
الخيارات الصعبة … مجموعة “نافال” الفرنسية ما بعد اتفاقية “أوكوس”
ركزت أغلب التحليلات التي تناولت التحالف الأمني المعلن حديثًا بين الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وبريطانيا، على تحليل انعكاسات هذا التحالف على القدرة التكتيكية وهامش الحركة الذي ستتمتع به هذه الدول بموجب هذه الاتفاقية في المحيطين الهادئ والهندي، وهو النطاق الجغرافي الذي يتوقع أن يشهد شكلًا جديدًا من أشكال الحروب الباردة بين المعسكر الغربي من جهة، والصين بشكل أساسي. حقيقة الأمر أن هذه الاتفاقية كانت لها أيضًا انعكاسات مهمة فيما يتعلق بالجانب الفرنسي.
لا تتمحور هذه الانعكاسات فقط على الضرر الآني الناتج عن إلغاء صفقة الغواصات الفرنسية لصالح البحرية الأسترالية، بل تتعداه لتشمل المبيعات العسكرية الفرنسية بشكل عام، وكذلك مستقبل النفوذ الفرنسي الخارجي في ضوء ما يبدو أنه محاولات “لتطويق” جهود باريس لتوسيع نطاق تأثيرها داخل المناطق الساخنة حول العالم.
صادرات السلاح الفرنسية في دائرة التهديف الأمريكية
كان ملف “الهيمنة على الصادرات العالمية من الأسلحة” من أبرز الملفات التي يمكن أن نضع الصراع حولها في نفس إطار الخلاف الحالي بين باريس وواشنطن حول صفقة الغواصات الأسترالية؛ فباريس منذ عقود تحاول قدر الإمكان أن تحتفظ لنفسها بموقع خاص فيما يتعلق بالمنظومات العسكرية المتنوعة، خاصة فيما يتعلق بالقوة الجوية والقوة البحرية، لذا رفضت بشكل قاطع المشاركة في المشاريع الأوروبية المشتركة لإنتاج المقاتلات مثل مقاتلة “تايفون” ومقاتلة “تورنيدو”، وراهنت بشكل “به بعض التهور”، على تسويق مقاتلتها “تايفون” في الأسواق الشرق أوسطية والآسيوية.
يمكن اعتبار صفقة سفن الهجوم البرمائية من الفئة “ميسترال”، التي وقعتها باريس مع موسكو في يناير 2011، بقيمة إجمالية وصلت إلى 1.2 مليار يورو، بمثابة نقطة بداية تعاظم التأثير الأمريكي على صادرات السلاح الفرنسية. فقد نصت هذه الصفقة على تزود البحرية الروسية بسفينتين من هذا النوع، على أن يتم تسليم الأولى بحلول أكتوبر 2014.
بعد توقيع هذه الصفقة، بدأ بعض النواب الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأمريكي، في إبداء اعتراضهم على هذه الصفقة، التي رأوها بمثابة اختراق فيما يتعلق بالعلاقات العسكرية بين دول حلف الناتو وروسيا التي ما زالت تعد هي التهديد الأساسي أمام دول الحلف. وقد حاول بعض هؤلاء النواب، تقديم مشروع قانون يلزم إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما بمخاطبة فرنسا رسميًا لإلغاء هذا الاتفاق، لكن لم تنجح هذه المحاولة. في ذلك التوقيت كانت تصريحات المتحدثين باسم الخارجية الأمريكية تلمح إلى قلق واشنطن الشديد من هذه الصفقة، لكنها في نفس الوقت لم تكن تمتلك حينها القدرة على إجبار باريس على التراجع عنها.
ظل هذا هو الوضع القائم إلى أن فرض الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة حظرًا عسكريًا على موسكو بسبب ضمها شبه جزيرة القرم، ودعمها للوحدات الانفصالية في شرق أوكرانيا، وهو ما أجبر باريس على إيقاف استعداداتها لتسليم السفينة الأولى كما كان مقررًا، ومن ثم أعلنت أواخر نفس العام عن أنها لن تقوم بإتمام هذه الصفقة، ودخلت حينها في نزاع مع موسكو بشأن المبالغ المالية التي تلقتها مجموعة “نافال” المصنعة لهذه الفئة من السفن، والتي تمتلك الحكومة الفرنسية أغلبية أسهمها، لكن تم الاتفاق في أغسطس 2015، على إعادة كافة هذه المبالغ إلى روسيا.
هذه الحادثة، رغم أن فرنسا كانت ظاهريًا المتسبب فيها بتراجعها عن الصفقة مع روسيا، إلا أن التأثير الأمريكي فيها كان لافتًا، وجاء في توقيت كان قطاع الصناعات العسكرية الفرنسية يعاني من أزمة حادة بسبب فشل الشركات الفرنسية في استجلاب عقود جديدة، والنتائج التي ترتبت على تخفيض الحكومات الفرنسية أواخر عهد الرئيس الأسبق جاك شيراك لميزانية وزارة الدفاع الفرنسية بنسبة وصلت إلى 16% لتقليص عجز الموازنة، ما أدى خلال السنوات اللاحقة إلى خسارة نحو 30 ألف عامل وظائفهم، من إجمالي 300 ألف عامل ينخرطون بشكل مباشر أو غير مباشر في الصناعات العسكرية.
في الحقبة التالية، وتحديدًا بين عامي 2011 و2019، تعافت الصناعات العسكرية الفرنسية بشكل ملحوظ، خاصة مجموعة “نافال” للصناعات البحرية، التي حققت عام 2019، رقمًا قياسيًا في حجم ربحها الصافي، الذي بلغ أكثر من 145 مليون يورو. هذه النتيجة حازتها الشركة نتيجة نجاحها في توقيع عدة عقود مهمة، بداية بتوقيعها عقد توريد فرقاطات “فريم” لصالح البحرية المغربية عام 2014، وتوقيعها عقود أخرى مع دول مثل إندونيسيا “فرقاطات فريم”، ومصر “سفن الإنزال البرمائية من الفئة ميسترال وفرقاطات فريم”، وبلجيكا وهولندا “كاسحات ألغام”.
العلاقة بين مصر وفرنسا في هذا الصدد كانت من الأسباب الرئيسة لوصول الصادرات العسكرية الفرنسية عام 2016 إلى أعلى مستوى لها، حيث وصلت إلى نحو 18 مليار دولار. لم يكن السبب في هذا فقط إنقاذ مصر لصفقة سفينتي الإنزال البرمائي من الفئة “ميسترال”، ودخولها كبديل عن روسيا في هذه الصفقة، بل أيضًا بسبب تعاقد مصر على شراء 24 مقاتلة من نوع “رافال”، ما أسهم بشكل كبير في اظهار القدرات المتفوقة لتلك المقاتلة التي فشلت باريس سابقًا في تسويقها.
ونتج عن هذه الصفقة إسراع دول أخرى مثل الهند وقطر، للتعاقد على هذا النوع من المقاتلات. من المفارقات اللافتة في هذا الصدد، أن تاريخ توقيع صفقة الغواصات بين فرنسا وأستراليا -والتي يعد إلغاؤها هو السبب الرئيسي للأزمة الحالية بين البلدين- كان عام 2016، الذي شهد تحقيق الصادرات الفرنسية من الأسلحة رقمًا قياسيًا.
بحلول عام 2018، بدأت الصناعات العسكرية الفرنسية في مواجهة منافسة شرسة من جانب ألمانيا التي باتت خلف فرنسا مباشرة في قائمة الدول الأكبر من حيث حجم مبيعات السلاح عالميًا. وقد أدى ذلك، بالإضافة إلى زيادة حصة الولايات المتحدة وروسيا والصين من المبيعات العالمية، إلى دخول الصادرات العسكرية الفرنسية في مرحلة من الجمود، عززتها تداعيات جائحة كورونا، وكذا تصاعد المنافسة الإيطالية والألمانية لفرنسا في مجال الصناعات العسكرية البحرية.
غواصات “شورتفين باراكودا” … كانبرا تغير قناعاتها
بالعودة إلى صفقة الغواصات الفرنسية الملغاة، فقد كانت هذه الصفقة بمثابة إنجاز ضخم لمجموعة “نافال”، إذ بلغت قيمة هذا العقد عند توقيعه نحو 50 مليار دولار أسترالي، أي ما يوازي 90 مليار دولار، وهي قيمة قياسية لصفقة كانت ستتزود بموجبها البحرية الأسترالية باثنتي عشرة غواصة عاملة بالديزل من الفئة “شورتفين باراكودا” وهي فئة معدلة من الغواصات الفرنسية النووية الأحدث من الفئة “باراكودا”، لإحلالها محل أسطول الغواصات الأسترالية الحالي من الفئة “كولينز” المتقادمة.
هذه الفئة من الغواصات المعدلة العاملة بالديزل والكهرباء، على درجة عالية من التقدم، حيث تم تعديل تصميمها بحيث يتم تقليل الضوضاء الناتجة عن محركاتها بصورة كبيرة، وتم تزويدها بالجيل الثاني من أنظمة الدفع اللاهوائي، التي تتيح لها العمل بشكل مستمر تحت المياه لمدة تصل إلى 35 يومًا، بجانب احتوائها على غرفتين يمكن من خلالهما إطلاق ما يصل إلى 16 ضفدع بشري إلى المياه من أجل تنفيذ عمليات بحرية خاصة.
على مستوى التسليح تميزت الغواصات الفرنسية بطائفة واسعة من الأسلحة، إذ تحتوي بجانب إمكانية زرع الألغام البحرية، وإطلاق مركبات الغوص المتحكم بها عن بعد، على خلايا لإطلاق الطوربيدات المضادة للقطع البحرية، وعلى رأسها الطوربيد الثقيل “إف-21″، الذي يعمل بالكهرباء ويصل مداه إلى نحو 50 كيلو مترًا.
تحتوي هذه الغواصة كذلك على ستة خلايا إطلاق عمودية، يمكن من خلالها إطلاق تشكيلة متنوعة من الصواريخ المضادة للسفن والطائرات، بجانب إطلاق الطائرات دون طيار وصواريخ الكروز، مثل صاروخ الكروز الجديد “NCM”، وهو الأول من نوعه فرنسيًا، ويعد معادلًا لصواريخ “توماهوك” الأمريكية الجوالة، ويتسلح هذا النوع من الغواصات بصواريخ “أكسوسيت” المضادة للسفن، والذي يعد من أقوى الصواريخ الفرنسية وله تاريخ طويل من الاشتباكات الناجحة مع السفن البحرية، خاصة في حرب “الفوكلاند” بين الأرجنتين وبريطانيا.
أستراليا من جانبها كانت ترى هذه الصفقة وقت توقيعها عام 2016 بمثابة نقلة نوعية في تسليح قواتها البحرية، لكن منذ توقيع هذه الصفقة، أثيرت بعض الأسئلة في الصحافة الأسترالية حول القيمة المالية لهذا العقد، وقد تزايدت مؤشرات إلغاء هذه الصفقة بمرور السنوات، خاصة بعد أن نشرت الصحف الأسترالية خلال الأشهر الماضية أن البحرية الأسترالية -التي كانت تخطط لتطوير ثلاث غواصات من ضمن الغواصات الست المتقادمة التي تمتلكها من الفئة “كولينز” سويدية الصنع- باتت تفكر في تأهيل هذه الغواصات لأنها لا تثق بشكل كامل في التزام فرنسا بتسليم الغواصات المتعاقد عليها في الموعد المتفق عليه.
تناولت الصحف الأسترالية أيضًا جوانب أخرى من هذه الصفقة، من بينها التفكير في بدائل أخرى؛ نظرًا إلى تعاظم قيمة هذه الصفقة منذ توقيعها وحتى الآن، حيث كان من المتوقع أن تكون التكلفة الإجمالية لها أقل بقليل من 40 مليار دولار، لكنها باتت بأسعار الفترة الحالية تتراوح بين 60 و90 مليار دولار.
المثير للانتباه في هذا الصدد، أن مجموعة “نافال” تلقت في الخامس عشر من سبتمبر الماضي، رسالة من الحكومة الأسترالية تؤكد فيها على ان الصفقة مازالت قائمة، لكن تم بعد هذه الرسالة بأيام إلغاء الصفقة من جانب أستراليا، وهو ما مثل مفاجأة لباريس، لكنها لم تكن مفاجأة “كاملة” -بالنظر للتلميحات التي سبق الإشارة إليها في الصحافة الأسترالية- ويبدو أن باريس ارتأت على ما يبدو أن تلعب دور “المتفاجئ” من أجل تحصيل أكبر قدر من التعويضات المالية من الجانب الأسترالي.
طموح أسترالي مبرر … ولكن
حصول كانبرا، بموجب اتفاقية “أوكوس”، على ثمانية غواصات أمريكية من الفئة “فريجينيا” تعمل بالدفع النووي، يمثل بالقطع إضافة كبيرة للبحرية الأسترالية، نظرًا لاحتياجها في هذه المرحلة لغواصات قادرة على العمل لفترات طويلة تحت المياه، خاصة في ظل تزايد حدة المواجهة مع الصين، وهو ما يوفره الدفع النووي، لتصبح بذلك أستراليا ثاني دولة في العالم يُسمح لها بامتلاك هذه التكنولوجيا الحساسة، بعد بريطانيا التي سمحت لها الولايات المتحدة بذلك منذ العام 1958. وتتضمن هذه الصفقة أن تنقل واشنطن ولندن فرقًا فنية واستراتيجية لمساعدة أستراليا على استيعاب التكنولوجيا النووية، بحيث يتم بناء الغواصات الثمانية في ترسانة “أديلايد” على الأراضي الأسترالية.
المثير للاهتمام هنا أن أستراليا قدمت إلغاءها للعقد الفرنسي على شكل تظهر فيه وكأنها تقوم باختيار الغواصات الأمريكية ذات الدفع النووي من الفئة “فيرجينيا”، عوضًا عن الغواصات الفرنسية التقليدية، وهو ما يبدو للوهلة الأولى وكأنه أمر طبيعي وبديهي تختار فيه كانبرا السلاح الأكثر تفوقًا، لكن حقيقة الأمر أن أستراليا نفسها هي من طلب من فرنسا أن تزودها بغواصات تقليدية وليست نووية، بدعوى أن كانبرا ملتزمة بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، والتي تتضمن تعهد الدول غير الحائزة للأسلحة النووية بعدم تطوير القدرات النووية بأي شكل من الأشكال، بجانب أن أستراليا تحظر بناء أية محطات نووية على أراضيها.
فجأة تغيرت هذه القناعات مؤخرًا، وبات رئيس الوزراء الأسترالي يرى أن حصول كانبرا على غواصات نووية لن ينتهك الحظر الحكومي على امتلاك الطاقة النووية، ولكن حقيقة الأمر أن التحول إلى التسليح النووي سوف يطرح أسئلة عديدة، منها ما إذا كانت الغواصات الأسترالية ستعمل باليورانيوم عالي التخصيب، أو اليورانيوم منخفض التخصيب. علاوة على أن وجود البنية التحتية اللازمة لإنتاج اليورانيوم محليًا، وإدامة تشغيل المفاعلات النووية الموجودة على متن الغواصات الجديدة، ستثير بلا شك جدلًا حول حقيقة إيفاء كانبيرا بالتزاماتها نحو معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية أو حتى نحو قوانينها الخاصة.
امتلاك الغواصات الثماني يأتي ضمن خطة أسترالية أوسع لتحديث سلاحها البحري والجوي، تشمل ترقية غواصات الفئة “كولينز” بقيمة تصل إلى 6.4 مليار دولار أسترالي، وكذلك ترقية أنظمة إدارة النيران في مدمرات الفئة “هوبارت” بقيمة تصل إلى 5.1 مليار دولار أسترالي. كذلك تشمل هذه الخطة شراء صواريخ “توماهوك” الأمريكية الجوالة، لتسليح مدمرات البحرية الأسترالية الثلاث من الفئة “هوبارت”، ومقاتلات سلاح الجو الأسترالي من نوع “إف-35”.
وهذا يضاف إلى شراء البحرية الأسترالية 12 كورفيت من شركة “لورسن” الألمانية، وتعاقدها على شراء تسع مدمرات بريطانية من الفئة “هانتر”. جدير بالذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية وافقت منذ أيام على بيع 12 مروحية من طراز “ام اتش-60 آر سيهوك”، بجانب طائرة حرب إلكترونية من نوع “بوينغ إي آيه-18 جي غراولر” إلى الجيش الأسترالي، بقيمة إجمالية تصل إلى مليار دولار. ستستخدم البحرية الأسترالية المروحيات في مهام مكافحة الغواصات والنقل.
خسائر مجموعة “نافال” بعد إلغاء العقد الأسترالي
خسارة هذا العقد كانت مؤلمة لباريس بالنسبة لمجموعة “نافال” على المستوى المالي والاستراتيجي، في وقت تعيش فيها المجموعة العملاقة أوقاتًا عصيبة نتيجة لفشلها في توقيع عقود جديدة، وتصاعد منافسة الشركات الإيطالية والألمانية لها، خاصة فيما يتعلق بدول مثل المملكة العربية السعودية وبولندا ومصر.
وعلى الرغم من أن وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي، صرحت مؤخرًا بأن الحكومة الفرنسية ستعمل على تقليل التبعات المالية التي ستطال المجموعة -التي تمتلك الدولة الفرنسية نحو 60% من أسهمها- جراء إلغاء العقد الأسترالي، إلا أن خسارة هذا العقد لها تبعات خطيرة على المستويين القصير والمتوسط.
أنفقت المجموعة حتى الآن نحو 840 مليون يورو لتمويل عمليات التصميم والتجهيز الخاصة بالغواصات التي تم إلغاء عقدها، وقد قامت الحكومة الأسترالية بتغطية هذا التمويل بشكل كامل منذ عام 2016. على هذا الأساس يمكن اعتبار أن النتائج المالية التي ستطرأ على مدخولات المجموعة جراء إلغاء هذا العقد، الذي يمثل 10% من حجم أعمال المجموعة، أو ما يوازي نحو 500 مليون يورو، ستكون محدودة السلبية، خاصة لو وضعنا في الاعتبار أن أحد بنود اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الموقعة بين الجانبين في فبراير 2019، ينص على دفع أستراليا نحو 90 مليون يورو كغرامة في حالة إلغاء العقد من جانبها، وتم رفع هذا المبلغ إلى 250 مليون يورو عقب إنهاء المجموعة للتصاميم التفصيلية للغواصات التي تم التعاقد عليها.
أما عن النتائج غير المباشرة، فعلي ما يبدو أطلق إلغاء هذا العقد شرارة ما يشبه “حرب غير معلنة” على مجموعة “نافال” البحرية، التي كان لها خلال السنوات الماضية العديد من العقود الناجحة مع دول شرق أوسطية وآسيوية عديدة. تقدر الخسائر غير المباشرة من جراء إلغاء العقد الأسترالي بنحو 65 مليار دولار على الأقل، بسبب فقدان عقود محتملة أخرى على خلفية هذه الأزمة، منها عزوف البحرية المغربية عن إكمال المحادثات التي كانت جارية مع المجموعة الفرنسية لشراء فرقاطات جديدة، وتفضيلها الشركة الإيطالية “فيكانيتري”، وكذلك إلغاء رومانيا لعقد مع المجموعة، كانت قد وقعته في يوليو 2019، وتقدر قيمته بنحو 1.2 مليار يورو، كانت ستتزود بموجبه بأربعة كورفيتات من الفئة “جوويند”.
اللافت هنا أن هذه الموجة من العقود غير المكتملة، شملت أيضًا شركات فرنسية أخرى، مثل شركة “داسو” للأنظمة الجوية، التي حققت خلال السنوات الأخيرة نجاحات ملحوظة في تسويق مقاتلات “رافال”، لكنها أصيبت بضربة قوية بعد إعلان سويسرا رسميًا أنها اختارت شراء المقاتلات الأمريكية “إف-35″، بقيمة تتعدى ستة مليارات دولار.
مبعث الصدمة الفرنسية لم يكن فقط بسبب خسارة هذا العقد الكبير، لكن أيضًا بسبب اكتشاف فرنسا ان السلطات السويسرية قد اختارت منذ البداية المقاتلات الأمريكية، لكنها دخلت في مفاوضات مع الشركة الفرنسية، بهدف التأثير بالسلب عليها مستقبلًا عند الكشف عن الدولة الفائزة بهذا العقد.
رغم قوة الضربة التي تلقتها المجموعة، إلا أنه بعد أسبوعين فقط منها، تلقت دفعة مادية ومعنوية كبيرة، حين وقع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس، اتفاقية للشراكة الاستراتيجية، تتضمن صفقة بقيمة 5 مليار يورو، تحصل بموجبها البحرية اليونانية على ثلاث فرقاطات من الفئة “بيلاهارا”، بواقع فرقاطتين للدفاع الجوي، وفرقاطة مضادة للغواصات، مع إمكانية شراء فرقاطة إضافية مستقبلًا، على أن يتم بناء الفرقاطات الثلاث على الأراضي اليونانية، وتسليم الفرقاطة الأولى بحلول عام 2025. هذا العقد فتح أبوابًا جديدة أمام المجموعة الفرنسية التي كانت تحتاج إلى استعادة الثقة في منتجاتها، خاصة وأن البحرية اليونانية دخلت بالفعل في خطة تحديث وإعادة تأهيل شاملة، سيكون لفرنسا بالتأكيد دور مهم فيها على المدى المنظور.
– المصادر:
باحث أول بالمرصد المصري