
مصر والعراق.. ترسيخ التعاون ” العربي- العربي”
عادة ما تتسم العلاقات الدولية التعاونية بارتفاع مستوى الزيارات الرسمية بين المسؤولين في الدولة كمؤشر يدلل على عمق هذه العلاقات ووصفها بكونها تعاونية، لذا تتسم العلاقات المصرية العراقية بأنها علاقات تعاونية وراسخة عبر التاريخ وتؤشر لتحقيق التكامل العربي، كنموذج للعلاقات العربية -العربية التعاونية، وقد شهدت الفترة الماضية ارتفاع مستوى الزيارات بين المسؤولين على كافة المستويات وتعددت فيما بينها سواء على صعيد رؤساء الدول أو وزرائها.
تبادل الزيارات
يأتي على رأسها الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي للعراق في إطار “مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة” في 28 أغسطس 2021، وكذلك حضوره قمة بغداد في سياق مشروع “المشرق الجديد” والتي جمعت بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وملك الأردن عبد الله الثاني في 27 يونيو 2021.
على مستوى الوزراء كانت زيارة وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي وكذلك وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين إلى القاهرة لعقد اجتماع آلية التنسيق المشترك بين الدول الثلاث في أكتوبر 2020. بالإضافة إلى انعقاد اللجنة العليا المصرية العراقية في بغداد في الفترة من 28-31 أكتوبر 2020 برئاسة رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي ورئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، وكذلك زيارة وزير الدفاع العراقي إلى مصر في نوفمبر 2020، إضافة إلى زيارة الوفد العراقي إلى مصر برئاسة وزير التخطيط العراقي خالد بتال في ديسمبر 2020.
وآخر هذه الزيارات؛ الزيارة التي قام بها رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسى إلى القاهرة يوم الأربعاء 15 سبتمبر 2021 في لقائه مع الرئيس عبد الفتاح السيسي وكل من رئيس مجلس النواب المصري حنفي الجبالي والسفير أحمد الدليمي سفير جهورية العراق في القاهرة. وشملت الزيارة عدة لقاءات مع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيظ بما يؤكد على الدعم العربي للعراق في خطواته الإصلاحية، من حيث دعم العملية الانتخابية العراقية القادمة.
أيضا لقاء آخر بين رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسى ورئيس البرلمان العربي عادل عبد الرحمن العسومى والذى تضمن الاتفاق على عقد إحدى الجلسات القادمة للبرلمان العربي في العاصمة العراقية بغداد في مقر مجلس النواب العراقي، كرسالة مهمة تؤكد الدعم العربي للعراق، والعمل على تنظيم فعاليات عربية اقتصادية بما يجذب الاستثمارات العربية إلى العراق.
وكذلك لقاء الحلبوسى بشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، وقد تم تبادل الدروع الرمزية حيث أهدى شيخ الأزهر للوفد العراقي درع ذاكرة الأزهر، فيما أهدى رئيس مجلس النواب درع ملوية سامراء ومعالم بغداد الدينية والحضارية، لشيخ الأزهر، ومن المقرر زيارة الشيخ الطيب للعراق في أكتوبر القادم.
تأتى زيارة الحلبوسى في إطار حدث هام سوف تشهده العراق الشهر القادم، وتحديدا في 10 أكتوبر 2021 وهى الانتخابات البرلمانية العراقية. تعول العراق على الاستفادة من الخبرة المصرية في تجربتها التنموية و إرساء مؤسسات الدولة وتحقيق الاستقرار بها، ولمصر خبرة كبيرة في هذا الصدد بعد مراحل الثورات التي مرت بها في 2011 و2013 ، بالإضافة إلى دورها المحوري كقوة إقليمية في المنطقة وثوابت سياساتها التي تؤكد على الحفاظ على الأمن القومي العربي وعدم المساس به، ليس فقط على الصعيد الأمني، لكن من خلال العمل بالتوازي على كافة الأصعدة من حيث التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. وهو ما يتم التأكيد عليه مرارا وتكرارا من قبل الدولة المصرية من حيث الحفاظ على وحدة الدولة الوطنية ورفض التدخل في شؤونها واحترام سيادتها.
لذا تقف الدولة المصرية بجانب العراق في محاولة لاستعادة دوره الرائد عبر التاريخ، كون العراق رقم هام في معادلة الأمن العربي إلا أن التدخلات الخارجية في شؤونه من قبل بعض القوى خلال العقود الماضية أثرت على محورية هذا الدور.
لكن اليوم نشهد تحركات جادة داخلية وخارجية للعراق من قبل قيادتها، ونشهد مشروع للإصلاح طرحه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي تحت مسمى “الورقة البيضاء” في أكتوبر 2020، بالإضافة إلى مشروع “المشرق الجديد” بين الدول الثلاث “مصر والأردن والعراق” والذى تعود فكرته إلى عهد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، وقد تم استكماله من قبل رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدى وفقا لما تم إطلاقه “آلية التعاون الثلاثي” في إطار قمة القاهرة مارس 2019 والقمة المنعقدة على هامش اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك سبتمبر 2019، ثم جاء الكاظمي لتطوير الفكرة لترتقي إلى تحالف تكاملي بين الدول الثلاث.
ويرتكز المشروع في جوهره على التعاون الاقتصادي في مجالات الطاقة والكهرباء حيث يتم في مجال الطاقة مد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق إلى ميناء العقبة في الأردن ثم إلى مصر، ويقوم العراق باستيراد الكهرباء من مصر والأردن، بالإضافة إلى تطوير المناطق الصناعية المشتركة، والتعاون في مجال المشروعات الصغيرة والمتوسطة ودعم الابتكار وريادة الأعمال والتعاون في قطاعات الصحة والبنية التحتية بالإضافة إلى زيادة التبادل التجاري.
تعاون متزايد
تتعدد مجالات التعاون بين مصر والعراق سواء على مستوى التعاون الثنائي أو في إطار التعاون الثلاثي مع الأردن، بما يؤشر على قابلية تحقق تكامل عربي- عربي الفترة القادمة وتتضح المجالات التعاونية فيما يلى:
الإعمار مقابل النفط: قد سبق وتم الاتفاق على توقيع اتفاقية الإعمار مقابل النفط حيث تقوم شركات مصرية بتنفيذ المشروعات التنموية في العراق مقابل النفط الذي تستورده مصر من العراق وذلك وفقا لما تم الاتفاق عليه في إطار اللجنة العليا المصرية العراقية، بالإضافة إلى أن هناك اتفاقا بين الدولتين لتوريد الخام العراقي لمصر بما يقدر بـ 12 مليون برميل لمدة 6 أشهر، حيث تستورد مصر الزيت الخام من حقول البصرة بمتوسط 1.5 مليون برميل شهريا مقابل تصدير الغاز المسال للعراق.
بالإضافة إلى استفادة مصر من خط أنبوب النفط (الممتد من ميناء البصرة جنوب العراق إلى العقبة في الأردن إلى مصر) حيث يتيح لمصر تنويع واردتها من النفط ويقلل من اعتمادها على عقود النفط قصيرة الأجل التي تعرضها للتذبذب في أسعار النفط، حيث سيؤمن النفط الخام لمصر بشكل مستمر، بالإضافة إلى تخفيض فاتورة استيراد النفط حيث ستحصل مصر على النفط العراقي بأقل من ثمنه بـ 16 دولارًا للبرميل.
الإسكان: سيتم نقل الخبرة المصرية لإعادة إعمار العراق، حيث يعاني العراق عجزا في مجال الإسكان يقدر بنحو 3 ملايين وحدة سكنية ومن ثم يمكن الاستفادة من الخبرات المصرية في ظل النجاحات التي حققتها في هذا المجال من حيث المشروعات القومية، والتي تمثلت في العاصمة الإدارية الجديدة والعلمين الجديدة ومدينة الجلالة، وغيرها من المدن والمشروعات الكبرى ومن ثم ستشارك شركات المقاولات المصرية في إعادة إعمار العراق، بالإضافة إلى التطلع إلى الاستثمار العراقي في قطاع العقارات في مصر.
الاستثمار: العمل على تعزيز التعاون بين الهيئة العامة للاستثمار المصرية والهيئة الوطنية للاستثمار بالعراق وتدريب عدد من الكوادر العراقية في مصر من خلال مراكز خدمات المستثمرين.
الصناعة: سيتم فتح السوق العراقية أمام المنتجات المصرية من خلال سعي العراق إلى تنظيم معرض دائم للمنتجات المصرية بالسوق العراقية، وتقديم كافة أشكال الدعم له فهناك عدد من الصناعات التي تمثل فرصة للشركات المصرية بالسوق العراقي منها الجلود والسيراميك والأدوية والحديد والبتروكيماويات.
التعدين: سيتم نقل الخبرات المصرية في مجال التعدين إلى العراق من خلال تدريب عدد من العاملين العراقيين على أنشطة التعدين المختلفة، والتعاون بين هيئة المسح الجيولوجي بالعراق وهيئة الثروة المعدنية في مصر، ونقل الخبرات المصرية في تعديل وإقرار التشريعات والآليات الفاعلة في مجال الاستغلال الأمثل للمعادن والثروات التعدينية.
الكهرباء: سيتم نقل الخبرات المصرية في مجال الكهرباء من حيث تصنيع الكابلات وإنشاء محطات إنتاج الكهرباء، وتصنيع العدادات الحديثة إلى العراق والمساهمة في إعادة إعمار الشبكة العراقية. بالإضافة إلى إمكانية تصدير مصر الكهرباء إلى العراق، حيث حققت مصر فائضا في إنتاج الكهرباء بأكثر من 27 ألف جيجاوات نتيجة لمشروعات إنتاج الكهرباء التي أنجزتها خلال السنوات الماضية.
النقل: تتطلع كل من مصر والعراق إلى التعاون في مجال صناعة النقل الجوي من خلال التعاون في صيانة الطائرات بين شركتي مصر للطيران والخطوط الجوية العراقية، وتقديم الخبرات المصرية لقطاع الطيران المدني العراقي.
الزراعة: سيتم نقل الخبرة المصرية في مجال الزراعة إلى العراق وتدريب الكوادر العراقية بمصر بالإضافة إلى تطلع الدولتين إلى إنشاء لجنة فنية زراعية مصرية عراقية للتنسيق بين الدولتين، بالإضافة إلى التعاون في مجال البحث العلمي الزراعي وتبادل الخبرات في مجال التلقيح الاصطناعي، والتعاون في مجال إنتاج وتصدير التقاوي والمبيدات والأسمدة واللقاحات البيطرية.
التعاون الأمني: التعاون بين مصر والعراق لاسيما في مجال مكافحة الإرهاب من خلال التنسيق المشترك وتبادل الخبرات وبرامج التدريب ورفع القدرات، وتحقيق الاستقرار والتنمية في العراق.
التعليم: تم توقيع برنامج تنفيذي بين الدولتين في مجال التعليم العالي في الفترة من2020-2022 ويتضمن تبادل أعضاء هيئة التدريس في مختلف التخصصات لتقديم المحاضرات وتبادل الخبرات، بالإضافة إلى توفير الوثائق اللازمة للباحثين من الجانبين وتبادل الرسائل العلمية والمناهج الدراسية والدوريات العلمية والمؤلفات المترجمة، بالإضافة إلى تنظيم الفاعليات الثقافية والتعليمية المشتركة من خلال تنظيم مؤتمرات ودورات تدريبية بمشاركة أعضاء هيئة التدريس والعلماء والباحثين المصريين والعراقيين، إضافة إلى نقل الخبرة المصرية إلى العراق في مجال البحث العلمي، بالإضافة إلى التطلع إلى زيادة عدد الدارسين العراقيين في مصر فهناك نحو 22 ألف طالب عراقي في مصر بمرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا.
ختاماً؛
يمكن القول إن العلاقات المصرية- العراقية هي نموذج للعلاقات العربية -العربية التعاونية وتشهد خطوات جادة في إطار العمل العربي المشترك، الأمر الذى يدفعنا إلى رؤية تكامل عربي حقيقي في إطار مشروع المشرق الجديد السنوات القادمة، لن يخلو من التحديات، ويتطلب إرادة حقيقة لمواجهتها، ومساندة عربية وكذلك دولية بما يحقق التنمية والاستقرار في المنطقة.
باحث ببرنامج العلاقات الدولية