
فشل مخطط إخواني جديد في الانقلاب الفاشل في السودان
يبدو أن عدوى الانقلابات في مالي وغينيا كوناكري قد أصابت السودان في ظل الصمت الدولي المنشغل بقضايا أخرى، في محاولة فاشلة أحبطتها الحكومة الانتقالية الحالية بشقيها المدني والعسكري فجر الثلاثاء 21 سبتمبر 2021، في محاولة إخوانية للقفز من جديد على المشهد السوداني مستغلة حالة الغضب المجتمعي لدى المجتمع السوداني عقب تطبيق سياسات الإصلاح الاقتصادي لتلبية شروط البنك الدولي، في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها السودان عقب عقود من عدم الانفتاح نتيجة العقوبات إبان نظام البشير الإخواني.
وعكفت الدولة السودانية على تنقية براثن الدولة من القيادات الإخوانية بتشكيل لجنة تفكيك نظام الإخوان والتي أزالت على إثره العديد من الأحزاب والسياسيين، فقامت الجماعة بمحاولة تعميق الأزمة في شرق السودان والوقوف خلفها ودعم أبواقها الإعلامية لحد قيام صحيفتي الانتباهة والصيحة بالدعوة إلى إغلاق الطرق في شرق السودان لعزلها عن موانئها، مما أدى إلى تعليق صدورها وفقًا لقرار المجلس القومي للصحافة والمطبوعات لمدة 3 أيام. وهو ما يضعنا أمام محاولة لفهم اختيار جماعة الإخوان لشرق السودان لتكون شعلة بداية الانقلاب الفاشل، ومحاولة السيطرة على الإذاعات والتليفزيونات المحلية لحث الشعب على الخروج للتأييد في مشهد تقليدي، وكيف استطاعت الحكومة الانتقالية السيطرة على هذه المشاهد؟
محاولة انقلابية باءت بالفشل
أعلنت السلطات السودانية إحباطها محاولة انقلاب وصفتها بالفاشلة من قبل ضباط في سلاح المدرعات فجر الثلاثاء، وأسفرت عن اعتقال 40 ضابطًا وفقًا لمصادر إعلامية، فيما أعلنت وكالة “السودان للأنباء” الرسمية، دون تحديد هويتهم وعددهم ولكنها أشارت إلى أن أعضاء مجلسي السيادة والوزراء دخلوا في اجتماع طارئ، يتوقع أن ينتهي ببيان مشترك، وقامت السلطات السودانية بتأمين العاصمة من خلال غلق طريق يربط الخرطوم وأم درمان على الضفة الغربية لنهر النيل والتي تضم مقري الإذاعة والتلفزيون الرسميين، ونشرت قوات عسكرية مكثفة بالمنطقة وأمام مقر السلاح الطبي.
وخطط الانقلابيون للسيطرة على سلاح المدرعات بالشجرة جنوب الخرطوم، ومنطقة وادي سيدنا العسكرية بشمال أم درمان، وتضمنت محاولة الانقلاب محاولة السيطرة على الإعلام الرسمي وكذلك إذاعة أم درمان، واعتقال أعضاء مجلس السيادة والمجلس العسكري، ولكن كتب عضو مجلس السيادة الانتقالية محمد الفكي سليمان على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك عن فشلهم في السيطرة على مقر الإعلام الرسمي، وحثَ الشعب السوداني على التصدي لها، وأكد أن الحياة عادت لطبيعتها في شوارع الخرطوم.
وقال بيان تلاه وزير الثقافة والإعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة السودانية، حمزة بلول إنه “تم القبض على قادة المحاولة الانقلابية من العسكريين والمدنيين، ويتم التحري معهم حاليًا، بعد أن تمت تصفية آخر جيوب الانقلاب في معسكر الشجرة، وتواصل الأجهزة المختصة ملاحقة فلول النظام البائد المشاركين في المحاولة الفاشلة”؛ فيما أشار الفكي إلى أن الجيش يتفاوض حاليًا مع وحدات عسكرية بسلاح المدرعات تشارك في الانقلاب الفاشل للاستسلام دون مقاومة.
ويذكر أن محاولة الانقلاب الحالية تمت من قبل ضباط في سلاح المدرعات، مستغلين الأحداث الأخيرة التي وقعت في البلاد لا سيما الاضطرابات شرقًا، وأن ٢٠ ضابطًا بقيادة اللواء عبد الباقي بكراوي، سيطروا على سلاح المدرعات التابع للجيش السوداني، قبل أن يتم اعتقالهم، إلا أن المقر لا يزال محاصرًا.
ويعد اللواء عبد الباقي بكراوي هو أحد قادة المدرعات، وسبق له أن نفذ مع عدد من الضباط انقلابات سابقة انتهت بمعاقبتهم وخضوعهم للتحقيقات، وشغل العديد من المناصب في الجيش السوداني في عهد الرئيس المعزول عمر البشير، وكان عضوًا في الحزب الإخواني المؤتمر الوطني، وتخرج في الكلية الحربية السودانية عام 1967 وحصل على درجة ماجستير العلوم العسكرية بكلية القادة والأركان عام 1981، ثم ماجستير العلوم العسكرية من ماليزيا في عام 1983، وزمالة أكاديمية السودان للعلوم الإدارية عام 1987.
خلفية انقلاب السودان والمحاولات السابقة
يُذكر انه قد نشرت وسائل الإعلام أنباء عن مخطط انقلابي ونشرت صحيفة الشرق الأوسط تفاصيل الواقعة وقال المصدر إنهم أبلغوا قيادي بمجلس الوزراء والحرية والتغيير بالمحاولة الانقلابية بتاريخ 12 سبتمبر الجاري؛ فيما أكد بيان للقوات المسلحة السودانية مساء يوم السبت 18 سبتمبر، عدم صحة تلك الأنباء، ووصفت الأخبار حول رصد القوات المسلحة محاولة انقلابية أشارت فيها لضلوع بعض الجهات باستخدام عناصر داخل القوات المسلحة بـ “المفبركة”، وشددت على حرص القوات السودانية على استكمال التغيير وبلوغ ثورة ديسمبر المجيدة لغاياتها.
وتعد هذه المحاولة ليست الأولى من نوعها، ولكن منذ إزاحة الإخوان من المشهد السياسي فكان هناك عدة محاولات للانقلاب على المرحلة الانتقالية في السودان وإفشال ثورة ديسمبر، فقد أحبطت السلطات السودانية محاولة انقلاب يوم 11 يوليو واعتقلت مخططيها في 24 يوليو 2019، وتم اعتقال رئيس الأركان الفريق هاشم عبد المطلب أحمد وعدد من كبار ضباط القوات المسلحة وجهاز الأمن والمخابرات الوطني بجانب قيادات من الحركة الإسلامية وحزب المؤتمر الوطني، الذي كان يقوده الرئيس المخلوع عمر البشير، حيث تضمن المخطط إقصاء قوات الدعم السريع واعتقال مجلس الوزراء وقيادات قوى الحرية والتغيير ولجان المقاومة، وهو الأمر الذي يمكن ربطه بسهولة بقائد الانقلاب الحالي “عبد الباقي بكراوي” وتوجهاته منذ عهد البشير، حيث تم نشر تسجيل صوتي له في 2020، يلوم فيه الوحدات العسكرية التي سمحت لقوات الدعم السريع بقيادة “حميدتي” التقدم وما نتج عن ذلك ما سمي بـ “مذبحة فض الاعتصام” والتي أطلقت فيها اللجنة الأمنية في شرق السودان عصابات الموت “النقرز” تزامنًا مع أحداث مذبحة فض اعتصام القيادة العامة في الخرطوم.
وخضع للتحقيق عام 2020 بتهمة الاساءة لقائد قوات الدعم السريع محمد حميدتي، وفي خضم دفاعاته انتقد تقاعس الجيش متهمًا القادة بأنهم لم يدافعوا عن الشعب، ويعتبر بكراوي من الناقمين على الوضع العام في القوات المسلحة. ونفذ البكراوي مع عدد من الضباط محاولة انقلاب وتصدت له قوات الدعم السريع عقب إعلان وزير الدفاع في حينه عوض بن عوف بيان تنحي البشير، وتمرد حينها سلاح المدرعات بضاحية الشجرة جنوبي الخرطوم عندما رفض بكراوي تسلم مهام قائده اللواء نصر الدين عبد الفتاح بعد اعتقاله، وفي عام 2020 نجا رئيس الوزراء عبد الله حمدوك من محاولة اغتيال استهدفت موكبه أثناء توجهه إلى عمله بالخرطوم.
