سياسة

في يومها العالمي.. “الإذاعة المصرية”.. دور ريادي وتشكيل للوجدان عربيا

يحتفل العالم بتاريخ الـ 13 فبراير من كل عام، باليوم العالمي للإذاعة. وقد ظهرت فكرة الاحتفال بهذا اليوم لأول مرة على يد الأكاديمية الإسبانية للإذاعة، ثم جرى تقديمها بعد ذلك بشكل رسمي من قبل الوفد الدائم لإسبانيا أمام اليونسكو خلال الدورة 187 للمجلس التنفيذي في شهر سبتمبر 2011.

ويهتم العالم بالاحتفال بالإذاعة، بسبب ما تحفل به من تاريخ يعود إلى ما يزيد عن مائة عام، حيث لعبت الإذاعة بذلك الوقت مصدر المعلومات الأكثر قوة والقادر على تعبئة التغيير الاجتماعي للكثيرين.  وفي يومنا الحالي، تُعد الإذاعة – على الرغم من أن وجود العديد من وسائل الإعلام المختلفة- واحدة من أكثر وسائل الإعلام انتشارًا وأكثرها قدرة على الولوج عبر نطاق عالمي واسع.

الإذاعة المصرية.. كيف بدأت؟!

من بين إذاعات عالمية متعددة، عرفها العالم في تاريخ مُبكر. تعد الإذاعة المصرية واحدة من الإذاعات الأوائل على مستوى عربي وإقليمي. فقد عرفت مصر الإذاعة قبل عام 1926. وكانت معظم المحطات الأهلية تتركز في مدينتي القاهرة والإسكندرية، وتبث معظم برامجها باللغة العربية، بينما كانت تُذيع بالإنجليزية والفرنسية والإيطالية للأجانب في مصر. وكان معظم أصحاب المحطات من التجار، الذين يرغبون في الترويج لسلعهم.

بمعنى أن الإذاعة في تلك المرحلة كانت تحمل طابعا تجاريا، ومن ضمن هذه المحطات، كان هناك محطة راديو فؤاد، التي أنشأها عزيز بولس، ومحطة راديو فاروق، التي أنشأنها إلياس شقال، كما كانت معظم هذه المحطات شركات بين عدد من الأفراد‏، وكانت ضعيفة الإرسال لا تغطي أكثر من الحي الذي تذيع منه‏ ومعظمها أقيمت في غرفة أو شقة صغيرة‏، وكانت تتعرف على رغبات مستمعيها عن طريق الخطابات والمكالمات. وكان ارسال هذه المحطات يستمر فترة تمتد ما بين 2 إلى 4 ساعات يومية، وكان الجزء الأكبر من المضمون الإذاعي الذي تقدمه معظم هذه المحطات ترفيهيا‏ مما دفع الجمهور الي الشكوى من بعض المضامين الإذاعية‏‏ وكانت المهاترات بين المحطات الأهلية من أهم أسباب إغلاقها‏‏ وتوقفت عن الإرسال في‏29‏ مايو‏ 1934

في عام 1932، أبرمت الحكومة المصرية اتفاقية مع شركة “ماركوني” التلغرافية واللاسلكية الإيطالية. وكان الاتفاق يقضي بأن تقوم الشركة بإنشاء خطوط ومحطات الراديو تحت إشراف من الحكومة المصرية. بحيث يبدأ العمل على إنشاء أربع محطات إذاعية تحت إدارة وزارة المواصلات، ثم وزارة الشؤون الاجتماعية، وأخيرًا تحت إشراف وزارة الداخلية.

وفي القفزة التالية للإذاعة الوطنية، تم افتتاح الإذاعة المصرية لأول مرة بتاريخ مايو 1934، واستهلت الإذاعة عملها من خلال العبارة الحماسية الشهيرة “هنا القاهرة”، ثم تلي ذلك إذاعة آيات من الذكر الحكيم، بصوت الشيخ محمد رفعت، تلي ذلك إذاعة صوت الفنانة أم كلثوم، والتي كانت قد تقاضت أجرًا عبارة عن 25 جنيهًا نظير إحياء حفل الافتتاح، الذي حمل برنامجه طابعًا وطنيًا أصيلاً. حيث غنى فيه أيضًا الفنان صالح عبد الحي، وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب. كما اشتمل برنامج الحفل الإذاعي على إلقاء قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي على لسان حسين شوقي. وألقى الشاعر على بك الجارم كذلك بصوته قصيدة حيا من خلالها ملك البلاد فؤاد الأول ملك مصر والسودان، والمونولوجست محمد عبد القدوس، والموسيقيان مدحت عاصم وسامي الشوا”، ومع أحمد سالم كان المذيع محمد فتحي الذي عرف بلقب “كروان الإذاعة”.

واستمر التعاون بين الحكومة المصرية وشركة “ماركوني” البريطانية حتى عام 1947، بدأت فيه مرحلة تمصير الإذاعة المصرية على يد خبراء مصريين تحت اسم “الإذاعة اللاسلكية المصرية”، وكانت تابعة لرئاسة مجلس الوزراء، وتمَّ تشكيل مجلس إدارة بميزانية مستقلة وصدور تشريع خاص لها.

كيف لعبت الإذاعة المصرية دورا رياديا في الحياة السياسية للبلاد؟

لعبت الإذاعة المصرية دورًا كبيرًا عام 1952، في إنجاح الثورة المصرية من خلال تثبيت دعائمها، حيث عكفت على بث الأغاني الوطنية والبرامج الإذاعية المؤيدة للثورة وأهدافها. وانتقلت الإذاعة بعد ذلك من تبعية مجلس الوزراء إلى وزارة الإرشاد القومي. ثم صدر قرار جمهوري باعتبارها مؤسسة عامة ذات شخصية اعتبارية وألحقت برئاسة الجمهورية عام 1958، ثم أصبحت المؤسسة المصرية العامة للإذاعة والتليفزيون في عام 1961. وصدر قرار جمهوري في عام 1971 بإنشاء اتحاد الإذاعة والتلفزيون. 

وخلال الفترة ما بين 1952- 1981 توسعت الإذاعة في تقديم الخدمات الإذاعية لترتفع عدد ساعات الإرسال من 15 إلى 179 ساعة يومياً، كما اعتمدت 34 لغة للبرامج الإذاعية، وتمَّ إنشاء العديد من الإذاعات المتخصصة أهمها إذاعة صوت العرب‏ عام 1953، والإسكندرية الإقليمية‏ 1954،‏ والبرنامج الثاني ‏1957، والشعب‏ 1959، وفلسطين‏ 1960، والشرق الأوسط ‏1964‏، والقرآن الكريم ‏1964، والبرنامج الموسيقي‏، والشباب 1975.

وبدءً من عام 1981 بدأت الإذاعة المصرية في تطبيق نظام الشبكات الإذاعية، وأصبحت تتكون من 7 شبكات، وتمَّ العمل بنظام رقمنة البث الإذاعي، وهو ما يتيح انتشاراً أوسع لمحطات الإذاعة المصرية، وتمَّ تدشين إذاعات إقليمية ضمت 10 إذاعات هي: القاهرة الكبرى 1981، وسط الدلتا‏ 1982، شمال الصعيد ‏1983،‏ شمال سيناء‏ 1984،‏ جنوب سيناء ‏1985،‏ القناة‏ 1988، الوادي الجديد 1990، مطروح‏ 1991، وإذاعة جنوب الصعيد 1993.

وشكلت الإذاعة المصرية طوال تاريخها الذي يمتد لـ 85 عاماً الوجدان المصري والعربي من جيل إلى جيل، من خلال برامجها الإذاعية العامة والمتخصصة، وارتبط المستمع المصري والعربي بالعديد من أسماء الإعلاميين الذين تميزوا أثناء عملهم بالإذاعة المصرية ومنهم: بابا شارو، سلوى حجازي، ماما سميحة، فهمي عمر، أبلة فضيلة، فؤاد المهندس من خلال برنامج “كلمتين وبس”، صفية المهندس وبرنامجها “ربات البيوت”، أحمد سمير، همت مصطفى، ليلى رستم، عمر بطيشة، وغيرهم من رواد الإعلام في مصر.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

داليا يسري

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى