أفغانستان

“توازن الخطورة”.. ما إمكانية تأثير أمراء الحرب في أفغانستان؟

بلغة عربية ركيكة في أول سطرين، ولكنة أوراسية كثيرًا ما تضيف مسحةً من الرّقة تتناقض مع شواهد القسوة والتجهم المعتادة على أوجه قادة وعناصر حركة طالبان وعموم شعوب وسكان وسط آسيا المقفرة؛ أصدر “عبد الغني برادر” رئيس المكتب السياسي لحركة طالبان البيان الأول، من دولة قطر، عقب إحكام طالبان سيطرتها الكاملة على العاصمة الأفغانية كابول، بعد تطويقها من جميع الجهات لساعات قليلة، الأحد الماضي.

 وكان ظهوره هادئًا ومتزنًا تعهد فيه بإنهاء الحرب والعفو عن جميع الخصوم، بعكس الظهور الأول لعناصر طالبان فور دخولهم القصر الرئاسي في كابول. إذ كانوا مدججين بالأسلحة وبنادق الهجوم الأمريكية والروسية الصنع أو المنشأ، في مشهد تلاقت فيه تعقيدات الحاضر وضبابية المستقبل، وتداخُل أدوار قوى الشرق والغرب التي ما لبثت أن تستريح من سجالِ ممتد، يتخطى تحقيق المصلحة القومية، المادية البحتة، والآنية، لمستوي أعلى من التصادم الأيديولوجي والحضاري بكل مكوناته العقائدية والتقنية.

تطورات لاحقة ميدانية وسياسية تلت مشهدي “عبدالغني برادر” في الدوحة، وعناصر طالبان في القصر الرئاسي، وتركّز الحديث بعدها في الدوائر الغربية الحكومية الأمنية والأكاديمية حول ما إذا كانت نوايا الجيل الجديد من حركة طالبان، صادقة؛ من حيث كبح جماح الأعمال الانتقامية وتأمين سلامة المواطنين وعدم تحويل أفغانستان لمنصة للمساس بأمن دول الجوار. الجيل الجديد الذي بدا وكأنه أكثر مرونة ممن سبقوه؛ حيث قال قائد أركان الدفاع البريطاني نيك كارتر، “علينا أن نمسك أعصابنا وأن نمنحهم فرصة لتشكيل حكومة وأن نعطيهم متسعًا لإظهار إمكاناتهم”.  

ومع انكشاف مزيد من الحقائق والملابسات حول مشاهد الانسحاب الأمريكي المأساوي من مطار كابول، وتبيّن هوية الضحايا الذين سقطوا من على متن عجلات طائرة النقل العسكرية C17 الأمريكية، بعدما تشبثوا بها، حيث كان من ضمنهم طبيب أسنان لم يبلغ عامه الثاني والعشرين، وآخر لاعب كرة قدم. وغالبيتهم من الجيل الجديد الذي عايش أفغانستان من بعد الغزو الأمريكي.

ومع انكشاف التضارب الأمريكي الصارخ في إدارة الأزمة، وانسحاب القوات الأمريكية، بالشكل التعسفي والفوضوي الذي هزّ مصداقية الرئيس الأمريكي جو بايدن لدى قطاعات الديمقراطيين الذي يحققون الأن ضمن ثلاث لجان داخل الكونجرس في تلك الملابسات، تجدر الأهمية بضرورة الوقوف على عدد من الأسئلة التي تتعلق بصورة مباشرة حول بيئة أمراء الحرب في أفغانستان، من يدير المشهد على الأرض ضمن الدوائر المحلية، كيف ظهر “عبد الغني برادر”، ومن ورائه، ومن يحكم طالبان روحيًا وسياسيًا وعسكريًا،  وكيف تُدار مختلف المقاطعات والولايات الأفغانية النائية والمركزية، الهامة، والمهمشة، البعيدة عن مناطق الاشتباك، والقريبة من خطوط النار مع باكستان وإيران تحديدًا. ولاسيما أن التفاعلات بين أقطاب بيئة أمراء الحرب قد تشكل متغيرًا فارقًا، غير قابل للتوقع في أحيانِ كثيرة، بشكل قد يؤثر على استراتيجيات القوى الفاعلة الإقليمية والدولية وحتى الفواعل من غير الدول وكياناتها الاستخباراتية، بما يضع أمامها تحديات جسام بقدر ما يخلق فرصًا استثنائية في بيئة أمنية مرجح أن تكون أشد وطأة من المسرح العملياتي الذي نشط فيه تنظيم “داعش” من الرمادي العراقية وصولاً لأعتاب هضبة الجولان. ولمعالجة هذه النقطة تحديدًا يبنغي أولاً الوقوف على هيكل القيادة الرئيسي لحركة طالبان وخلفية عناصره، قبل التطرق لديناميكية تفاعل هذا الهيكل في محيطه المحلي 

طالبان.. هيكل القيادة “الروحية” والتنفيذية

يتميز الهيكل بوجود قيادة “روحية” رمزية تتفرع منها ثلاثة قيادات تنفيذية الأخرى كالآتي:

  1. القائد الأعلى “الملا هيبة الله أخوند زاد”: يمثل الملا هيبة الله الزعامة الرمزية والروحية. عُين قائدًا لطالبان في مايو 2016، في أثناء انتقال سريع للسلطة وذلك بعد مقتل سلفه الملا أختر محمد منصور الذي قُتِل في غارة لطائرة أمريكية مسيّرة في باكستان. وقبل تعيينه كان اهتمامه منصبًا على الجهاز القضائي للحركة. فـالملا هيبة الله فقيه دين أكثر من كونه قائدًا ميدانيًا، فهو نجل “عالم دين” وأصله من قندهار قلب منطقة البشتون، لذلك أشرف على المسائل القضائية والدينية بأروقة الحركة وفروعها لكنه تمتع بنفوذ كبير في داخلها حيث أظهر براعة في توحيد صفوف الحركة بعدما مزقها صراع عنيف على السلطة بعد وفاة الملا منصور، بعدها توارى عن الأنظار وكان يميل للتحفظ الشديد في مسألة الانتشار الإعلامي، حيث كان يكتفي ببث رسائل سنوية نادرة في الأعياد الإسلامية. وتجدر الإشارة لسرعة مبايعة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري له.
  2. رئيس المكتب السياسي “عبد الغني برادر”: من مؤسسي حركة طالبان مع الملا عمر الذي قُتِل في العام 2013. وتمرس في حروب العصابات ومواجهة السوفييت والقوات الأمريكية. وشغل منصب القائد العسكري للحركة عندما اعتُقِل في مدينة كراتشي في عملية للمخابرات الأمريكية والباكستانية في العام 2010. حيث كان يقود في العام 2008 عودة عسكرية شرسة لطالبان، ووضع استراتيجية تُعرف باسم “إبرات” – أي التحذير – والتي أكدت على عمليات القتل الانتقائي، وعمليات الخطف، واستخدام الانتحاريين، وركّز بشكل خاص على استهداف الأفغان الذين يخدمون في الحكومة المدعومة من الغرب.

إلا أن الولايات المتحدة ضغطت لإطلاق سراحه في العام 2018. وقد تم تعيينه لاحقًا رئيسًا للمكتب السياسي لطالبان في الدوحة، ومن هناك قاد المفاوضات مع الجانب الأمريكي التي أسفرت عن اتفاق وقع في فبراير العام 2020 تم بموجبه انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان مقابل عدة نقاط رئيسية أبرزها تعهد الحركة بعدم استهداف المصالح الأمريكية.

ولم تكن المرة الأولى التي يظهر فيها عبد الغني برادر مرونة سياسية، حيث كان جزءًا من ضمن مجموعة صغيرة في طالبان مستعدة لاتفاق يعترفون فيه بإدارة نظام الرئيس الأسبق حامد كرزاي، بعد الغزو الأمريكي وسقوط الحركة. 

  1. قائد شبكة حقاني “سراج الدين حقاني”: هو نجل أحد أشهر قادة الجهاد ضد السوفييت جلال الدين حقاني، ويعتبر الرجل الثاني في حركة طالبان وزعيم شبكة قوية تحمل اسم عائلته “شبكة حقاني” التي ورثها عن أبيه وتضم قوات النخبة في الحركة من المقاتلين المتمرسين على القتال في الجبال والكهوف والمناطق الوعرة شرق أفغانستان. وتُصنِف الولايات المتحدة هذه الشبكة “تنظيمًا إرهابيًا” نظرًا لخطورتها على القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي. إذ تُعرف الشبكة بتنفيذها للهجمات الانتحارية، ويُنسب إليها عدد من أعنف الهجمات الدموية التي هزّت أفغانستان في السنوات الأخيرة ومنها حوادث اغتيال المسؤولين الأفغان واحتجاز رهائن والإفراج عنهم مقابل فدية مالية أو إطلاق سراح سجناء من طالبان داخل السجون التي تديرها الولايات المتحدة. ولعل من أبرز هذه الوقائع، أسر الجندي الأمريكي “بو برغدال” الذي أطلق سراحه في 2014 مقابل 5 معتقلين أفغان في جوانتانامو.
  1. الوريث “الملا محمد يعقوب”: هو نجل الملا “محمد عمر”، ويتولي رئاسة اللجنة العسكرية في طالبان، التي من المفترض أنها تقرر الاستراتيجية العامة للحرب ضد الحكومة الأفغانية. لكن الدور الذي يلعبه مايزال موضع تكهنات، حيث يُعتقد أن تعيينه لرئاسة هذه اللجنة مجرد إجراء رمزي يعزز من تماسك الحركة وارتباطها بزعيمها الروحي الأول “الملا عمر”.
  1. رئيس القضاة “الملا عبد الحكيم”: كحال جميع التنظيمات الارهابية، تحتاج طالبان لنظام قضائي يعمل على تعزيز النظام داخل صفوف الحركة وصقلها بشئ من المؤسساتية وخاصة مع غياب إطار دستوري أو قانوني محدد ينظم العلاقة بين مختلف العناصر والقيادات والهياكل الأمنية والسياسية، ويتولي “الشيخ” عبد الحكيم حسبما يلقبه البعض، سلطة القضاء والإشراف عليه. ويُعتقد أنه أحد أقرب الشخصيات للزعيم الروحي الحالي “هبة الله أخوند زادة”. كما يرأس مجلس علماء الدين التابع للحركة. وفي سبتمبر 2020 عينت طالبان “عبد الحكيم” كرئيس جديد لفريق التفاوض في الدوحة. 
  2. مجلس القيادة: ويتكون حسبما ما اعلنته الوكالات العالمية من 26 عضو، يديرون شؤون الحركة تحت قيادة الملا “هيبة الله”، وينظر لهم كونهم فريق الإدارة الفعلية لأفغانستان.

وتجدر الإشارة لطفرة هيكيلية اكتسبتها حركة طالبان، وتُرجمت في وجود ما يقرب من 17 لجنة فرعية أخرى تضم شؤون “السياسة – الاستخبارات – الدفاع – الاقتصاد”. 

كما تجدر الإشارة لوجود شخصيتين هامتين ضمن “الهيكل الطالباني” وهما:

  1. المتحدث الدولي للحركة “سهيل شاهين“: يتميز بطلافته في اللغة الإنجليزية. حررت صحيفة كابول تايمز، وقد وعد في الأيام الأخيرة بأن أفغانستان سيكون لها “حكومة إسلامية منفتحة وشاملة” في ظل عودتها إلى حكم طالبان.

https://edition.cnn.com/videos/world/2021/08/16/taliban-suhail-shaheen-amanpour-afghanistan.cnn

  1. وزير داخلية طالبان “خيرالله خيرخوا”: حاكم طالبان السابق لمدينة هرات بغرب أفغانستان. أمضى 12 عامًا كسجين في خليج جوانتانامو، قبل أن يصبح واحدًا من خمسة سجناء من طالبان أطلق سراحهم في تبادل مثير للجدل مع الجندي الامريكي الذي أشرنا له سالفًا “بو برغدال”.

الان تصف الصحافة الأمريكية “خيرالله خيرخوا” بالعقل المدبر لعودة طالبان. كانت تصنفه وزارة الدفاع الأمريكية على أنه أحد المقربين من أسامة بن لادن وصنفوا إطلاق سراحه على أنه أمر خطير .

وتم اختياره ليكون ضمن فريق التفاوض التابع للحركة في الدوحة والذي توصل في نهاية المطاف لاتفاق مع الولايات المتحدة في فبراير 2020 على الانسحاب الكامل لجميع القوات الاجنبية. 

كيف يتفاعل الهيكل الطالباني مع محيطه المحلي

– غابة الولاءات 

تمثل الشخصيات السالف ذكرها ضمن الهياكل الأمنية والسياسية والعسكرية لطالبان نموذج مثالي لـ “أمير الحرب”، وهو مصطلح يطلق على الشخصيات النافذة التي تمتلك سيطرة عسكرية وديكاتورية على جزء من أراضي دولة ما، بسبب وجود ولاءات ما دون الوطنية لا تتبع أي سلطة حكومية وخاصة المركزية. 

ولعل شبكة حقاني هي الأخرى بدورها تجسد هذا المعنى، على الرغم من انتمائها للقلب الصلب لحركة طالبان، إلا أنها نفذت عمليات إرهابية ضد أهداف هندية في أفغانستان بما لا يتوافق مع الخط العام لطالبان منذ أن غذت الولايات المتحدة شبكة الحركة السياسية بالعديد من العناصر والقادة الذين أفرِج عنهم من أعتى السجون والمعتقلات وخاصة معتقل جوانتانامو سيئ السمعة. 

ما عزز الشكوك حول تبعية شبكة حقاني للمخابرات الباكستانية، كما أعتبر قائد أركان الجيش الأمريكي الأسبق مايك مولن في سبتمبر 2011 أن شبكة حقاني هي “الذراع العسكرية الحقيقية” لباكستان في أفغانستان. على الرغم من أن شبكة حقاني كانت تعمل مع الاستخبارات المركزية الأمريكية في السابق، إلا أنها اتخذت من منطقة وزيرستان شمال باكستان قاعدة لها، للوصول للعمق الأفغاني، وما كان لها أن تصل لذلك لولا الروابط والشبكات الاجتماعية التي تتيح ممرات آمنة لتحركات الشبكة، وجميعها تدار من قبل أمراء الحرب ووكلائهم من العناصر القبلية التي ترتبط بمصالح اقتصادية وأمنية بالأساس بهؤلاء الأمراء. 

ومن هذه الحالة، يمكننا الانتقال إلى أمير الحرب ” أحمد شاه مسعود” الابن، والأسود الخمسة.

على غير ما ساد العقل الجمعي من انطباعات بأن افغانستان دانت كلها لطالبان، إلا أن هناك مناطق ماتزال خارج سيطرتها، ومقاومة لوجودها، وأخرى تعلن بجراءة رفض الحكم الطالباني للبلاد؛ بل، والبدء في حراك مسلح ضد طالبان.

من هذه المناطق، ولاية “بانشير” التي تعرف بـ “الأسود الخمسة” بلغة الداري. وهي موطن المقاومة الأفغانية ضد الحكومة الشيوعية الأفغانية وضد الاتحاد السوفيتي، وحاليًا ضد طالبان. تبعد الولاية حوالي 150 شمال شرقي كابول.

اشتهرت الولاية بتضاريسها الصعبة من الجبال والوديان التي جعلتها شبه معزولة عن أفغانستان بأسرها، وتباعًا جعلتها المنطقة الأكثر أمنًا. وأغلبية سكان المنطقة البالغ عددهم 150 ألفا، هم من الطاجيك، في حين أن أغلبية طالبان من البشتون. كما أن المنطقة معروفة بالزمرد الذي كان دائمًا مصدرا لتمويل المقاومة. وحتى قبل سيطرة طالبان على السلطة كانت تتمتع ولاية “بنجشير” بالكثير من الاستقلالية عن الحكومة المركزية في كابول. وتكتسب هذه الولاية شهرتها من الشخصية الكاريزمية التي انحدرت منها، وهي شخصية أمير الحرب “أحمد شاه مسعود”، الذي شارك في “الجهاد” ضد الاتحاد السوفيتي والحرب الأهلية التي اندلعت بعدما سيطرت طالبان على الحكم، حيث كان عنصرًا فاعلًا في تحالف الشمال الذي سيطر على كل شمال شرقي أفغانستان حتى الحدود مع الصين وطاجيكاستان.

وفي أثناء ذلك كوّن أحمد شاه مسعود صلات وثيقة مع مجتمع الاستخبارات المركزية الأمريكية، وأستقبل في أواخر الثمانينات “برنار ليفي“. وقد أغتيل أحمد شاه مسعود الأب في العام 2001. وحاليًا يتحصن في الولاية أحمد شاه مسعود الأبن، حسب تقارير صحفية. واللافت أن صحيفة واشنطن بوست نشرت مقالًا له قبل يومين كان يدعو فيه الولايات المتحدة إلى تزويده بالسلاح ودعم الميليشيات التي يقودها.

كما انسحب إلى بانشير كل من وزير الدفاع، باسم الله محمدي ونائب الرئيس أمر الله صالح. والذي يقول إنه “الرئيس الشرعي المؤقت“.

https://twitter.com/AmrullahSaleh2/status/1426891637955907584?s=20

وعليه، فإنه طالبان مازالت تنخرط في تنفيذ سلسلة من الاجراءات الانتقامية بحق مسؤولين سابقين في الحكومة والمتعاونين مع القوات الامريكية وحلف شمال الأطلسي، كما تنظر طالبان إلى أحمد شاه مسعود، إلى كونه عنصر استخباراتي غربي يعمل على تنفيذ الأجندة الأمريكية تحديدًا وخاصة بعد وصوله السهل لوسائل الإعلام الأمريكية والفرنسية لحشد الدعم والمقاومة ضد طالبان. 

وفي ضوء العرض السابق، كمنوذج استرشادي لبيئة أمراء الحرب في أفغانستان، فإن طالبان قد تتعامل مع محيطها المحلي كالآتي:

  1. قمع جيوب المقاومة والتمرد: أظهرت فيديوهات “مروعة”، إطلاق النار من قبل مقاتلي حركة طالبان، وسط مجموعة من المتظاهرين، مما أدى لسقوط قتلى بين المواطنين، في أولى أيام المواجهة في جلال أباد. 

https://twitter.com//status/1427875461644918791?s=20

ولا يستبعد أن يتم التحرك باتجاه بانشير خلال الأسابيع القادمة وخاصة إذا ما وضع في الاعتبار مخاطر تنامي قوات بانشير وإمكانية حصولهم على الدعم الخارجي عسكريًا وإعلاميًا. 

  1. تقييد حركة المتعاونين مع القوات الاجنبية: حيث نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريرًا تشير فيه إلى وثيقة للأمم المتحدة قالت فيها إن حركة طالبان تكثف عمليات البحث عن الأشخاص الذين تعتقد أنهم عملوا مع القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي، بما في ذلك بين الحشود في مطار كابول. وهدد مسلحون بقتل أو اعتقال أفراد عائلاتهم إذا لم يتمكنوا من العثور عليهم. 

https://twitter.com/nytimes/status/1428328414444986381?s=20

  1. تثبيت الولاءات القبلية: وذلك للاستمرار في التحكم بضبط إيقاع الميدان والهيمنة على مفاصل الدولة ومعابرها الحدودية الاستراتيجية وخاصة مع إيران وباكستان في الخاصرة الجنوبية الغربية للبلاد. والسيطرة على الدعم العسكري الخارجي الموجه لأمراء حرب معادون “للإمارة الإسلامية في أفغانستان”.
  2. وقف انطلاق الهجمات الطائفية من أراضيها: حيث استهدف انفجار ضخم موكبًا للشيعة في وسط باكستان ما أسفر عن مقتل 5 وإصابة العشرات كحصيلة أولية.

https://twitter.com/AdityaRajKaul/status/1428276932618047493?s=20

أما عن تحديات الدائرة المحلية لطالبان – على المدى المنظور – في خضم توازنات قائمة على العلاقات والشبكات الاجتماعية “القبلية”، فيمكن تحديدها في نقطة التعامل مع الشبكات المحلية لداعش والقاعدة.

أولاً تنظيم القاعدة:

أكدت تقارير أمنية عديدة أن العلاقة بين طالبان وتنظيم القاعدة لم تنقطع، وإن التنظيم الأخير بات يتخذ من ولاية كونار شرق أفغانستان، مقرًا أساسيًا له حيث ينتشر ما لا يقل عن 500 من مقاتليه. ولا يستبعد أن يكون الأرتباط بين الطرفين على مستوى عالِ، بشكل يجعل من شرق أفغانستان ملاذاً آمنًا لقادة التنظيم وعقله الاستراتيجي، إذ كُشف أكتوبر العام الماضي، عن مقتل أبو محسن المصري، في غزني التي كانت لفترة طويلة محورًا لهجمات طالبان. وقد تحاول طالبان تخفيف أرتباطها مع القاعدة خلال الشهور الأولى تجنبًا لأي استجابة عسكرية أمريكية قد تخل الاتفاق الموقع بينهما في فبراير العام الماضي. مع الأخذ في الاعتبار خصوصية العلاقة بينها والتماهي الإيديولوجي الغير موجود مع تنظيمات أخرى ترفع راية “الجهاد”.

ثانياً: تنظيم داعش

مازال فرع تنظيم داعش في أفغانستان “ولاية خرسان” تشن حرب شعواء على حركة طالبان بزعم أنها “وطنية” وغير “إسلامية”. وعلى الرغم من الهزيمة التي مُني بها التنظيم الداعشي في العراق وسوريا وانحسار نفوذه إلا أنه مازال يحتفظ ببقايا له في شرق أفغانستان. وعليه فإنه من المحتمل أن تستمر المواجهات المسلحة بينهما وأن تستثمر “ولاية خرسان” حالة السيولة الأمنية للحصول على الدعم اللازم من شبكة رعايته التنظيم الاقليمية والدولية. 

كما وفرت بيئة أمراء الحرب في سوريا المناخ المناسب لجذب أكثر من ألف جماعة مسلحة تضم جنسيات من 80 دولة، فإن الوضع في أفغانستان يبدو مختلفًا هذه المرة من حيث التأثيرات المحتملة لتحولها بيئة جاذبة لكافة التنظيمات والعناصر المتطرفة والارهابية في الحزام الممتد من الشام مرورًا بجنوب القوقاز وصولًا لتخوم الصين الشرقية. ففي الحالة السورية مازالت دمشق تحتفظ بحكومة تحظى باعتراف دولي، ما جعل “تنظيم داعش” في أوج قوته بعيدًا نظريًا وعمليًا عن تأسيسه لدولة “إسلامية”. 

أما في الحالة الأفغانية، فالدولة بأكملها تحولت لإمارة إسلامية تقف على نفس أدبيات الحاكمية الإسلامية التي زرعها أبو الأعلى المودودي وسيد قطب.

لكنها تختلف في تكيتكات التعامل مع مستجدات السياقات الإقليمية، ما يجعل أفغانستان بؤرة حرب لا نهائية، وليست نهاية حرب أمريكية لعقدين من الزمن، الأمر الذي يضع منطقة وسط آسيا أمام اختبارات صعبة لآليات الاستجابة الجماعية للتهديدات الأمنية، وكذلك قدرة الدول منفردة على فرض اجراءات آحادية تدفع بحماية رؤيتها للأمن القومي. على أن الصورة الكلية لهذه السلسلة من التحديات، تبدأ من بيئة أمراء الحرب وما يجري بين أقطابها.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى