مصر

للمرة الثانية.. مصر تجتمع مع دول “فيشجراد”

توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم إلى العاصمة المجرية بودابست للمشاركة في قمة دول تجمع “فيشجراد” مع مصر، حيث يضم هذا التجمع كلًا من المجر والتشيك وسلوفاكيا وبولندا، تعد هذه المشاركة هي الثانية من نوعها للرئيس المصري في اجتماعات هذا التجمع، بعد مشاركته في قمة عام 2017، ليصبح بذلك أول رئيس لدولة شرق أوسطية تتم دعوته لحضور هذه القمة التي لم يسبق أن حضرتها دول خارج تجمع “فيشجراد” سوى ألمانيا واليابان.

من المقرر أن تتناول القمة عددًا من الموضوعات، وعلى رأسها دور مصر في منطقة الشرق الأوسط، والتعاون في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وأمن الطاقة، وبحث فرص تطوير العلاقات التجارية والاستثمارية والسياحية بين الجانبين، فضلًا عن سبل تطوير التعاون بين مصر والاتحاد الأوروبي الذي تتمتع دول التجمع بعضويته. 

وستشهد هذه الزيارة أيضًا عقد مباحثات ثنائية مكثفة مع كبار المسؤولين المجريين في مقدمتهم رئيس الوزراء المجري “فيكتور أوربان”، والرئيس المجري “يانوش أدير”، لبحث تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، وتوطيد التعاون والتنسيق على الصعيدين الدولي والإقليمي. 

تمثل مجموعة “فيشجراد”، التكتل السياسي والاجتماعي والثقافي لدول أوروبا الوسطى، وتعد إحدى القوى المؤثرة داخل الاتحاد الأوروبي بعد مجموعة العشرين. تم تشكيل هذا التجمع في فبراير 1991، ويضم 4 دول هي المجر والتشيك وبولندا وسلوفاكيا، وقد سُمّي التجمع باسم مدينة “فيشجراد” الواقعة في شمال العاصمة المجرية بودابست.

كان هذا التجمع في بداية تأسيسه يتكون من ثلاثة دول فقط، هي تشيكوسلوفاكيا والمجر وبولندا، قبل أن تنفصل الجمهوريات التشيكوسلوفاكية، وتنبثق عنها دولتا التشيك وسلوفاكيا، وبالتالي انضمتا إلى هذا التجمع ليصبح رباعيًا. انضمت كافة الدول المكونة لهذا التجمع للاتحاد الأوروبي في أبريل عام 2004، وبهذا أصبح هذا التجمع واحدًا من أقوى التحالفات الثقافية والاقتصادية والعسكرية والسياسية في أوروبا. تتغير الدولة التي تتولى رئاسة هذا التجمع في يوليو من كل عام، وجميع الدول الأربع في هذه المجموعة هي بلدان مرتفعة الدخل، ومؤيدة للاستخدام السلمي للطاقة النووية.

تعد جمهورية التشيك هي الدولة الأكثر نموًا في هذا التجمع، وتوقعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني أن تنتعش دول هذا التجمع اقتصاديًا بقوة رغم الموجة الثالثة من فيروس كورونا، بفضل مرونتها الاقتصادية والدعم الاستثماري من صندوق الاتحاد الأوروبي؛ فأداء الدول الأربعة في 2020 كان إيجابيًا على المستوى الاقتصادي، وتتوقع الوكالة تحقيق انتعاش في الاستثمار بالدول الأربعة ليقفز من متوسط ​​8.4٪ على أساس سنوي في المجر في 2021 و2022 إلى 18.3٪ على أساس سنوي. والأمر ذاته بالنسبة لتوقعات النمو في سلوفاكيا والتشيك التي يتوقع أن تنمو بمعدلات أعلى بكثير. جدير بالذكر أن دولة واحدة فقط من دول هذا التجمع وهي سلوفاكيا هي جزء من منطقة اليورو.

فيما يتعلق بالعلاقة بين دول هذا التجمع والاتحاد الأوروبي، ينظر الأوروبيون لهذا التجمع بوصفه (2+2)، بسبب مواقف دوله المختلفة تجاه التكامل الأوروبي. فسلوفاكيا والتشيك صديقتان نسبيًا لأوروبا، في حين تتخذ المجر وبولندا نهجًا أكثر تشككًا في منطقة اليورو. تتخوف الدول الأربع المشكلة لهذا التجمع من قضية اللاجئين، وترفض نظام حصص التوزيع الثابتة في الاتحاد الأوروبي، ولا ترغب أي من الدول الأربعة في أن تصبح دولة هجرة. وتتسم دول هذا التجمع أيضًا بتمتعها بعلاقات دولية متزنة، خاصة المجر التي رغم عضويتها في الاتحاد الأوروبي، لها أيضًا علاقة جيدة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولهما مصالح اقتصادية وأمنية متكاملة.

العلاقة بين مصر وهذا التجمع بدأت فعليًا في مايو 2014، حين شارك وزير الخارجية المصري آنذاك نبيل فهمي في أعمال مؤتمر قمة دول هذا التجمع لأول مرة على مستوى وزراء الخارجية، وفى ديسمبر 2016 استقبل وزير الخارجية سامح شكري وزراء خارجية المجموعة في إطار وضع أسس آلية دائمة للتشاور بين مصر ودول المجموعة. 

بعد هذه الزيارة، بدأ التعاون بين الجانبين يأخذ منحى آخر تجاه التعاون في مختلف المجالات. من أمثلة هذه المجالات مجال السياحة، حيث نظمت القاهرة زيارات لوفود رسمية آخرها لسفير سلوفاكيا مع وفد من بلاده للمتحف القومي للحضارة في الفسطاط الذي تسعى مصر لتقديمه كمنتج ثقافي جديد أمام السياحة، خاصة أن عدد السياح القادمين منها وصل عام 2010 إلى 120 ألف سائح عام 2010. كذلك الحال فيما يتعلق ببولندا، التي احتلت عام 2014 المرتبة السابعة في عدد السياح الوافدين لمصر، وسجلت السياحة المجرية عام 2017 قفزة بنسبة 138%، فيما تنظم شركة مصر للطيران 7 رحلات أسبوعية لنقل السياحة التشيكية التي تزايدت أعدادها بصورة ملحوظة منذ استئناف حركة السياحية التي توقف تماما في خضم أزمة كورونا.

تستهدف مصر الاستفادة من التجارب الاقتصادية لدول المجموعة، خاصة أن كل الدول الأربع الأعضاء فيها من الدول ذات الاقتصاد المستقر، وتحظى بفرص استثمارية كبيرة، وتمثل سوقًا كبيرة وواعدة بالنسبة لمصر، حيث يبلغ عدد سكان تلك الدول مجتمعة نحو 64 مليون نسمة والناتج المحلي الإجمالي للدول الأربع نحو 8.1 تريليون دولار، فضلا عن الخبرات التي تتمتع بها في المجالات المختلفة كالسكك الحديدية والزراعة والري ومعالجة المياه والطاقة النووية والصناعات العسكرية، وهي ما يمكن الاستفادة منها، سواء في تنفيذ المشروعات القومية الجارية بمصر أو زيادة الصادرات المصرية لأسواق تلك الدول. هذا مع العلم أن مصر طرحت أفكارًا خلال القمة التي شارك فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي في بودابست عام 2017، بشأن إنشاء منطقة صناعية خاصة بدول التجمع في مصر، كذلك إنشاء صندوق استثماري مشترك.

في المقابل، تنظر دول هذا التجمع إلى مصر حاليًا، كبوابة نفاذ لمنتجاتها إلى أفريقيا، حيث بلغت قيمة التبادل التجاري بين مصر والمجر 201.1 مليون دولار خلال النصف الأول من عام 2021 مقابل 138.5 مليون دولار خلال الفترة ذاتها من عام 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 45.2%، وارتفعت قيمة الواردات المصرية من المجر لتبلغ 163.2 مليون دولار مقابل 90.2 مليون دولار خلال الفترة ذاتها من عام 2020 بنسبة ارتفاع قدرها 81 %.  بينما انخفضت قيمة الصادرات المصرية للمجر لتسجل 37.8 مليون دولار مقابل 48.3 مليون دولار خلال الفترة ذاتها. 

جدير بالذكر أنه في يوليو الماضي نُظّم “المنتدى الاقتصادي مصر – التشيك” بمشاركة كبار الشركات التشيكية في مختلف القطاعات الاقتصادية، بهدف تعزيز فرص التجارة. وخصص بعدها بنك دعم الصادرات التشيكي 350 مليون دولار لضخها بمصر، وهو ما يمثل نحو 75% من حجم الصادرات الحالي للمنتجات التشيكي في السوق المحلية.

ارتبطت مصر بعلاقات أقوى مع بولندا خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ومن أهم معالمها توقيع اتفاقية إطارية بين المنطقة الاقتصادية لقناة السويس ونظيرتها البولندية بإقليم “كاتوفيتسا”؛ لإنشاء منطقة صناعية بولندية في العين السخنة بالمنطقة الاقتصادية على مساحة قد تصل لمليون متر مربع تستهدف صناعات غذائية وصناعات إلكترونية وقطع غيار السيارات.

ويعد هذا المشروع أول منطقة صناعية لدولة من الاتحاد الأوروبي بمصر، ما يسهم في فتح آفاق جديدة للتجارة البينية والاستثمارات المشتركة بين البلدين ونقل الخبرات الصناعية البولندية الكبيرة للصناعة الوطنية في مجالات تكنولوجيا المعلومات والآلات والمعدات والسكك الحديدية والنقل والمواصلات. 

يدرس البلدان أيضًا مشروعات في مجالات الثروة السمكية. وتحويل المركبات للعمل بالغاز الطبيعي، والتعاون بين بورصتي القاهرة ووارسو وترجمتها لمشروعات تعاون ملموسة تصب في مصلحة الاقتصادين المصري والبولندي على حد سواء، خاصة بعد تضاعف حجم التجارة بين البلدين ليبلغ نحو 672 مليون دولار خلال عام 2019.

آخر اللقاءات التي تمت بين مصر ودول هذه المجموعة، كان في أغسطس الماضي، حين استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، جاكوب كولهانيك، وزير خارجية جمهورية التشيك، وتباحث معه بشأن عدد من موضوعات التعاون الثنائي بين البلدين، خاصةً توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا، وكذلك على المستوى الأمني والعسكري والسياحي، وأيضًا في مجال مكافحة جائحة كورونا.

تسعى القاهرة ودول التجمع، للبناء على بروتوكول التعاون الأمني، الذي تم توقيعه بين الرئيس السيسي والرئيس المجرى عام 2017، والذي يتعلق بالتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وكذلك ملف الهجرة غير الشرعية؛ إذ ترى دول التجمع في تعامل مصر مع هذا الملف نموذجًا للتعامل الناجح، خاصة بعد تدشين مبادرة “سفن النجاة” المصرية التي ساهمت في عدم خروج أي سفينة هجرة شرعية من مصر منذ عام 2016، وهو ما حظي بتقدير دول التجمع التي تستشعر مخاطر الهجرة غير الشرعية كما سلفت الإشارة.

جدير بالذكر أن دول المجموعة مؤيدة بشكل عام للنهج المصري في السياسة الداخلية، خاصة ملف مكافحة العنف والتطرف والإرهاب، وكانت دول المجموعة بلا استثناء من الأطراف الأوروبية المرحبة بالانتقال السياسي في صيف 2013، خاصة المجر التي أيدت التطورات التي حدثت في مصر في هذه الفترة، وأعلنت دعمها مساعي مصر للحصول على مقعد في مجلس الأمن الدولي، وفى المقابل أيدت القاهرة ترشح المجر لعضوية مجلس حقوق الإنسان بجنيف لعامي 2016 و2017. 

تحظى العلاقات بين مصر والمجر بطابع خاص؛ إذ شهدت العلاقات السياسية بين البلدين طفرة كبيرة خلال السنوات الماضية، وذلك في ضوء الزيارات المتبادلة على أعلى المستويات التي تمثل أبرزها في زيارتي الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المجر عامي 2015 و2017، وزيارة يانوش أدير رئيس المجر إلى مصر في نوفمبر 2019، وزيارة رئيس وزراء المجر إلى مصر في 2016، وزيارة وزير الخارجية المصري إلى المجر في 2016، فضلا عن زيارتي وزير الخارجية والتجارة المجرى إلى القاهرة في نوفمبر 2015، وأغسطس 2016. 

وعلى الرغم من أن المجر ومنذ انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي تتبنى مواقف الاتحاد الأوروبي خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إلا أنها تحرص بشكل عام على اتخاذ مواقف متوازنة، وهي مواقف تأتي متسقة مع رؤية مصر إزاء قضايا السلام في الشرق الأوسط وخطورة سياسة الاستيطان الإسرائيلية وضرورة وقفها.

التواصل المستمر مع دول المجموعة يؤكد انفتاح مصر على كافة دول العالم، خاصة الدول الأوروبية التي تتفهم خصوصية مصر وطبيعة دورها المحوري في المنطقة، ويمثل في نفس الوقت نافذة لفرص اقتصادية متبادلة غير محدودة، تكرس التوجهات المصرية في السنوات الماضية، تجاه دول أوروبية عديدة مثل اليونان وفرنسا وغيرها، وهو ما يضمن لمصر ظهيرًا داعمًا على المستوى الدولي.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد منصور

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى