
“مصر والبرازيل”.. دعم متبادل ومتانة في العلاقات
استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، أمس الثلاثاء 28 سبتمبر 2021، هاميلتون موراو، نائب رئيس جمهورية البرازيل الاتحادية بحضور سامح شكري وزير الخارجية، والسفير أنطونيو باتريوتا، السفير البرازيلي بالقاهرة”.
وشهد اللقاء توافقا بشأن تعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات، خاصة في المجالات العسكرية والأمنية والتجارية والاقتصادية، إلى جانب الاستفادة من فرص الاستثمار المتاحة بمصر وتشجيع السياحة البرازيلية للمقاصد السياحية المصرية.
وجرى تأكيد مواصلة التنسيق في المحافل الدولية بين البلدين، لاسيما في ظل اتفاق رؤية البلدين الصديقين حول مجمل القضايا الدولية والإقليمية، بما في ذلك قضايا نزع السلاح وعدم الانحياز، فضلاً عن اضطلاعهما بالتعبير عن مصالح ورؤى الدول النامية في المحافل الدولية باعتبارهما من أكثر الدول تأثيراً في تعزيز الاستقرار الإقليمي في محيطهما الجغرافي.
وفي هذا السياق، نستعرض تاريخ العلاقات المصرية البرازيلية وأبرز ما يميزها وكذلك أهم مجالات التعاون المشترك بين البلدين الصديقين.
تمتد العلاقات المصرية البرازيلية، التي تتسم بالإيجابية والتعاون والوضوح، للقرن الثامن عشر تحديداً في عام 1876 والذي استقبلت فيه مصر الإمبراطور البرازيلي توم بودو الثامن ، كما حظيت العلاقات بين القاهرة برازيليا بتطور ملحوظ في الخمسينات والستينيات القرن الماضي بفضل التوافق بين البلدين حول عدد من القضايا الدولية والتوجهات السياسية ، حيث انضم كليهما لحركة ” عدم الانحياز” والانضمام لمجموعة الـ77 الاقتصادية.
وعلى مستوى العلاقات الثنائية، فقد عبرت المواقف الثنائية على الساحة الدولية عن متانة العلاقات بين البلدين حيث دائماً ما كانت البرازيل داعمة لمصر في ترشيح المسؤولين المصريين في المناصب الدولية رفيعة المستوى فعلى سبيل المثال دعمت البرازيل ترشيح وزير الثقافة المصري الأسبق لمنصب مدير عام اليونسكو.
ودعمت البرازيل أيضا ترشيح وزير مالية مصري سابقاً لمنصب رئيس اللجنة الدولية للسياسات النقدية والتمويل بصندوق النقد الدولي، ولم يقتصر الأمر على دعم المرشحين للمناصب الدولية، بل كان البلدان دائماً داعمان لبعضهما البعض فيما يتعلق بالقرارات الدولية ويعتبر تأييد البرازيل لمشروع القرار المصري عام 2008 حول نزع أسلحة الدمار الشامل خاصة النووية منها، أبرز أمثلة التضامن والتنسيق العالي والمستمر بين البلدين.
تاريخيا
تعود العلاقات المصرية البرازيلية للقرن الثامن عشر تحديداً فترة الخديوي أسماعيل التي شهدت تطوراً ملحوظا في العمران المصري مما دعا العديد من ملوك وقادة الدول الأجنبية لزيارة مصر وكان من بينهم الملك دوم بدرو الثاني الذي زار مصر في أول زيارة رسمية بين البلدين عام 1871 بصحبة أبيه الملك بدرو الأول برفقة وفد رفيع المستوى لدراسة حالة الحداثة التي تمر بها مصر بهدف الاستفادة من التجربة ونقلها للقارة اللاتينية.
وجاءت الزيارة الثانية للملك بدرو الثاني في عام 1876 إلى مصر حيث أهداه الخديوي في تلك الزيارة بعض الأثار المصرية كهدية لتكون اسهاما مصرياً في المتحف الوطني البرازيلي بالعاصمة التاريخية ريو دي جانيرو والذي جاءت فكرة انشائه بعد زيارة الملك بدرو لمصر ولقائه بالعالم الأثري المصري ميريت باشا والذي شرح للملك فكرة انشاء المتحف المصري الكبير بميدان التحرير وأعجب الملك البرازيلي بالفكرة في ذلك الحين وقرر انشاء المتحف الوطني بريو دي جانيرو على غرار المتحف المصري الكبير.
يذكر أن الأثار المصرية لاتزال موجودة في المتحف الوطني بريو كشاهد على تاريخ العلاقات بين البلدين.
أما في التاريخ الحديث فان للبرازيل عددا من المواقف الدالة على متانة العلاقات بين البلدين حيث كان لها دور ملموس إبان العدوان الثلاثي على مصر في 1956، فكانت البرازيل من أوائل الدول التي شجبت الحرب وطالبت بانسحاب كافة القوات الأجنبية من على الأراضي المصرية كما طالب مندوبها لدى الأمم المتحدة ” باحترام السيادة المصرية” وكانت من ضمن الدول التي صوتت لصالح مصر إبان الجلسة المخصصة للعدوان الثلاثي في الأمم المتحدة.
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل طرحت البرازيل في 14 ديسمبر 1956 مشروع قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة بتطهير قناة السويس، وبعد 2 نوفمبر 1956 وهو تاريخ وقف إطلاق النار اتخذت البرازيل دوراً قيادياً في تطهير القناة وإعادتها كمجرى ملاحي دولي يخدم جميع دول العالم.
ولمواجهة التحديات وتغطية نفقات تطهير القناة، اقترحت البرازيل إلى جانب كل من الفلبين وإيران وتايلاند مشروع قرار يضمن فرض رسوم بقيمة 3% على السفن المارة بالقناة لتخصص للنفقات الخاصة بتطهيرها، وقد أقر القرار حينها بموافقة 54 صوتاً وامتناع 19، وكانت البرازيل من أولى الدول المشاركة في عمليات التطهير.
ويضاف لما سبق دور البرازيل إبان الانسحاب الإسرائيلي من سيناء حيث شاركت بقواتها ضمن قوات الطوارئ الدولية في سيناء وبورسعيد وكذلك شرم الشيخ حيث تولي البرازيل اهتماما كبيرا بسلامة المجرى الملاحي بقناة السويس خاصة أن البرازيل تستورد سنويا 12 مليون برميل بترول يأتي نصفها من منطقة الخليج العربي مروراً بالقناة ، الأمر الذي ساهم بتطور العلاقات من باب حرص البلدين على مصالحهما المشتركة وبالأخص الاقتصادية والتجارية منها وهو ما نتج انتفاع للبرازيل في إنشاء مخازن للبن البرازيلي المعروف عالمياً في المنطقة الحرة ببورسعيد كما منتجات أخرى لتكون المدينة المصرية نقطة توزيع لل” للذهب الأسمر ” البرازيلي.
العلاقات السياسية
شهدت فترة أواخر الستينيات والسبعينيات فتوراً في العلاقات بين البلدين متأثرة بانحياز مصر للكتلة الشرقية والبرازيل للكتلة الغربية، لكن العلاقات ما لبست إلا أن عادت مع بداية الثمانينيات التي شهدت نشاطاً في العلاقات الثنائية.
وقد توج هذا النشاط في مارس عام 1985 من خلال توقيع أتفاق بإنشاء لجنة مشتركة مصرية – برازيلية بمدينة برازيليا بهدف تشجيع تبادل الاتصالات والمعلومات والزيارات والبعثات كما تشجيع وتدعيم التعاون بين البلدين، من خلال الاتفاق الذي يجدد كل خمس سنوات ويستلزم عقد اجتماعين بين المسؤولين المعنيين سنويا، فيما تعتبر اتفاقية عام 1985 هي نقطة البداية لعدد من الاتفاقات والتفاهمات السياسية والتجارية والاقتصادية.
وفيما يتعلق بالقضايا السياسية الخارجية، تتفق البلدان في مجمل القضايا بالأخص تلك المعنية بأزمات الشرق الأوسط فكل من القاهرة وبرازيليا يدعمان عدم التدخل الأجنبي في الدول التي تعاني الحرب الأهلية كليبيا وسوريا واليمن.
وتمثل القضية الفلسطينية أوضح شاهد على توافق الرؤى المصرية البرازيلية فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية، حيث طرح الرئيس البرازيلي الأسبق ” دى سيلفا” مبادرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية ضمن حدود 4 يونيو 1967 على أن تكون القدس الشرقية عاصمة لها وهو الطرح الذي تؤيده القاهرة.
ولم يتوقف الرئيس البرازيلي عند حد طرح المبادرة بل أخذ على عاتقه أقناع نظرائه من القادة اللاتينيين بأحقية الفلسطينيين للأرض، وقد نجح في هذا الأمر، وهو ما أبطئ الخطوات الاستيطانية الإسرائيلية والتي شعرت باستياء من التدخل البرازيلي حالها حال الولايات المتحدة التي اعتبرت تدخل البرازيل في هذه القضية أمرا غير مبرر، وغير مفيد لتقدم عملية السلام.
دور الأزهر
كان لمؤسسة الأزهر الشريف دور حيوي في تطور العلاقات بين البلدين وعلى المستوى الشعبي كذلك لما قامت به من دور ريادي في نشر الدعوة في القارة اللاتينية في ستينات القرن الماضي وفي تلك الأثناء أختار الأزهر أن تكون مدينة سان باولو مركزاً لنشر الدعوة في البرازيل ومنها إلى القارة اللاتينية باعتبارها الدولة الأكبر مساحة كما الأكثر كثافة من حيث عدد السكان في القارة.