لجنة التفكيك وتطهير السودان من بقايا النظام البائد
يعاني السودان من تفشي العناصر الإخوانية في براثن الدولة العميقة المكونة على مدار ثلاثين عامًا منذ حكم البشير المعزول، سواء داخل القوات المسلحة السودانية للحد الذي وصفها رئيس الوزراء عبد الله حمدوك “المكون المدني بالمجلس الانتقالي” أن هناك حالة من “التشظي” داخل المؤسسة العسكرية، بينما أثبت اعتقال قادتهم بشكل سريع وإحباط محاولاتهم بأن المجلس العسكري الانتقالي كان على علم بوجودهم وبصدد تصفية تلك العناصر داخل القوات المسلحة، إلى جانب انتشار الحركات المسلحة والتي يسعى اتفاق جوبا الموقع في أكتوبر 2020 إلى إنشاء “قوات مسلحة واحدة” من خلال ضم تلك الحركات للجيش الوطني الموحد للسودان.
وهو ما أكدته مديرة الوكالة الاميركية للتنمية سمانثا باور خلال زيارة أجرتها إلى الخرطوم في أغسطس الماضي أن “الولايات المتحدة تؤكد أن السودان يجب أن يكون لديه جيش واحد وتحت قيادة واحدة”، مضيفة أن الولايات المتحدة “ستدعم جهود المدنيين لإصلاح المنظومة الأمنية ودمج قوات الدعم السريع والمجموعات المسلحة للمعارضين السابقين”.
وشكل السودان لجنة التفكيك لتفكيك نظام الإخوان، وأوضح الرئيس المناوب لها الفكي سليمان خلال الورشة التي نظمها مجلس الوزراء بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة السياسية بالسودان “يونيتامس” ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، بأنها “لا تستهدف جميع عناصر النظام السابق في مؤسسات الدولة، لكنها تستهدف العناصر التي تعمل على إعاقة عملية التحول الديمقراطي، موضحًا أن فترة الانتقال أصبحت مهددة بسبب تزايد نشاط أنصار نظام الرئيس المعزول عمر البشير، داعيا إلى وضع حد لهذه التحركات، وانتقد الاتهامات التي تربط بين لجنة التفكيك ومحاولة نظام البشير تغيير الشكل الحزبي والمؤسسي والمؤسسات الأمنية بشكل يخدم وجود أنصاره فقط في كافة مفاصل الدولة، وبين اللجنة التي تقوم بعملها وفقًا للقانون والدستور والتقارير الرسمية.
وهو ما يضعنا أمام حقيقة مفادها أن خروج الإخوان من المسرح السياسي بشكل شامل ومتكامل؛ مما يهدد تشابكهم داخل مؤسسات الدولة المختلفة بشكل دفعهم إلى محاولات الانقلاب، والتي سبقها عمليات التحريض في شرق السودان لتزايد الاحتجاجات، ودعوات قطع الطرق واستخدام أبواقهم الإعلامية لذلك، وظهور أعضاء من جماعة الحزب الإخواني “المؤتمر الوطني” بين المحتجين، إلى جانب إشعال الأوضاع والحصول على التأييد الشعبي مستغلة الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها الدولة السودانية عقب عقود من وضعها على قائمة الدول الراعية للإرهاب كبدها خسائر اقتصادية وديون كبلت من حركة الانتقال الديمقراطي.
فالاقتصاد السوداني يمر بأزمة عميقة وضعت على إثره الحكومة الانتقالية برنامج إصلاح تحت إشراف صندوق النقد الدولي، وحاول الغرب إظهار تأييده للسلطات الانتقالية، من خلال موافقة نادي باريس للدائنين الرسميين في يوليو على إلغاء 14 مليار دولار من ديون السودان وإعادة هيكلة باقي المبلغ الذي تجاوز 23 مليار دولار المستحق لأعضاء النادي، إلا ان الاقتصاد لا يزال يعاني من التضخم السريع ونقص السلع والخدمات الأساسية.
وهو الأمر الذي دفع الإخوان لإشعال الاضطرابات في شرق السودان واستغلالًا للأحداث الأخيرة التي وقعت في البلاد لمحاولة الانقلاب، والتي جاءت عقب أيام من تلقي التنظيم الإرهابي ضربات موجعة من لجنة التفكيك السودانية التي صادرت أملاك رموز بارزين واقتحمت فساد الأمن الشعبي، الجهاز السري للحركة الإسلامية السياسية، وطردت نحو 1000 من منسوبي الجماعة الإرهابية من مؤسسات الدولة، ظنًا بأنهم سيلاقون تأييدًا شعبيًا في ظل الانشغال الدولي بقضايا أخرى دفعتهم بعيدًا عن إدانة الانقلابات التي حدثت مؤخرًا في كل من مالي وغينيا كوناكري.
لماذا شرق السودان؟
اتخذ الإخوان من شرق السودان شرارة لانطلاق الاحتجاجات ومحاولة الانقلاب على الحكم، وذلك لعدة أسباب ومنها رفض قبائل البجا إحدى مكونات شرق السودان اتفاقية جوبا للسلام الموقعة في أكتوبر 2020 بين الحكومة الانتقالية وعدد من الحركات المسلحة، قامت في الشهر نفسه وبعد التوقيع بالاحتجاج وإغلاق ميناء بورتسودان، وهو ما تكرر الآن قبيل محاولة الانقلاب الحالي، حيث قام أنصار ناظر قبيلة الهدندوة ورئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة بشرق السودان، محمد الأمين ترك، تهديدهم بإغلاق الطريق القومي، في أكثر من 5 نقاط، وذلك بمشاركة أبرز قادة حزب المؤتمر الوطني الإخواني بحسب تقرير صحيفة “العين الإخبارية” وهم يونس عبدالله الذي شغل منصب معتمد محلية بولاية القضارف شرقي السودان، وشارك منسوبو حزب الإخوان، محمد علي عبدالرحمن، مصطفى محمود عبدالله، وفرح عبدالله، وعبدالله طه، وعبدالله سعيد، ومحجوب حسن دكين، وآخرون.
وجرى إغلاق الطريق القومي في ثلاثة نقاط بولاية البحر الأحمر منها محطة “العقبة” المؤدية لموانئ البلاد في بورتسودان وسواكن على البحر الأحمر المرتبط بالحركة البشرية والتجارية من وإلى المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج، وكذلك ميناء بشاير الذي يصدر بترول جنوب السودان إلى أنحاء العالم خصوصا الصين، ومحطة أوسيف على الطريق القاري مع مصر.
وشمل الإغلاق منطقتين في ولاية كسلا وثلاثة مناطق في ولاية القضارف بدأت من الحد الفاصل بين ولايتي القضارف والجزيرة جنوبًا عند منطقة الخياري وحتى محطة “الزيرو” بمجمع سد أعالي عطبرة وستيت، في محاولة لإعاقة الإمدادات الحيوية وحصار العاصمة الخرطوم، إذ يعتمد السودان على الاستيراد عبر ميناء بورتسودان لكافة السلع الحيوية، وذلك لإحداث مخاوف بشأن الأزمات الغذائية، مع التهديد بشموله لمرافق حيوية أخرى إذا لم تستجب الدولة لمطالبهم، والتي تمثلت في إلغاء مسار الشرق في اتفاقية جوبا الموقعة في 3 أكتوبر 2020، بزعم أن الحكومة تماطل في إصدار قرارات واضحة بشأن مسار الشرق واستمرار معاناته من التهميش، إلى جانب حل لجنة تفكيك الإخوان، بجانب حل الحكومة الحالية وتشكيل مجلس عسكري يدير البلاد لفترة انتقالية تعقبها انتخابات.
وعلى الرغم من استمرار الاحتجاجات وقطع الطرق، إلا أن الوضع الأمني الهش في الإقليم قد حال دون السيطرة على الوضع وحفظ الأمن، لا سيما عبر وجود ما يسمى باللجنة الأمنية، وهي إحدى بقايا مراكز قوى الأمن التابعة لنظام الإنقاذ في المنظومة الأمنية لمدن شرق السودان وبصفة خاصة مدينتي بورتسودان وكسلا.
عانى شرق السودان في ظل وجود المجلس الأعلى لنظارات الـ “بجا”، والأجسام القبائلية الموازية له، في ظل نظام البشير لخلق مجتمعات معزولة تفيد في تبني الأيديولوجيات المتطرفة التي تنتهجها جماعة الإخوان وعمقها نظام البشير، وحل مفهوم القبيلة مكان الحزب السياسي وتعميق خطاب الكراهية العنصري ضد مكونات الشرق السوداني ذاته وخاصة في بورتسودان من أجل خلق مجتمع هش يسهل السيطرة عليه.
هذا إلى جانب الموقع الجيوسياسي المميز لإقليم شرق السودان المتاخم لدول “إريتريا ومصر وإثيوبيا”، إلى جانب كونه الإقليم المتحكم في حركة الدولة مع العالم على الصعيد الاقتصادي والتجاري حيث تستورد السودان ٧٠٪ من احتياجاتها، وهو أيضا المؤثر بفاعلية كبيرة على استقرار دولة جنوب السودان من حيث أن العوائد البترولية هي جل مكون الموازنة الجنوب سودانية للحفاظ على استمرار عمل دولاب الدولة.
ويعد هو البوابة الشرقية للسودان على موانئ البحر الأحمر إلى جانب متاخمته للحدود الإثيوبية المتصارعة على منطقة الفشقة السودانية واستقباله لموجات لجوء ونازحين إثر النزاع الداخلي الإثيوبي، هذا إلى جانب تعرضه لموجات لجوء من إريتريا، بدأت في النصف الثاني من الستينيات وظلت مستمرة، مما جعله ملاذًا آمنًا للمطامع والقوى الداخلية والخارجية في محاولات السيطرة على الأرض ذات الأهمية الجيوسياسية في ظل أوضاع هشة تهدد الانتقال الديمقراطي في البلاد، من خلال استغلال الوضع الهش للجماعات المحلية ورفع شعار المظلومية واستغلال قضايا اللاجئين في المنطقة، وقطع الإمداد عن الحكومة الانتقالية في الخرطوم.
وهو ما يضعنا أمام فهم محاولة الانقلاب الفاشلة عقب هزيمة الإخوان والإطاحة بهم بدايةً من رأس الدولة إلى القضاء على مكوناتهم السياسية والعسكرية داخل المجتمع السوداني، والتي جاءت عقب أيام من توجيه لجنة التفكيك لنظام الإخوان ضربات موجعة له، فزادت الجماعة الإخوانية من احتقان الوضع الأمني الهش في شرق السودان والذي لم يتم التحرك لمحاصرته بالرغم من تأثيره على أمن الدولة الشاملة في ظل استمرار عمل اللجنة الأمنية بالشرق، وفي ظل عدم مقدرة الأنظمة القارية كالاتحاد الإفريقي في الوقوف أمام الانقلابات المشابهة في مالي وغينيا كوناكري، وخروج الشعوب لتأييدها، وضع أمام الحركة الإخوانية فرصة أخيرة لمحاولة التقاط الأنفاس من خلال المدخل الأكثر هشاشة والموقع الجيوسياسي الأبرز الذي سيمكنهم من السيطرة سريعًا.
وذلك في ظل محاولات خارجية لزيادة انشغال السودان بفتح جبهات جديدة عقب قيام الدولة السودانية بمحاولة تنفيذ مسار السلام مع الحركات المسلحة وإدخال الحركات التي لم توقع على اتفاق جوبا للسلام مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو، التي عادت وقبلت بمبدأ التفاوض من جديد مع الحكومة الانتقالية، والجماعة المسلحة الثانية التي لم توقع حتى الآن وهى حركة تحرير السودان بقيادة عبدالواحد نور، في محاولة لسد الثغرة الجنوبية على الدولة الإثيوبية في ظل النزاع الحدودي بين الدولتين، ومطالبة السودان بسحب القوات الإثيوبية من قوات حفظ السلام في الجنوب تخوفًا من إحداث ثغرات أمنية جديدة، هذا إلى جانب تزامن الانقلاب بعد أيام من بيان الخارجية السودانية عن تعميق العلاقات الخارجية والدبلوماسية السودانية مع دول المنطقة وقبول الوساطة التركية في اعادة ملف الترسيم الحدودي بين البلدين.
وهو ما يضعنا أمام حقيقة ضرورة الانتهاء من تكوين المؤسسات التشريعية للحكومة الانتقالية لشمول الجبهات المتصارعة، والانتهاء من عملية نزع أسلحة الحركات المسلحة وتكوين جيش وطني موحد وفقًا لاتفاق جوبا للسلام واحتواء المطالب القبلية للسودانيين في الشرق والجنوب، وهو الأمر الذي سيحتاج مساعدات المنظمات الدولية والمانحين الدوليين لتغطية المطالب الاقتصادية للدولة السودانية لاستكمال المسار السلمي والانتقال الديمقراطي للسودان، مع استمرار عمليات التطهير من لجنة تفكيك الإخوان، في ظل أوضاع أمنية هشة في إقليم يخضع للأطماع الداخلية والخارجية.
باحثة بالمرصد المصري