
هل ينشط تنظيم القاعدة مجددًا في أفغانستان؟
كان متوقعا منذ اتفاق فبراير 2020 بين الولايات المتحدة الأمريكية وحركة طالبان بأن تكون أفغانستان ملاذًا أمنًا للإرهابيين وخاصة لعناصر تنظيم القاعدة، وأصبح هذا الواقع الآن بعد أن أطاحت حركة طالبان بحكومة مدنية وسيطرت على مفاصل الدولة بالقوة في منتصف أغسطس الجاري ووصولها لسُدة الحكم، وقامت الحركة بإطلاق سراح ما بين 5000: 7000 سجين من أخطر أسرى الإرهاب في أفغانستان بعدما استولت على القاعدة الأمريكية السابقة “باغرام” والتي تحتوي وحدها على ما يقدر بـ 5000 من مقاتلي طالبان والقاعدة وداعش الذين تم أسرهم في ساحة المعركة، كما أفرجت طالبان عن المزيد من السجناء من سجن “بول شارخي” في كابول بعد الاستيلاء عليه والذي يضم العديد من الإرهابيين من تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية
“اتفاق الدوحة” وتأثيره على علاقة حركة طالبان بالقاعدة
لم تف حركة طالبان بوعدها الذي قطعته في الاتفاق الذي تم في الدوحة في فبراير 2020 مع إدارة ترامب بنأيها عن تنظيم القاعدة ومنع أي جماعة إرهابية من شن هجمات من الأراضي الأفغانية، وجاء انتصار الحركة الأخير ليعزز تحركات داخل الحركة الإرهابية وقد يؤدي مرة أخرى إلى تحفيز حركة المقاتلين الأجانب إلى أفغانستان.
وإذا تحدثنا عن علاقة طالبان بالقاعدة؛ فنجدها ممتدة منذ أن رفضت طالبان رفضًا قاطعًا الضغط الأمريكي والسعودي بتسليم أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة السابق، ومنذ ذلك الحين إلى الآن، أصبحت طالبان تقدر مهارات القاعدة القتالية وإسهاماتها في قضية المسلحين الأفغان.
ومن يتابع علاقة القاعدة بحركة طالبان يجد أن القاعدة تحتفظ بنفوذها العالمي تحت حماية طالبان ودليل ذلك أن طالبان قد قامت في العقد الماضي بترقية سراج حقاني، وهو متمرد تابع للقاعدة ويرأس شبكة حقاني، ليصبح قائد العمليات العسكرية لطالبان عام 2015.
وأشار تقرير للأمم المتحدة إلى أن “جزءًا كبيرًا” من قيادة القاعدة لا يزال يُعتقد أنه موجود في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان. ويضيف أن العلاقات بين طالبان والقاعدة “نمت بشكل أعمق نتيجة للروابط الشخصية للزواج والشراكة المشتركة في النضال، والتي تعززت الآن من خلال العلاقات بين الجيل الثاني”، وقدر تقرير الأمم المتحدة عام 2020 أن هناك “ما بين 400 و 600 عنصر مسلح” للقاعدة في أفغانستان.
كما ذكر تقرير صادر عن للأمم المتحدة في فبراير 2021 أن “مقتل العديد من قادة القاعدة في الأراضي الخاضعة لسيطرة طالبان يؤكد مدى قرب الجماعتين”. وتحدث التقرير عن مقتل الرؤوف ومقتل نائب زعيم تنظيم القاعدة في شبه القارة الهندية محمد حنيف في 10 نوفمبر 2020 في ولاية فرح بأفغانستان. وأشار التقرير إلى أن محمد حنيف “كان يقدم تدريبات على صنع القنابل لمتمردي طالبان”؛ فكلاهما على ما يبدو قد منحتهما طالبان المأوى والحماية، واختتم التقرير بأن هناك “أدلة أخرى على علاقات وثيقة بين الجماعات”، مستشهدٍ بطلب طالبان إدراج زوجة أحد كبار الشخصيات في القاعدة الذي قُتل في مداهمة عام 2019 في صفقة تبادل الأسرى لعام 2020 مع الحكومة الأفغانية.
وذكر تقرير للمفتش العام الأمريكي إلى الكونجرس، صدر الأسبوع الماضي، أنه بالنسبة للفترة التي تبدأ في أبريل 2021 وتنتهي في نهاية يونيو، وجدت وكالة استخبارات الدفاع أن القاعدة قدمت تدريبات عسكرية رمزية ودعم لطالبان دون ادعاء المسؤولية المباشرة عن الهجمات، وواصلت طالبان توفير ملاذ آمن لمقاتلي القاعدة على الرغم من نفيها العلني لوجود الجماعة الإرهابية في أفغانستان”.
ويشير أحدث تقرير صادر عن فريق المراقبة التابع للأمم المتحدة الصادر في 21 يوليو 2021 إلى نمو تنظيم القاعدة دون عوائق في إفريقيا، وترسخها في سوريا، ووجودها في خمسة عشر مقاطعة أفغانية على الأقل، فضلاً عن علاقاتها الوثيقة المستمرة مع طالبان.
تصريحات أمريكية متضاربة حول القاعدة في أفغانستان
في حين دافع الرئيس الأمريكي جو بايدن مرة أخرى عن قراره بالمضي قدمًا في انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان خلال كلمة ألقاها بالبيت الأبيض في واشنطن يوم الجمعة الماضي عن الوضع الجاري في أفغانستان، أكد بايدن على رحيل تنظيم القاعدة من أفغانستان؛ حيث قال نصًا: “ذهبنا إلى أفغانستان لغرض واضح هو التخلص من القاعدة وكذلك التخلص من أسامة بن لادن، وقد فعلنا ذلك”.
نجد أن البنتاجون ناقض بيان بايدن بعد ساعات من القائه، وأقر السكرتير الصحفي للبنتاجون “جون كيربي” بأن القاعدة لها وجود مثل تنظيم داعش في أفغانستان”. وأكد كيربي إن وجود القاعدة ليس كبيرًا بما يكفي ليكون بمثابة تهديد للولايات المتحدة كما كان عليه الحال قبل 20 عامًا. مضيفًا أنهم ليس لديهم رقم دقيق لعدد إرهابيي القاعدة وأن قدرتهم على جمع المعلومات الاستخباراتية في أفغانستان لم تكن كما كانت عليه من قبل.
كما انتقد زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ “ميتش ماكونيل” إدارة بايدن في بيان يوم الأحد، قائلاً إن “الخروج الفاشل من أفغانستان بما في ذلك الإجلاء المحموم للأمريكيين والأفغان المستضعفين من كابول هو فشل مخجل للقيادة الأمريكية”، “وقال إن الجماعات الإرهابية مثل القاعدة – التي كانت مسؤولة عن هجمات 11 سبتمبر وأعطتها طالبان ملاذًا آمنًا في أفغانستان – قد تعيد تشكيلها الآن في أفغانستان في وقت أبكر من العامين اللذين قدرهما مسؤولو الدفاع في السابق.
وفي رسالة إلى مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض “جيك سوليفا” من عضو تصنيف الأمن الداخلي في مجلس النواب “جون كاتكو” جمهوري من نيويورك، وعضو تصنيف الأمن الداخلي بمجلس النواب “مايكل ماكول” جمهوري من تكساس، و “مايك روجرز” عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب طالبوا فيها برد بشأن إطلاق سراح آلاف السجناء، بما في ذلك من سجن بول شارخي في كابول؛ حيث كان من بين السجناء الذين ورد أنهم احتُجزوا في مرافق الاحتجاز هذه الآلاف من مقاتلي طالبان، وكبار عناصر القاعدة، وأعضاء تنظيم داعش في أفغانستان، ومعتقلين سابقين في معتقل جوانتانامو – وجميعهم يشكلون قلقًا خطيرًا على أمن الولايات المتحدة.
في المجمل، وعلى الرغم من أنه لا يمكن التنبؤ بمسار الأحداث في أفغانستان بأي قدر من اليقين، إلا أن الأيام القادمة هي التي سوف ترجح ثِقل تنظيم القاعدة وهناك “سيناريوهان” هما :
- قيام القاعدة بإعادة تشكيل نفسها داخل أفغانستان وتعود بقوة ما قبل 11 سبتمبر: وفقًا لمجموعة Site Intelligence Group””، وهي شركة رائدة في تعقب النشاط المتطرف في جميع أنحاء العالم، فإن استيلاء طالبان على السلطة هو أكبر دفعة لتنظيم القاعدة منذ 11 سبتمبر، ومُبدِّل عالمي للعبة الجهادية بشكل عام. فهناك “اعترافًا عالميًا” بأن القاعدة يمكنها الآن “إعادة الاستثمار” في أفغانستان كملاذ آمن. وأيضًا إقرار الجنرال “مارك ميلي” رئيس هيئة الأركان المشتركة، أن “الخطر سيزداد بشكل واضح” إذا انهارت الحكومة الأفغانية أو تم حل قوات الأمن الأفغانية وكلا هذين الأمرين قد حدث الآن.
- استمرار القاعدة في مرحلة كمون وأخذ فترة من الوقت لاستجماع القوى: ويذهب أصحاب هذا الاعتقاد إلى أن البنية التحتية لمكافحة الإرهاب التي تم بناؤها منذ الحادي عشر من سبتمبر ستمنح الولايات المتحدة خيارات أكثر قوة مما كانت لديهم من قبل، فوفقًا لإقرار وزير الدفاع “لويد أوستن” أمام الكونجرس بأن “الأمر قد يستغرق عامين” حتى تتجدد الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش في أفغانستان وتشكل تهديدًا للوطن الأمريكي أو حلفاء الولايات المتحدة. ووفقًا أيضًا للتكهنات القائلة باحتمالية عودة أعضاء تنظيم القاعدة الذين انتقلوا من أفغانستان إلى سوريا خلال العقد الماضي للمساعدة في الفروع المحلية للتنظيم مثل جبهة النصرة، ولاحقًا حراس الدين بعد أن قررت هيئة تحرير الشام التابعة لها في السابق أن تصبح سلطة محلية مستقلة، وقامت هيئة تحرير الشام بنزع مخالب حراس الدين في يونيو 2020، لذلك يتوقع أن عناصر حراس الدين الذين لديهم روابط تاريخية بشبكة القاعدة في أفغانستان يسعون للعودة إلى هناك.