وفي هذا الصدد، أرسل الأزهر أحد أبرز علمائه وهو الشيخ ” عبدالله عبد الشكور كامل” العام 1956 ليكون مندوباً وإماماً ومسؤولاً عن بعثاته للقارة اللاتينية، وكللت جهود الشيخ كامل والبعثات الأزهرية المصرية بالنجاح حيث كان لهم الفضل في إنشاء عدد من المساجد وإنشاء الدارسة الإسلامية البرازيلية في حي ” فيلا كارون” بمدينة ساو باولو عام 1966 والتي مازالت إلى اليوم تؤدي رسالتها بتعليم الإسلام واللغة العربية في أوقات العمل الرسمية بعد اعتمادها من قبل وزارة التربية والتعليم البرازيلية.
العلاقات الاقتصادية
تعد التجربة الاقتصادية البرازيلية أحد النماذج التنموية الفريدة في العالم وأحد ابرز التجارب عالمياً للخروج من التباطء الاقتصادي إلى ارتفع معدلات التنمية النمو المستدام للناتج المحلي الإجمالي ، وتدرك الإدارة المصرية أهمية التجربة البرازيلية بالأخص في الوقت الذي تمر به مصر بتجربة مشابهة لما قامت به البرازيل، التي اعتمدت على الإصلاحات التشريعية على قوانين الاستثمار والتعديلات “الراديكالية” على السياسات الاقتصادية والنقدية لتعديل الأوضاع الاقتصادية في البلاد من خلال استراتيجية وطنية طموحة طويلة الأمد تعتمد على توطين الصناعات البرازيلية وفتح أسواق جديدة لها مما وضعها على قائمة الاقتصاديات العشر الكبرى في العالم.
وشهدت الألفية الجديد زخماً في الاتفاقات التجارية بين مصر والدول اللاتينية على راسها البرازيل فقد وقعت مصر على اتفاق للتجارة الحرة فيما بينها وبين دول “الميركوسور” ( البرازيل – الأرجنتين – أورجواي – باراجواي) العام 2010 ، وقد دخلت الاتفاقية حيز التنفيذ العام 2017 ، وكنتيجة لتفعيل الاتفاقية فقد منحت 47% من الصادرات المصرية للدول المجموعة إعفاء من الرسوم الجمركية ما يساعد في فتح السوق اللاتيني أمام المنتجات المصرية كما ساهم ذلك في خفض تكلفة الواردات المصرية من القارة اللاتينية والتي يأتي على راسها اللحوم وزت الصويا .
بالإضافة لذلك، فقد استفادت مصر من ميزات خفض التعريفة الجمركية على صادراتها لدول المجموعة من خلال تصدير الأسمنت المصري لأسواق جديدة كما منتجات الشمع وغيرها من المنتجات كشفرات الحلاقة والأرز المصري.
وترتبط مصر والبرازيل بعدد من الاتفاقيات التجارية أهمها اتفاق التجارة الحرة بين مصر ودول السابق الإشارة له واتفاق انشاء مجلس الاعمال المصري البرازيلي في ديسمبر 2003 واتفاق لإنشاء الغرف التجارية لدول مجموعة الخمس عشرة في مايو 1998 واتفاق التجارة التفضيلية للدول النامية.
وتتسم العلاقات الاقتصادية بين القاهرة وبرازيليا بالتنوع والتميز، حيث تعتبر البرازيل الشريك التجاري الأول لمصر في القارة اللاتينية كما أن مصر هي الأول في ترتيب الشركاء التجاريين للبرازيل في القارة الإفريقية كما أنها ثاني أكبر مستورد للحوم البرازيلية على مستوى العالم.
أما عن الميزان التجاري بين البلدين فقد وصل حجم الصادرات البرازيلية إلى مصر لــ 182 مليون دولار في أغسطس من العام الحالي، أي بارتفاع بقدر 10 مليون دولار عن شهر يوليو وبذلك تعتبر مصر الشريك التجاري رقم 21 للبرازيل على مستوى العالم، الثاني عربياً بعد الإمارات.
وقد وصلت الصادرات المصرية للبرازيل لرقم قياسي جديد شهر يوليو الماضي بتجاوزها عتبة ال 90 مليون دولار خلال شهر واحد محققتاً 91,4 مليون دولار من الصادرات المصرية كما هو موضح في الشكل رقم (1)
وقد وصلت الصادرات المصرية في العام 2020 للبرازيل إلى 216,25 مليون دولار بينما وصلت الواردات البرازيلية إلى مصر إلى 1,93 مليار دولار.

رسم بياني يوضح حجم الصادرات المصرية للبرازيل في الفترة من أكتوبر 2020 لــ أغسطس 2021 وفقاً لموقع ” ترايد أكونوميكس”

رسم بياني يوضح حجم الواردات المصرية من البرازيل في الفترة من أكتوبر 2020 لــ أغسطس 2021 وفقاً لموقع ” ترايد أكونوميكس”.
باحث ببرنامج السياسات العامة