إلى جارك الروسي العملاق؟”

وجاء رد “لوكاشينكو” مؤكدًا أن بلاده وروسيا تمثلان موقعا متقدما لدولة موحدة. مضيفا بأنهما وأمام هذه الجبهة الغربية، لديهما بالفعل جيش موحدًا من الناحية الفعلية، وقوة مسلحة واحدة يديرها الجيش البيلاروسي. ومؤكدًا بأنه لا يخفي أن القوات المسلحة الروسية ستقدم لهم الدعم على الفور في حالة نشوب أي نزاعات. وأكد أن بلاده على استعداد أن تُنشئ قواعد عسكرية روسية في غضون شهر إن لزم الأمر في حالة وقوع أي تهديدات محتملة.

“لوكاشينكو” إلى أين؟ سيناريوهات مستقبل الرئيس البيلاروسي في الحكم

يدور هُنا سؤال رئيسي حول كيف سيتملص الشعب البيلاروسي من قبضة “لوكاشينكو”؟ وفي هذا السياق توجد عدة سيناريوهات محتملة. من ضمنها، أن يتنحى عن الحكم بموجب الوفاة وهذا أمر سينقضي بموجب أحكام الطبيعة ولا دخل للسياسيين به، في معظم الحالات بالطبع.

والسيناريو الثاني، هو أنه لن يتنحى أبدًا وأنه سيستكمل مسيرته الرئاسية بنفس الوتيرة الحالية بموجب الدعم المُقدم له من بوتين وهو سيناريو مُرجح بنسبة كبيرة.

وفي السيناريو الثالث، قد تؤدي تفاقم العقوبات الغربية على مينسك بفعل إجراءاتها الانتقامية منهم وسماحها لمرور مئات اللاجئين إلى داخل حدودهم إلى أن تضطر مينسك –كحل أخير- أن تُعلن تبعيتها التامة لروسيا، ويتم اعتبارها إحدى مقاطعات روسيا على أن يظل “لوكاشينكو” في أفضل الأحوال هو الشخص الحاكم لهذه المقاطعة، لكن هذا سيناريو غير مرجح بنسبة كبيرة، لأسباب كثيرة على رأسها أن لوكاشينكو شخص مُحب للسلطة وللظهور بشكل كبير، ووجوده في منصب رئيس مقاطعة بدلاً من رئيس دولة كفيل بأن يقضي على طموحاته التي سعى إليها طوال هذه السنوات.

وفي السيناريو الرابع، أن تعلن البلدان وحدة كاملة تتألف من دولتين، وهو سيناريو مطروح بقوة ولا يُخفى على أحد كذلك لأن لوكاشينكو نفسه تحدث عن هذا الأمر في مواقف سابقة كثيرة كان آخرها لقائه المذكور مع قناة “سي.إن.إن” الأمريكية.

ونعود لنقول إن كل ما سبق يدور في فُلك السيناريوهات، التي قد يُرجح بعضها بشكل يفوق الآخر، أو قد يُسفر المشهد السياسي في الختام عن مفاجآت من شأنها أن تقلب الأمور جميعها رأسًا على عقب بشكل لا يتوقعه أحد، إلا أن الشيء المؤكد بشكل لا لبس فيه هو أنه كلما زاد الغرب من التضييق على لوكاشينكو كلما انصب ذلك في مصلحة بوتين الذي عادة ما تركض إليه بيلاروس كلما شعرت بضيق.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى