
من بينها البطالة المتزايدة واضطراب أوضاع تركيا الداخلية.. تعرف على دوافع أردوغان للدخول في نزاع “قرة باغ”
عرض – علي عاطف
في أعقاب الإعلان عن انتهاء النزاع في منطقة “ناجورني قرة باغ” المتنازع عليها بين أذربيجان وأرمينيا الشهر الماضي وبالتزامن مع توترات إيرانية تركية إثر تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في “باكو” عدتها إيران مساساً بأمنها القومي، نشر “مركز الأبحاث الإستراتيجية” التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام في إيران تقريراً تناول فيه المتغیرات والدوافع التی أدت بأردوغان للدخول في نزاع “ناجورني قرة باغ”.
وأرجع المركز الإيراني، الذي نشر التقرير على موقعه الإليكتروني يوم 15 ديسمبر الجاري تحت عنوان “المتغيرات المؤثرة على دور تركيا في نزاع قرة باغ الأخير”،(*) دوافع أردوغان للدخول في هذا الصراع إلى 8 عوامل وأسباب، وذلك كما يلي:
أولاً: سياسة التدخل التركي في شؤون الدول الأخرى بدأت منذ عام 2008
بدأ التقرير بتأكيد أن تركيا تتبع اليوم سياسة جديدة خارجية في منطقة غرب آسيا، آسيا الوسطى، القوقاز الجنوبي، والشرق الأوسط تتسم بالتمدد أحياناً والانحصار أحياناً أخرى.
ظهرت هذه السياسة أول الأمر عام 2008 حين التحق رئيس وزراء تركيا السابق “أحمد داوود أوغلو” بمجموعة أردوغان السياسية.
وتزامناً مع الأزمة المالية العالمية عام 2008، حسبما يضيف المركز، بدأت أنظار تركيا تتجه إلى منطقة الشرق الأوسط، الشام، آسيا الوسطى، والقوقاز، وبدأت تتدخل في هذه المناطق بعدد من الطرق من بينها الأداة العسكرية.
ويشير مركز الأبحاث الإيراني إلى أن التدخل التركي في أزمة قرة باغ الأخيرة أدى إلى تحول خطير في مسارها وتبدلها إلى حرب واسعة في المنطقة.
ثانياً: ما هي المتغيرات الثمانية التي دفعت أردوغان للدخول في نزاع قرة باغ؟
البطالة المتزايدة وتراجع شعبية الحزب الحاكم في تركيا:

أوضح مركز الأبحاث الإستراتيجية أن الاقتصاد التركي يعاني من مشكلات متعددة منذ بدء انتشار وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) أوائل العام الجاري. وتواجه تركيا ديناً خارجياً يبلغ حوالي 430 مليار دولار، انخفاضاً قياسياً في سعر العملة (الليرة) أمام الدولار الأمريكي، تراجعاً في شعبية الحزب الحاكم وبروز صراعات داخله، وغير ذلك من المؤشرات السلبية التي كانت من بين دوافع أردوغان للدخول في حرب قرة باغ.
خطأ التقدير الأرمني:

وصف تقرير مركز الأبحاث الإستراتيجية التابع لمجمع تشخيص مصلحة النظام الإيرانية المعركة التي استمرت لأربعة أيام في يوليو 2020 بمنطقة تووز التي تقع على بعد 200 كليومتر من قرة باغ بأنها “الشرارة الأولى” لتداخل المصالح التركية في قرة باغ.
فقد شعرت أنقرة للمرة الأولى إثر هذه الاشتباكات بخطر قادم من أرمينيا، وبدأت أنقرة على إثرها التدخل في مسألة قرة باغ.
ويوضح المركز أن منطقة تووز تمثل “أهمية إستراتيجية” لتركيا؛ بسبب عبور خطوط النفط والغاز الأذربيجانية التركية إلى أوروبا من خلالها. وقد دفع هذا الأمر أردوغان إلى أن يصرح في وقت سابق من العام الجاري قائلاً إن أهمية قرة باغ لدى أذربيجان تتساوى مع أهميتها لدى تركيا.
سعي تركيا للإخلال بالوضع القائم في القوقاز:
يستطرد التقرير قائلاً إن أحد أسباب تحالف تركيا مع أذربيجان هو السعي للإخلال بالوضع القائم في منطقة القوقاز التي كانت تشهد تواجداً تركياً أقل قبل ذلك مقارنة بالدور الإيراني والغربي.
وحاولت أنقرة من خلال هذا التحالف التدخلَ في التطورات الميدانية المستقبلية في جنوب القوقاز وآسيا الوسطى وأذربيجان، لأن باكو تُعد بوابة دخول أنقرة لهذه المناطق، ولهذا فإن تركيا ترغب في أن تكون اللاعب الوحيد هناك بدون إيران وروسيا.
خلط أردوغان لمفاهيم “القومية والإسلاموية”:
يشير التقرير إلى أن أحد المتغيرات التي دفعت أردوغان للتدخل في نزاع قرة باغ الأخير هو تغليبه خلال السنوات الأخيرة في سياسته الخارجية للقومية على حساب الإسلاموية التي كان يتبعها ويغلبها على القومية في بداية حكمه تركيا.
ويضيف التقرير أن هذه السياسة القومية يمكن ملاحظتها في الآونة الأخيرة في سياسة تركيا مع قبرص الشمالية، شرق المتوسط، ومؤخراً في أذربيجان من خلال المناورات العسكرية والعرض العسكري الذي حضره في باكو.
حلم ربط القوقاز بأوروبا عن طريق تركيا:
يشير التقرير إلى أن أنقرة تسعى إلى إيجاد ممر لربط تركيا ومنطقة نخجوان بأذربيجان، مؤكداً أنه يمكن من هنا فهم سعي أردوغان لتوثيق علاقاته مع أذربيجان، حيث يكمن الهدف في منطقة نخجوان.
السيطرة على خطوط نقل الطاقة:
يمكن أن نرى أحد دوافع تركيا للتدخل في نزاع قرة باغ، كما تطرق التقرير، في تخطيطها للسيطرة على خطوط نقل الطاقة.
فأنقرة تهدف إلى تقليل تكاليف استيراد الطاقة من الخارج، حيث تستورد سنوياً بحوالي 12 مليار دولار غاز طبيعي من دولٍ مثل أذربيجان، إيران، والجزائر. ويُعد الغاز الإيراني بالنسبة لأنقرة من بين الأغلى بين نظرائه، كما سينتهي في عام 2026 اتفاق نقل الغاز الإيراني إلى تركيا.
وبناءً على ذلك، دخلت أنقرة على خط الصراع الأخير بقرة باغ ضمن خطتها للسيطرة على مصادر جديدة للطاقة وربطها بأوروبا وتقليل التكاليف المُشار إليها.
اللغة والدين المشترك:
كان من بين العوامل التي ساعدت أردوغان على التدخل في هذا النزاع هو وجود عاملي اللغة والدين المشتركين بين تركيا وأذربيجان.
وقد عمل ذلك على ربط مصالح أنقرة وباكو، فالطرفان يستخدمان دائماً جملة “أمة واحدة في دولتين”.
التنافس مع روسيا وإيجاد ساحة لعب جديدة أمام بوتين:
يقول التقرير إن الوجود التركي في جنوب القوقاز ودعم تركيا لأذربيجان يعد بمثابة فتح “جبهة جديدة في الحرب” بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين. فالقوقاز تمثل أهمية كبيرة لروسيا؛ لأنها تقع إلى الجنوب منها وتحتوى على بعض الحركات المتطرفة التي تمثل تهديداً لموسكو.
ولذا، فإن تركيا وبدخولها إلى هذه المنطقة عن طريق الصراع الأرميني الأذربيجاني، ترغب في إحداث ضغوط في المستقبل على روسيا وكذلك إيران وأرمينيا.
ختاما
دعا التقرير في النهاية السلطات الإيرانية إلى الأخذ في الحسبان هذه التطورات، وأن تنظر جدياً إلى العامل التركي في هذه المنطقة، خاصة بعد النتيجة التي خلص إليها الصراع بين أرمينيا وأذربيجان مؤخراً.
وحث التقرير طهران على صياغة إستراتيجية للتعامل مع منطقة القوقاز.
باحث بالمرصد المصري