ليبيا

تقدير موقف “مجموعة عمل ليبيا” حول زيارة الوفد المصري إلى طرابلس

أجرى وفد مصري رفيع المستوى، الأحد 27 ديسمبر 2020، زيارة مهمة إلى العاصمة الليبية طرابلس لأول مرة منذ عام 2014، التقى خلالها عددًا من المسؤولين في حكومة الوفاق الوطني الليبية، ومنهم وزير الداخلية فتحي باشاغا ومدير المخابرات عماد الطرابلسي، وأحمد معيتيق نائب رئيس المجلس الرئاسي بجانب عددا آخر من مسئولي الغرب الليبي. وهي الزيارة التي لاقت اهتمامًا وردود فعل واسعة على المستويين الليبي والدولي. وعليه تقدم “مجموعة عمل ليبيا” بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية تقدير موقف حول أهم دلالات هذه الزيارة ونتائجها.

صفحة جديدة ونقطة انطلاق إيجابية

قال اللواء محمد إبراهيم الدويري نائب المدير العام للمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إن زيارة الوفد المصري رفيع المستوى إلى طرابلس أمس عكست مدى حرص القيادة السياسية المصرية على مواصلة الجهد المبذول من أجل التوصل إلى التسوية السياسية للأزمة الليبية، وأن تعود ليبيا دولة وطنية قوية موحدة، وأن ينعم الشعب الليبي الشقيق بالهدوء والأمن والاستقرار. وهذا هو الهدف الأسمى لكافة الجهود المصرية.

https://marsad.ecss.com.eg/wp-content/uploads/2020/01/2%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%88%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%A5%D8%A8%D8%B1%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-1024x536.png

ولا شك أن هذه الزيارة أكدت أيضًا مبدأ شديد الأهمية وهو أن مصر تقف على مسافة واحدة من جميع مكونات الشعب الليبي، وأنه من غير المنطق أن نتعامل مع ليبيا باعتبارها مناطق جغرافية متعددة، ولكنها دولة واحدة وشعب واحد ومصير واحد.

ومن هذا المنطلق كانت التحركات المصرية المختلفة والتي بدأت باستضافة اجتماعين للبرلمانيين الليبيين خلال العام الماضي، ثم مشاركة الرئيس عبد الفتاح السيسي في مؤتمر برلين وطرح سيادته رؤية مصر لتسوية الأزمة الليبية، ثم استضافة مصر اجتماعات للجان العسكرية والاقتصادية والسياسية. ولم تكتفِ بذلك بل استضافت أيضًا اجتماعات أمنية وعسكرية في مدينة الغردقة، واجتماعات للمسار الدستوري في مدينة القاهرة.

وقد كانت أهم التحركات التي قامت بها مصر في يونيو 2020 حين أطلقت ما يسمى بإعلان القاهرة بمشاركة الرئيس السيسي والمشير حفتر والمستشار عقيلة صالح. وتم طرح رؤية شاملة متكاملة تفصيلية لحل الأزمة الليبية بمشاركة كافة مكونات الشعب الليبي. وعلينا أن نتذكر أن إعلان القاهرة ما هو إلا مبادرة ليبية – ليبية نظرًا لقناعة مصر بأن حل هذه الأزمة لابد أن ينطلق أساسًا من الشعب الليبي.

وقد تواصلت التحركات المصرية من أجل إعطاء قوة دفع لإعلان القاهرة حيث قام السيد الرئيس بدعوة القبائل الليبية لاجتماع في المنطقة الغربية، وأعلن سيادته بوضوح أن خط سرت – الجفرة هو خط أحمر، وأن مصر وهي تتحرك لحماية أمنها القومي ستحرص على بذل كل الجهد من أجل تحقيق طموحات الشعب الليبي.

وقد قام السيد رئيس المخابرات العامة المصرية بزيارة مؤخرًا إلى ليبيا، والتقى سيادته مع كل من المشير حفتر والمستشار عقيلة صالح، مؤكدًا استمرار مصر في جهودها لحل الأزمة الليبية، وأن على الجميع أن تتضافر جهودهم من أجل تحقيق هذا الهدف.

وتحقيقًا لما تقوم به مصر من جهد مع كل مكونات الشعب الليبي تم استضافة شيوخ وقبائل وأعيان الجنوب الليبي منذ عدة أيام، حيث تم الاستماع إلى كافة مطالبهم والتأكيد على أن مصر على استعداد كامل لتلبية احتياجاتهم.

ومن ثم تم تتويج هذه الجهود والتحركات المتواصلة بزيارة الوفد المصري إلى طرابلس من أجل فتح صفحة جديدة، وبلورة نقطة انطلاق إيجابية نحو أن يكون الجمع الليبي في قارب واحد بمساعدة مصرية وكل الأطراف المخلصة من أجل الخروج من الوضع الحالي المتأزم في الأزمة الليبية.

ومن المؤكد أن الساحة أصبحت مهيأة الآن لتحقيق طفرة في الملف الليبي بشرط أن تتوافر للجميع الإرادة السياسية والرغبة في إنجاح هذه الجهود وأن يتم التحرك بجدية ومصداقية من أجل تثبيت وقف إطلاق النار وإنجاح المسار السياسي حتى يكون عام 2021 هو عام استقرار ووحدة الأراضي الليبية وخروج جميع الميلشيات الأجنبية من ليبيا.

ويجب أن نشير في هذا المجال إلى أنه في أعقاب نجاح زيارة الوفد المصري إلى طرابلس حدث اتصال بين وزير الخارجية المصري ووزير الخارجية الليبي، وهو ما يشير إلى أننا دخلنا إلى مرحلة جديدة ليس أمام الجميع إلا إنجاحها واستثمار الفرص الإيجابية المتاحة حاليًا.

انفتاح شامل وانخراط متوازن

أكد أ. أحمد عليبه رئيس وحدة التسلح بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية أن الزيارة الرسمية الأولى لوفد مصري إلى ليبيا تعكس عددًا من الدلالات الرئيسية من أبرزها:

أولًا: انفتاح شامل 

تعكس الزيارة المنظور المصرى للتعامل مع القضية الليبية بشكل عام، إذ تؤكد أن القاهرة لا تتعامل مع الملف الليبي بالقطعة أو بشكل جهوي وأنها تنحاز لطرف على حساب أطراف أخري، وإنما تؤكد انفتاح مصر على كافة الأطراف والقوى الليبية المخلتفة، في الشرق والغرب وحتى الجنوب؛ إذ تأتي بعد زيارة لوفد موسع يمثل القاعدة الاجتماعية في الجنوب الليبي، وهو ما يؤكد العنوان الاسترايتجي الذي تطرحه القاهرة بأن حل الأزمة هو حل ليبي – ليبي، وأن دورها هو مساعدة كافة الأطراف على تجاوز مرحلة الازمة. وهو ما يتسق ومبادراتها لتسوية الأزمة الليبية المتمثلة في إعلان القاهرة، والخطوات اللاحقة لدعم هذا المسار، ومنها استضافة مصر للمسارات الفرعية للتسوية (الدستوري، الاقتصادي والعسكري).

https://marsad.ecss.com.eg/wp-content/uploads/2020/08/%D8%A3.-%D8%A3%D8%AD%D9%85%D8%AF-%D8%B9%D9%84%D9%8A%D8%A8%D8%A9.jpg

ثانيًا: انخراط متوازن 

و هو ما يتضح من جدول أعمال الزيارة التي اشتملت على لقاءات مع أغلب قادة حكومة الوفاق، سياسيين وعسكريين، ما يعكس بدورة استمرار خطوات القاهرة في الانفتاح على حكومة الوفاق، فقد سبق واستضافت القاهرة عددًا من تلك الشخصيات كوزير داخلية الوفاق فتحي باشأغا، ووفود أمنية وعسكرية، لكن تشكل هذه اللقاءات نقلة نوعية على أكثر من مستوي، مع تطرقها إلى استنئاف فتح القاهرة لسفاراتها في طرابلس، وهي خطوة شديدة الأهمية تعكس التحسن النسبي في البيئة السياسية والأمنية في  طرابلس من جهة، ومن جهة أخري الانفتاح المقابل من الوفاق على القاهرة وإدراكهم لمحورية دورها في دعم الاستقرار الليبي. كما يعكس عامل التوقيت الذي يواكب تعثر ملتقي تونس السياسي، وبالتالي تسعي القاهرة إلى تثبيت ما تحقق من إنجاز في هذا المسار، كتحديد موعد الانتخابات ودفع هذا المسار من خلال المساعدة في تجاوز العقبات القائمة، وربما مناقشة البدائل فى حال انتكاس هذا المسار، خاصة وأن القاهرة أصبحت الطرف الخارجي الوحيد المنفتح على كافة القوي الليبية من دون استثناء.

كذلك فإن تضمُن جدول الأعمال زيارة قادة عسكريين في الوفاق يعكس جانبًا آخر من أهمية هذه الزيارة، لاسيما مع توجه القاهرة إلى تثبيت وقف إطلاق النار بين جبهتي الحرب، وتقويض مظاهر التوتر التي تنامت في الفترة الأخيرة على خلفية التراشق بين الجيش الوطني الليبي وقوات الوفاق على خلفية الموقف من الوجود العسكري التركي في ليبيا. وعلى الأرجح هناك انطباعات مصرية حول كافة التطورات الخاصة بالمشهد الأمني تم إيداعها عبر الوفد المصري، ورسائل في هذا المضمون ربما على رأسها موقف القاهرة الثابت حيال رفضها للتدخل الخارجي في ليبيا الذي ينعكس في تأجيج الأزمة، وليس جسر الهوة بين الأطراف. 

ثالثًا: مقبولية الدور  

وهو ما عكسته ردود الأفعال والانطباعات الإيجابية حول الزيارة على الصعيدين المحلي والدولي، فالدور المصري في الأزمة الليبية يتمتع أيضا بقبول دولي بالنظر لمصداقية مساعيها في تهيئة الأجواء لاستعادة الاستقرار، وبالتالي يعتقد أننا بصدد انطلاقة نوعية لترجمة الانفتاح المصري الشامل على الساحة الليبية، وتوظيف هامش هذا الانفتاح مع الوفاق كجزء من العلاقة مع مختلف القوي الفاعلة في المشهد الليبي، وانعكسات ذلك المستقبلية على الملف الليبي بشكل عام، فالتصور أن الفترة القادمة ستشهد تبادل الزيارات والاتصالات والتنسيق المشترك في مختلف الملفات.

تعزيز فرص احتواء التناقضات بين أطراف الأزمة الليبية

قال الدكتور أحمد أمل مدير وحدة الدراسات الأفريقية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية إن زيارة الوفد المصري رفيع المستوى إلى العاصمة الليبية طرابلس أكدت حقيقة انفتاح مصر على كافة الأطراف في ليبيا، ووقوفها على مسافة واحدة من الجميع؛ إذ تأتي الزيارة بعد أيام معدودة من زيارة رئيس المخابرات المصرية لشرق ليبيا ولقائه القائد العام للجيش الوطني الليبي، وتأتي بعد أيام من استضافة القاهرة وفدًا موسعًا مثل كافة القوى الفاعلة في الجنوب الليبي.

وتكشف الزيارة كذلك انفتاح مصر على أطراف متعددة في غرب ليبيا كان في مقدمتهم وزير الداخلية فتحي باشاغا، ونائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق، وكذا وزير الخارجية محمد سيالة. وتنبع أهمية الزيارة من عدد من الاعتبارات الرئيسية أهمها كونها الزيارة الأولى لوفد مصري رفيع المستوى لطرابلس منذ عام 2014، هذا بجانب تجديدها الدعم المصري لاتفاق وقف إطلاق النار بين الأطراف المتحاربة في ليبيا، وكذلك الترتيبات التي توافقت عليها لجنة 5+5 في المجالين الأمني والعسكري، وهو ما يحمل قيمة كبيرة في اللحظة الحالية التي يتقدم فيها مسار التسوية السياسية ببطء شديد، بينما لا تزال مظاهر الحشد العسكري المتبادل تفرض نفسها على المشهد الليبي من حين لآخر في ظل هشاشة التسويات القائمة.

ومما يزيد من أهمية الزيارة ما شهدته من التوافق على عدد من الخطوات الإجرائية التي من شأنها أن تعزز من العلاقات المصرية الليبية، وفي مقدمتها الإعلان عن بدء الاستعداد لإعادة عمل السفارة المصرية من العاصمة طرابلس قريبًا، واستئناف الرحلات الجوية المباشرة بين القاهرة وطرابلس، وهي الإجراءات التي تحمل بجانب أهميتها السياسية أهمية إضافية في تخفيف معاناة قطاعات كبيرة من الليبيين في مدن الغرب. 

وجددت زيارة الوفد المصري إلى طرابلس آفاق التعاون الأمني مع الأطراف في غرب ليبيا في مجالات تشكل أولوية للجانبين، في مقدمتها مجابهة التهديدات المتنامية للإرهاب والجريمة المنظمة، والتي أصبحت تأخذ طابعًا إقليميًا واضحًا في ظل التدهور المطرد للأوضاع في إقليم الساحل الأفريقي.

كما لا يمكن إغفال ما ساهمت فيه زيارة الوفد المصري للعاصمة الليبية طرابلس من التأثير إيجابًا وبصورة مباشرة على تعزيز فرص احتواء التناقضات بين أطراف الأزمة الليبية وتقريب وجهات النظر بينهم وتعزيز فرص التوصل لحل شامل نهائي، فضلًا عن تضييق الفرصة المتاحة للاعبين المحليين والإقليميين الساعين لإعادة دفع الأزمة الليبية في اتجاه تجدد المواجهات المسلحة على نحو ما كشفت عنه الزيارة الأخيرة لوزير الدفاع التركي إلى طرابلس.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى