
منظمة بروجيكت سنديكيت: صفقة واشنطن مع طالبان تنذر بانتهاء حقبة “السلام الأمريكي”
عرض- ماري ماهر
نشر موقع منظمة “بروجيكت سنديكيت“، مقالًا لأستاذ الدراسات الاستراتيجية بمركز أبحاث السياسات في نيوديلهي، براهما تشيلاني، بعنوان “وفاة السلام الأمريكي في كابول”، قال فيه إن استيلاء الإرهابيين على أفغانستان، في أعقاب قرار الرئيس الأمريكي جو بايدن السريع بسحب القوات العسكرية، أدى إلى وضع نهاية رهيبة لأطول حرب خاضتها الولايات المتحدة، معتبرًا أنه يشكل لحظة فاصلة لإضفاء الطابع الرسمي على نهاية “باكس أمريكانا” (وهو مصطلح لاتيني يعني “السلام الأمريكي” ويقصد به فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية لسبب طغيان النفوذ الأمريكي بها) وإسدال الستار على صعود الغرب الطويل.
وفي الوقت الذي تواجه تحديات كبيرة من قِبل الصين رغم تفوقها العالمي، قد لا تتعافى الولايات المتحدة أبدًا من الضربة التي تلحقها هذه الكارثة الاستراتيجية والإنسانية بمصداقيتها ومكانتها الدولية؛ فهي تبعث برسالة إلى الحلفاء مفادها أنهم لا يمكنهم الاعتماد عليها.
اندلعت كارثة أفغانستان بعد أن تخلت الولايات المتحدة عن الحكومة الأفغانية وتحالفت مع أكثر الإرهابيين دموية في العالم، وهي حركة طالبان؛ حيث أبرم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب “صفقة فاوستية” معهم (صفقة مع الشيطان)، ثم سارعت إدارة بايدن إلى تنفيذ الخروج العسكري الذي تمليه الصفقة، على الرغم من أن طالبان كانت تنتهك الاتفاقية علنًا.
ارتبط الانهيار الدراماتيكي للدفاعات الأفغانية ثم الحكومة ارتباطًا مباشرًا بخيانة الولايات المتحدة، ويعترف بايدن بأن ترامب “سحب القوات الأمريكية إلى حد أدنى يبلغ 2500 في أفغانستان”. ومن خلال رفض الاحتفاظ بهذه البصمة العسكرية الصغيرة وعن طريق الأمر بخروج سريع في بداية موسم القتال السنوي، سحب بايدن البساط من تحت أقدام الجيش الأفغاني، مما سهل عملية اكتساح طالبان.
وكانت الولايات المتحدة قد دربت القوات الأفغانية وجهزتها ليس للعب دور مستقل لكن للاعتماد على قدرات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي لمجموعة من ضرورات ساحة المعركة، وتنوعت التدريبات بين الدعم الجوي القريب، بما في ذلك الطائرات بدون طيار لإدراك الموقف، والحفاظ على أنظمة الأسلحة التي توفرها الولايات المتحدة. ولذلك، أدى انسحاب بايدن المأساوي لقواته دون خطة انتقالية للحفاظ على القدرات القتالية الأفغانية إلى إطلاق تأثير الدومينو، حيث انسحب 8500 من قوات الناتو وحوالي 18 ألف متعاقد عسكري أمريكي أيضًا وتُرك الجيش الأفغاني في مأزق.
هذا المعنى عبر عنه المدير العام السابق لوكالة المخابرات المركزية، ديفيد بتريوس، حينما قال إنه منذ انتهاء العمليات القتالية الأمريكية في أفغانستان (1 يناير 2015)، كان الجنود الأفغان يقاتلون ويموتون من أجل بلدهم بشجاعة حتى تخلت عنهم الولايات المتحدة فجأة هذا الصيف، مما أدى إلى تعريض الدفاعات الأفغانية للخطر، ويعزز هذا التقدير عدد القتلى العسكريين؛ فمنذ انتهاء الدور القتالي للولايات المتحدة قبل أكثر من ستة أعوام ونصف، فقدت قوات الأمن الأفغانية عشرات الآلاف من الجنود، بينما تكبد الأمريكيون 99 قتيلًا فقط، العديد منهم في حوادث غير عدائية.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تتخلص فيها الولايات المتحدة من حلفائها؛ ففي خريف عام 2019، تخلت الولايات المتحدة فجأة عن حلفائها الأكراد في شمال سوريا، وتركتهم تحت رحمة هجوم تركي. لكن في أفغانستان، نتجت هزيمتها وإذلالها عن فشل القيادة السياسية وليس العسكرية، وتجاهل بايدن الظروف على الأرض وأوامره بعودة جميع القوات الأمريكية إلى ديارهم. والآن، تتوج الحرب الأمريكية في أفغانستان التي استمرت عقدين من الزمن بعودة العدو منتصرًا إلى السلطة.
وفي حين قُتل 58220 أمريكيًا (معظمهم من المجندين) في فيتنام، مات 2448 جنديًا أمريكيًا (جميعهم متطوعون) على مدار 20 عامًا في أفغانستان. ومع ذلك، فإن التداعيات الجيوسياسية لهزيمة الولايات المتحدة في أفغانستان هي أكثر أهمية على الصعيد العالمي من الهزيمة الأمريكية في فيتنام.
وقد لا يكون لحركة طالبان التي ترعرعت في باكستان مهمة عالمية، لكن عقيدتهم العسكرية للإسلاموية العنيفة تجعلهم رابطًا مهمًا في حركة جهادية دولية تثير العداء تجاه المسلمين غير السنة. وسينشط استعادة طالبان للسلطة الجماعات العنيفة الأخرى في هذه الحركة، مما يساعد على إعادة إحياء الإرهاب العالمي.
وفي إمارة طالبان، من المرجح أن يجد تنظيم القاعدة وبقايا تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الباكستانية ملاذًا. ووفقًا لتقرير حديث لمجلس الأمن فإن “طالبان والقاعدة يجمعهما تحالف وثيق والتعاون من خلال شبكة حقاني ومقرها باكستان”.
إن تفكك الجهود المبذولة لبناء أفغانستان ديمقراطية وعلمانية سيشكل تهديدًا أكبر بكثير للعالم الحر من الانهيار السوري، الذي أدى إلى تدفق هائل للاجئين إلى أوروبا وسمح لداعش بإعلان الخلافة وامتدادها إلى العراق، كما أن قوة طالبان في أفغانستان ستهدد عاجلاً أم آجلاً المصالح الأمنية الأمريكية في الداخل والخارج. وعلى النقيض من ذلك، سيخلق خروج الولايات المتحدة مهزومة مساحة أكبر للتوسع الصيني، بما في ذلك ضد تايوان، مع التأكيد على التراجع الذي لا رجعة فيه لقوة الولايات المتحدة.
ومن المؤكد أن الصين ستستغل الانفتاح الجديد لشق طرق استراتيجية في أفغانستان الغنية بالمعادن وتعميق تغلغلها في باكستان وإيران وآسيا الوسطى. وقد أوعزت الصين للحركة التي حافظت على علاقات طويلة الأمد معها احتمال توفير الأمرين اللذين تحتاجهما بشدة لحكم أفغانستان وهما: الاعتراف الدبلوماسي والبنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها والمساعدة الاقتصادية.
ختامًا، إن إعادة تشكيل إمارة متشددة من القرون الوسطى، وتمجيد الجهاد في أفغانستان سيكون نصبًا تذكاريًا لغدر الولايات المتحدة، وستكون صور مروحيات شينوك وبلاك هوك التي تنقل الأمريكيين من مجمع السفارة الأمريكية في كابول، وتذكر بالإخلاء المحموم من سايجون عام 1975، بمثابة شهادة على فقدان الولايات المتحدة لمصداقيتها وخسارة العالم لأمريكا.
باحثة ببرنامج العلاقات الدولية