
دخول “أمازون” إلى السوق المصرية.. مزيد من الاستثمار الأجنبي ودعم للتجارة الالكترونية
مع بداية الشهر الجاري، انطلقت قافلة تجارة “أمازون” العالمية من مصر، وسط توجهين متناقضين على الإطلاق حول تأثير وجود “أمازون” بمصر على التجارة المحلية، والصناعة المصرية، والبطالة. وهو ما دفعنا إلى إلقاء نظرة أكثر موضوعية عن آثار وجود الشركة بمصر.
أول مركز لوجيستي بأفريقيا

أطلقت شركة “أمازون” الأمريكية للتجارة الإلكترونية، رسميًا، الأربعاء 1 سبتمبر الجاري، موقعها الإلكتروني الجديد في مصر “أمازون مصر”، والذي سيكون بديلا عن “سوق دوت كوم” –والذي تأسس في 2007 من قبل رونالدو مشحور وسميح طوقان وحسام خوري- والتي استحوذت عليها 2017 في صفقة تقترب قيمتها من مليار دولار.
وعززت “أمازون” وجودها بافتتاح أول مركز لوجيستي للشركة في أفريقيا، على مساحة 28 ألف متر مربع بمنطقة العاشر من رمضان، ليصل بذلك استثمارات الشركة في مصر إلى مليار جنيه. وذلك لما لمصر من بنية تحتية قوية وشبكة طرق عملاقة، وخطط توطين عدد كبير من الصناعات، هذا فضلا عن قانون الاستثمار والجهود الرامية لدعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة.
كما أن مصر تقع في مركز متوسط من العالم العربي والشرق الأوسط وأفريقيا لذلك فان تكاليف النقل والتخزين أقل. ناهيك عن خطط الربط السككي مع دول الجوار؛ والذي يجعل من مصر، موقعا متميزا لتكون حلقة وصل لتخزين ونقل البضائع بين دول المنطقة.
عوائد مختلفة

” اليوم، ندخل عهداً جديداً من النمو والتطور، إذ يسعدنا مشاركتكم إعلاننا عن إطلاق موقع أمازون مصر Amazon.eg.، نتيح لكم كل المنتجات بأسعار مخفضة، ونقدم خيارات دفع متنوعة باستخدام بطاقات الائتمان والخصم المباشر والدفع نقداً عند الاستلام، بالإضافة إلى خدمات التوصيل السريعة والموثوقة” بهذه الكلمات أعلنت “أمازون” عن تواجد جديد لها بالعالم العربي. ومن هنا بدأ اللغط حول تأثير وجود “أمازون” على التجارة والصناعة المصرية، على الرغم من تأكيد الخبراء أن أي أثار لن تظهر على العميل أو البائع إلا بعد العام الأول.
فاستثمار شركة بحجم أمازون- أكبر شركة للتسوق عبر الإنترنت في العالم، ويقدر رأسمالها بحوالي 1.69 تريليون دولار- بالسوق المصري يعد مؤشرا جيدا، وتوثيقا لثقة المستثمرين الأجانب بالسوق المصرية. فهو بمثابة دعاية للسوق المصري لما به من مقومات ومستهلكين، وعامل جذب لمزيد من الاستثمار الأجنبي مستقبلًا.
كما أن ضخ حوالي مليار جنيه استثمارات لـ “أمازون” في مصر الآن، تنعش الاقتصاد المصري، في وقت تتوق الدولة المصرية لجني ثمار تطوير البنية التحتية، وتسهيل إجراءات الاستثمار بمصر. وسبق أن أكد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي أن الحكومة تعمل على جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وتذليل جميع العقبات التي قد تحول دون ذلك. وأن السوق المصري واعد وبه فرص كبيرة مطروحة أمام رجال الأعمال الراغبين في الاستثمار من مختلف أنحاء العالم على غرار ما تقوم به أمازون.
ومن جانبه، أكد رئيس شركة “أمازون” لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، رونالدو مشحور أن السوق المصري يعتبر الأهم للشركة في إفريقيا. قائلا: “نشعر بالفخر، إذ كنا نسعى جاهدين من أجل هذا اليوم المنتظر، وذلك منذ استحواذ “أمازون” على “سوق دوت كوم”، مضيفا أنهم ملتزمون بتعزيز ودعم الاقتصاد المصري وجلب أفضل الابتكارات اللوجستية إلى مناطق عملهم. معتبراً أن ذلك ينهض إلى حد كبير بالتجارة الإلكترونية الواعدة في الوقت الراهن والمستقبل القريب.

فكثيرًا ما كانت تعاني التجارة الالكترونية من جموح المستهلكين قديمًا، باعتباره سوقا مجهولا وجودة المنتج غير مضمونة، والمخاطرة المالية أكبر، فوفقًا لتقرير أجندة التجارة الإلكترونية لأفريقيا يكافح رواد الأعمال ضعف ثقة المستهلك والمهارات الإلكترونية بشكل استثنائي، وانخفاض اختراق الإنترنت والقدرة على تحمل التكاليف، والبنية التحتية للتسليم غير التنافسية، والأسواق المجزأة، والحواجز المتزايدة أمام المدفوعات الإلكترونية عبر الحدود.

فعلى الرغم من زيادة نسبة السكان التي تمتلك انترنت منزليا، وحسابات بنكية إلا أنه مازالت نسبة المعتمدين على التسوق الالكتروني قليلة جدًا والتي تقدر بـ 7% من مستخدمي الانترنت، و2.4% من السكان عمومًا بعام 2017.
إلا أن الوقت أثبت جدوى ومأمونية عدد كبير من مواقع التسوق الالكتروني. خاصة بعد ما فرضت جائحة كورونا واقعا جديدا على التعاملات اليومية للمصريين، فأصبحت التجارة الالكترونية وسيلة أساسية في حياتنا اليومية، تطبيقًا للإجراءات الاحترازية وتقليل التجمعات الكبرى بالأسواق العامة.
وتيسيرًا للمرحلة الانتقالية، أكدت “أمازون” أن عملاء “سوق دوت كوم” يمكن لهم استخدام نفس بيانات الدخول على موقع “أمازون مصر”، والذي سيحتوي أيضاً على قوائم رغباتهم، والطلبات السابقة، وعناوين التوصيل، وطرق الدفع، والاستفسارات التي طرحت مسبقاً على فريق دعم العملاء، كما يمكن للعملاء الحاليين والجدد التسوق عبر “أمازون مصر” واستلام طلباتهم داخل مصر، وذلك من خلال استخدام تطبيق أمازون واختيار “مصر” من الإعدادات أو زيارة موقع أمازون.
ويقدم كلٌّ من التطبيق والموقع الإلكتروني المتاحَيْن باللغتين العربية والإنجليزية تجربة تصفح سريعة وغنية تعرض نتائج بحث دقيقة، وخاصية تقييم العملاء للمنتجات، وقسم للمقترحات الشخصية، وتتميز عملية إدارة الطلبات بأنها بسيطة وسلسة، بدعم من خدمة العملاء رفيعة المستوى التي تقدمها “أمازون”.

يشار إلى أنه تم تطوير موقع “أمازون مصر” ليناسب السوق المحلية ويوفِّر تجربة سلسة للمتسوقين، إذ يتيح لهم الموقع الجديد إمكانية البحث عن منتجاتهم المفضلة والدفع بالجنيه المصري باستخدام بطاقات الائتمان والخصم بما في ذلك “فيزا” و”ماستركارد”، بالإضافة إلى خيار الدفع نقداً عند الاستلام.
وسيستمر موقع “أمازون” مصر في تقديم خدمة التوصيل المجاني للطلبات التي تزيد قيمتها على 350 جنيهاً مصرياً، مع توفر خيارَيْ التوصيل الفوري في نفس اليوم والتوصيل في اليوم التالي في بعض المدن المحددة داخل مصر، كما ستوفر أمازون خبرتها العالمية وستستثمر في الخدمات اللوجستية عالية الدقة في مجال تتبع الشحنات والتوصيل.
وحول جودة ومصداقية وحصانة شركات التسوق الالكتروني فقد أثبتت أمازون عبر تاريخها الطويل في التجارة الالكترونية مأمونية التعامل معها، حيث تضع أمازون شروط صارمة ولا تقبل بأي خطأ في جودة المنتجات ونسبة الخطأ فيها لا تتعدى 1% وإلا سيلغى تفعيل حساب البائع، فقبل أيام أعلنت شركة “أمازون” الأمريكية رسميا عن حظرها أكثر من 600 شركة صينية منتشرة عبر 3000 حساب بائع، من على منصتها للبيع بشكل دائم؛ بسبب حوادث احتيال خاصة بكتابة تقييمات لها. حيث انتهكت هذه الشركات عن قصد وبشكل متكرر سياسات المراجعة الخاصة بها، والتي تحظر المراجعات التي تشمل تقديم تحفيزات وهدايا للعملاء.
وقالت شركة أمازون في بيانها تعليقًا على هذا القرار أنها “تعمل بجد من أجل بناء تجربة رائعة في متجرها، وذلك لكي يتمكن العملاء من التسوق بثقة، ولدى البائعين فرصة لتنمية أعمالهم وسط منافسة صحية”. وتابعت موضحة أن “عملائها يعتمدون على دقة وصحة مراجعات المنتج لاتخاذ قرارات شراء مستنيرة، وبينت أنها تتخذ إجراءات قانونية ضد أولئك الذين ينتهكون السياسات الخاصة بالمراجعات، أينما تواجدوا حول العالم”.
وشددت أنها “ستستمر في تحسين اكتشاف إساءة الاستخدام واتخاذ إجراءات إنفاذ ضد الجهات الفاعلة السيئة، بما في ذلك تلك التي تشارك عن قصد في انتهاكات متعددة ومتكررة للسياسة، بما في ذلك مراجعة إساءة الاستخدام”.
فكل عميل تتم متابعته كل فترة زمنية للتأكد من عدم وجود أخطاء ما يرفع كفاءة المنتجات المقدمة، وهو ما يصب في النهاية في مصلحة المستهلك وموثوقية الشركة. كما يسهم في رفع كفاءة جودة المنتجات التي يتم بيعها عبر الانترنت، وزيادة نشاط التجارة الالكترونية بمصر.
وفي هذا الصدد، تم إثارة الكثير من اللغط حول إمكانية وقدرة أمازون على المنافسة بالسوق المصري، خاصة أن التجربة بأسواق السعودية والامارات لم تتطابق مع ما تفعله في أمريكا، حيث لم تستطع منافسة التجار الإلكترونيين في الإمارات، أو ضبط الأسعار المعروضة.

في حين يرى البعض أن التجربة ستعود بالنفع على السوق المصري بأكمله من خلال تعزيز الشراكات مع التجار والمصنعين المحليين، وخلق سوق تنافسي حر. وهو ما يسهم في ضبط السوق وهوامش الربح والأسعار، هذا فضلا عن أن وجود مركز لوجيستي بمصر يسهم في توفير تجربة تسوق وتوصيل أكثر سرعة لتلبية طلبات عملاء التسوق عبر الإنترنت.
فبإمكان العملاء الذين يتسوقون على موقع أمازون مصر الإلكتروني الاستفادة من خدمة العملاء المتاحة على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع؛ للحصول على المساعدة بشأن أي استفسارات، وفي حالة عدم رضاء العملاء عن أي من المنتجات بما في ذلك تلك التي يبيعها شركاء البيع في أمازون، فيمكنهم التواصل مع فريق خدمة العملاء للحصول على الدعم اللازم. وتندرج جميع المشتريات تحت “ضمان أمازون من الألف إلى الياء” A-to-z Guarantee) ) الذي يغطي جميع الطلبات التي تم عملها على موقع أمازون مصر.
إلا إنه قد يكون له تأثير غير مباشر على صفحات البيع الالكتروني المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة فيسبوك. والتي تبيع بعضها منتجات ليست على قدر كافي من الجودة، وأضعفت ثقة المواطن في فكرة التجارة الالكترونية. لكن الأمر لن يؤثر كثيرا على الأسعار لأن منتجات الشركة ستطبق عليها الجمارك وعمليات النقل وغيرها، وهو ما يدحض فرضية عدم القدرة على المنافسة السعرية للشركات المحلية في ظل وجود أمازون.
كما أن احترام “أمازون” للقوانين، سيدفع التجار المشاركين بالمنصة إلى تقنين كافة المنتجات المباعة من خلالها، وبالتالي تقل نسبة المنتجات مجهولة الهوية، والشركات غير المسجلة، وبالتالي ستحسن من جودة المنتجات المُباعة عبر الإنترنت، وزيادة الحصيلة الضريبية للدولة، وتقنين أوضاع الكثير من فئة المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
فوجود أمازون في مصر يدعم بشكل مباشر الشركات الصغيرة والمتوسطة، فحوالي 50% من المنتجات التي تباع من خلال أمازون تأتي من الشركات الصغيرة والمتوسطة، وهو ما يتفق مع خطة الدولة في دعم هذا النوع من الشركات. وذلك حال توجهت أمازون للصناعة المحلية وربطتها بالمعايير الدولية فستكون هناك إضافة كبيرة للاقتصاد المصري- بينما توجهها للاستيراد قد يؤدي إلى أثار سلبية على الصناعة المحلية- فهي فرصة عظمة لتجويد الإنتاج المحلي، وتعزيز قدرته على منافسة المنتج الأجنبي.
ولن تحرم “أمازون” البائعين المسجلين على موقع سوق دوت كوم من مواصلة العمل معها تحت المظلة الجديدة والموحدة باسمها مستقبلاً، وذلك على اعتبار أن شركة سوق دوت كوم مملوكة لأمازون. كما فتحت الشركة المجال أمام (رواد الأعمال) البائعين الراغبين في تسجيل أنفسهم لديها في “إدارة الأعمال” (Seller Central Amazon). فيمكن للشركات المحلية المصرية بجميع أحجامها التي تتطلع إلى البيع عبر أمازون مصر الاستفادة من الأدوات السهلة لإدراج المنتجات، ووسائل الدفع الآمنة، فضلاً عن الميزات التي تسهل اكتشاف تلك الشركات من قبل العملاء، مثل القسائم والحلول اللوجستية السلسة مع خدمة “الشحن من قبل أمازون”Fulfilment by Amazon. ؛ وتتيح هذه الخدمة للبائعين إرسال منتجاتهم إلى مستودعات أمازون لتتولى أمازون بدورها التنفيذ الكامل للطلب بما في ذلك إدارة جميع المعاملات اللوجستية.
وفي هذا الصدد، أكد مدير أمازون مصر عمر الصاحي أن مصر تتمتع بقطاعٍ صناعيٍ حيوي، خصوصاً مع الوجود القوي فيها لتجار التجزئة، والبائعين، والعلامات التجارية، والحرفيين المحليين، مضيفًا: “فتستخدم اليوم آلاف الشركات المصرية موقع أمازون مصر للوصول إلى عملائها، ونتطلع إلى استفادة عدد أكبر من هذه الشركات من الموقع في السنوات القادمة”.
وهو ما يتنافى مع الادعاءات التي صاحبت خبر إعلان افتتاح أمازون في مصر بأنه قرار غير محسوب وإنه سيؤدي إلى خلق حالة بطالة عارمة في مصر نتيجة تأثيرها على أصحاب الصناعات الصغيرة والمتوسطة، نظرا لقدرته على تقديم أسعار مخفضة بشكل كبير مع خدمة عملاء مميزة. وأن المنافسة مع شركة بهذا الحجم ستكون مستحيلة تقريبا بالنسبة لصغار المستثمرين، الأمر الذي سيدفع الكثير من المصانع المحلية للإغلاق. مستشهدين بالضغوط التي تتعرض لها المتاجر التقليدية الصغيرة في الولايات المتحدة وأوروبا من جراء انتشار مفاهيم التجارة الإلكترونية.
إلا إنه في حقيقة الأمر ثقافة الاعتماد على التجارة الالكترونية مازالت في مهدها بمصر، ففي مصر لا تتخطى نسبة مستخدمي التجارة الالكترونية 2.5% من السكان، في حين أن النسبة بأمريكا تتخطى 71%، وما قيمته 80% من مستخدمي الانترنت بأمريكا. بل أن دخول “أمازون” إلى السوق المصري، ساهم في توفير المزيد من فرص العمل المباشرة، فيعمل لدى فرع الشركة في مصر حوالي 3000 موظف من إجمالي 80 ألف موظف حول العالم، وتمتلك أكثر من 15 محطة توصيل على مستوى الجمهورية، هذا إلى جانب الوظائف غير المباشرة من خلال شركات النقل ومندوبي الشحن والتوصيل.
وجود أمازون في مصر قد يكون بادرة أمل لمزيد من الاستثمار الأجنبي بمصر، ودعم حركة التجارة الالكترونية وتغيير صورة التسوق الالكتروني المشوهة بمصر بأخرى لمنتجات أكثر جودة، وقواعد أكثر صرامة، ودقة وأمان، وعملية توصيل طلبات سريعة وبتكاليف مجانية أو منخفضة للغاية، مع تحسين العمليات اللوجستية، والذي يدفع بدوره نحو التحول التدريجي للتحول الرقمي.
باحث أول بالمرصد المصري