
“ذي إيكونوميست” البريطانية: أين هي المحطة المقبلة للجهاد العالمي؟
عرض – محمد هيكل
اعتبرت مجلة “ذي إيكونوميست” البريطانية الأسبوعية أن انتصار حركة “طالبان” وسيطرتها على أفغانستان ” مثل إلهاماً ” للجماعات الإسلامية المتشددة حول العالم.
وذكرت المجلة البريطانية – في تقرير تحت عنوان ” أين هي المحطة القادمة للجهاد العالمي ” – أن مظاهر الفرحة عمت في بعض المناطق من العالم مع سيطرت “طالبان على أفغانستان ففي اليمن أطلقت الألعاب النارية احتفالا بنصر طالبان ، بينما وزعت “الحلوى” في الصومال على المواطنين فرحاً بنصر طالبان ؛الذي كان نموذجاً استرشادياً في سوريا لــ” القدرة على إسقاط نظام مجرم” من خلال الجهاد.
ورأى التقرير أن “الجهاديين” ؛ في جميع أنحاء العالم؛ معجبون بسقوط “كابول ” من خلال قوة الإرادة والصبر والمكر من قبل مجموعة من المقاتلين ” شديدي التدين ” بميزانية منخفضة ، تمكنوا من هزيمة الولايات المتحدة وتولي مسؤولية بلد متوسط الحجم ، ويعد ذلك إشارة للمسلمين الراغبين في الإطاحة بالنظم العلمانية في دولهم على أن ” الله” يدعمهم في رغبتهم.
أضاف التقرير أنه سيتوجب على الرئيس الأمريكي جو بايدن ” تنظيف الفوضى” التي خلفها الانسحاب الأمريكي بالأخص في مطار كابول حيث يرغب الجميع بالفرار ، لافتا إلى أن الانسحاب الأمريكي وسيطرة طالبان و المشهد الحالي في مطار كابول خلق لحظة من التشكيك في رئاسة بايدن.
وأوضحت المجلة البريطانية أنه على المدى الطويل سيتوجب على العالم التعامل مع دفعة جديدة من موجات الجهاد الناجمة من الإذلال الأمريكي ، لكن الخطر الأكبر لن يكون استخدام الإرهابيين لأفغانستان كقاعدة لهم لضرب الغرب ، كما حدث في هجمات 11 سبتمبر وذلك لأن المنظومة الأمنية في الدول الغنية تطورت إلى جانب ذلك من غير المرجح أن تسمح طالبان بإنشاء معسكرات تدريب كبيرة الإرهابيين العالميين بفضل سعيهم للحصول على الاعتراف الدولي والمساعدات.
وذكر التقرير أنه على الرغم من تتوقهم للاعتراف الدولي إلا أن البعض في أفغانستان يشعر بوجود واجب لاحتواء وضيافة المجاهدين السنة الأجانب ، والبعض يرى ضرورة مساعدة الجماعات الشقيقة في باكستان مما يجعل الدولة النووية أقل استقرارا.
ولفت التقرير إلى أن التأثير الأوضح والأقوى ؛ بعيداً عن أفغانستان ؛ سيكون هو التأثير النفسي ، فانتصار طالبان سيمثل ” دفعة للجهاديين ” في دول أخرى حول العالم، كما سيحفز الانضمام لجماعات المجاهدين في دول عدة.
وتتوقع المجلة البريطانية أن نصر طالبان سيمثل إلهاماً لعدد من الجهاديين الذين يعيشون في الدول الغنية لتنفيذ أعمال إرهابية فيها لأن الأمر لا يتطلب العديد من الهجمات الإرهابية لزرع الخوف وتعكير الأجواء السياسية الداخلية في هذه الدول تحديداً.
أما الأسوأ من ذلك هو تأثير انتصار طالبان على الجهاديين في الدول الفقيرة حيث أنهم في هذه الدول لا يسعون للقتال فحسب بل للسيطرة على الأرض أو على أقل تقدير منع الحكومة من القيام بذلك.
ففي أماكن كثيرة كسوريا ،اليمن ، باكستان ، نيجيريا ، مالي ،الصومال وموزمبيق وفي عدة أجزاء أخرى من أسيا وإفريقيا والشرق الأوسط ، يدور تساؤل لدى الجهاديين مفاده ” إذا ما كان إخواننا الأفغان يستطيعون التغلب على قوة عظمى ، فبالتأكيد يمكننا التغلب على حكامنا البائسين”.
ويشير تقرير الإيكونوميست إلى أن الجهاديين ليسوا جميعاً متشابهين حيث يختلفون فيما بينهم حول العقيدة المتبعة ، كما يكنون كراهية لبعضهم البعض ، فلطالما سخر تنظيم الدولة الإسلامية ” داعش” من طالبان باعتبارها ” عميلا أمريكيا ” ، كما كان إخراج زعيم الدولة الإسلامية فرع جنوب أسيا من السجن وقتله أحد أول الأمور التي قامت به طالبان الأسبوع الماضي.
ويضيف التقرير أن أي نجاح للجهادين حول العالم ينشر مشاعر الفخر لدى أقرانهم ويحثهم على العمل أكثر ، كما أن الحكومات السيئة تغذي الانفتاح على الجهادية ، ففي الدول الغير عادلة قد يظن مواطنوها أن حكم الجهاديين سيكون افضل من الإدارة الحالية ، وحتى وإن لم يقوموا بحمل السلاح فهم سيدعمون بهدوء المجاهدين الذين سيفعلون ذلك ، فمثلاً العديد من الأفغان الريفيين يرون أن عدالة طالبان على الرغم من قسوتها إلا أنها أسرع وأقل فساداً من المحاكم الحكومية ، كما أن نقاط تفتيش طالبان أقل فساداً ومضايقة للمواطنين الأفغان من نقاط التفتيش الحكومية ، فغياب العدالة والفساد كان أحد الأسباب الرئيسية في عدم وجود مقاومة لطالبان.
السبب الثاني لذلك كان نفسياً حيث لم يرغب الأفغان في أن يموتوا هباء في سبيل قضية خاسرة لا محالة.
وترى الــ ” إيكونوميست” أن ما جرى في أفغانستان مشابها للوضع في نيجيريا حيث يصعب هناك هزيمة الجماعات الجهادية بسبب سخط المواطنين من الحكومة المركزية ،والفساد في الجيش الذي يبيع أسلحته للعصابات ويسعى قادته للمكاسب المادية.
أما عن سيطرة الجاهدين على السلطة ؛ تقول المجلة أن المجاهدين دائماً ما يواجهون صعوبة بسبب سعيهم لتطبيق أيدولوجيتهم كمنهجية للحكم ، فرغبتهم في خلق مجتمع تقي تماماً و عدم التسامح مع من ينحرف عن المثل الأعلى جعل الوصول لحل وسط صعب للغاية.
فعلى الرغم من حكم الدولة الإسلامية على أجزاء واسعة من العراق وسوريا إلا أن عاداتها العنيفة كإغراق الناس في أقفاص أدى لنفور السنة المتعاطفين معهم في بداية الأمر ، وعدم قدرتهم على إيجاد حلول اقتصادية بخلاف عمليات الخطف والنهب أخاف المواطنين والقوى الخارجية كما العراقيين الشيعة مما دفعهم للتوحد لهزيمة ” داعش”
كذلك كان حكم طالبان مروعاً عندما كانت تملك السلطة في أفغانستان سابقاً .
ومن وجهة نظر المجلة ؛ سيعتمد مستقبل طالبان السياسي على ما إذا كانوا تعلموا من أخطائهم السابقة ، فإذا ما تمكن مجموعة من الجهاديين من السيطرة على البلاد وإدارتها بشكل ناجع سيمثل ذلك نموذجا للجهاديين في كل مكان.
ووفقاً للمجلة ؛ يبدو أن قادة طالبان يعون الدرس حيث وعدوا باحترام حقوق الإنسان وأنهم سيكونون برغماتيون فيما يتعلق بالحكم وعلى الرغم من وعودهم إلا أن جنود طالبان قاموا بفظائع على الأرض بالفعل وفقاً للمجلة.
وتضيف ” الإيكونوميست” أن أحد الدروس المستفادة من الفوضى في أفغانستان هو أن سقوط وفشل دولة حتى وإن كانت بعيدة لن يؤثر فقط على حياة مواطنيها بل على باقي دول العالم.
فكارثة كابول أن جاز تسميتها بهذا الاسم تعني موجات هجرة أكبر وهجمات إرهابية أكثر كما صعود للتيارات الإسلامية المتشددة في بعض الدول.
درس أخر يمكن أن يستنتج من أفغانستان هو أن النهج العسكري وحده لا يفعل الكثير للتقليل من فرص وتواجد الجهادين على الأرض.
وترى المجلة أن الحل على المدى الطويل يكمن في إنشاء دولة أقل فساداً وأقل عنصرية فربما إذا كانت حكومة أفغانستان السابقة أقل فساداً وأكثر مرونة كانت لتستطيع مقاومة سيطرة طالبان ، نفس الأمر بنسبة لشمال موزامبيق وجنوب تايلند وكشمير ، فإذا ما كان الحكم رشيداً لن تكون هذه الدول ملاذاً للجهادين.
لكن ترى المجلة أن التحسن في الحكم ليس بالأمر السهل خاصة في عدد من البلاد التي تعارض الفكر الجهادي والتي تعاني بسبب الجفاف والتغيرات المناخية، فالجفاف المتكرر يزيد من السخط الشعبي كما يشكل مدخلاً لمزيد من النزاعات ، فإذا لم تتمكن الحكومات من توفير الخدمات والحاجات الأساسية لمواطنيها ستظل النغمة الجهادية مغرية للبعض.
وفقاً لما نشرته مجلة الــ”إيكونوميست” البريطانية.
باحث ببرنامج السياسات العامة