القضية الفلسطينية

قمة “القاهرة عمّان”.. منجزات لخريطة طريق جديدة للقضية الفلسطينية

تأتي زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى المملكة الأردنية اليوم 18 يناير 2021 ضمن جهود مضنية تبذلها الدولة المصرية خلال الفترة الأخيرة لإعادة إحياء القضية الفلسطينية وتهيئة كافة الظروف لعودة التفاوض بين فلسطين وإسرائيل، بالتنسيق التام مع الدول العربية المعنية بحلحلة الصراع، وفي مقدمتها المملكة الأردنية التي وصلت علاقات مصر معها إلى مرحلة من التعاون والتنسيق والتكامل لم تشهدها علاقات البلدين من قبل، بناء على حجم الزيارات المتبادلة لزعماء ومسؤولي البلدين، وآلية التعاون الثلاثي التي تضم العراق بجانب مصر والأردن.

تكامل القاهرة وعمّان

حرصت مصر منذ عام 2014 على تعميق أواصر التعاون مع مختلف الدول العربية، وفي مقدمتها الأردن، انطلاقًا من حرص مصر كركيزة للاستقرار في المنطقة على الحفاظ على الأمن القومي العربي وتعزيز التنسيق المشترك في المواقف مع عمّان، بما يسهم في صياغة رؤية عربية واحدة تجاه أزمات المنطقة والمتغيرات التي تشهدها الساحة الإقليمية. وقد تُرجم هذا التنسيق في صورة أكثر من 20 لقاءً جمع بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين منذ عام 2014 وحتى الآن.

وأسست مصر والأردن والعراق آلية للتعاون الثلاثي (مارس 2019) مثّلت نقطة انطلاق جديدة لمسار العلاقات بين القاهرة وبغداد وعمّان، لتعزيز المصالح الاستراتيجية المشتركة، وتنسيق المواقف في القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتعزيز التكامل والتعاون الاقتصادي بين البلدان الثلاثة، عبر تعزيز وتطوير المناطق الصناعية المشتركة، والتعاون في قطاعات الطاقة والبنية التحتية وزيادة التبادل التجاري وتعزيز الاستثمارات المشتركة.

ومن هذا المنطلق شهد اللقاء الذي جمع اليوم بين الرئيس السيسي والملك عبد الله تبادل وجهات النظر حول الجهود المصرية الأردنية لتعزيز آلية التعاون الثلاثي مع العراق، واتفق الجانبان على تكثيف التنسيق المشترك نحو تنفيذ المشروعات والخطط التنموية بين الدول الثلاث. ويفضي هذا التنسيق إلى تحقيق نوع من التكامل السياسي والاقتصادي بين مصر والأردن في سبيل تعزيز منظومة العمل العربي المشترك.

تضافر الجهود لحلحلة القضية الفلسطينية

تمثل القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية وتظل أحد الثوابت الراسخة للسياسة الخارجية المصرية وفق منظور الأمن القومي المصري والأمن القومي العربي، ولذلك حرصت مصر بالتعاون مع الأردن على إعطاء دفعة سياسية ودبلوماسية للقضية التي توارت وتأخر ترتيبها في قائمة الأولويات العربية بعد 2011 بفعل ظهور أزمات عربية جديدة. وتضمن هذا الجهد المصري الأردني العمل وفق مسارين.

1 – دفع عملية السلام

انخرطت القاهرة وعمّان في جهود حثيثة لدفع عملية السلام وإعادة التفاوض بين فلسطين وإسرائيل من جديد، بعد فترة طويلة من تعليق المفاوضات بين الجانبين. وهذا ما اتفق عليه وزراء خارجية مصر والأردن وفلسطين خلال اجتماعهم بالقاهرة (19 ديسمبر 2020)

واستضافت القاهرة (11 يناير) اجتماعًا لوزراء خارجية مصر والأردن وألمانيا وفرنسا في إطار اجتماعات اللجنة الرباعية التي تشكلت (فبراير 2019) بهدف مواصلة التنسيق والتشاور بشأن سبل دفع عملية السلام في الشرق الأوسط نحو سلام عادل وشامل ودائم. وناقش الاجتماع الخطوات الممكنة لدفع عملية السلام في الشرق الأوسط، وخلق بيئة مواتية لاستئناف الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين من منطلق أن تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على أساس حل الدولتين هو مطلب لا غنى عنه لتحقيق سلام شامل في المنطقة

وبالتوازي مع ذلك، أجرى وزير الخارجية المصري سامح شكري اتصالين هاتفيين مع وزير الخارجية الإسرائيلي جابي أشكينازي ووزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي (6 يناير) لتهيئة الأجواء قبل اجتماع اللجنة الرباعية. وعقب الاجتماع التقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي مع وزير الخارجية الإسرائيلي لمناقشة نتائج الاجتماع وبحث سبل استئناف المفاوضات.

2 – إنهاء الانقسام الفلسطيني

تضطلع مصر بدور محوري وتاريخي في مساعي إنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية، على إثر أن هذا الانقسام هو أحد الأسباب التي أدت إلى الجمود الراهن في عملية السلام، وتعمل إسرائيل على إذكائه لاستمرار الأمر الواقع الذي يصب في مصلحتها. 

وشهدت الشهور الأخيرة عشرات الزيارات لوفود مصرية إلى رام الله وقطاع غزة لتحقيق هذه المصالحة بين حركتي فتح وحماس، والعمل على إقامة انتخابات، وآخر هذه الزيارات هي زيارة الوزير عباس كامل رئيس المخابرات العامة المصرية إلى رام الله، ولقائه بالرئيس الفلسطيني محمود عباس ومدير دائرة المخابرات العامة الأردنية اللواء أحمد حسني. وتأتي هذه الزيارة بعد أن أصدر الرئيس الفلسطيني (15 يناير) مرسومًا بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية فلسطينية هي الأولى منذ 15 عامًا، وذلك على ثلاث مراحل؛ إذ تجرى الانتخابات التشريعية (22 مايو) وتجرى الانتخابات الرئاسية (31 يوليو) وتُجرى انتخابات المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية (31 أغسطس).

ويُعدُّ إصدار هذا المرسوم من قبل الرئيس الفلسطيني نتاجًا لجهود عميقة بذلتها مصر مؤخرًا مع السلطة الفلسطينية وحركة حماس انطلاقًا من حرصها على الوحدة الوطنية الفلسطينية وبناء قواعد الثقة بين الأطراف الفلسطينية، وإيمانها بأن حل القضية الفلسطينية غير ممكن الحدوث دون ذلك. ومن المقرر أن تستضيف القاهرة حوارًا وطنيًا فلسطينيًا في الأسبوع الأول من الشهر المقبل، بمشاركة جميع الفصائل الفلسطينية لبحث كيفية إنجاح الانتخابات حسبما أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية اليوم (18 يناير).

واقع تفاوضي جديد

تهدف الجهود المصرية والأردنية لدفع عملية السلام وإنهاء الانقسام الفلسطيني إلى تجاوز تحديات الفترة الماضية تذليل كافة العقبات أمام استئناف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي ازدادت تعقيدًا خلال عام 2020 بفعل الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب.

فقد ساهمت القرارات التي اتخذها ترامب لتعزيز الأمر الواقع من منظور إسرائيل في إضافة الكثير من العراقيل أمام استئناف المفاوضات، ومن هذه القرارات الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والاعتراف بالسيطرة الإسرائيلية على الجولان وإغلاق مكاتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وخفض المساعدات المقدمة إلى وكالة الأونروا، وتأييد الضم الإسرائيلي لأجزاء من الضفة الغربية وغور الأردن، فضلًا عن تقديم خطة للسلام تفرغ القضية الفلسطينية من مضمونها، وتحقق لإسرائيل كل ما تريده.

وتشير المتغيرات الجديدة على الساحتين الإقليمية والدولية وفي مقدمتها تولي الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن منصبه (20 يناير) إلى أن العام الجاري قد يشهد وضع أسس جديدة لحلحلة القضية الفلسطينية واستئناف المفاوضات، بعيدًا عن المعطيات السابقة وفي مقدمتها خطة السلام الأمريكية التي صاغها كبير مستشاري البيت الأبيض للرئيس ترامب جاريد كوشنر ولم تقبلها الأطراف الفلسطينية كافة؛ إذ يمكن أن تمارس الإدارة الأمريكية الجديدة ضغوطًا على إسرائيل للانخراط في مفاوضات وفق مبدأ حل الدولتين.

وذلك انطلاقًا من الوحدة الفلسطينية المنتظر تحققها قريبًا والانتخابات التي ستبدأ مايو المقبل، وكذلك انطلاقًا من احتمالات التغيير التي قد تصيب المشهد السياسي الإسرائيلي المُقبل على انتخابات تشريعية (23 مارس) هي الرابعة في أقل من عامين قد تطيح برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو المستمر في سياساته الاستيطانية التي يسعى بها إلى كسب رضا الإسرائيليين الناقمين عليه، والتي تلقى استنكارًا عربيًا وأوروبيًا ودوليًا.
إجمالًا، ساهمت الجهود التي بذلتها مصر في إنهاء الانقسام الفلسطيني وتحقيق المصالحة، فضلًا عن الجهود التي بذلتها والأردن لدفع عملية السلام في رسم ملامح مشهد جديد للقضية الفلسطينية وخريطة طريق لضمان استئناف المفاوضات والوصول إلى حل شامل للقضية بناء على مبدأ حل الدولتين.  ومن المنتظر أن يعقد مجلس الأمن الدولي جلسة (26 يناير) لبحث القضية الفلسطينية قد تعطي دفعة لهذه الجهود الهادفة لدفع عملية السلام.

+ posts

باحث أول بالمرصد المصري

محمد عبد الرازق

باحث أول بالمرصد المصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى