إيران

رسالة مهمة من طهران.. ماذا تعني التغييرات الأخيرة في “الخارجية الإيرانية”؟

أعلنت إيران خلال الأسبوع الجاري إجراء تغييرات في مناصب ذات تأثير كبير داخل وزارة الخارجية التي بات يترأّسها الآن أحد أبرز المحافظين في الحكومة الحالية وهو أمير حسين عبد اللهيان.

فقد تولى الدبلوماسي المحافظ “علي باقري كني” منصب نائب وزير الخارجية الإيراني للشئون السياسية ليصبح في الوقت نفسه “المدير التنفيذي” للمفاوضات النووية مع القوى الكبرى؛ فيما عين “مهدي صفري” نائباً لشئون الدبلوماسية الاقتصادية، و”محمد فتح علي” مساعداً للشئون الإدارية والمالية.

وجاءت هذه التغييرات في توقيت حساس فيما يخص مسار المفاوضات النووية الجارية مع الغرب منذ شهر أبريل الماضي في العاصمة النمساوية فيينا، حيث يبدو أن بدء جولتها السابعة بات أكثر صعوبة من إطلاق نظيرتها الأولى، على الرغم مما يوحي به الاتفاقُ الأخير بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية حول معدات المراقبة الموضوعة في منشآت نووية بإيران.

ولكن، بالنظر إلى توجهات هذه الشخصيات الإيرانية الجديدة، سنجد أن تعيينها في تلك المناصب السياسية يحمل رسالة ضمنية تريد إيران إرسالها للخارج، إضافة لما ينطوي عليه من دلالات مستقبلية مهمة .

علي باقري كني .. محافظ من أشد منتقدي الاتفاق النووي

لعل أبرز الشخصيات الإيرانية الجديدة التي تم تعيينها في وزارة الخارجية مؤخراً في طهران هو الدبلوماسي المحافظ والنائب السابق لرئيس السلطة القضائية الإيرانية للشئون الدولية “علي باقري كني”، الذي وبموجب صلاحياته سوف يقود المفاوضات النووية لبلاده خلال الفترة المقبلة خلفاً لعباس عراقجي.

ينتسب “كني” إلى قرية في طهران يُطلق عليها “كن”، ومن هنا جاءت تسمية عائلته. ويُعد علي باقري، 53 عاماً، شخصية مقربة بامتياز من الرئيس الإيراني الحالي، إبراهيم رئيسي، والمرشد الأعلى، علي خامنئي. ففي عام 2019 تم تعيينه نائباً لـ”رئيسي” حينما كان الأخير رئيساً للقضاء، إلى جانب شغله منصب سكرتير مركز حقوق الإنسان بالسلطة القضائية في ذلك الوقت.

أما صلته بالمرشد الأعلى، فتجئ لكونه شقيق “مصباح الهدى كني” زوج “هدى” ابنة علي خامنئي. وكني هو نجل رجل الدين الإيراني البارز والعضو السابق في مجلس خبراء القيادة محمد باقر باقري كني، وابن عم محمد رضا مهدوي كني الرئيس الثالث لمجلس خبراء القيادة في إيران، ما يشير إلى أنه ينحدر من عائلة سياسية محافظة بالأساس.

وكان من بين أولى المسئوليات التي تولاها كني بعد انتقاله للعمل بالخارجية الإيرانية منتصف تسعينيات القرن الماضي اختصاصه بملفات الدول العربية في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وخاصة لبنان وفلسطين.

ولعلي باقري تاريخٌ كبير في معارضة الاتفاق النووي منذ أن كان مساعد السياسة الخارجية والأمن الدولي وأحد المفاوضين خلال فترة ترأس السياسي المحافظ والأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني سعيد جليلي للمفاوضات النووية (2007-2013). ومنذ 8 سنوات، دأب كني على معارضة وانتقاد المفاوضات النووية ومن ثم الاتفاق المبرم عام 2015 والمعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة.

وكان من بين أبرز الانتقادات التي وجهها كني للعملية التفاوضية ما أطلق عليها “التنازلات” الإيرانية في هذه المحادثات، حيث عارض تقديم طهران تنازلاتٍ واسعة. والجدير بالذكر أيضاً أن كني كان مفاوضاً بارزاً خلال المحادثات بين طهران والغرب خلال فترة الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد (2007-2013) والتي انتهت بالفشل. وحينما كان سعيد جليلي أميناً للمجلس الأعلى للأمن القومي خلال الفترة الزمنية الأخيرة المُشار إليها آنفاً، عمل كني مساعداً له وأطلق حينذاك انتقادات حادة بشأن طريقة ومضمون العملية التفاوضية الإيرانية.

ولا يعارض علي كني بشكل عام ؛ زاوية أو ركناً من أركان الاتفاق النووي، ولكنه ينتقد عملية التفاوض بالأساس، بل إن كني قد ذكر في أکتوبر من العام الماضي أن إيران غير قادرة على “التفاعل” مع الغرب في المجال السياسي. ويوضح هذا الأخيرُ بشكل أعمق الرؤية الشخصية للرجل فيما يتعلق بعملية التفاوض برمتها. وتكفي الإشارة إلى أن كني أعلن بشكل قاطع رفضه لـ “فرض قيود” على البرنامج النووي الإيراني في إطار محادثات فيينا وما أسماه أيضاً بسماح الرئيس السابق حسن روحاني لـ “الأجانب” بتفقد المنشآت النووية.

نماذج محافظة أخرى جديدة في الخارجية الإيرانية

توصَف الشخصيتان الأخريين المعلن عن تعيينهما حديثاً في الخارجية الإيرانية، “مهدي صفري” و”محمد فتح علي”، بأنهما محافظان أيضاً. وكان صفري، الذي جاء خلفاً لـ سيد رسول مهاجر، سفيراً لإيران في النمسا والصين وروسيا خلال الفترة من (1991-2014). وعمل قبل ذلك نائباً لمحافظ بوشهر.

ولكن اللافت في السيرة الذاتية لصفري أنه كان مسئولاً في وقت سابق عن ملفي أوروبا وأمريكا في وزارة الخارجية الإيرانية، ما يعني أن تعيينه لم يكن صدفة في ظل انتظار، طال أم قصر، لجولة جديدة من المحادثات النووية. وكان صفري كذلك من بين المفاوضين النوويين خلال عهد سعيد جليلي.

أما فتح علي، الذي تم تنصيبه مساعداً للشئون الإدارية والمالية في الوزارة ليحل محل علي ابو الحسني، فقد عمل سفيراً لبلاده في أوزبكستان ولبنان، وتولى مسئولية قسم الشئون الإستراتيجية والمساعد الخاص لعدد من وزراء الخارجية الإيرانيين فيما يختص بهذا المجال. و فتح علي محسوب على المحافظين كسابقيه كني وصفري، كما يملك خبرة ليست بالقليلة عند الحديث الساحة اللبنانية.
ومن المرجح أن يتم الإعلان في طهران خلال الأيام المقبلة عن تغييرات أخرى داخل هيكل وزارة الخارجية الإيرانية وعلى وجه الخصوص سفاراتها في الخارج.

بتعيين محافظين جدد في الخارجية، ما مضمون رسالة إيران إلى دول التفاوض النووي؟

بتعيين الدبلوماسيين الثلاثة المُشار إليهم، يصبح مستقبل المفاوضات النووية الإيرانية أكثر غموضاً. إذ أن كني، لكونه الأبرز والأكثر تأثيراً في التعييات الأخيرة والرئيس المستقبلي لفريق التفاوض، يرفض بشدة منح بلاده “تنازلات” للدول الغربية في المفاوضات النووية، بل يمكن القول إن لديه رؤية لا تحبذ التفاوض نفسه مع الغرب.

وإذا ما نظرنا بوجه عام إلى الشخصيات الرئيسية المسئولة في المستقبل القريب عن استئناف عملية التفاوض النووية وإطلاق الجولة السابعة من هذه المحادثات بعد توقف السادسة في شهر يونيو الماضي، بدءً من إبراهيم رئيسي مروراً بـ أمير حسين عبد اللهيان إلى علي باقري كني، سنجد أن جميعها تنتمي للعناصر المحافظة داخل إيران، والتي تتمحور سياستُها النووية في التفاوض حول منح أقل التنازلات أمام الفوز بأكبر المكاسب، وإن لم يحدث هذا فالخيار الثاني لديهم سيكون رفض التفاوض ذاته.

إن اختيار هذه الشخصيات الإيرانية لم يأت من فراغ، إذ أن طهران تعلم أن تصدّر شخصيات محافظة لمشهد المفاوضات النووية سوف يكون عاملاً مساعداً في تحقيق رؤيتها لـ “كيف يجب أن تسير المفاوضات؟” من وجهة نظرها. ولذا، فإن هؤلاء المحافظين الجدد في الخارجية الإيرانية سوف يساعدون في تحقيق إيران لما يلي:

  • رفض منح تنازلات “نووية” كبيرة للغرب.
  • رفض طرح الملف الصاروخي والإقليمي على طاولة المفاوضات.
  • إنجاز معادلة: حجم مكاسب (اقتصادية) أكبر أمام عدد قليل من التنازلات، ولن يحقق لها التوازنَ في هذه المعادلة سوى شخصيات يعرف عنها الغرب أنها محافظة.


وعليه، فإن الرسالة التي تريد طهران توجيهها إلى الخارج من خلال هذه التعيينات الأخيرة هي أنها “مصممة على رفع العقوبات وعدم طرح الملف الصاروخي والإقليمي للتفاوض، وإزاء ذلك سيكون هناك استعداد للتخلي عن (أو تقييد) الأنشطة النووية بموجب اتفاق جديد”.

ومن جانب آخر، تؤكد هذه التنقلات الأخيرة في وزارة الخارجية الإيرانية أن جولات المفاوضات النووية المقبلة سوف تستغرق زمناً أطول، ولن تكون يسيرة؛ خاصة في ظل إصرار متبادل من الأطراف المنخرطة فيها على تحقيق رؤيتها وبرنامجها الخاص، فإيران تصر على رفع العقوبات مقابل “التزام” أمريكي ببنود الاتفاق، والولايات المتحدة تؤكد على ضرورة امتثال إيران الكامل لبنود الاتفاق النووي والانفتاح على طرح الملف الصاروخي والإقليمي للنقاش. ولذا، فبعد سيطرة المحافظين في إيران على زمام الخارجية وفي ظل ذلك الإصرار، ستدخل هذه الأطراف في محادثات شاقة ومضنية من أجل ترسيم اتفاق جديد يحقق لكل طرف مآربه.

علي عاطف

باحث بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى