
ماذا يجري في ميانمار؟
بيان بثه التليفزيون العسكري لدولة ميانمار صباح اليوم الاثنين أعلن فيه وضع كل السلطات في يد القائد الأعلى للقوات المسلحة مين أونج هلينج وإعلان حالة الطوارئ لمدة عام، بدعوى تزوير الانتخابات التي أجريت وتم الإعلان عن فوز ساحق للحزب الحاكم الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية التي ترأسها الزعيمة المدنية أونج سان سو تشي في الانتخابات نوفمبر الماضي، والتي بدورها دعت أنصارها بعدم قبول الأمر والنزول في تظاهرات للاحتجاج على القرار، ووضع الجيش يده على السلطة عقب اعتقال سو تشي وكبار أعضاء الحزب الحاكم، وسبق اتهام سو تشي بارتكاب جرائم إبادة جماعية ضد مسلمي الروهينجا أمام محكمة العدل الدولية وفقاً للشكوى التي تقدم وزير العدل الجامبي با تامابو والتي تخص تهجير دام لأكثر من 700 ألف من المسلمين الروهينجا، وهي ذاتها التي حصلت على جائزة نوبل للسلام لنضالها ضد السلطة العسكرية التي كانت تحكم بلادها، وفرضت عليها الإقامة الجبرية لمدة 12 عاماً، واطلقت عليها التقارير الإعلامية قبل هذا الاتهام بأنها “واحدة من أطهر الناس على وجه الأرض”. فما طبيعة هذا الانقلاب ومن وراءه، ومن هي الأطراف الفاعلة؟ وما هو الموقف الدولي مما حدث؟
المشهد الحالي في البلاد:
جاء انقلاب القوات المسلحة على الحكم عقب اتهامات بتزوير عملية تصويت الانتخابات والتي تم إجراؤها في 8 نوفمبر من العام الماضي وحصد فيها الحزب الحاكم حزب “الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” مقاعد بنسبة 83% من مقاعد البرلمان وهي النسبة التي تمكنه من تشكيل الحكومة، وكان من المقرر للبرلمان أن يعقد أولى جلساته الأثنين وسط مطالب الجيش بالتأجيل.
ونظر المراقبون لهذه الانتخابات والتي تعد الانتخابات الثانية منذ حكم أونج سان سو تشي بأنها بمثابة استفتاء على الحكومة المدنية التي واجهت انتقادات دولية في إدارة أزمة الروهينجا، التي أنهت الحكم تحت قيادة القوات المسلحة ومكنت من وصول حكومة مدنية للبلاد المعروفة باسم “بورما” عام 2011.
وسبق إنقلاب صباح اليوم تصاعد التهديدات من القوات المسلحة بالتحرك ضد ما أسماه تزوير نتائج الانتخابات، عقب تقدمه بشكوى للمحكمة العليا في البلاد اعتبر أن هناك عشرة ملايين حالة تزوير انتخابي على مستوى البلاد، معربا عن رغبته بإجراء تحقيق في الأمر وطالب مفوضية الانتخابات بالكشف عن لوائح التصويت للتحقق منها، وبدورها رفضت اللجنة الانتخابية ما أسمته بمزاعم تزوير الانتخابات التي تقدمت بها القوات المسلحة ووصفتها بالانتخابات النزيهة التي عكست رغبة الشعب.
وشهد اليوم انقطاع الاتصالات والإنترنت في بعض أنحاء البلاد، وانتشر الجنود في شوارع العاصمة “نايبيداو” وفي المدينة الرئيسية والعاصمة السابقة يانجون، وتوقفت محطة الإذاعة الحكومية “إم آر تي في” عن البث والمحطات المحلية بالإضافة إلى محطات البث الدولية، والإعلان بأنها تواجه مشكلات فنية.
ومع تصارع الأحداث والشائعات حول توقعات بحدوث أزمة نقدية اصطف الناس أمام آلات الصراف الآلي؛ فيما أوقفت البنوك مؤقتا جميع الخدمات المالية، وفقا لجمعية بنوك ميانمار، وسيطر الجيش على مبنى بلدية رانجون، العاصمة الاقتصادية للبلاد، وقطع طريق الوصول إلى المطار الدولي.
وفي الساعات الأولى من اليوم، شهد وجود حملات اعتقال ضد سو تشي التي تعتبر بحكم الامر الواقع رئيسة الحكومة، والرئيس وين مينت وقادة أخرون، من أعضاء الحزب الحاكم، وذلك وفقاً لتصريحات المتحدث باسم الحزب ميو نيونت، والتي توقع اعتقاله أيضاً، ونوه بمطالبة الشعب بعدم التصرف بتهور والعمل وفقاً للقانون، فيما انتشرت تصريحات سو تشي لحث مؤيديها على “عدم قبول ذلك” و”الاحتجاج على الانقلاب”. كما تناثرت الأنباء حول مداهمات الجنود لمنازل وزراء واقتيادهم في عدة مناطق، كما فرضت قوات الأمن في العاصمة “الإقامة الجبرية” على أعضاء البرلمان، حيث صرح النائب البرلماني ساي لين ميات، غلق عربات عسكرية مخارج مجمع إسكان البلدية التي يقيم فيها البرلمانيون أثناء جلسات البرلمان.
ووصف المراقبون أمر الاعتقالات بأنها خطوة استفزازية ستلقى معارضة شديدة، وذلك لانتهاك الجيش العملية الدستورية والدستور الذي صاغته القوات المسلحة إبان وجودها في الحكم.
كما أكد التلفزيون العسكري إعلان حالة الطوارئ في البلاد لمدة عام، وتسليم السلطة لقائد القوات المسلحة مين أونج هلاينج.
يذكر أن يعود آخر انقلابين شهدتهما البلاد منذ استقلالها إلى عامي 1962 و1988.
ردود الأفعال الدولية:
أدانت الولايات المتحدة وبريطانيا ما حدث ووصفته بأنه بمثابة انقلاب على الديمقراطية وإعاقة عملية التحول الديمقراطي، وطالبا بالإفراج عن المعتقلين من المسئوليين الحكوميين ورئيسة البلاد التي اعتبرها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، عملية غير قانونية، فيما أكد وزيرالخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين على وقوف الولايات المتحدة مع شعب بوروما في تطلعاته للديمقراطية، وطالب بتراجع الجيش.
وهو ما طالب به أيضاً كل من وزيرة الخارجية الأسترالية ماريس باين، واليابان والهند والاتحاد الأوروبي، وحثوا السلطات على ضرورة احترام القانون والإفراج عن المسئولين المحتجزين.

ودعت فرنسا وفق ما أعلن المتحدث باسم الحكومة جابريال أتال إلى احترام تصويت الناخبين في ميانمار، وأن بلاده “تناقش مع شركائها في إطار الهيئات الدولية” الوضع في ميانمار.
ودعت الصين الجار الأول لميانمار، بحسب المتحدث باسم وزارة الخارجية وانج ون بين جميع الأطراف باحترام الدستور والقانون وحل خلافاتهم لحماية الاستقرار السياسي والاجتماعي؛ فيما اعتبرت كل من تايلاند وكمبوديا، الأمر بمثابة “مسألة داخلية”.
فيما ندد الأمين العام للأمم المتحدة بشدة الأمرالذي صفه بأنه ضربة للديمقراطية، ويتوقع خبراء عقد مجلس الأمن جلسة طارئة كانت مقررة مسبقاً حول الوضع في ميانمار على أن يقدم موعدها إلى مطلع الأسبوع.
فيما أدانت تركيا الأمر وفقاً لبيان وزارة الخارجية التركية، معربة عن رفضها بأي تدخلات عسكرية، أعلنت عن تخوفها من تأثير التطورات عل تفاقم أوضاع مسلمي الروهينجا.
ودعت أنقرة إلى الإفراج الفوري عن المسؤولين المنتخبين والمدنيين الذين ترددت أنباء عن اعتقالهم، وأكدت على ضرورة انعقاد البرلمان الجديد الذي اختارته “الإرادة الحرة” للشعب، في أقرب وقت ممك
من هو القائد العسكري الجديد؟

تم تسليم السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بحسب بيان صادر عن الجيش، إلى القائد العام للقوات المسلحة، مين أونج هلاينج، فيما أصبح الجنرال ميينت سوي رئيساً موقتاً للبلاد.
ولد هلاينج عام 1956، وتولى تولى مناصب قيادية في ولاية مون، ثم تمت ترقيته عام 2002 إلى قائد القيادة الإقليمية، كما تم تعيينه في منصب الرئيس المشترك لأركان الجيش والبحرية والقوات الجوية عام 2010، وأصبح في 2011 القائد العام الجديد للقوات المسلحة.
وتصاعدت
المخاوف من الوصول لهذه التطورات والتي ظهرت ضمنياً في تصريحات مين أونج هلاينج الشخصية
الأكثر نفوذاً في ميانمار، بإن الدستور يمكن “إبطاله” في ظل ظروف معينة.
يذكر أنه تم إدراج هلاينج إلى جانب ثلاثة قادة آخرين في جيش ميانمار
على قائمة العقوبات الأمريكية منذ ديسمبر 2019، على خلفية انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان
ضد مسلمي “الروهينجا” والذي يعتبرهم سكان غير أصليين، وحث محققون تابعون
للأمم المتحدة زعماء العالم على فرض عقوبات مالية على الشركات المتعاملة مع جيش
ميانمار.
من هي أونج سان سوتشي؟

تم منح أونج سان سوتشي البالغة من العمر 75 عاماً جائزة نوبل عام 1991أثناء فترة وجودها قيد الإقامة الجبرية في بريطانيا، وذلك لجهودها كناشطة حقوقية معارضة وقفت ضد سيطرة القوات المسلحة على الحكم في البلاد، وقادت حزب ” الرابطة الوطنية من أجل الديمقراطية” إلى فوز كاسح في أول انتخابات تنافسية علنية في ميانمار، لكن دستور ميانمار منعها من أن تصبح رئيسة لأن ابنيها يحملان جنسية أجنبية.
وحصل حزب سو تشي عام 2015 على غالبية ساحقة، وتشاطرت السلطة مع الجيش الذي يسيطر على ثلاث وزارات أساسية هي الداخلية والدفاع وشئون الحدود، وهو ما جعل رئيس القوات المسلحة هلاينج من الاحتفاظ بنفوذه وسلطاته، حيث يسيطر الجيش على 25% من المقاعد البرلمانية فضلا عن الوزارات الثلاث.
وهي ابنه من أبناء أحد جنزالات الجيش أونج سان، المعروف ببطولته لاستقلال من تحت الحكم البريطاني، والذي تم اغتياله وهي في السنة الثانية من عمرها، قبيل تحقيق الاستقلال للبلاد عام 1948.
ومنذ أن تسلمت منصب مستشارة الدولة في ميانمار، تصدّر الحديث عن معاملة أقلية الروهينجا المسلمة في البلاد؛ ففي عام 2019 تم اتهامها أمام محكمة العدل الدولية وفقاً لشكوى تقدم بها وزير العدل الجامبي با تامابو، على خلفية هجوم أجهزة الأمن على قرى من الروهينجا الأقلية المسلمة من المدنيين في أغسطس 2017 عقب هجوم نفذته الروهينجا ضد أجهزة الأمن في ولاية راخين، وتسببت في تهجير ونزوح أكثر من 700 ألف من الروهينجا إلى بنجلاديش المجاورة، وذلك وسط تقارير تناقلتها وسائل الإعلام الدولية والمنظمات الحقوقية حول الظروف القاسية التي يعيش فيها اللاجئين.
ورفضت سو تشي إدانة الجيش بل دافعت عما حدث، ونفت ارتكاب تلك الفظائع من تهجير وقتل واغتصاب، مشيرة إلى أن الحملة العسكرية في شمال ولاية راخين جاءت كرد على هجمات شنها مسلحون من الروهينجا.
وسط تفسيرات بعدم سيطرتها على القوات المسلحة، مما أفقدها سمعتها المتسامحة دولياً وهو ما دفع العديد من الحلفاء السابقين لاتهامها بالسلبية إزاء ما شهدته البلاد وعدم إدانة قواتها المسلحة، واعتبروها سياسة براجماتية تحاول فيها أن تسيطر على الاختلافات بين مسلمي الروهينجا والقوات المسلحة
لكن وسط الانتقادات الدولية وتعرض حزب أونج سان سو تشي لانتقادات شديدة دولياً على خلفية إدارته لأزمة المسلمين الروهينجا؛ إلا أنها مازالت تحظى بشعبية كبيرة في بلادها ذات الغالبية البوذية، والذي برهن عليها نتائج الانتخابات.
ويصف الخبراء النظام في البلاد بين الحكم المدني والسيطرة العسكرية بأنه نظام هجين يجمع بين خليط غير ديمقراطي ولا استبدادي تماماً، مما أسفر عن خلق هذه التناقضات.
باحثة بالمرصد المصري