
“كارنيجي”: لايجب أن تلعب “تركيا ما بعد 2023 ” سياسة “قدم في كلا المعسكرين”
عرض – علي عاطف
ناقش مركز “كارنيجي” للسلام الدولي، في أحدث مواده البحثية المنشورة أول أمس 12 أكتوبر حول الشأن التركي، “مستقبل المشهد السياسي الخارجي والداخلي لأنقرة” في ظل ما وصلت إليه التطورات على هذين الصعيدين في الوقت الحالي.
وجاء المقال ؛ تحت عنوان “التكلفة الباهظة لتركيا التي لا يمكن التنبؤ بها“، ليستشرف هذا المستقبل أخذاً في الحسبان ؛ عزم تركيا إجراء انتخابات “تشريعية” و “رئاسية” عام 2023.
التحركات التركية في الإقليم قادتها إلى عزلة دبلوماسية
يقول المركز ؛ في نسخته الأوروبية ؛ إن تركيا أطلقت خلال فترة (2019-2020) سلسلة من المبادرات في المجالين ” العسكري” و”السياسة الخارجية”.
ويضيف المقال :”ولكن وبصرف النظر عن انتصار أذربيجان على أرمينيا خلال حرب العام الماضي، فإن هذه المبادرات لم تسفر عن الكثير. كما أن الأنشطة التركية في منطقة شرق البحر المتوسط، وليبيا، علاوة على حالة المأزق الذي تواجهه في محافظة إدلب السورية ومحاولتها دفع اللاجئين باتجاه الحدود اليونانية، قاد أنقرة إلى أن تشهد حالة من العزلة الدبلوماسية أكثر من أي وقت مضى خلال حكم حزب “العدالة والتنمية’ المستمر منذ 19 عاماً.
ويقارن المقال بين هذه الأجواء التي تواجهها تركيا حتى 2020 وبين الحالة نفسها خلال العام الجاري ليقول إن 2021 أكثر هدوءاً بالنسبة لتركيا.
الأجواء داخل تركيا “فوضى متعددة الأبعاد”
ويلقي المقال الضوء على الحالة الداخلية في تركيا قائلاً إن الاقتصاد “في حالة يُرثى لها، والقضاء //مسيس//، والقيادة تنأى بنفسها عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومجلس أوروبا فيما يتعلق بمسائل حكم القانون”.
وعسكرياً، بات الحصول على منظومة الصواريخ الروسية (S-400) هي محور الخلاف مع حلف شمال الأطلنطي (ناتو) والولايات المتحدة. ووصف بعض المراقبين؛ هذه الأجواء داخل تركيا ؛ بانها”فوضى متعددة الأبعاد”، حسبما يشير “كارنيجي”، بأنها “نهاية حقبة” وانتقال واضح لنظام حكم جديد يخلف نظام رجب طيب أردوغان، وأن هذا النظام سوف يتأسس بعد الانتخابات المقبلة في 2023.
على تركيا إصلاح الهياكل الأساسية في البلاد
وذكر المقال أن هذا المستقبل التركي ؛ خلال مرحلة ما بعد أردوغان ؛ ستلعب الأحزاب السياسية والناخبون دوراً بارزاً، مشيراً إلى أنه رغم ضرورة عدم عقد الكثير من الآمال، إلا أن “المرونة الديمقراطية ربما تكون كافية إذا تصرفت قوى المعارضة بعقلانية وشارك الناخبون بأعداد كبيرة”.
ويرى المقال أنه سيتعين على تركيا بعد جولة الانتخابات المقبلة إصلاح أربعة هياكل أساسية في البلاد، هي “البنية السياسية، حكم القانون، الاقتصاد، والدفاع”، وذلك على النحو التالي:
- حالة البنية السياسية:
يقول “كارنيجي” إن الشعب التركي يأخذ الانتخابات على محمل الجد، إذ أن الكثيرين يشككون الآن داخل تركيا في مزايا النظام الرئاسي الحالي. ونتيجة لهذا، أصبحت أحزاب المعارضة أفضل تنظيماً ويتركز محور نقاشها في الوقت الراهن على العودة إلى النظام البرلماني وكيفية بناء منصة مشتركة لتحقيق هذه الغاية.
فحتى الآن، تُظهر استطلاعات الرأي بشكل متواصل نتائج سلبية بشأن تحالف حزبي ” العدالة والتنمية” و “الحركة القومية” الحاكم، إضافة للنتائج نفسها حول الرئيس أردوغان، وهو ما يتركهم أمام “آفاق غير مستساغة”.
ويرجح المقال أن يوظف التحالف الحاكم المُشار إليه جميع الوسائل المتاحة لإحباط جهود المعارضة الرامية إلى تغيير أمور كثيرة من بينها قانون الانتخابات “وربما حظر حزب الشعوب الديمقراطي الكردي (HDP )”.
ويؤكد “كارنيجي” أن احتمالات التأثير على مسار الانتخابات القادمة في 2023 من خلال إجراءاتٍ مثل إغلاق مقرات الاقتراع لأسباب أمنية، أو انقطاع التيار الكهربائي بشكل مفاجئ أثناء فرز الأصوات، والرفض التام لشكاوى التزوير، لن يكون ممكناً بشكل كبير؛ “إذ أن التحدي هذه المرة حقيقي أمام القيادة”.
- مسألة سيادة القانون:
“يتغذى مواطنو تركيا بشكل متواصل على أكاذيب صارخة كاصطفاف المواطنين الألمان والفرنسيين للحصول على الطعام، ويواجهون تشويه سمعة حلفاء حزب “العدالة والتنمية” السابقين الموالين لجولن والمجتمع المدني، وذلك كما هو الحال مع المحاكاة الساخرة للعدالة ضد عثمان كافالا”.
وجدير بالذكر أن //كافالا // هو من أبرز الناشطين المدنيين ورجال الأعمال في المجتمع التركي.
ويرى المراقبون الغربيون؛ أن مثل هذا السلوك هو علامة على حالة الضعف السياسي، لكن في الحالة التركية التي تشهد “حكماً أوتوقراطياً يواجه مستقبلاً غامضاً، يظل التخويف أداة سياسية قوية جداً”. فقد تجاهلت القيادة التركية حتى الآن إداناتٍ من الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ومحكمة حقوق الإنسان الأوروبية التي تتمتع أنقرة بعضويتها.
- الاقتصاد:
يعتمد الاقتصاد التركي للحصول على العملة الصعبة على مكاسب الصادرات الخارجية، تعزيز النشاط السياحي، والاستثمارات الخارجية الواسعة المباشرة. ويتطلب تحقيق كل هذا ثقةً في السياسات النقدية والمالية للبلاد، إضافة لحكم القانون. وعلاوة على ذلك، تواجه تركيا كأسواق ناشئة مشكلاتٍ اقتصادية بسبب سياسة معدل الفائدة “السخيفة”. وهي تقوم على اعتقاد أن البنوك لا يجب أن تفرض فائدة وأن أسعار الفائدة المنخفضة تقود إلى انخفاض التضخم.
ويؤكد المقال أن إخراج تركيا من هذا الوضع “العبثي” سوف يتوقف على القيادة السياسية.
- المسألة الدفاعية:
ويستطرد “كارنيجي” قائلاً إن روسيا استغلت تركيا كـ”إسفين” ضد حلف “الناتو”، وانتهى الأمر بموقف مربح للكرملين ومأزق لأنقرة.
ومن الواضح إذاً أن الأزمة الجارية بشأن أنظمة صواريخ “اس-400” التي تم تسليمها عام 2019 يهدد “بشكل واضح” مستقبل القوات الجوية التركية.
وحسب المقال، تُظهر البيانات السياسية الواردة من داخل تركيا أن هناك تناقضاتٍ صارخة بين استمرار عقود الدفاع مع روسيا والمشتريات الإضافية من المعدات والطائرات أمريكية الصنع.
“تركيا ما بعد 2023 لا يجب أن تلعب على سياسة “قدم في كلا المعسكرين”
وحول مستقبل تركيا في ضوء انتخابات 2023، فقد تم التأكيد على ضرورة ألا تلعب تركيا في مرحلة ما بعد 2023 على وتر وسياسة “امتلاك قدم في كلا المعسكرين” الروسي والأمريكي؛ لأن ذلك “لا يُنتج بيئة مستقرة في البلاد”. إن مثل هذا التناقض يمكن أن يستمر في حالة تفهم مخاطره العالية أو التخلص منه “على حساب الخيارات المؤلمة”.
إن هذا الخلل في السياسة الحالية يحمل في طياته أيضاً مخاطر للناتو والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لأنه سيقود حتماً إلى أن تحقق روسيا مكاسب على الجانب الآخر.
وعلى الرغم من أن القيادة التركية الحالية ربما تفضل “ناتو أضعف واتحاد أوروبي أضعف” لأسباب انتخابية وشخصية، إلا أن كليهما يمثلان طرقاً محفوفة بالمخاطر لمستقبل البلاد.
ويرجح المركز أن تظل القوى الغربية بعيدة عن التدخل في المشهد التركي “حتى إشعار آخر”؛ وذلك لتجنب المزيد من التدهور في العلاقات مع أنقرة.
وخلص المقال بالتوصل إلى نتيجة مفادها أن مستقبل تركيا لا يزال “مثقلاً بالشكوك والتناقضات”، وهو ما يبعث على أن تكون حالة الجدل السياسي شرسة قبل الانتخابات المقبلة.
باحث بالمرصد المصري