
بطولة العالم لكرة اليد 2021.. إنجاز مصري يتحدى الجائحة
تستضيف مصر حاليًا فعاليات بطولة العالم لكرة اليد للرجال في دورتها 27 والتي تمتد من من 13 إلى 31 يناير بمشاركة 32 منتخبًا دوليًا، وتأتي هذه البطولة في ظل ظرف استثنائي عالمي، حيث لازالت تعاني كافة دول العالم من تفشي وباء COVID-19 الذي أصاب أكثر من 90 مليون شخص وتسبب في وفاة 2 مليون حالة من بينهم. لكن الدولة المصرية تراهن على خروج تلك البطولة في أبهى صورة ممكنة، فنجاحها سيبرهن على فاعلية المجهودات الوطنية في محاربة انتشار الفيروس، وسيؤكد قدرة البلاد في تنفيذ الفعاليات الرياضية الكبرى.
البطولة الأكبر والأكثر حساسية في تاريخ كرة اليد
شهدت بطولة العالم لكرة اليد للرجال انطلاق أولى دوراتها في عام 1938م بدولة ألمانيا، وقتها كان عدد الدول المشاركة في البطولة لا يزيد عن الأربعة، لكن البطولة لم تستكمل انعقادها منذ ذلك التاريخ بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية في أواخر 1939م. بعد انتهاء الحرب واستقرار السلام في أوروبا والعالم أخذت المطالبات تتزايد بعودة نشاط اللعبة، لذلك تم استئناف البطولة في ثاني دوراتها بالعام 1954م في دولة السويد.
منذ ذلك التاريخ لم تنقطع الإنجازات عن لعبة كرة اليد، فعدد الفرق الدولية المشاركة في البطولة سجل قفزة بين الأعوام 1954م و1995 بنسبة 75 %ليصل عدد الفرق المتنافسة في هذا العام الأخير إلى 24 فريقًا. وشهد انعقاد دورات البطولة تزايدًا خلال العقود المتوالية، فبعد أن كان عدد البطولات المنفذة في عقد الستينيات من القرن الماضي لا يتجاوز ثلاث دورات، ارتفع العدد ليصل إلى خمس دورات في عقد التسعينيات من ذات القرن.
لكن بطولة العالم لكرة اليد للرجال شهدت تطورًا كبيرًا خلال دورتها الحالية للعام 2021م والمنعقدة بمصر، فلأول مرة في تاريخ اللعبة يتنافس 32 فريقًا دوليًا في إطار البطولة، ومن المخطط أن تقوم تلك الفرق بخوض 108 مباراة مقسمة على 3 أدوار تنافسية وهي الدور الأول ثم الدور الرئيسي ويتبعهم دور الثمانية، لتبدأ بعد ذلك على مراحل التصفيات النهائية في ثلاث دورات أخرى وهي دور نصف النهائي ودور الميدالية البرونزية وأخيرًا الدور النهائي.
وتعد البطولة الحالية هي الأكثر خطرًا على المشاركين من الناحية الصحية، وذلك لتفشي وباء كورونا في كافة الدول التي تشارك بفرق رياضية في فعاليات البطولة –انظر الشكل التالي رقم 1-, هذا ما يدفع مصر إلى تحمل عبئًا إضافيًا من أجل تامين تلك الفرق المشاركة وقائيًا، حتى لا يكون هناك مجال أو احتمالية لإلغاء أو تقليص زمن البطولة بعد انطلاقها كما حدث في العديد من الفعاليات الرياضية العالمية إبان عام 2020م المنقضي، وهو ما سنبين صورته في الفقرة التالية.

أزمة الفعاليات الرياضية في 2020م
كانت حالة الفزع التي شهدها العالم من جراء انتشار فيروس كورونا خلال عام 2020م سببًا في إرباك كافة الأنشطة المتعلقة بالمجال الرياضي، فإجراءات التباعد الاجتماعي التي اتخذتها الدول بغية وقاية مواطنيها من خطر الوباء، أدت إلى تقليص أو تأجيل أو حتى إلغاء الفعاليات والمنافسات الرياضية، وذلك لمنع الناس من التزاحم في مكان واحد مثل الملاعب والساحات الرياضية مما يؤدي في النهاية لإصابتهم بـ Covid-19.
لكن تلك الإجراءات الاحترازية تسببت بشكل غير متوقع في إحداث أكبر ازمة للقطاع الرياضي العالمي منذ الحرب العالمية الثانية، فخلال عام واحد فقط تم تأجيل أو إلغاء 110 بطولة دولية وقارية كان أهمها أولمبياد طوكيو وكأس أوروبا لكرة القدم 2020 –انظر الشكل التالي رقم 2–.

المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة حذرت من الوضع الخطير الذي تتسبب فيه الإجراءات الاحترازية على اقتصاديات القطاع الرياضي دوليًا، فإيرادات القطاع والبالغ تقديرها 756 مليار دولار سنويًا، كانت مهددة بالفقدان جراء تعطل الأنشطة الرياضية، وهو ما أثر بشكل مباشر على الملايين من العاملين بذلك القطاع، فضلًا عن تأثيرها على قطاعات أخرى مثل السياحة والإعلام والتجارة.
إجراءات وقائية استثنائية
الانتشار العالمي لجائحة كوفيد -19 خلال العام الماضي، دفع الحكومة المصرية إلى التعاون مع الاتحاد الدولي لكرة اليد من أجل إطلاق عدد من التقييمات الدورية عن احتمالات استئناف أو تأجيل البطولة المزمعة في2021م، ولقد أجمعت تلك التقييمات على إمكانية تنفيذ البطولة في ميعادها المقرر، ولكن بشرط الاهتمام بالشأن الوقائي للمشاركين في الحدث، لذلك تم تدشين مجموعة عمل طبية مشتركة من مختصين مصريين وآخرين تابعين لمنظمة الصحة العالمية.
ولقد قامت تلك المجموعة فور تدشينها بصياغة خطة محكمة لوقاية كافة المشاركين في الحدث من خطر الإصابة بكورونا المستجد، إذ ألزمت كافة الفرق الرياضية بعمل مسحات طبية على لاعبيها قبل الوصول إلى أرض البلاد، ودشنت برنامجًا طبيًا لمتابعة المشاركين في البطولة سواء من الرياضيين أو الإعلاميين أو حتى مقدمي الخدمات العامة في الملاعب والفنادق التي سيقيم فيها ضيوف البلاد من الفرق المشاركة.
بالإضافة إلى ذلك ألزمت كافة المشاركين في الحدث بالدخول فيما يعرف بنظام الفقاعة، وهو القائم على عزل كل فرد في البطولة لذاته بعيدًا عن أي طرف خارج هذا النظام، وذلك لتقليل احتمال العدوى بكوفيد -19 من أي طرف خارجي.
قامت المجموعة الطبية أيضا بمتابعة الوضع الوبائي بكافة الدول التي تنتمي إليها الفرق الرياضية المشاركة في البطولة، وأصدرت بناءً على ذلك مجموعة من التوصيات لتأمين المشاركين في ذلك الحدث الدولي المهم سواء من الرياضيين أو الإعلاميين وحتى المشجعين.
فوجهت في البداية بتقليص عدد المشجعين الحاضرين في الملاعب بنسب تتراوح بين 50% و20%, ثم تقدمت المجموعة في أوائل يناير الحالي باقتراح مفاده إلغاء حضور المشجعين.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن عقد المباريات بدون جمهور ليس بالأمر الجديد في ظل جائحة كورونا، فخلال عام 2020 الماضي تم عقد 17 بطولة رياضية متعلقة برياضات شديدة الشعبية ككرة السلة والألعاب القتالية والجولف وسباقات الخيول، ولقد كان عدم وجود الجماهير في المباريات المتعلقة بتلك البطولات سببًا مباشرًا في نجاح هذا العام.
وزارة الصحة المصرية هي الأخرى لم تدخر جهدًا في توفير الأطقم الطبية المدربة والمعدات اللازمة، وذلك لمتابعة الحالة الصحية للمشاركين، وعمل المسحات الطبية لهم في حال الاشتباه بوجود إصابات جديدة، فضلا عن رعاية المرضي طبيًا في حال ثبوت إصابتهم بالفيروس، ليبشر مجموع تلك المجهودات بإمكانية توفير مناخ آمن لخوض المنافسة وتحقيق إنجاز رياضي عالمي جديد.
ختاماً يمكننا القول إن الدولة المصرية استعدت بشكل جيد لاستقبال هذا الحدث الرياضي الكبير، ومن المتوقع أن تسير أحداثه بشكل سلس حتى النهاية، لذلك علينا فور انتهاء تلك البطولة أن نقوم باستغلال ما تم فيها من نجاحات، لكي نستطيع أن نجتذب المزيد من الأحداث الرياضية المهمة في فترة ما بعد كورونا.
باحث ببرنامج السياسات العامة