روسيا

قراءة في نتائج انتخابات “مجلس الدوما” الروسي ٢٠٢١

أعلنت رئيسة اللجنة المركزية الروسية للانتخابات، “إيلا بامفيلوفا”، انتهاء عمليات الاقتراع على اختيار نواب مجلس الدوما الروسي في دور انعقاده الجديد 2021- 2026، بتاريخ 19 سبتمبر، في تمام الساعة التاسعة مساءً بتوقيت موسكو المحلي. وسبِق ذلك بساعة واحدة فقط، إغلاق عمليات التصويت الإلكتروني.

وكانت اللجنة المركزية للانتخابات قد عكفت على إعداد منصة رقمية مفتوحة أمام الجمهور الروسي تتيح له متابعة نتائج الانتخابات أولاً بأول، لأجل ضمان شفافية ونزاهة العملية الانتخابية الروسية.

وأعلنت “بامفيلوفا”، سابقا ؛ أن انتخابات هذا العام شهدت نسب مشاركة عالية بشكل غير متوقع. ووفقًا لها، فإن نسبة المشاركة جاءت 51,68% متجاوزة بذلك نظيرتها في انتخابات دوما 2016. كما شهدت عمليات التصويت عبر الإنترنت مشاركة نشطة من الناخبين.

فقد بلغت نسبة الناخبين بالنظام الإلكتروني 90%، وهي النسبة التي تحتسب كمزيد من النجاح للتصويت بسبب مساهمتها في تخفيف الأعباء عن مراكز الاقتراع والمساعدة على اتباع الإجراءات الاحترازية أثناء العملية الانتخابية. 

النتائج النهائية

وفقًا للنتائج النهائية للانتخابات، فقد حصد حزب روسيا الموحدة –الحزب الذي ينتمي له الرئيس الروسي فلاديمير بوتين- نسبة 49,82% من الأصوات. واحتل الحزب الشيوعي المركز الثاني بعد روسيا الموحدة بنسبة 18,93% من الأصوات. تلاه الحزب الليبرالي الديموقراطي الروسي بنسبة 7,55%، بينما حاز حزب روسيا العادلة على 7,46، وحزب الشعب الجديد 5,32. وكان حزب روسيا الموحدة قد حصل على 198 مقعدا، من بين 225 مقعدا مخصصا لدوائر الانتخاب الفردي. وحصل الحزب الشيوعي على 9 مقاعد، و8 لحزب روسيا العادلة، ومقعدين للحزب الديموقراطي الليبرالي. 

يُشار إلى أن الأحزاب، “الوطن، النمو، المنصة المدنية”، قد حاز كل منها على مقعد واحد فقط. وقد ذهبت هذه المقاعد الثلاث إلى السياسي “أليكسي زورافليف”، زعيم حزب الوطن، والسياسي “ريفات تشيخوتدينوف”، عن حزب المنصة المدنية، و”أوكسانا ديمتريفنا”، عن حزب النمو. 

حصل كذلك عدد من المرشحين غير الحزبيين  على مقاعد في مجلس الدوما الروسي، يبلغ عدد هؤلاء خمسة مرشحين وكانوا قد اختاروا خوض المنافسة الانتخابية في الدوائر ذات الولاية الواحدة.

ويُعد “مقدم البرامج التليفزيونية أناتولي واسرمان، والممثل ديميتري بيفتسوف”، هما الأكثر شهرة من بينهم، وقد ربحوا مقاعد في مدينة موسكو مع المرشح الثالث وهو “أوليج ليونوف”. بينما نجح المرشح المستقل “فلاديسلاف ريزنيك”، في جمهورية إيديجا. و”ليونيد باباشوف”، في جمهورية القِرم. 

المخالفات والأصوات الباطلة

لم تسجل وزارة الشؤون الداخلية الروسية أي مشكلات خطيرة أثناء عملية التصويت بوجه عام، بينما قد تم الإبلاغ عن أكثر من خمسة آلاف مخالفة متعددة منذ بداية عمليات التصويت، وفقًا لما نقلته وكالة “تاس” الروسية.  كما قامت اللجنة المركزية للانتخابات بالتعامل الفوري مع كافة الانتهاكات التي تم الإبلاغ عنها على الفور. فعلى سبيل المثال، أعلنت “بامفيلوفا”، في اليوم الثالث من الانتخابات، فصل ثلاثة رؤساء لجان فرعية بعد تسجيل انتهاكات في عمليات فرز واحتساب الأصوات في لجانهم. وضم هذا القرار رؤساء لجان في بقاع مختلفة، عبر جمهورية “اديجيا”، و”بريانسك”، و”كيميروفو”. كما قامت كذلك بإقالة رئيس اللجنة التنفيذية لإقليم ستافروبول للسبب نفسه. 

ومن ناحيته، علق “بافيل أندرييف”، عضو لجنة الانتخابات المركزية، لافتًا إلى أن عدد الانتهاكات التي وقعت في مراكز الاقتراع بالخارج كان ضئيلاً للغاية، ولم يؤثر على النتيجة الاجمالية للانتخابات. وفيما يتعلق بالأصوات الباطلة، فقد أعلنت رئيسة اللجنة المركزية للانتخابات، عن قرار اللجنة بإبطال عدد 25830  ألف صوت.

من جهتها، فقط علقت بامفيلوفا، بأن لفتت إلى أن هذه نتيجة غير هامة على المستوى الوطني. وقد صرحت أنه وفقًا للمعلومات الواردة من اللجان الانتخابية للكيانات المكونة للاتحاد الروسي في الوقت الراهن، فإنه قد تم إبطال أصوات عبر 35 كيانًا من أصل 85. لافتة إلى أن عدد مراكز الاقتراع التي شهدت هذه الأصوات الباطلة يبلغ 107 مراكز من أصل مائة ألف مركز اقتراع عبر البلاد برمتها. 

المُراقبة على الانتخابات 

كانت اللجنة المركزية الروسية للانتخابات قد أعلنت، بتاريخ 18 سبتمبر، أن العملية الانتخابية تجري تحت مراقبة من حوالي 500 ألف مراقب، مما يعني أنه في المتوسط، كان يوجد نحو خمسة مراقبين لكل مركز اقتراع. وكان رئيس المجلس التنسيقي للغرفة العامة الروسية للمراقبة على التصويت، “مكسيم جريجوريف”، قد صرح في 16 سبتمبر، أن الغرفة نظمت تدريبًا لنحو 250,000 مراقب على الانتخابات الروسية. وتابع لافتًا إلى أن المشاركين في التدريب جاؤوا إما بناءً على طلبهم الشخصي أو استنادًا إلى ترشيحات من الأحزاب، وأن الغرفة كانت هي الجهة المنوط بها إرسالهم وتوزيعهم الى مراكز الاقتراع المختلفة. 

كما وفرت اللجنة المركزية للانتخابات بالتعاون مع الجهات المنوط بها في روسيا، تطبيقًا الكترونيًا لمساعدة المراقبون على الولوج إلى مراكز الاقتراع. ووفقًا لسكرتيرة مكتب العمليات، “ليديا ميخيفا”، فإنه بمساعدة تطبيق “موبايل. أوبزيرفر”، نجح الحاضرون في مراكز الاقتراع في إرسال رسائل حول الانتهاكات التي وقعت في الانتخابات الى المقر المركزي، وتم التعامل معها على الفور. 

ووفرت اللجنة المركزية كذلك، إمكانية المُراقبة على الانتخابات من خلال الاعتماد على نظام الفيديو الذي تم إنشاؤه في مراكز الاقتراع داخل جميع كيانات الاتحاد الروسي. وكان من المعتاد في العمليات الانتخابية السابقة، انتخابات دوما 2016، على إتاحة مراقبة مراكز الاقتراع للجمهور، إلا أنه لم يتم إتاحة نفس الخاصية هذا العام، نظرًا لأن روسيا لم تكن تعاني من هذه الهجمات الالكترونية والحملات الإعلامية من قبل، وفقًا لتصريح أدلت به “إيلا بامفيلوفا”، خلال مقابلة لها مع صحيفة “رسيسكايا جازيتا”، في 15 سبتمبر. 

وفيما يتعلق بالمراقبين الدوليين، فقد زار وفد يتألف من 17 مراقبا دوليا، 18 سبتمبر، مركز المراقبة العامة للتصويت في مدينة موسكو. وقد اشتمل الوفد على مراقبين من دول عدة من ضمنهم ممثلين عن، “مِصر، وصربيا، وجنوب إفريقيا، وتركيا، وفنزويلا”.

 ومن ناحيته، علق “تيري مارياني”، مراقب من البرلمان الأوروبي على الانتخابات في مدينة سانت بطرسبرج بعد أن زار نحو 20 مركز اقتراع. قائلاً، “لم أر شيئًا غير طبيعي هناك. لقد أتيحت لنا الفرصة للتحدث مع مراقبين من مختلف الأحزاب السياسية، وجميعهم قالوا إنهم لم يروا أي انتهاكات في الانتخابات”.

كما أعلن رئيس بعثة مراقبي رابطة الدول المستقلة، “إلخوم نعماتوف”، الاثنين 20 سبتمبر، أنه لم يتم الكشف عن وقوع أي انتهاكات جسيمة في انتخابات مجلس الدوما. فقد أشار مراقبو البعثة إلى أن العملية الانتخابية جرت بعدد قليل من الانتهاكات. وأضاف رئيس البعثة، “كان أعضاء بعثتنا حاضرين عند فرز الأصوات، وقد علمنا أن فرز الأصوات تم في إطار قانوني”. 

لماذا يحتفظ حزب “روسيا الموحدة” بمكانته في الصدارة؟

يرى أستاذ العلوم السياسية، “يفجيني مينتشينكو”، أن فوز الحزب يرجع إلى الحملة الانتخابية المتوازنة للغاية التي اعتمد عليها الحزب في شتى أنحاء روسيا. وفي الوقت نفسه، يلفت المحلل السياسي “ألكسندر كونكوف”، الانتباه إلى أن نجاح الحزب يرجع إلى أنه يرتبط في الوعي الجماهيري لدى الشعب الروسي بالقوات المسلحة. كما أنه يرى أن معظم الروس يعتبرون، وزير الخارجية الروسي، “سيرجي لافروف”، بمثابة الجبهة الدبلوماسية للحزب.

كما يرى “كونكوف، أن التكنولوجيا لعبت دورًا كبيرًا في نجاح الحزب بالحفاظ على أغلبيته الدستورية، وذلك نظرًا لأن الحزب عكف على تشجيع الناخبين على التصويت عن بعد وهو الأمر الذي ساهم في رفع أعداد الناخبين. فقد نجح الحزب في تطبيق تقنيات الإنترنت، ونجح كذلك في حشد مؤيديه للتصويت الإلكتروني. 

ومن جهة أخرى، قال الباحث السياسي “فيكتور بوتوريمسكي”، “لم تكن حملتهم مشرقة للغاية، إلا أن ذلك كان لصالح الحزب، فقد رأي الناخب في ذلك دلالة على الاستقرار”.  ويضيف “بوتوريمسكي”، بأن الحزب يكتسب الكثير من أرضيته لدى الناخبين بسبب انتماء الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، له. كما أن “بوتين”، قد سبق وأكد مرارًا وتكرارًا أنه يثق في الحزب ويرى فيه ضمانًا للتطور المستمر للدولة وضمنة لتنفيذ السياسة الاجتماعية. كما تسبب نجاح وفاعلية حكام المُدن في الأقاليم الروسية المختلفة على رفع مستوى شعبية الحزب.

ويرجع ذلك، إلى أن هؤلاء هُم من يشكلون حجر الأساس للثقل الذي يحظى به الحزب على الأرض. مثال على ذلك، “سيرجي سوبانين”، حاكم مدينة موسكو، والذي أدى التقييم المرتفع لأدائه مهام منصبه إلى رفع معدلات تصنيف الحزب. ووفقًا لما نشره موقع وكالة “سبوتنيك“، فإنه قد لوحظ أن حزب روسيا الموحدة يعد هو المنظمة السياسية الوحيدة الفعالة في روسيا التي عملت بنشاط خلال فترة الوباء، وساعدت الناس على التغلب على الأزمة. وأخيرًا، وليس آخرًا، ذهب حزب روسيا الموحدة إلى صناديق الاقتراع مع وجود عدد كبير من الوجوه الجديدة على قوائمه، وهؤلاء أسهموا بشكل كبير في تعزيز نجاحاته في دور الانعقاد الجديد.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى