
“مراسم تنصيب في أجواء مغايرة”.. تعرف على التحديات التي تواجه رئيس إيران الجديد؟
تسلم رئيس القضاء السابق في إيران، إبراهيم رئيسي، أمس الثلاثاء حكم تنصيبه الرئيس الثامن للبلاد منذ انتصار الثورة التي جاءت ب”آية الله الخميني” حاكماً لها عام 1979.
وخلال مراسم التنصيب، تطرق “رئيسي” إلى بعض أبرز التحديات التي تواجهها إيران، وكان من بينها المشكلات الاقتصادية التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد حزم العقوبات التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، إثر خروجه من الاتفاق النووي في مايو 2018.
واستحوذ عمقُ المشكلات الاقتصادية المحلية في إيران على أغلب حديث “رئيسي” في كلمته الأولى بعد تنصيبه رسمياً من قِبل المرشد الأعلى، علي خامنئي، رئيساً لإيران في “حسينية الإمام الخميني” الواقعة بالعاصمة طهران بحضور خامنئي وعدد آخر من كبار المسؤولين الإيرانيين خلفاً للرئيس المنتهية ولايته، حسن روحاني.
أكد “رئيسي” عمق الأزمة الاقتصادية التي تواجهها بلاده، قائلاً إن معدل التضخم وصل إلى أكثر من 44% وارتفعت ديون الحكومة لثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل 6 سنوات. وحسب تصريحات رئيسي نفسه، فقد وصل العجز في الميزانية الإيرانية إلى 450 ألف مليار تومان (حوالي 17.5 مليار دولار أمريكي).
ومن جانب آخر، أشار رئيسي إلى تحدٍ كبير يواجه حكومته المنتظرة، ألا وهو فقدان الثقة ما بين الشعب والحكومة، حسب تعبيره، حيث أكد ضرورة التقليل من هذه الفجوة.
وفي الواقع، تُعد الأزمة الاقتصادية في إيران من أهم ما تناول إبراهيم رئيسي في كلمته الأولى له كرئيس للبلاد، وقبل أدائه اليمين الدستورية الخميس المقبل 5 أغسطس في البرلمان.
لكن حديث إبراهيم “رئيسي” لم يذهب بعيداً لذكر تحديات أخرى اقتصادية وسياسية وأمنية من المقرر أن تواجهها حكومته محلياً، وعلى المستوى الخارجي أيضاً.
ما هي أبرز التحديات المحلية التي ستواجهها الحكومة الجديدة في إيران؟
تنقسم التحديات التي يُتوقع بشدة أن تواجهها حكومة المتشددين الجديدة في طهران، إلى قسمين:
الأول: التحديات الاقتصادية
وهي المتمثلة في مستويات التضخمالمرتفعة، ومستوى البطالة الذي وصل العام الماضي 2020 إلى 11.2% بحسب بيانات صندوق النقد الدولي، والفقر المدقع الذي كشف مركز الإحصاء الرسمي في إيران مؤخراً عن ارتفاعه ليشمل أكثر من 50% من السكان في إيران.
ومن المثير للقلق أنه قد تم الإعلان مؤخراً عن ارتفاع نسب الفقر في إيران من 18% عام 2011 إلى أكثر من 50% في الوقت الحالي، حيث قفزت في عام واحد هو 2019 بحوالي 11%.

وعلاوة على ذلك، شهدت العملة الإيرانية عام 2020 انهياراً تاريخياً أمام الدولار الأمريكي لم يسبق له مثيل في عهد الجمهورية. فقد وصل سعر صرف العملة الإيرانية أمام الدولار الأمريكي خلال الأيام الأخيرة إلى 250 ألف ريال أمام كل دولار واحد، ما يعني أنها سجلت انخفاضاً بنسبة تزيد عن 50% مقارنة بعام 2018.
وجاءت تداعيات أزمة فيروس كورونا، حيث كانت إيران الأكثر تأثراً بها في الشرق الأوسط، لتزيد من حدة التدهور الاقتصادي في إيران بعد توقف تجارتها لبعض الوقت مع عدد من جيرانها ودول أخرى خارج الإقليم، إضافة إلى توقف بيع النفط، لأسباب أخرى، الذي يوصف بأنه المصدر الرئيس للدخل القومي الإيراني.
ويكون على الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي معالجة هذه المشكلات عن طريق اللجوء لوسائل محلية ودولية، تتمثل أبرزها في إتمام التوصل إلى إعادة صياغة الاتفاق النووي المبرم عام 2015 مع القوى الكبرى، وكان الرئيس الأمريكي السابق ترامب قد أعلن خروجه منه في 2018. ولكن على الرغم من تأكيد رئيسي السيرَ في طريق استكمال المفاوضات، إلا أنه صرّح اليوم قائلاً إن تحسين هذه الظروف الاقتصادية “لن يكون رهن إرادة الأجانب”.
ولتفهم هذه الجملة الأخيرة، يمكننا ربطها بتصريح آخر سابق لإبراهيم رئيسي في أول مؤتمر صحفي له في يونيو الماضي عقب الإعلان عن فوزه حين قال إن “سياستنا الخارجية لن تبدأ بالاتفاق النووي ولن تنتهي به”. حيث يشير حديث رئيس القضاء السابق ضمنياً إلى أن الاتفاق النووي وما ينتج عنه من رفع للعقوبات لن يكون الركيزة الأساسية لحكومته من أجل إحداث نمو اقتصادي محلي.
وهو ما يعني بشكل غير مباشر تركيز حكومة الرئيس الجديد بشكل أكبر على الاتفاقية التي وقعتها بلاده مع الصين في مارس 2021 لمدة 25 عاماً وتشمل العديد من المجالات أبرزها الاستثمارات الاقتصادية الضخمة. وفي هذا الصدد، كانت مجلة “بتروليوم إيكونوميست” البريطانية قد نشرت العام قبل الماضي تفاصيل عن هذه الاتفاقية جاء فيها أن “الصين سوف تستثمر 280 مليار دولار في صناعة النفط والغاز و120 مليار دولار في صناعة النقل الإيرانية”. وبشكل عام، تمنح هذه الاتفاقية الأولوية لبكين في تنفيذ خطط التنمية داخل إيران.
وبناءً على هذا التوجه الشرقي المحتمل لحكومة رئيسي على النقيض من الميل نحو الغرب الذي تبنته حكومة حسن روحاني، يُتوقع أن تكون الحصة الكبرى في السوق الإيراني مستقبلاً للشركات الصينية والروسية، إضافة للشركات الأوروبية بعد الانتهاء من إعادة صياغة الاتفاق النووي.
ثانياً: التحديات السياسية
نجم عن هذه الأزمات الاقتصادية بالأساس أزمات سياسية أخرى تتمثل أبرزها في الاحتجاجات المستمرة داخل إيران والتي تندد بوصول المؤشرات الاقتصادية سالفة الذكر إلى هذا الحد من التدهور. وكانت أبرز موجات الاحتجاجات هذه تلك التي وقعت عام 2017/2018 والتي عمت أرجاء إيران بداية من مدينة مشهد شمال شرقي البلاد وصولاً إلى كرمانشاه شمال غربي البلاد.

إن حكومة رئيسي سيكون عليها مواجهة هذه الاحتجاجات بإيجاد نمو محلي حقيقي وخفض لمعدلات البطالة والفقر والتضخم، خاصة أنه وعد تكراراً وأكد مراراً على أولوية الملف الاقتصادي لحكومته، مُتبِعاً ذلك بانتقادات حادة ومستمرة لسياسات حكومة روحاني.
وسيكون على حكومة رئيسي المنتظرة أيضاً التعامل مع ملف خطير، ألا وهو فقدان آلاف المواطنين أموالهم في شركات مالية بعضها وهمي. إذ لا يزال فاقدو الأموال الإيرانيون مستمرين في التظاهر من أجل استعادة أموالهم. وفي السياق نفسه، سيكون على الحكومة الجديدة في طهران توفير الرواتب لكثير من الموظفين الذين تتأخر رواتبهم لأشهر، وكان من أشهرهم مؤخراً عمال مترو العاصمة طهران.
ومن جانب آخر، لم يكن ممكناً تجاهل وضع علم لإيران بهذا الحجم في مراسم تنصيب الرئيس الجديد أمس الثلاثاء، أياً كانت هويته. إن تفسير هذه يأتي ضمن تأكيد خامنئي خلال الفترة الماضية على ضرورة “الوحدة” الداخلية في البلاد. حيث تصاعدت حدة الصراعات داخل هيكل النظام الإيراني مؤخراً، بين المتشددين والإصلاحيين وداخل كل تيار بذاته، وأبرز مثال على ذلك الانتقادات الحادة التي لطالما يوجهها الرئيس الأسبق للبلاد محمود أحمدي نجاد للجميع، خاصة للمتشددين على الرغم من عدم انتماءه تنظيمياً إليهم، بداية من خامنئي وانتهاءً بالوزراء.
إن الحملة الانتخابية الأخيرة وما سبقها من حملات دعائية كشفت بالفعل عن حجم العداء الذي يكنه كل طرف من التيارات السياسية في إيران للطرف الآخر. وهنا، نتذكر ما كشف عنه الملف الصوتي المسرب لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في شهر أبريل الماضي من فجوة ونزاع كامن بين المتشددين والإصلاحيين في طهران.
ومن زاوية مختلفة، تجئ المناهضة المستمرة للسياسات المجتمعية للنظام الإيراني داخلياً كإحدى التحديات أمام نظام طهران. فالمجتمع الإيراني الحالي يختلف كثيراً عن مجتمع السبعينيات الذي ساعد كثيرون من أفراده آنذاك الخميني على الوصول إلى الحكم.
وعلى سبيل المثال، تشهد معارضة ارتداء النساء للحجاب في المجتمع الإيراني نمواً بارزاً خلال السنوات الأخيرة. ففي عام 2018، أكد المكتب الرئاسي في إيران أن هناك تزايداً في أعداد المواطنين الإيرانيين الرافضين لإجبار النساء على ارتداء في الحجاب في البلاد. ووصف المكتب في ذلك الوقت زيادة معارضة ارتداء الحجاب في إيران على أنه أمر “مثير لقلق” النظام في طهران.
ومستقبلاً، ربما يصبح من نصيب حكومة رئيسي التعامل مع التحدي السياسي الأكبر أمام النظام في طهران منذ 1979، ألا وهو سيناريو الاستعداد لمرحلة ما بعد رحيل علي خامنئي.
التحديات على الصعيدين الإقليمي والدولي
تتشابك هذه التحديات سوياً، وذلك على النحو التالي:
التحديات الاقتصادية إقليمياً
يبدو أن حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي ستواجه تحدياتٍ خارجية إقليمية متجددة كانت قد انتهت نسبياً خلال عقد التسعينيات من القرن الماضي. فبسبب التدهور الجاري فيما يخص الحالة الأمنية في إقليم آسيا الوسطى إثر بوادر تشير إلى تجدد الحرب الأهلية في أفغانستان، يُتوقع أن تتأثر تجارة إيران مع جارتها أفغانستان.
فقد سيطرت عناصر حركة “طالبان” على معبرين اثنين من بين 3 معابر رئيسية للتجارة البينية بين كابل وطهران، وهما معبر “إسلام قلعة” بولاية هرات الأفغانية والثاني معبر “ابو نصر فراهي” بولاية فراه الأفغانية أيضاً. وبذلك، لم يتبق سوى معبر يربط إقليم سيستان وبلوشستان الإيراني بأفغانستان.
يذكر أن أفغانستان تُعد من بين أهم الشركاء الإقليميين التجاريين لإيران، وكانت طهران قد أعلنت العام الماضي أن حجم معاملاتها التجارية مع كابل قد بلغ آنذاك حوالي 3 مليارات دولار.
التحديات السياسية الإقليمية
ترتبط هذه القضية بسابقتها، ألا وهي حالة الفراغ الأمني في أفغانستان. فهذا الملف لا يقل أهمية عن نظيره الاقتصادي، الذي سبقت الإشارة إليه. وتتمثل خطورته في تداعياته التي من بينها احتمالية وصول “طالبان” إلى الحكم في كابل، وإن كان هذا الأمر في طريقه إلى أن يصبح غير مرجح في ظل ما يبدو من تصميم الشعب الأفغاني بمختلف فئاته على مواجهة هذه الجماعة وغيرها.

وتشمل مخاطر الفوضى في أفغانستان أيضاً تصاعد نشاطات الجماعات الإرهابية مثل “القاعدة” و”داعش” و”طالبان”، إلى جانب توقعات قوية بموجات نزوح جماعية من ملايين الأفغان. وهذه الجماعات تعتبرها طهران بأي حالٍ من الأحوال تهديداً لها.
ويستتبع هذا التوتر في أفغانستان من زاوية أخرى مخاوف إيرانية من تعزيز بعض الأطراف الإقليمية لدورها في الجارة الشرقية أفغانستان، وعلى وجه الخصوص باكستان وتركيا التي أعلنت بالفعل أنها ستتولي مسؤولية مطار كابل الدولي، المعبر الدولي الرئيسي لأفغانستان.
ومن جانب آخر، لا يزال الصراع بين إيران وإسرائيل مستمراً في بعض مناطق الشرق الأوسط، ومن بينها مياه الخليج العربي وبعض المواقع في الشام بسوريا ولبنان، والعراق آيضاً. ويبدو أن التوترات الإيرانية الإسرائيلية في طريقها للتصعيد، حيث إن حكومة متشددة يمينية أخرى في إسرائيل قد تم تنصيبها مؤخراً برئاسة نفتالي بينيت، ولا تزال تهدد بإمكان شنها عملاً عسكرياً منفرداً ضد إيران.
التحديات الاقتصادية على المستوى الدولي
تبرز أهم هذه التحديات في رغبة الحكومة الجديدة التوصل إلى إعادة صياغة الاتفاق النووي من أجل رفع العقوبات الاقتصادية الدولية والأمريكية عن إيران، ما سوف يساهم في تحقيق نمو اقتصادي محلي.
وسوف يعزز رفعُ العقوبات انخراطَ إيران في الاقتصاد الدولي، على الرغم من أنها سوف تظل تواجه مشكلات أخرى في هذا الصدد بسبب عدم انضمامها إلى مجموعة العمال المالي الدولية (فاتف/FATF) وضم الأخيرة طهران إلى قائمتها السوداء تبعاً لذلك، مما سيحد من قدرة الحكومة الإيرانية المقبلة على الحصول على بعض الأموال المملوكة لها في الخارج، أي أنها ستظل محجوبة في بنوك أجنبية.
التحديات السياسية دولياً
سيظل السلوك الإيراني في منطقة الشرق الأوسط وخارجها عاملاً رئيسياً في تحديد مدى انخراط إيران في المجتمع الدولي وإنهاء عزلتها. ومن بين أهم الدول المعنية بهذا الولايات المتحدة الأمريكية. ولكن يبدو أن علاقات واشنطن وطهران لن تكون على ما يرام، للعديد من الأسباب من بينها رفض إيران مناقشة ملف الأنشطة الصاروخية والإقليمية، إضافة لإعلان الرئيس الجديد رفضه الجلوس مع جو بايدن.
ويظل “الملف الصاروخي” و”الإقليمي” لطهران منبعا متجددا للتوترات ما بين إيران وواشنطن والاتحاد الأوروبي أيضا؛ ذلك لأن الدول الكبرى تتفق في ضرورة مناقشتهما والتفاوض حولهما.
باحث بالمرصد المصري