
بعد أزمة “نافالني”.. “موسكو” و”بروكسل” إلى أين؟
عقد وزير الخارجية الروسي، “سيرجي لافروف”، مؤتمرٍا صحفيا مشتركا، اليوم الاثنين ، مع نظيره الفنلندي، “بيكا هافيستو”، أكد فيه استعداد بلاده للعودة إلى العلاقات الطبيعية مع الاتحاد الأوروبي على الرغم من الأزمة الحالية وأن الخيار في هذا الأمر بيد بروكسل.
وقال “لافروف”، “يجب أن نكون جاهزين لأي تطور للأحداث. والخيار يجب أن تتخذه بروكسل. وإذا قررت بروكسل أنه من الضروري استئناف العلاقات والتخلي عن تفكيكها فسنكون جاهزين لذلك أيضا”، مشيرا إلى أنه لا يوجد لدى روسيا أي مشكلات في العلاقات مع الدول الأوروبية منفصلة.
وذكر أنه، “لا يجب أن نخلط بين الاتحاد الأوروبي وأوروبا. إننا لا نغادر أوروبا. ولدينا الكثير من الأصدقاء والأنصار في أوروبا. وسنواصل تطوير العلاقات المفيدة للجانبين معهم”.
احتجاجات “نافالني”.. أزمة داخلية تُشعل فتيل خلافات دبلوماسية دولية
في الآونة الأخيرة، شهدت أنحاء متفرقة من روسيا احتجاجات متعلقة باحتجاز المعارض الروسي “أليكسي نافالني”. وكانت الشرطة الروسية قد واجهت الاحتجاجات بالقوة نظرًا لأنها احتجاجات غير مرخصة وفقًا للقانون الروسي. تلى ذلك أن واجهت روسيا اعتراضات أوروبية وغربية على اعتقال المعارض الروسي ومحاكمته ومحاولة السلطات الروسية لاحتواء المظاهرات ومنعها من الاندلاع. لكن لم تتوقف الأمور عند حد الاعتراض الأوروبي العلني فحسب، إذ أنه امتد إلى درجة أن شارك دبلوماسيون أجانب في الاحتجاجات بأنفسهم، وهو الأمر الممنوع تمامًا بموجب القانون الدولي المنظم للعلاقات ما بين الدول ودور وطبيعة الدبلوماسيين في كل بلد.
لذلك، أعلنت وزارة الخارجية الروسية بتاريخ 5 فبراير، طرد 3 من موظفي البعثات الدبلوماسية الألمانية والسويدية والبولندية بسبب مشاركتهم في المظاهرات غير المصرح بها دعمًا للمعارض المعتقل أليكسي نافالني. وذكرت الخارجية الروسية، في بيان، أنها استدعت سفير المملكة السويدية والقائم بأعمال جمهورية بولندا ومبعوث سفارة جمهورية ألمانيا الاتحادية، حيث أبلغتهم باحتجاجها “على المشاركة المسجلة لموظفين في القنصليتين العامتين السويدية والبولندية في سان بطرسبورغ والسفارة الألمانية في موسكو في المظاهرات غير الشرعية يوم 23 يناير 2021”. وشددت الوزارة على أن “مثل هذه التصرفات من قبلهم تعتبر غير مقبولة وهي لا تتطابق مع صفاتهم الدبلوماسية”.
وبناءً عليه استخدمت الخارجية الروسية حقها القانوني وأعلنت الدبلوماسيين المشاركين باعتبارهم شخصيات غير مرغوب فيها على الأراضي الروسية، وقامت بطردهم. وقالت الوزارة إن الجانب الروسي يتوقع أن تلتزم البعثات الدبلوماسية السويدية والبولندية والألمانية مع كوادرها بأحكام القانون الدولي بشكل صارم.
وهي الخطوة التي ردت عليها الدول الأوروبية بأن “طردت” في المقابل دبلوماسيين روس. فقد قامت ألمانيا، بتاريخ 8 فبراير، بطرد أحد موظفي السفارة الروسية وإعلانه شخصًا غير مرغوب فيه على خلفية أزمة نافالني. كما أعلنت السويد اعتزامها طرد دبلوماسي روسي كذلك، وفعلت بولندا بالمثل.
كما أعلن وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أنه “يدين بشدة” قرار روسيا طرد دبلوماسيين أوروبيين خلال زيارته لموسكو، داعيا إلى “إعادة النظر” في هذا القرار. كما قال المتحدث باسمه بيتر ستانو، إن بوريل علم خلال لقائه سيرجي لافروف، وزير الخارجية الروسي، أنه سيتم طرد دبلوماسيين أوروبيين من روسيا، وأدان هذا القرار بشدة ورفض مزاعم قيامهم بأنشطة تتعارض مع وضع بلدانهم كدبلوماسيين أجانب. وجدد بوريل دعوة التكتل لروسيا لإطلاق سراح الناشط الروسي نافالني خلال محادثاته مع وزير الخارجية الروسي.
وفي نفس السياق، نددت المستشارة الألمانية “أنجيلا ميركل”، بطرد روسيا للدبلوماسيين ووصفته بأنه خطوة أخرى تبتعد بها موسكو عن حكم القانون! حيث قالت المستشارة ميركل للصحفيين بعد مؤتمر مشترك، الجمعة 5 فبراير، عبر الإنترنت، مع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، حول قضايا الدفاع والأمن “نعتبر أن الطرد غير مبرر”.
مستقبل الأزمة الدبلوماسية بين موسكو والاتحاد الأوروبي.. إلى أين؟
ما يعلن الاتحاد الأوروبي إنه يريده من موسكو، هو إطلاق سراح المعارض الروسي أليكسي نافالني، بالإضافة الى سائر المحتجين الذين تم اعتقالهم خلال الاحتجاجات الأخيرة. لكن ما يريده الاتحاد الأوروبي من موسكو بوجه عام في اللحظة الراهنة يظل متعلقًا بأشياء أكبر بمراحل من مجرد مسألة “نافالني” الشهيرة.
والدليل على ذلك عدد التصريحات التي خرجت الاتحاد الأوروبي وجميعها تدور في نفس الفلك الذي ينفي احتمالية توقيع عقوبات على روسيا بسبب “نافالني”. ويقتصر تدخلهم على التنديد والمطالبة بالإفراج عنه وسائر المعتقلين.
دليل آخر على ذلك، يتمثل بوضوح في زيارة جوزيب بوريل الأخيرة الى موسكو بتاريخ 4 و5 فبراير الجاري. حيث انعقدت محادثات مع وزير الخارجية الروسي، “سيرجي لافروف”، وتخلل هذه المحادثات الدعوة لإطلاق سراح “نافالني” وسائر المحتجزين من المتظاهرين بالإضافة لتوقيع تحقيقات حقيقية بشأن تسممه. لكن كانت هناك موضوعات أخرى أكثر أهمية مطروحة للنقاش على جدول أعمال المباحثات بين الطرفين، كان على رأٍسها المسألة الأوكرانية، والاتفاق النووي الإيراني، ومكافحة جائحة كورونا، وتغير المناخ.
إذا من الواضح أن أوروبا ترغب في إجراء مراجعة شاملة لسياساتها مع روسيا، لكن هذا الأمر ليس من الضروري أن يكون قائما على أزمة “نافالني” بشكل رئيسي. إن أزمة المعارض الروسي أحد الأسباب، وإن لم تكن هي أقلهم أهمية، ولكنها ليست هي السبب الرئيسي الكبير المحرك لزمام الأمور. وكما جرت الأوضاع عادة، فإن الأوضاع الداخلية الروسية لا تشغل أوروبا مثل نظيرتها التي تتعدى حدود روسيا إلى ما وراء ذلك. مثال على هذا النوع من القضايا يتجلى بوضوح في الدور الذي تلعبه روسيا في أوكرانيا وسوريا.
لكن يطرح هنا سؤال نفسه، هل هذا يعني أن أوروبا غير مهتمة بمسألة نافالني؟ بالتأكيد لا. إن أوروبا بالفعل مهتمة وستستمر في المطالبة والتنديد بما حدث، لكن من غير المتوقع أن يرقى تنديدها وضغوطها الى مرحلة عقوبات جديدة. كما أنه من غير المتوقع أن تحدث انفراجة في العلاقات بين الجانبين بعد تصريحات لافروف الأخيرة، نظرًا لأن كل طرف متمسك بموقفه، أن موسكو تدرك جيدًا أن ما يجري هو شأن داخلي صميم وأن تدخل الدبلوماسيين الأوروبيين به هو أمر غير مقبول بحكم القانون والأعراف الدبلوماسية الدولية. فيما تُصر أوروبا بأن تلعب دور الرقيب على قضايا حقوق الإنسان وتتجاهل ما يجري من أحداث مماثلة على أراضيها.
باحث أول بالمرصد المصري



