
انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب انعكاس للاستقرار السياسي
بالرغم من الصعوبات التي واجهت بعض الدول في إجراء انتخاباتها العامة مثل إثيوبيا التي أجلت الانتخابات إلى أجل غير مسمى ودخلت في دوامة الصراع الداخلي بين “الحكومة الفيدرالية” و”الجبهة الشعبية لتحرير التيجراي”، أو الرئاسية مثل الولايات المتحدة الأمريكية، التي لجأت إلى التصويت عبر البريد ما أدى إلى تشكيك الرئيس الحالي “دونالد ترامب” في نتائجها وعدم الاعتراف بفوز الرئيس المنتخب “جو بايدن”، إلا أن الدولة المصرية نجحت في إجراء انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب خلال عام “كورونا” الصعب، والوفاء بالاستحقاقات الدستورية التي نصت عليها التعديلات الدستورية في إبريل 2019، ليعبر ذلك عن حالة الاستقرار السياسي التي تمر بها مصر منذ الانتخابات الرئاسية 2014 وتولي الرئيس السيسي سدة الحكم.
مؤشرات الاستقرار السياسي في مصر
يشير مفهوم “الاستقرار السياسي” إلى قدرة النظام السياسي على القيام بوظائفه والاستجابة لمطالب الجماهير والتكيف مع متغيرات البيئتين الداخلية والخارجية المحيطة به على نحو يكسبه الشرعية اللازمة لاستمراره وتحول دون تعرضه لأية أعمال عنف أو صراعات يصعب السيطرة عليها بالطرق السلمية وفي إطار الالتزام بالقواعد الدستورية. وبالتالي تتمثل مؤشرات الاستقرار السياسي في مصر فيما يلي:
- عدم وجود نزاعات انفصالية أو صراعات عرقية: فلم تكن مصر بيئةً حاضنة لأي صراع عرقي أو عقائدي، وإنما السمة الغالبة كانت وماتزال هي وحدة النسيج الوطني. كما أن نشاط بعض الجماعات التكفيرية المتطرفة في سيناء في أعقاب ثورة الثلاثين من يونيو تم التعامل معه بنجاح من خلال العملية العسكرية الشاملة.
- اكتساب النظام الحالي الشرعية السياسية وثقة الشعب: تكتسب النظم السياسية شرعيتها من خلال الاعتماد على الانتخابات الشعبية الحرة المباشرة التي تعد أساس الديمقراطية، والتجاوب الفعال مع الاحتياجات الشعبية والتطلعات الوطنية، وهو ما اعتمدت عليه الإدارة السياسية الحالية في مصر، حيث اكتسبت ثقة المواطنين من خلال الوفاء باحتياجاتهم المتزايدة أثناء حالة عدم الاستقرار التي أعقبت الثورتين، واعتمدت على الانتخابات الحرة والتصويت المباشر سواء في الانتخابات الرئاسية او انتخابات النواب أو استفتاء تعديل الدستور.
- استقرار الحكومة: بمعنى أن تغيير الحكومة أو السلطة التنفيذية لا يتم بشكل سريع بسبب عدم قدرتها على الوفاء باحتياجات المواطنين أو تحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة، فقد كان آخر تعديل وزاري طال الحكومة المصرية في ديسمبر 2019 بعد عام ونصف من تشكيل الحكومة، وقد كان التعديل جزئيًا بتعيين خمسة وزراء فقط.
- الاستقرار البرلماني: تمتع البرلمان المصري المنتخب في 2015 بفترته البرلمانية كاملة، ولم يُحل قبل انتهاء مدته كما حدث مع برلمان 2012 الذي سيطرت عليه جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية. إضافةً إلى ذلك فقد أجريت انتخابات مجلس الشيوخ كغرفة نيابية ثانية تدعم مجلس النواب -الذي انتهت الحكومة من إجراء انتخاباته ديسمبر الجاري- في أداء مهامه.
- سيادة لغة الحوار وغياب ظاهرة العنف السياسي: حيث أصبح الحوار المجتمعي بين القوى المدنية والأحزاب السياسية والحكومة هو السمة السائدة سواء، وقد كانت المؤتمرات الوطنية للشباب هي قناة الاتصال الأبرز خلال الأعوام الأربعة الماضية.
- احتواء تدفقات الهجرة: حيث تمكنت مصر بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي من الوصول بمعدلات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا إلى معدل صفري، ولم تسجل أوروبا حالات هجرة غير شرعية عن طريق الشواطئ المصرية خلال العامين الماضيين.
وتنعكس حالة الاستقرار السياسي التي تعيشها مصر في الوقت الراهن على الأمن القومي المصري، حيث يفسح الاستقرار الداخلي المجال أمام الإدارة السياسية للدولة للتركيز على قضايا الأمن القومي الخارجية والتصدي للتهديدات التي يمكن أن تسفر عنها الصراعات التي تعيشها دول المنطقة أو تخلقها القوى الدولية المعادية للنظام الحاكم في مصر.
انعكاسات الاستقرار السياسي على مجلسي النواب والشيوخ
تعد العلاقة بين الاستقرار السياسي واتساع دائرة المشاركة الشعبية في صنع السياسات التي تمس حياة المواطنين علاقة طردية، وقد تحققت هذه العلاقة في انتخابات 2020، فبالنظر إلى نتائج انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب، يتضح أن نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات ارتفعت عن سابقتها على الرغم من المخاوف من انتشار فيروس كورونا بين المواطنين، حيث بلغت نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الشيوخ حوالي 15%، وهي أعلى بقرابة 3% عن نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الشورى 2012. كما جاءت نسبة المشاركة في انتخابات مجلس النواب 2020 أعلى من نظيرتها في 2015 بحوالي 4%، حيث بلغت نسبة المشاركة في انتخابات 2020 حوالي 30%، الأمر الذي يدل على ارتفاع معدلات الثقة في النظام السياسي عما كانت عليه في 2012 و2015.
وفيما يتعلق بانعكاس الاستقرار السياسي على مشاركة المرأة المصرية في الحياة النيابية، فقد تطورت نسبة تمثيل المرأة في الغرفتين النيابيتين بشكل ملحوظ خاصةً بعد التعديلات الدستورية، وعلى الرغم من تخصيص نسبة 10% من مقاعد مجلس الشيوخ للنساء، إلا أن عدد اللاتي فُزنَ بمقاعد الشيوخ بنظام القائمة بلغ عشرين نائبة، كما تم تعيين عشرين أخريات من قِبل الرئيس، فضلًا عن الفائزات بمقاعد الفردي لتقترب النسبة من 15%. أما مجلس النواب الحالي، فقد بلغ عدد النائبات بعد إعلان النتيجة رسميًا ديسمبر الجاري 148 نائبة لتتخطى النسبة 26% من إجمالي عدد النواب، وقد تزيد النسبة بعد إعلان أسماء المعينين من قِبل الرئيس.
أما تمكين الشباب سياسيًا، فقد ارتفعت نسبة الشباب سواء في الحياة النيابية أو المناصب التنفيذية منذ 2015 وحتى الآن، فقد بلغ عدد النواب الشباب دون سن الخامسة والثلاثين 60 نائبًا في مجلس 2015، وقد خصصت التعديلات الدستورية ما نسبته 6% للترشح بنظام القوائم، أي ما يعادل 35 مقعدًا، بخلاف الذين يخوضون الانتخابات بنظام الفردي وتعيينات الرئيس. وساهم الاستقرار السياسي الذي تعيشه مصر في تمكين 23 شابًا وشابة كنواب للمحافظين في المحافظات المختلفة، ويشير استمرار التجربة ونجاحها إلى إمكانية أن يتم تعيين عدد كبير منهم في منصب المحافظ قبل سن الأربعين.
