دول المشرق العربي

تقارب روسيا وحزب الله: تثبيت للانتصار العسكري في سوريا أم صناعة للملوك في لبنان؟

“تثبيت للانتصار السياسي بعد العسكري” في سوريا هذا هو الاتجاه الذي ذهب أغلب الآراء إلى وضع زيارة حزب الله إلى موسكو في إطاره؛ إذ يشير البعض إلى أن زيارة حزب الله إلى موسكو لا تأتي على خلفية تنسيق انسحاب الحزب من سوريا، وإنما تأتي في سياق أن حزب الله ربما غدا طرفًا موثوقًا بالنسبة لروسيا، وبحثت الزيارة إمكانية إعادة تموضع قوات “حزب الله” في سوريا، للمساعدة في خفض التوتر بالمنطقة في ظل العمليات العسكرية الإسرائيلية المتواصلة في سوريا.

وهي الزيارة التي انزعجت منها إسرائيل بشكل كبير حتى أنها أوفدت وزير خارجيتها “جابي أشكينازي” للقاء وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بعد يوم واحد من لقائه بوفد حزب الله.

وفي هذا السياق فإن التعامل الروسي مع حزب الله يأتي دومًا في سياق التخلص من السيطرة الأمريكية – الإسرائيلية التي تسعى إلى عرقلة أي تواصل مع الحزب الشيعي وتقليص نفوذه. الزيارة التي تضمنت الكثير من اللقاءات على مستوى رفيع تشير إلى أنه مهما كانت تحفظات موسكو على حزب الله بوصفه من الفواعل من غير الدول إلا أنه يكفي أن يؤرق الحزب وكيانه الجانب الأمريكي حتى يكون مدعاة للتقارب بين روسيا وحزب الله، وهو نفس الأمر الذي يشير إليه بعض الخبراء باعتباره ” أضغاث أحلام”.

خصوصية الموقف الروسي

روسيا تنظر للإدارة الأمريكية الجديدة بعين الريبة وترى أنها لن تغير منهجها في التعامل مع آسيا والبلقان حيث دأبت على الدوام على إشعال الأوضاع وإثارة التوترات في تلك المنطقة. وحسب محللين فإن زيارة حزب الله تأتي في إطار تحولات دولية ضخمة، بل وتتويجًا للتعاون بين سوريا وحلفائها، وهو التعاون الذي أنجز انتصارًا كان قادرًا على إعادة إظهار موسكو بقوة على الساحة الدولية بوصفها قوة قادرة على الحل وعلى تغيير مجرى الأحداث.

ورغم أن اللقاء بين حزب الله والمسؤولين الروس تطرق إلى الكثير من الأمور وشرَق وغرَب إلا أن سوريا بقيت الأكثر حضورًا وتأثيرًا على النقاش، فضلًا عن أن الانتصار العسكري يحتاج إلى تثبيته بانتصار سياسي، ولذلك يدفع الطرفان باتجاه تسوية الأوضاع سياسيًا في الداخل السوري عن طريق الذهاب للانتخابات وإعادة انتخاب الرئيس السوري بشار الأسد، وفي هذا الإطار تعمل موسكو على توفير حزمة من المساعدات لسوريا لمساعدتها في مواجهة قانون قيصر، ولكن هذه المساعدات ستفي بالغرض حتى الفترة التي تسبق الانتخابات فقط أما الفترة فيما بعد الانتخابات السورية فلا يعرف حتى الآن كيف ستسير على وجه التحديد.

لا شك أن موسكو تريد أن تكون وحيدة في سوريا بعد أن تمكنت من الوصول إلى المياه الدافئة في المتوسط، إذ لا ترغب بوجود إيران أو “حزب الله” ولا حتى تركيا، ولذلك فإن إعادة تموضع حزب الله قد تكون تمهيدًا للانسحاب بناءً على مقاربة روسية – إسرائيلية.

انعكاسات بيروتية

أما في بيروت فقد ظهر للزيارة انعكاسات تمثلت في لقاء رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل مع السفير الروسي في بيروت ألكسندر روداكوف، إلا أن الجانب الروسي -ورغم هذه التدخلات المتكررة- كان حريصًا على إصدار بيان يؤكد فيه عدم رغبة روسيا في التدخل في الشأن الداخلي اللبناني.

ولكن في الخفاء يدعم الطرف الروسي حزب الله ويدعم استقراره وبقاءه لأنه يرى حجم الضغط الذي تخلقه الولايات المتحدة على لبنان ولا يرغب في أن يؤدي استمرار هذا الضغط إلى إسقاط الدولة في النهاية مما يؤدي إلى توتر الأوضاع في سوريا وهو الأمر الذي لا ترغب به روسيا لا الآن ولا فيما بعد.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Downloads\Doc-P-803868-637515605134826179 (2).jpg

على جانب آخر يظهر التقارب بين روسيا وحزب الله فيما يتعلق بموافقة الطرفين على الحريري كرئيس للحكومة لكونه يحقق نوعًا من الانضباط والتوازن بين المكونين السني والشيعي، ولكن في نفس الوقت لن يكون هذا الدعم على حساب عون أو حلفاء روسيا الباقين في القصر، ولن يسمح للحريري بالحصول على هامش في البرلمان يتيح له عرقلة أي من الأمور، من ناحية أخرى فإن الحريري يدرك ذلك ولا يرغب في أن يكون مجرد رئيس حكومة شكلي يحل أزمة الشيعة والسنة في لبنان.

وبما أن موسكو تشهد تراجعًا اليوم بالنسبة لدعم حزب الله فهي ترغب بشكل أو بآخر في لعب دور صانع الملوك هناك، وكما كانت أول زيارة جرت في عام 2011 بدعوة روسية أيضًا جرت الزيارة الأخيرة في هذه الأيام في إطار من السرية حيث لا تتوافر حولها سوى معلومات قليلة.

تطلعات اقتصادية ضخمة

وكما هو الحال مع لبنان فإن موسكو لا تستهدف فقط تثبيت أو توسيع وجودها العسكري في سوريا فقط، وإنما تستهدف أيضًا تحقيق مصلحة اقتصادية لأن الأوضاع إذا اتجهت للاستقرار داخل سوريا وحتى إجراء الانتخابات القادمة فيمكن لموسكو أن تسوق لذلك بأنه نجاح عسكري وسياسي لها، وبالتالي تستطيع كسب ثقة المجتمع الدولي لقيادة جهود إعادة الإعمار.

وربما يشير إلى ذلك توقيت الزيارة بين حزب الله وموسكو والذي جاء في أعقاب جولة وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في الخليج ولقاءاته مع المسؤولين في أبو ظبي. صحيح أن موسكو لم تستطع أن تقنع العالم إلى الآن بشكل تام بسيناريوهاتها في سوريا إلا أنه ولإحقاق الواقع أيضًا فإنه لا بديل عن السيناريو الروسي في سوريا حتى الآن.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Downloads\4d0da007-741c-4b8b-96e4-b2e3b4d8be68.png

ونأتي إلى لبنان الذي يمثل أيضًا امتدادًا للمصالح الروسية في البحر المتوسط وخصوصًا مقارنة بإطلالته المتميزة على هذا البحر الغني بالثروات، وكانت موسكو تسعى للتهدئة في لبنان على الدوام لذلك السبب حتى أنها عارضت “ثورة الأرز “في 2005 لأنها رأت فيها استمرارًا للثورات الملونة التي اجتاحت جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق.

ومن هذا المنطلق تسعى روسيا للوصول إلى صيغة توافقية في لبنان تتيح الموافقة على المبادرة الفرنسية للوصول إلى وضع مستقر داخل لبنان يتيح تشكيل الحكومة، واستقرار الأوضاع في لبنان بما يحقق لروسيا فائدة اقتصادية أيضًا لأنها تسعى إلى أن تكون طرفًا فاعلًا في التنقيب عن الغاز شرق المتوسط لصالح لبنان.

وهناك بالفعل إشارات لا يخطئها أحد على هذا الاهتمام المتزايد، فهناك واحدة من أكبر شركات الغاز الطبيعي في روسيا والتي تعد جزءًا من كونسورتيوم فازت مؤخرًا بمناقصة لاستكشاف الاحتياطيات البحرية المحتملة، والتي يرجح أن تكون ضخمة بالبناء على حجم الاكتشافات الذي تم منذ 2009 وبشكل أكثر وضوحًا وربما أكثر أهمية، وقعت روسنفت الروسية اتفاقًا عامًا مع الحكومة اللبنانية يسمح للشركة بتوسيع وتشغيل مرافق تخزين النفط بالقرب من الحدود مع سوريا. واستطاعت الدخول إلى سوق الطاقة من هذا المجال منذ عام 2017 من خلال شركة نوفاتيك.

هل تخطئ المقاربة الروسية؟ 

كانت هذه إذًا الزيارة الثانية لوفد من حزب الله إلى موسكو من عام 2011، ولكن لا يتوقع أحد أن موسكو يخفى عليها أن قرار حزب الله في طهران وليس في يده –فالحزب ليس سيد قراره- في نفس السياق فإن طهران ليست سهلة المراس حتى تسلم طواعية أحد أوراقها في بيروت “حزب الله ” إلى الحليف موسكو دون أن تساوم على بعض الانفراجات أو حتى مؤشرات الانفراج مع الغرب. 

ويفسر ذلك خروج حسن نصر الله في خطاب بعد زيارة وفده الحزبي إلى موسكو مباشرة ليهدد ويلوح بان الحكومة القادمة محكوم عليها بالفشل، بل أنه حتى حذر من حرب أهلية لا يرجع ذلك إلى أن الحزب سمع ما لا يرضيه في الزيارة ولكن طهران أرادت تذكير الصديق قبل الحليف بأن أمر الحزب ليس بيده وأن أي أوراق لتعميق العلاقات بين موسكو وحزب الله يجب أن تحصل على أختامها في طهران. 

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Downloads\000_Nic6416704.jpg

علاقات ممتدة

إذًا، لا نبالغ عندما نقول إن علاقات موسكو بحزب الله لا تقتصر فقط على أن روسيا لا تصنف الحزب كمنظمة إرهابية، وإنما قامت بدعمه بالعتاد العسكري وخصوصًا في عام 2015 عندما أوشك بشار الأسد على السقوط. 

وترى موسكو أن حزب الله أحسن تنفيذ المهمة كما أوكلت إليه. ولكن روسيا ولأنها تدرك أن بقاء النظام اللبناني كما هو من مصلحتها وأنه يحافظ على نفوذها هناك دعمت بقاءه حتى بعد الانفجار الضخم الذي هز بيروت في الصيف الماضي. ولذلك فإن بقاء لبنان في أزمة ليس بالضرورة خبرًا سيئًا بالنسبة لبوتين لأنه في هذه الحالة قد يستطيع التدخل في الداخل اللبناني بما يخدم مصالحه، ولكن ما زال أمام القوى الغربية الفرصة لتفويت ذلك على بوتين عن طريق إيلاء المزيد من الاهتمام للبنان.

وحيال الطموح الروسي المتنامي في بيروت، لا تقف واشنطن مكتوفة الأيدي؛ فهي تعمل على دعم الجيش الوطني اللبناني بالسلاح وفي عام 2018 على حدة تلقت لبنان مساعدات من الجانب الأمريكي بقيمة 725 مليون دولار وكان منها 29% لصالح المساعدات العسكرية. ومنذ عام 2006 ووفقًا لأرقام الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية منحت الولايات المتحدة للجيش اللبناني مساعدات بقيمة 1.7 مليار دولار.

وتستهدف واشنطن من دعم الجيش اللبناني ليس فقط تنمية قدراته على قتال الإرهابيين وجماعات داعش ولكنها تقوم بذلك أيضًا في سبيل تقويض نفوذ حزب الله، وبطبيعة الحال فإذا كان الجيش اللبناني قوي بما فيه الكفاية للدفاع عن لبنان وقتال إسرائيل والحفاظ على وحدة الأراضي اللبنانية فإنه لا مبرر لحزب الله للاحتفاظ بسلاحه.

C:\Users\Nermeen.Saeed.ecss\Downloads\118621-657891673.jpg

ولكن على الجانب الآخر هناك اعتراضات على المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للبنان داخل الكونجرس، لأن جانبًا من الداخل الأمريكي يرى أن لبنان قد ضاع بالفعل وأنه ينبغي للولايات المتحدة أن تعود مرة أخرى عندما يتم تقويض حزب الله إلى غير رجعة.

معادلة مختلة

التيار الأمريكي الذي يستند على رواية تقليل الدعم للبنان بوصفه أنه قد دخل بالفعل في طريق اللا عودة لا يضع في حسبانه أن قطع الدعم عنه وإن كان سيتسبب في بعض الضعف والانحسار لحزب الله إلا أنه لن يؤدي إلى تقويض نفوذه في النهاية وقد تم تطبيق هذه التجربة مسبقًا على وكلاء إيران في المنطقة ولم يفلح الأمر. لذلك فإن تقليل المساعدات أو قطعها عن لبنان سيؤدي إلى إضعاف جزئي لحزب الله، إلا أنه سيؤدي أيضًا إلى إضعاف الجيش الوطني اللبناني. وبالطبع فإن كل مكان تخليه الولايات المتحدة في الشرق الأوسط تملؤه إما روسيا أو الصين.

على أي حال يمكننا القول إن الزيارات لا تجري بمحض الصدف؛ فالتوقيتات مدروسة والأهداف المرجوة منها موضوعة سلفًا، ومن الواضح أن الوضع الحالي للعلاقات بين لبنان وروسيا يتطلب أن ينسق اللاعبون مواقفهم، خاصة في الفترة التي تسبق الانتخابات في سوريا لأن الوصول متأخرًا إلى هذا الملعب يعني تضييعًا متعمدًا للفرصة – فرصة تسويق الانتصارين العسكري والسياسي وفرصة الكعكة الاقتصادية المتمثلة في إعادة الإعمار.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

نيرمين سعيد

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى