
“فورين بوليسي”: حالة من الإحباط لدى ساسة واشنطن تجاه “أردوغان”
عرض – محمد هيكل
سلطت مجلة “فورين بوليسي” الأمريكية الضوء على تراجع العلاقات التركية /الأمريكية في السنوات الأخيرة فيما تناولت النهج الذي يجب اتباعه مستقبلا مع أنقرة.
جاء ذلك تزامنا مع فرض واشنطن لعقوبات جديدة على أنقرة ووصول الرئيس الأمريكي الديمقراطي جو بايدن الذي كان قد توعد أردوغان في حديث صحفي سابق.
وأشارت “فورين بوليسي” – في تقرير تحت عنوان “حان الوقت لترك تركيا تذهب” – إلى حالة الإحباط التي وصل إليها الساسة في واشنطن تجاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لدرجة أن البعض في واشنطن لا يرى أملا في تعاون حقيقي مع تركيا إلا مع خروج “أردوغان” عن السلطة.
شبهت المجلة، العلاقات التركية الأمريكية بالقطارين اللذين يسيران في اتجاهين متعاكسين، معتبرة في الوقت نفسه أن هذين القطارين يسيران ببطء.
وذكرت أن “بايدن” في موقف لا يحسد عليه حيث يكمن التحدي في تقليل الضرر الذي يمكن أن تقوم به تركيا للمصالح الأمريكية الخارجية دون إشعال أي صراعات جديدة مع الحفاظ على التعاون المستقبلي.
وأضافت أنه على بايدن أن يبدأ عمله على ملف العلاقات التركية الأمريكية بمعرفة أنه ليس بمقدوره وحده ترميم هذا التحالف، مشددة في الوقت نفسه على أن الرئيس التركي أردوغان لن يقدم أي إعادة ضبط أو محاولة ترميم حقيقية بغض النظر عن عدد المرات التي يبدو أنه فعل ذلك.
وأوضحت “فورين بوليس” أن “واشنطن” و “أنقرة” سيواصل العمل بأهداف متقطعة وهو ما قد يؤدي لاستمرار الأزمات بالظهور وإن كان الحظ حليف الطرفين فيمكن أن نرى فترات من الراحة والتقدم في مجالات ذات الاهتمام المشترك.
وقالت المجلة إن النهج الأفضل لتحويل العلاقات الأمريكية التركية من حالة ” الا فوز” للطرفين، هو أن تكون واشنطن واضحة مع نفسها حول الدور الذي ترغب أن تلعبه تركيا في سياستها الخارجية والدور الأمريكي في السياسة الخارجية التركية.
وأشارت إلى أنه من المستحيل أن يحدث تعاونا مع تركيا في الوقت التي تنظر فيه لواشنطن على أنها تهديد لها، كما لا يمكن دعم الديمقراطية بسبب أن أغلب المعارضة تنظر لواشنطن بنفس النظرة.
وفسرت المجلة سبب العدائية التركية تجاه الولايات وحلفائها الغربيين وتقول إن عدة تفسيرات يمكن تقديمها بهذا الخصوص، فقد سلط بعض المحللين السبب في أنه قد يكون المردود الإيجابي لسياساته مع الغرب على الصعيد المحلي والفوائد السياسية التي يستمدها من ذلك وخصوصاً بعد تحالفه مع الحزب القومي التركي المتطرف.
فيما يذهب آخرون إلى دور أيدولوجية أردوغان الإسلامية وسعيه لقيادة العالم الإسلامي، بينما يرى محللون أخرون تفسير ذلك أيضاً بسبب عدة مواقف تمثل مظلمة لتركيا مع دول الغرب مثل دعم واشنطن للمقاتلين الأكراد ورفضها تسليم الداعية التركي عبد الله جولن ويجادلون أن ذلك يبرر العداء التركي خلال السنوات الأخيرة.
وذكرت “فورين بوليسي” أن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو أن الأيدلوجية، المظالم، والسياسات الداخلية التركية كلها تجمعت لتشكل عقيدة أمنية تركية جديدة تحدد الولايات المتحدة تهديدا رئيسيا.
وأشارت المجلة الأمريكية إلى أن المحللين الأتراك المؤيدين لأردوغان حريصون على تسليط الضوء على التفكير فيما وراء السياسة الخارجية الجديدة لتركيا، وهم يعتقدون أن دول الغرب منزعجة من استقلالية تركيا مما يجعلهم يعملون على عدة جبهات لوقف الصعود التركي وفقاً لرؤية المؤيدين لأردوغان، بالإضافة لذلك فهم يرون أنه ومع تراجع قوة الغرب والعالم المتعدد القطبية يمكنهم إعادة كتابة قواعد اللعبة لصالحهم عن طريق استخدام القوة الصلبة والتعاون الانتقائي مع روسيا.
وتقول “فورين بولسي” إن النهج السابق يحظى بشعبية كبيرة لدى مؤيدي وناخبي الرئيس التركي ويتفق تماماً مع الافتراضات الأيدولوجية له كما حظي بعدد من المواقف الخارجية مع العالم تجعل من الصعب التشكيك في هذا النهج من قبل الجمهور التركي.
ورأت المجلة أنه بالنسبة لواشنطن فعليها أن تدرك أن نهج التهديدات أو الحوافز أو مزجهما لن يعيد التعاون مع تركيا في الوقت القريب، وسيواجه صانعو السياسة الأمريكية تحدياً حقيقياً في دحض الافتراضات التي تقودها السياسة التركية سيتطلب ذلك استمرار الضغط الدائم لإظهار لأنقرة أن استعداء حلفائها السابقين له عواقب، لكن يتطلب أيضأ ترك الباب مفتوحا لأنقرة إذا ما أرادت التخفيف.
وأضافت المجلة الأمريكية أن ذلك يعني أن على صانعي السياسة الأمريكية أن لا يتحمسوا عند كل بيان تصالحي مع أردوغان أو النظر لعروضه بإعادة ضبط شكل العلاقات بأنه سبب لمنح أنقرة التنازلات في الوقت نفسه يجب أن يدركوا أن المفاوضين ومجموعات العمل يمكنها لعب دور قيماً في وضع المشاكل في خلفية المشهد حتى مع عدم توقع حلها في وقت قريب من أجل التهدئة.
وفي نهاية تقريرها تقول “فورين بوليسي” أنه وبسبب الإحباط المتزايد لدى واشنطن من أردوغان خلص البعض في واشنطن إلى أن تعاوناً حقيقياً مع تركيا لن يكون ممكنا إلا مع خروج أردوغان عن السلطة ، فهناك أمل أن حكومة تركية بقيادة حزب المعارضة ” حزب الشعب الجمهوري” ستكون أقل عداء تجاه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد تكون مثل هذه الحكومة أكثر حرصا على المصالحة مع جيرانها مثل مصر مع إبداء حماسة أقل للتعاون مع جهات إقليمية فاعلة كمنظمة “حماس”، لكن هناك ايضاً أسباب للاعتقاد ان المعارضة التركية تشاطر حكومتها تشككها من واشنطن وتدعم العديد من جهود أردوغان ضد واشنطن، إلا أنه وبرغم من ذلك قد يتغير الأمر مع صعودهم للسلطة حيث من شبه المؤكد أنهم سيواجهون ضغوطا سياسية جديدة ستتطلب منهم إثبات صدق نواياهم القومية.
باحث ببرنامج السياسات العامة