
هل نموذج أفغانستان ينتظر الدول الأفريقية؟
انطلاقًا من النقد الموجه للتناقض الأفريقي ما بين الدعوة لتنفيذ مبدأ “حلول إفريقية للمشكلات الإفريقية” مع استمرار التمسك والاستجداء بالتدخلات الخارجية، التي يعلم الجميع أن التدخل الدولي في كافة صوره قائم على تحالفات مع نخب فاسدة لاستغلال موارد البلاد لسنوات عديدة دون تجفيف منابع الإرهاب، أو وأد عوامل الصراع والتمرد المحليّ.
وفي سبيل تعظيم الأدوار الإفريقية للاضطلاع بدورها، انطلقت مبادرات إفريقية، أهمها مبادرة “إسكات البنادق 2020″، التي تبناها الاتحاد الإفريقي؛ ومع ذلك أثبتت الوقائع على الأرض أن عام 2020 لم يكن نهاية للصراعات وعدم الاستقرار الذي تعاني منه القارة. بل أصبح عدم الاستقرار عوامل جذب لحركات الإرهاب، لإعادة التموضع في ذلك السياق الخصب لإعلان ولاية الصحراء الكبرى، بعدما هزمت داعش في سوريا والعراق.
وبذلك أصبحت ظاهرة الإرهاب في إفريقيا مركبة ومعقدة، بدلًا من التمرد القائم على المظالم المحلية أصبحت الحركات متداخلة ومختلطة، بعدما بايعت بعض الحركات المتمردة المحلية لداعش، بما ألقى بضغوط شديدة أمام التدخلات الدولية لمكافحة الإرهاب.
ولم يفلح تحالف الساحل G5 المكون من خمس دول إفريقية في دحر الإرهاب بجانب الوجود الفرنسي وكذلك بعثة حفظ السلام في شمال مالي. ومؤخرًا أعلنت جماعة السادك التدخل في موزمبيق في شرق القارة، لوقف التمرد في شمال البلاد، بما يؤكد أهمية المقاربات الإقليمية، لكن يجب دعمها دوليًا، ويجب استمرار مطالبة الدول الإفريقية والاتحاد الإفريقي بالدعم الدولي لمواجهة الإرهاب.
ومع استمرار عوامل عدم الاستقرار في التنامي، يجب على الدول الإقليمية المعنية، بالدفع في اتجاه تحجيم عوامل عدم الاستقرار. وفي هذا السياق، يتعين على مصر متابعة مقترح “تشكيل قوية إفريقية مشتركة لمكافحة الإرهاب في الساحل”، خاصة مع تنفيذ فرنسا لقرارها بتخفيض الانخراط. إضافة إلى عوامل عدم الاستقرار القادمة من شرق إفريقيا والقرن الإفريقي والبحر الأحمر، التي حتمًا ستلقي بظلالها على الدولة المصرية.
أثار صعود طالبان كنموذج لحركة محلية متمردة، أيًا كانت الخلفية والأيديولوجية التي تنطلق من خلالها، في التعبير عن المظالم وتصدير النموذج، الذعر حول العالم، من تكرار ذلك النموذج، أو تشجّع حركات التمرد والحركات الإسلامية، من محاكاة النموذج الطالباني في بلدان تكافح الصراع والإرهاب وعدم الاستقرار بالفعل.
وتنامى هذا الخوف بالفعل في القارة الإفريقية التي تشهد حركات متمردة وإرهاب متصاعد؛ وبات التقرب والحذر هو سيد المشهد؛ خاصة مع إعلان الولايات المتحدة في وقت سابق تخفيض وجودها العسكري في إفريقيا، وكذلك إعلان فرنسا مؤخرًا عن تخفيض التزامها في منطقة الساحل بحلول 2022. ومن ثمّ، يوفر هذا الانسحاب فرصة سانحة للحركات المتمردة لمحاكاة النموذج الطالباني.
لكن ما يمكن أن يعيد البوصله إلى وجهتها هو حقيقة الأوضاع على الأرض بالفعل، والتي تفرض على الشركاء الدوليين والإقليميين استمرار الالتزام تجاه الدول الإفريقية. وهو ما بدا مؤخرًا في خطاب الرئيس الأمريكي جو بايدن في تصريح له أعقاب قرار الانسحاب من أفغانستان؛ إذ أشار إلى سوريا وأفريقيا باعتبارها مصادر التهديد القادم للولايات المتحدة. وهو الأمر الذي يفسر استمرار الولايات المتحدة في الصومال رغم عزمها على تخفيض الانخراط المباشر، وإعادة مراجعة البنتاجون لذلك القرار، والأمر نفسه ينصرف على الساحل، الذي لا تزال الأوضاع تفرض على الشركاء استمرار الالتزام ودعم الدول الإفريقية.
دوافع الخوف
بات السيناريو الأفغاني مرعبًا بالنسبة للدول الإفريقية، التي تكافح حركات التمرد والإرهاب لأكثر من عقد من الزمان. ويزداد هذا الخوف مع وجود عوامل حاكمة في هذا السياق:
- انتشار حركات التمرد:
يعاني الساحل والصحراء من انتشار الإرهاب وتداخله مع حركات التمرد في الإقليم الذي يعاني على مدار عقد من الزمان. وتنتشر الجماعات الإرهابية في كلٍ من شرق وغرب القارة، وكذلك منطقة الساحل وأجزاء من جنوب إفريقيا. وهي الحركات التي لها صلات بطالبان أفغانستان، وفقًا لتقديرات سابقة للأمم المتحدة.
فيثير صعود طالبان، الخوف في الصومال على سبيل المثال، التي أشادت وسائل إعلام صومالية، تابعة لحركة الشباب المجاهدين بصعود طالبان، على نحوٍ يتعمق معه الخوف من مستقبل الصومال التي صعدت فيها اتحاد المحاكم الإسلامية وأسقطت الحكومة في مقديشيو، منذ نحو ثلاثة عقود. وحتى الآن تقاتل حركة الشباب بهدف إسقاط الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة، وتطبيق الشريعة الاسلامية، بما يجعلها مصدر تهديد للبلاد، وكذلك لبلدان شرق إفريقيا، خاصة التي تشارك في قوات حفظ السلام، مما جعل حركة الشباب توجه ضرباتها الانتقامية لها.
وبغض النظر عن الصلة بين طالبان وأي من حركات التمرد في القارة، لكن تظلّ طالبان نموذجًا مشجّعًا بين تلك الحركات، خاصة الحركات الإيديولوجية مثل الشباب وبوكو حرام. فتسببت الأخيرة في قتل ونزوح الملايين في نيجيريا وغرب إفريقيا. وبالعودة لشرق إفريقيا، فقد سيطر متشددون إسلاميون على كابو ديلجادجو في شمال موزمبيق، ومنذ 2017 تسببت في مقتل 2500 شخص وفرار حوالي 700000 آخرين. كما ينشط المتطرفون الإسلاميون في شمال الكونغو الديمقراطية.
ويوضح المؤشر التالي، تصدر حركتي الشباب وبوكو حرام بجانب طالبان أكثر الحركات فتكًا في العالم، وفقًا لمؤشر الإرهاب العالمي 2020.

تراجع التزام الحلفاء

في الساحل، أعلنت فرنسا الحليف التقليدي لمالي والدول الفرانكفونية، أنها ستقلص وجودها العسكري في منطقة الساحل بحلول 2022، مع عملية إغلاق قواعدها في شمال مالي، المقرر أن تبدأ في 2021. فقد ساعدت فرنسا منذ عام 2013 في طرد بعض الجماعات المتمردة الإسلامية من شمال مالي، ومن ثمّ فإن انسحاب مالي قد يمثل فرصة مناسبة لتلك الحركات للاستيلاء على السلطة مرة أخرى. وعلى الرغم من إمكانية مراجعة فرنسا لعملياتها التشغيلية، إلا أن الأهم هو النظر في مدى جدوى وجودها، فحتى الآن لم يسهم وجودها في إيقاف العنف أو تحجيم قوة تلك الجماعات المتطرفة.
أضف إلى ذلك، المراجعة الأمريكية لانخراطها العسكري حول العالم، ومن بينها قوات الأفريكوم في إفريقيا، علاوة على عمليات حفظ السلام الأممية التي تقرر الدول تخفيض الالتزام في إطارها أو حتى تخفيضها أو انسحابها، مثلما انسحب يوناميد بدعوى انتهاء الأسباب التي تشكلت من أجلها، وتجددت الاشتبكات بعد انسحابها في دارفور. وهو المنطق الذي ينصرف على مالي والصومال وكافة بؤر التوتر، التي يأتي الانسحاب منها لأسباب وتقييمات عدة، ليس من بينها حقيقة الوضع على الأرض.
- ضعف الجيوش الوطنية:
لا تزال الجيوش الإفريقية تعاني من مشكلة الاحترافية، في ظل سياق محلي فرض على تكوينها الانقسامات العرقية التي تعاني منها الدولة الإفريقية. ناهيك عن الضعف اللوجستي والتقني، الذي يحدّ من قدرة تلك الجيوش على مواجهة حركات التمرد في البلاد. ولعل الجيش الفيدرالي الإثيوبي الذي يعد من أقوى جيوش القارة مثالًا صارخًا في هذا الصدد. فقد مثًل الجيش الإثيوبي أخبارًا حقيقيًا لمدى قدرة الجيوش الوطنية على الصمود أمام حركات التمرد، التي أحيانًا تميل موازين القوة لصالحها، في ظلّ توظيف الأصول والموارد لصالحها.
ومع بقاء الجيوش الوطنية جزء من معادلة الانقسام المجتمعي والصراع، فلا يتصور أن تثبت نجاحات أمام الإرهاب والصراع المتنامي في القارة، دون دعم خارجي، مع اشتراط ألا تكون النخب والقيادات العسكرية تعمل من أجل توظيف تلك الصراعات والتحالفات الدولية، لصالح نخبة ضيقة، على حساب معاناة السكان المحليين، بما يجعل الصراعات الممتدة مسوغًا مقبولًا لتحالفات وتدخلات خبيثة.
وباستثناء جيوش شمال إفريقيا، وفقًا لمؤشر ترتيب القوة العسكرية، الصادر عن مؤسسة جلوبال فايرباور، احتلت مصر المرتبة رقم 13 كأول دولة إفريقيا في المؤشر، لتأتي بعدها الجزائر في المرتبة 27، ثم جنوب إفريقيا رقم 32، ونيجيريا في المرتبة رقم 35، وتعود المغرب لتحتل المرتبة 53 في المؤشر. ثم تأتي أنجولا في المرتبة 65 وإثيوبيا في المرتبة 66، وليبيا في المرتبة 70 وتونس في المرتبة 73. وكذلك السودان في المرتبة 77 وجمهورية الكونجو الديمقراطية في المرتبة 81، وكينيا 83، وأوغندا 89، وتشاد 90 وزيمبابوي 91، وغانا رقم 96.
وبغض النظر عن مدى دقة المؤشر وعكسه الوزن الحقيقي للجيوش، وفقًا لسياقات ومؤشرات مختلفة، إلا أنه في النهاية يكشف عن الضعف الذي يعتري الجيوش الإفريقية، خاصة مع بقاء دولتين كجنوب إفريقيا ونيجيريا في مراتب متأخرة كهذه رغم أنهما ينظر إليهما باعتبارها نماذج اقتصادية إفريقية واعدة.
- انتشار الإرهاب
قبل عقد من الزمان، لم تكن القارة الإفريقية تعاني مما تعاني منه منطقة الشرق الأوسط، من انتشار الإرهاب الأيديولوجي العبار للحدود، حتى وإن كان بوكو حرام والشباب وجيش الرب الأوغندية هي بالفعل حركات تستند على أيديولوجية دينية في تمردها؛ إلا أنها تنطلق من دوافع محلية. لكن في المجمل كانت القارة لا تعرف سوى التمرد المحلي والصراع المسلح، بين القبائل والعرقيات والاثنيات التي تعاني من غياب الاندماج الوطني.

حتى مع وجود بوكوحرام والشباب لم تزدد معاناة القارة، سوى مع بدايات العقد الماضي، وانتشار الإرهاب في ليبيا وشمال إفريقيا، ومن ثمّ تعمقت معاناة الساحل والصحراء، بعدما ازدوجت المعاناة. لتتصدر مناطق القارة الإفريقية مراتب متقدمة في مؤشر الإرهاب العالمي، مقابل تراجع الدول التي كانت بالأساس هي بؤر للإرهاب.





وبالتالي، تفرض تلك الظاهرة المركبة على القارة الإفريقية وشركائها الدوليين ضرورة التحالف من أجل تحجيم تلك الظاهرة التي تغيب معها أي مظاهر للاستقرار والتنمية. مع احتلال الدول الإفريقية مراتب متقدمة في مؤشر الإرهاب العالمي، مع تصاعد مؤشر الإرهاب في القارة في الفترة بين 2002 و2019، بما يفرض تحديات متصاعدة.
كل تلك العوامل ناهيك عن اللاجئين التي تضطر القارة إلى استضافتهم، في الوقت الذي يهرب منها أبناؤها. ففي آخر الأخبار، وافقت الحكومة الأوغندية بناء على طلب من الحكومة الأمريكية، على استضافة 2000 لاجئ أفغاني، ولا تزال الترتيبات الآن جارية على كيفية استضافة هؤلاء اللاجئون.
بواعث الأمل
ضرورة اتخاذ تدابير لحماية إفريقيا من أي تهديدات جديدة قد تنشأ نتيجة للأزمة الأفغانية الحالي، خاصة مع شعور الحركات المتمردة في إفريقيا بالأمل أو الثقة أنها بإمكانها تكرار النموذج الأفغاني.
- التزام الحلفاء الدوليين
في هذا السياق، نشر الرئيس النيجيري محمد بخاري، مقالًا في الفايننشيال تايمز، يعلق على موقف إفريقيا من صعود طالبان. وأشار بخاري إلى المخاوف الحقيقة من انتصار نموذج طالبان بما يشجع الحركات المتنافسة على إثبات نفسها والاستمرار في التمرد. فأكدّ بخاري أن الحرب على الحلفاء لم تنته لكنها ستتحول إلى إفريقيا.
ومع ذلك دعا الشركاء الدوليين إلى ضرورة الالتزام بأدوارهم، بعدما أثبت الانسحاب الأمريكي، أن انخراط الحلفاء قد يحجم الإرهاب، لكن الانسحاب قد يمثل فرصة عظيمة لعودة أكبر لتلك الحركات. لكنه دعا في سبيل ذلك، إلى انخراط تنموي وتعاون بوجه آخر، لدعم التنمية المحلية والاستثمار وكذلك تدريب الجيوش بما يرفع القدرات المحلية ويعزز بقاء الدولة للقيام بأدوارها الوظيفية.
فعلى الرغم من إشادة بخارى بعود الالتزام الأمريكي في الصومال، وتوجيه ضربات ضد حركة الشباب في يوليو الماضي، إلا أنه أشار إلى أن الأحذية الأمريكية ليست هي المطلوبة على الأرض في إفريقيا. ويبقى الاستثمار في البنية التحتية للمساعدة في توفير الفرص الاقتصادية هو المطلوب؛ خاصة مع تضاعف أعداد السكان في إفريقيا منذ بدء الحرب على الإرهاب في 2001. ودلل بخاري على اغتيال الإرهاب لكل مظاهر التنمية، بالتمرد في شمال موزمبيق حول مشروع للغاز الطبيعي، بما يهدد فرص السكان المحليين في أية مظاهر للتنمية.
- دعم الجيوش والمؤسسات:
انطلاقًا من أهمية البقاء على الالتزامات الدولية في إفريقيا، في الوقت الذي لاتزال فيه القدرات المحلية في مكافحة الإرهاب والصراعات بمفردها محدودة، فإن استمرار هذا الالتزام لا يتعين أن يبقى في صوره العسكرية فقط، بعدما أثبت عدم جدارته في اقتلاع جذور الإرهاب.
وعلى الرغم من اشتمال الرؤى والأهداف والتدخلات الدولية على أهداف عدة؛ من بينها دعم القدرات اللوجستية والفنية للجيوش الوطنية؛ إلا أن الخبرة العملية، أثبتت استمرار الضعف الهيكلي والفني الذي يعتري الجيوش المحلية الإفريقية، على النحو الذي أثبته الاختبار العملي في الميدان. فبعدما قررت الولايات المتحدة الانسحاب من الصومال، في إطار خطتها لتخفيض الالتزام العسكري خارجيًا، عادت ونفذت غارة جوية في يوليو الماضي، مع رسوخ الاعتقاد بعدم قدرة الجيش الصومالي على مواجهة حركة الشباب بمفرده.
بذلك، يأتي دعم الجيوش الوطنية والمؤسسات الأمنية ومؤسسات الحكم، ضمن خطة أوسع لدعم الدول الإفريقية للقيام بالأدوار الوظيفية للدولة، وهذا الدعم المؤسسي بجانب العقد الاجتماعي والحوار المجتمعي، هم إحدى إشكاليات الدولة في إفريقيا، التي تعاني على مستوى الدولة والمجتمع، منذ ميلادها من رحم الاستعمار.
ولا يجب أن يتوقف هذا الدعم على الشركات الدولية، فيجب تعظيم التعاون الثنائي والإقليمي على مستوى القارة الإفريقية، بهدف تبادل الخبارات وأفضل الممارسات، وهو النهج الذي تنتهجه مصر في تعاونها الثنائي والجماعي مع الدول الإفريقية، فظهرت مبادرات وبروتكولات تعاون ثنائي وإقليمي في السنوات الماضية، بهدف رفع قدرة الجيوش الوطنية. وباعتبار مصر القوة العسكرية الأولى في القارة، لا يزال ينتظر منها الكثير، خاصة وأن لها خبرة مع مكافحة الإرهاب لا تقتصر فقط على المقاربات الأمنية كالحلفاء الدوليين، وإنما أقرنت مصر مقاربة التنمية بمقاربة الأمن.
- الحوكمة والحكم الرشيد:

على الحكومات الإفريقية الانتباه والتأهب لما يحدث في أفغانستان، وتتعلم من الدروس والسياق الأفغاني، ومن ثمّ العمل على تحقيق آمال المواطنين في الحكم الرشيد، والقضاء على الفساد وانعدام المساواة، وضعف الخدمات والبطالة والتردي الاقتصادي والنزاهة والشفافية؛ تلك الذريعة التي ينطلق منها التمرد على الحكومات القائمة.
ففي العديد من الدول التي تعاني من انتشار التمرد والإرهاب نجد حركات متمردة تقوم بوظائف الدولة في المجتمعات الريفية والمهمشة، بما يكسب تلك الجماعات الدعم والتأييد المحلي. ولا يغفل أحد تراجع عوامل المؤسسية والحوكمة في الدول الإفريقية، التي تعج بالفساد وتسلط النخب الحاكمة.
ويعزز من أهمية الدور المحلي، تلك الانتقادات للتدخلات الخارجية، ومقاربة مكافحة الإرهاب الدولية، التي يرى النقاد أنها ليس بإمكانها فرض نموذجها وجيشها على المجتمعات المحلية. وانطلاًقًا من إشكالية الدولة الإفريقية، فإنه لا مفرّ الآن من النظر في عوامل الضعف الهيكلي التي تعتري كافة الدول الإفريقية. فالحديث مستمر عن الحكم الرشيد في القارة، وكافة المؤشرات الدولية تضع القارة في مراتب متأخرة، على كافة المستويات المؤسسية والسياسية والاقتصادية والأمنية؛ وهذا الضعف المؤسسي هو أحد عوامل تنامي عدم الاستقرار. ومع وضع القارة رؤية طموحة ” أجندة 2063″، آن الأوان لقادة وحكماء أفارقة يصغون أسس جديدة تنتشل القارة من براثن الفقر والألم.
- تعظيم المقاربات الإقليمية:

انطلاقًا من النقد الموجه للتناقض الأفريقي ما بين الدعوة لتنفيذ مبدأ “حلول إفريقية للمشكلات الإفريقية” مع استمرار التمسك والاستجداء بالتدخلات الخارجية، التي يعلم الجميع أن التدخل الدولي في كافة صوره قائم على تحالفات مع نخب فاسدة لاستغلال موارد البلاد لسنوات عديدة دون تجفيف منابع الإرهاب، أو وأد عوامل الصراع والتمرد المحليّ.
وفي سبيل تعظيم الأدوار الإفريقية للاضطلاع بدورها، انطلقت مبادرات إفريقية، أهمها مبادرة “إسكات البنادق 2020″، التي تبناها الاتحاد الإفريقي؛ ومع ذلك أثبتت الوقائع على الأرض أن عام 2020 لم يكن نهاية للصراعات وعدم الاستقرار الذي تعاني منه القارة. بل أصبح عدم الاستقرار عوامل جذب لحركات الإرهاب، لإعادة التموضع في ذلك السياق الخصب لإعلان ولاية الصحراء الكبرى، بعدما هزمت داعش في سوريا والعراق.
وبذلك أصبحت ظاهرة الإرهاب في إفريقيا مركبة ومعقدة، بدلًا من التمرد القائم على المظالم المحلية أصبحت الحركات متداخلة ومختلطة، بعدما بايعت بعض الحركات المتمردة المحلية لداعش، بما ألقى بضغوط شديدة أمام التدخلات الدولية لمكافحة الإرهاب.
ولم يفلح تحالف الساحل G5 المكون من خمس دول إفريقية في دحر الإرهاب بجانب الوجود الفرنسي وكذلك بعثة حفظ السلام في شمال مالي. ومؤخرًا أعلنت جماعة السادك التدخل في موزمبيق في شرق القارة، لوقف التمرد في شمال البلاد، بما يؤكد أهمية المقاربات الإقليمية، لكن يجب دعمها دوليًا، ويجب استمرار مطالبة الدول الإفريقية والاتحاد الإفريقي بالدعم الدولي لمواجهة الإرهاب.
ومع استمرار عوامل عدم الاستقرار في التنامي، يجب على الدول الإقليمية المعنية، بالدفع في اتجاه تحجيم عوامل عدم الاستقرار. وفي هذا السياق، يتعين على مصر متابعة مقترح “تشكيل قوية إفريقية مشتركة لمكافحة الإرهاب في الساحل”، خاصة مع تنفيذ فرنسا لقرارها بتخفيض الانخراط. إضافة إلى عوامل عدم الاستقرار القادمة من شرق إفريقيا والقرن الإفريقي والبحر الأحمر، التي حتمًا ستلقي بظلالها على الدولة المصرية.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية