المجلس الوطني للتعليم والتدريب على مائدة الحوار الوطني
بعد أن شهدت الجلسة الأولى من جلسات الحوار الوطني لمناقشة قضايا التعليم قبل الجامعي استعراضًا لأبرز مشكلات التعليم وتقديم عدد من التوصيات المتعلقة بإعادة هيكلة التعليم قبل الجامعي، أعلنت الأمانة الفنية للحوار الوطني عن عقد جلسة خاصة لمناقشة مشروع قانون “تأسيس المجلس الوطني الأعلى للتعليم والتدريب” المحال من رئاسة مجلس الوزراء للحوار الوطني؛ ونشرت الأمانة الفنية للحوار الوطني مشروع القانون على صفحتها الرسمية إلى جانب استطلاع رأي المهتمين حول جدوى إنشاء المجلس بالنسبة لتطوير العملية التعليمية وأهم التعديلات التي يمكن إدخالها على مواده؛ فهل نحتاج فعلًا إلى هذا المجلس؟
أبرز ملامح مشروع القانون
وفقًا لنص مشروع القانون المتداول، يتبع المجلس الوطني الأعلى للتعليم والتدريب رئيس الجمهورية، ويُشكل من 26 عضوًا وهم: 12 وزيرًا (الدفاع والإنتاج الحربي، الصحة والسكان، التخطيط والتنمية الاقتصادية، المالية، الداخلية، الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، التضامن الاجتماعي، التعليم العالي والبحث العلمي، التربية والتعليم والتعليم الفني، الهجرة وشؤون المصريين في الخارج، القوى العاملة)، بالإضافة إلى وكيل الأزهر الشريف، ورئيس جامعة الأزهر، وأمين عام المجلس الأعلى للجامعات، ونائب وزير التربية والتعليم لشؤون التعليم الفني، ورئيسي مجلسي إدارة الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد، والهيئة المصرية لضمان الجودة والاعتماد في التعليم الفني والتقني والتدريب، و8 خبراء في مجال عمل المجلس.
وتتمثل أبرز اختصاصات المجلس، لتحقيق هدفه المتمثل في “توحيد سياسات التعليم والتدريب، والإشراف على تنفيذها، وربط المخرجات مع متطلبات سوق العمل محليًا ودوليًا”، في إعداد وصياغة الاستراتيجية الوطنية للتعليم والتدريب بكافة أنواعه ومراحله، ووضع آليات متابعتها وتنفيذها، ومراجعة الأولويات الوطنية في التعليم والتدريب وتحديثها، وإعداد التوصيات المتعلقة بالأطر الفنية والإدارية والقانونية والاقتصادية اللازمة للتطوير.
ويختص المجلس أيضًا بمتابعة منظومة التعليم والتدريب لتحقيق مستهدفات الدولة، بالإضافة إلى وضع مخطط قومي لتطوير البنية التحتية لمدارس التعليم الفني ومتابعة تنفيذه، وإقرار الاستراتيجية القومية للتوعية بأهمية التعليم الفني. وتمتد اختصاصات المجلس لتشمل متابعة تطوير وتطبيق الإطار القومي للمؤهلات الوطنية، وإصدار التوصيات الخاصة بالتشريعات ذات الصلة، وإصدار تقرير دوري شامل حول تطور منظومة التعليم والتدريب.
ومنح مشروع القانون في مادته السادسة كل المجالس العليا للتعليم سواء العام أو الفني أو الجامعي أو الأزهري، مسؤولية تنفيذ السياسات الموحدة للتعليم والتدريب التي يضعها المجلس، وتقديم تقارير نصف سنوية بنتائج أعمالها للمجلس، لتفتح هذه المادة المجال للتساؤل حول ما إذا كان دور المجلس الأعلى للجامعات والمجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي والمجلس الأعلى للأزهر ونظرائهم للجامعات الخاصة والأهلية والتكنولوجية والأجنبية تنفيذيًا أم أن دورها يقتصر على رسم السياسات وتحديد الاحتياجات كلُ في مجاله؟
ماذا يحقق إنشاء مجلس وطني للتعليم والتدريب؟
تضمنت رؤية مصر 2030 هدفًا يتمثل في إعادة هيكلة وصياغة نظام التعليم قبل الجامعي، وأن تتضمن إعادة الهيكلة إنشاء مجلس وطني للتعليم يحقق الأهداف المرجوة ويضمن تكامل السياسات والقرارات والقوانين والتشريعات المنظمة للتعليم وجميع الجوانب المرتبطة به، من خلال توليه مسؤولية وضع وتطوير سياسة التعليم في مصر بجميع جوانبه ومراحله في ضوء الرؤية الوطنية للتعليم والأهداف الاستراتيجية للدولة المصرية ومتابعة تنفيذها، على أن تكون هيئة ضمان الجودة والاعتماد وأكاديمية المعلم تابعين له.
ووفقًا لتجارب عدد من دول العالم، فإن إنشاء مجلس وطني للتعليم يتسم بالاستقلالية عن وزارات التعليم سواء قبل الجامعي أو العالي يحقق جملةً من الأهداف، أبرزها:
- التخطيط الاستراتيجي لمؤسسات التعليم، وإدارة العلاقات بين أصحاب المصلحة في ضوء الأهداف والقضايا الرئيسة، وضمان عدم ازدواجية الأدوار.
- تحديد الاحتياجات المالية لقطاع التعليم، وتوزيع الموارد التي توفرها الدولة، ومراقبة الإنفاق على المستويين القطاعي والمؤسسي.
- تنظيم قطاع التعليم وضمان جودته، وذلك من خلال تحديد الإطار التنظيمي والمبادئ التوجيهية والمعايير التي تتحقق من خلالها جودة الخدمة المقدمة في المؤسسات التعليمية.
- الرقابة على نظام ضمان الجودة على المستويين القطاعي والمؤسسي، وتتبع أداء المؤسسات التعليمية والإبلاغ عن المشكلات، وتطوير مؤشرات الأداء من خلال جمع وتحليل البيانات حول نظام التعليم.
- تقديم المشورة والتوصيات المستندة للأدلة لصانعي السياسات إما بشكل استباقي أو تفاعلي استجابةً لظروف محددة، وإبداء الرأي في مسودات السياسات والتشريعات نيابةً عن الوزارة.
وعلى ذلك، فإن المجلس الوطني للتعليم يمثل جهة أو هيئة استشارية وطنية تتمتع بالاستقلالية عن الوزارات المعنية سواء بالتعليم قبل الجامعي أو العالي أو الأزهري، وتعمل على صياغة وتنفيذ وتقييم مشروع تربوي وطني، كما تمثل حلقة اتصال تنقل شواغل المجتمع فيما يتعلق بقضايا التعليم إلى القيادة السياسية، وتقدم الآليات المقترحة للتعامل معها في ضوء معطيات الواقع المحيط والإمكانات المتاحة.
كيف يختلف المجلس الوطني للتعليم والتدريب؟
بالنظر في الهيكل المقترح لتشكيل المجلس الوطني الأعلى للتعليم والتدريب، يتضح أنه يشبه إلى حد كبير تشكيل المجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي من حيث الجهات المشاركة فيه، بالإضافة إلى أن الأدوار والاختصاصات المنصوص عليها في مشروع القانون تتداخل مع أدوار عدد من الجهات مثل المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية، والمجلس الأعلى للتعليم قبل الجامعي، والأكاديمية الوطنية للتدريب؛ واختلف مشروع القانون مع ما جاء في رؤية مصر 2030 في إبقائه على تبعية هيئتي ضمان الجودة والاعتماد لمجلس الوزراء، وأكاديمية المعلم لوزارة التربية والتعليم.
علاوةً على ذلك، فإن اختصاصات المجلس الوطني تتداخل مع أدوار المجالس العليا سواء للتعليم قبل الجامعي الذي يعنى بالتخطيط ورسم سياسات وبرامج هذه المرحلة التعليمية، ومتابعة وتقييم تنفيذ السياسات العامة لتطوير وتحديث التعليم، وتحديد الإطار العام للبحوث التربوية؛ أو الأعلى للجامعات الذي يختص برسم السياسة العامة للتعليم الجامعي والبحث العلمي، وهي الأدوار المنوط بها المجلس الوطني وفق نص مشروع القانون. أما فيما يتعلق بالتدريب، فإن الأكاديمية الوطنية للتدريب تختص برسم سياسات التدريب في إطار خطة الإصلاح الإداري للدولة، ووضع خطط التدريب في مختلف المجالات، ومراجعة واعتماد محتويات البرامج التدريبية، والرقابة على جميع مراكز التدريب.
أيضًا، تتداخل أدوار المجلس الوطني مع المركز القومي للبحوث التربوية والتنمية، الذي أنشئ في الأساس لتزويد المسؤولين والمشتغلين بالسياسة التعليمية وخطط التعليم بالمعلومات العملية والتربوية السليمة التي تحقق مساعدة الطلاب عبر مراحل الدراسة المختلفة، والهيئة القومية لضمان الجودة والاعتماد، المسؤولة عن نشر ثقافة الجودة في المؤسسات التعليمية والمجتمع، وتنمية المعايير القومية لإعادة هيكلة المؤسسات التعليمية وتحسين جودة عملياتها ومخرجاتها، الأمر الذي يجعل من أدوار المجلس الوطني المنصوص عليها في مشروع القانون، تكرار لأدوار الهيئات والمؤسسات المعنية بالتعليم والتي أنشئت في الأساس لتحسين وتطوير التعليم، وصولًا إلى تحقيق الأهداف التنموية على الصعيد الاجتماعي.
الاختلاف في إنشاء المجلس الوطني قد يتمثل في اعتباره مظلة كبرى تضم تحتها كل الهيئات والمؤسسات المعنية بالعملية التعليمية، ولكن التشكيل والاختصاصات المقترحة في مشروع القانون المطروح للمناقشة على طاولة الحوار الوطني توحي بوجود تداخل وازدواجية في الأدوار ولا تحقق التكامل المنشود، وهو ما يتطلب أولًا إعادة النظر في قوانين إنشاء تلك الهيئات وتبعيتها وأدوارها، وإعادة هيكلة تلك المؤسسات والهيئات بما يتماشى مع وجود مجلس وطني للتعليم ينظم عملها، ثم تأتي الخطوة الثانية المتمثلة في إعادة صياغة مشروع قانون المجلس الوطني للتعليم، لكي تتحول بعض الأدوار من إعادة اختراع العجلة إلى الاستناد إلى مرجعيات ثابتة مثل رؤية مصر 2030 واستراتيجية تطوير وإصلاح التعليم 2014 و2018؛ وأخيرًا، التخلي عن رسم سياسات التدريب لصالح الأكاديمية الوطنية للتدريب التي أنشئت في الأساس لتحقيق هذا الهدف في ظل تبعيتها للسيد رئيس الجمهورية.
في الأخير، يمكن القول إن وجود مجلس وطني للتعليم يتحمل مسؤولية رسم سياسات التعليم ومتابعة تنفيذها ومراقبة أداء الهيئات والمؤسسات المعنية بالعملية التعليمية في كل مراحلها ويتمتع بالاستقلالية يعد أمرًا إيجابيًا، إلا أن مراجعة توزيع الأدوار وتغيير التشكيل المقترح للمجلس، بما يضمن عدم التداخل أو ازدواج الأدوار تأتي كخطوة أولى لوضع المشروع على المسار الصحيح.