وقد سمحت حالة الاستقرار بضمان تمثيل الأحزاب بما في ذلك أحزاب المعارضة في المجالس النيابية التمثيل الملائم، حيث بلغ عدد الأحزاب تحت قبة مجلس الشيوخ 17 حزبًا، في حين بلغ عددها 13 حزبًا تحت قبة مجلس النواب لتعبر جميعها عن مختلف الفئات الحزبية وتسهم في إثراء الحياة السياسية بما يفي باحتياجات المجتمع وتطلعاته.
دلالات إجراء الانتخابات في ظل انتشار كورونا
هاجم البعض فكرة إجراء الانتخابات في ظل انتشار فيروس كورونا المستجد مبررين ذلك الهجوم بإمكانية زيادة أعداد المصابين بالفيروس نتيجة ضعف الوعي بمخاطر الفيروس وعدم اتخاذ الإجراءات الاحترازية والوقائية، ولكن الإدارة السياسية أصرت على إجراء الانتخابات وفق الجدول الزمني المعلن مسبقًا، وعلى الرغم من تزايد حدة المخاوف من انتشار الفيروس حول العالم، إلا أن مصر لم تكن الدولة الوحيدة التي أجرت الانتخابات، فقد سبقتها بوروندي وصربيا وأيسلندا وبولندا وغينيا وكوريا الجنوبية وفرنسا وغيرهم. ويشير خروج الانتخابات بهذا الشكل في مثل هذه الظروف إلى عدة دلالات، أهمها:
- التأسيس للوفاء بالاستحقاقات الدستورية تحت أي ظرف: وقد اتضح إصرار القيادة السياسية على التأسيس لهذه القاعدة مستقبلًا في إجراء الانتخابات في موعدها المقرر انطلاقًا من أن تأجيلها من الممكن أن يؤدي إلى ضعف الثقة في الإدارة السياسية، أو نشوب صراعات كما حدث في إثيوبيا، فقد أدى تأجيل الانتخابات هناك إلى صراع عسكري بين الحكومة الفيدرالية والجبهة الشعبية لتحرير التيجراي قد يفضي إلى حرب أهلية.
- التأكيد على قدرة الدولة المصرية على إدارة الأزمات: حيث يؤكد إجراء الانتخابات في ظل المخاوف من انتشار الفيروس بين صفوف الناخبين على قدرة الدولة على إدارة الأزمة، حيث اتخذت جميع الإجراءات الاحترازية اللازمة للحول دون تزايد أعداد المصابين بسبب الانتخابات، ووفرت جميع أدوات التعقيم اللازمة للجان الفرعية مع وضع علامات إرشادية للحفاظ على التباعد بين الناخبين.
- الحرص على عدم خلق فراغ تشريعي: فتأجيل الانتخابات كان سيؤدي إلى فراغ تشريعي في الوقت الذي لا يزال عدد كبير من القوانين مؤجلًا أو يحتاج إلى تعديل لتحقيق المنفعة العامة، فقد أدى وجود مجلس النواب دون غرفة نيابية ثانية لاقتراح وصياغة القوانين إلى وجود خلل في بعض القوانين التي صدرت ما تطلب تعديلها خلال عام أو عامين، وهو ما دفع الإدارة السياسية إلى إعادة الغرفة النيابية الثانية للحياة من جديد تحت اسم مجلس الشيوخ، كما أن قيام الرئيس بالدور التشريعي في غياب مجلس النواب قد لا يكون مستحسنًا عند بعض القوى داخليًا وخارجيًا، وهو ما يمثل سببًا لدفع الدولة نحو إجراء الانتخابات في موعدها دون تأجيل.
إجمالًا، يمكن القول إن حالة الاستقرار السياسي التي مرت بها مصر منذ الانتخابات الرئاسية في 2014 انعكست بشكل كبير على عدد من الملفات السياسية الرئيسية، أهمها: انتخابات مجلسي النواب والنواب والشيوخ وتكوينهما بما يضمن التمثيل الملائم لفئات الشباب والمرأة والأحزاب المعارضة، كما كان لإجراء الانتخابات في موعدها دلالات قوية على حرص الإدارة السياسية الحالية في مصر على قيام كل جهة بدورها والتأسيس لقواعد مستقبلية في السياسة المصرية.
باحث ببرنامج السياسات العامة