أفريقياالاقتصاد المصري

فرص التعاون الاقتصادي بين القاهرة وجوبا

يبلغ عدد السُكان جنوب السودان نحو 12مليون نسمة، مُعظمهم من الشباب، حيث إن ما يزيد عن 51% من السُكان بأعداد تتجاوز 5.47 مليون نسمة تنحصر أعمارهم بين 15 و54 عامًا. وقد صوت نحو 98% من سُكانها على الاستقلال، وذلك بعدما مُنحت البلاد ستة سنوات من الحكم الذاتي، منذ العام 2005، انهتها في يناير 2011 بالانفصال عن السودان، لذلك تُعتبر جنوب السودان واحدة من أحدث دول العالم.

مجتمع جديد

يُعتبر المجتمع في جنوب السودان مجتمع حديث النشأة مع إمكانيات اقتصادية ضخمة عطلها النزاع الذي ضرب البلاد لأكثر من سنوات، حيث إنه مُنذ يوليو 2011 سادت البلاد أوضاع غير مُستقرة بسبب نزاعات على السُلطة أدت إلى ما يُشبه الحرب الأهلية، مما أدى باقتصاد البلاد إلى التدهور الشديد بحيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي إلى 4.93 مليار دولار في عام 2019 بعدما كان يبلغ في عام 2011 عند الاستقلال نحو 17.19 مليار دولار، كما يوضح الشكل التالي:

  • يأتي ذلك في الأساس بسبب توقف انتاج النفط الذي يُشكل دائمًا أكثر من 90% من صادرات البلاد، ففي عام 2019 بلغ 1.55 مليار دولار من 1.64 مليار دولار هي إجمالي الصادرات، وهو ما يُعد انخفاض بشكل حاد من أقصى قيمة بلغتها الصادرات عند مستوى 4.41 مليار دولار، منها نحو 4.39 مليار صادرات نفطية.
  • تستورد جنوب السودان مُعظم احتياجاتها من الخارج حيث بلغت في العام 2019 نحو 603 مليون دولار، جاء على رأسها الواردات من السيارات بقيمة نحو 168.2 مليون دولار، تليها الماكينات بإجمالي 64.5 مليون دولار.
  • تستورد البلاد كذلك الحبوب والدواء من الخارج وإن كان بمُعدلات أقل بلغت 14.7 مليون دولار للحبوب، و14.4 مليون دولار من المشروبات.
  • تأتي واردات الحديد كذلك كواحدة من أهم واردات البلاد بنحو 11.4 مليون دولار، تسبقها واردات الملابس بنحو 23.9 مليون دولار.
  • أكبر حد بلغته الواردات الجنوب سودانية كان 782 مليون دولار، في العام 2014، مما جعل فائض الميزان التجاري يبلغ نحو 3.62 مليار دولار في ذلك العام الذي شهد كذلك أعلى مُعدل للصادرات كما سبق.
  • تُشير الأرقام السابقة إلى فرص واعدة للتبادل التجاري بين الدولتين الشقيقتين، في ظل ما يتوقع أن تحققه جنوب السودان من نمو بعد خفوت الحرب الأهلية واتجاه للبناء والتوسع، وفي ظل النوايا المصرية للخروج للقارة الإفريقية وزيادة الاندماج معها، كما يوضح الشكل التالي:

فرص واعدة

يُمكن لمصر أن تقدم الدعم لجنوب السودان في عدد كبير من المجالات التي تحتاجها البلاد بشدة، ولعل أهمها:

1-    توليد الكهرباء:

  • يتجاوز عدد السُكان الذين لا يصلهم الكهرباء ال 11 مليون نسمة، كم أن التغطية الكهربية لا تصل إلا لنسبة 1% من السُكان.
  • تستطيع مصر تقديم خبرتها الضخمة في الطاقات المُتجددة خصوصًا في مجال الطاقة الشمسية، لجنوب السودان بحيث تظل الأخيرة ترفع طاقتها التصديرية من النفط دون استخدامه في الداخل، خاصة وأن جنوب السودان تولد ما إجماليه 4.12 جيجا وات ساعة من الكهرباء تأتي كُلها من مصادر أحفورية.
  • كذلك يُمكن لمصر تقديم خبراتها في تصنيع الخلايا الشمسية وبما يُعزز التعاون بين البلدين، بحيث يعمل في تلك المصانع شباب جنوب سودانيين برأس مال وتكنولوجيا مصرية.
  • كما تمتلك مصر خبرات ضخمة في مجال تشييد شبكات نقل الكهرباء وصيانتها وتشييد شبكات التوزيع وصيانتها، بما يجعل مصر تُقدم حلول مُتكاملة وبتكلفة تستطيع أن تتحملها جنوب السودان.
  • تعمل شركة السويدي بالفعل على تنفيذ مشروع لإنتاج الطاقة الشمسية على أطراف العاصمة بقدرة 20 ميجا/وات.

2-    تشييد الطُرق

  • لدى جنوب السودان شبكة ضخمة من الطُرق تبلغ 90.2 ألف كم، لم يتم تمهيد سوى 300 كم فقط منها، مما يترك نحو 89.9 ألف كم من الطرق غير الممهدة، وهو ما يُعيق النمو، وتدفقات الاستثمار الأجنبي المُباشر.
  • تمتلك الشركات المصرية الحكومية والخاصة قُدرات جبارة في مجالات تمهيد الطُرق وتشييدها عززتها في مرحلة ما بعد ثورة يونيو في ظل المشروع القومي للطُرق، والذي وصل بخبرات الشركات إلى مستوى العالمية، بعد أن شقت الطُرق ومهدتها في مُختلف الظروف.
  • ولعل أهم هذه الشركات شركة سامكو التي تتولى بالفعل إنشاء أحد الطرق الأربعة الكبرى بالدولة بين العاصمة جوبا وبلدة “كايا” على الحدود الأوغندية، يُمكن أن تعزز من التواجد المصري كذلك شركة المقاولين العرب العملاقة بما يُعزز من التبادل بين البلدين.

3-    مواد البناء:

  • تمتلك مصر قُدرات ضخمة في صناعتي الأسمنت والحديد، وتُحقق فائض ضخم للغاية يُمكن تصديره للأسواق القريبة ومنها جنوب السودان التي ستشهد طلب كبير في ظل عدم وجود بنية تحتية، وما يتوقع أن تحققه البلاد من فوائض من خلال عمليات بيع النفط.
  • تعتبر سوق جنوب السودان فرصة للمنتجين المصريين بسبب قرب المسافة عن طريق البحر بين الدولتين، وهو ما يعطي للمصدرين المصريين ميزة نسبية ينبغي استخدامها لتقوية مركزهم في أسواق الدولة الشقيقة.

4-    السلع المُعمرة والصناعات الكهربية:

  • تعتبر الصناعات المُعمرة واحدة من أهم مجالات التمييز المصري، حيث أن منتجات شركات مثل العربي ويونيفرسال تُصدر إلى عشرات الدول في العالم.
  • ويتوقع أن يرتفع الطلب على هذه الأجهزة في جنوب السودان خاصة بعد وصول التيار الكهربي لعدد أكبر من المواطنين، وارتفاع الدخل الناتج عن الاستقرار السياسي والاقتصادي.

5-    سوق المواد الغذائية:

  • الشركات المصرية مثل جهينة وفرج الله ودومتي، تمتلك قدرات تصديرية ضخمة، يمكن توظيفها في أسواق جنوب السودان التي ستشهد ارتفاع للطلب والدخل كما سبقت الإشارة.

مجالات تعاون استراتيجي

بعيدًا عن التبادل التجاري والفرص الاستثمارية، يُمكن أن تتعزز العلاقات على مستويات استراتيجية أهمها:

1-    رعاية اتفاق طويل الأمد لتصدير النفط مع السودان:

  • يعتبر أحد أهم عوائق التنمية في جنوب السودان أنها دولة حبيسة، لا تستطيع بيع نفطها إلا عن طريق ميناء بورت سودان.
  • كان النظام السابق في السودان دائمًا ما يعمل على عرقلة الصادرات الجنوب سودانية بسبب العداء الكبير من قيادات الدولتين.
  • مع تغيير النظام في السودان، أصبحت مصر تمتلك علاقات قوية مع قيادات البلدين تمكنها من رعاية اتفاق طويل الأمد بين الدولتين يضمن لجنوب السودان تدفق دائما للنفط، ويضمن للسودان ثمن عادل من نقله عبر أراضيها.
  • كذلك تستطيع الشركات المصرية النفطية مثل بتروجيت المُساهمة في صيانة توسعة خط نقل النفط بما لها من خبرات واسعة في هذا المجال.

2-    مجالات الرعاية الصحية والتعليم:

  • مع التطور المرتقب في الدخل سيرتفع الطلب على خدمات تعليمية وصحية أفضل، مما يمكن لمصر تدعيم علاقتها مع جنوب السودان عن طريق عرض خبراتها في بناء المدارس أو تطوير نظام التعليم.
  • كذلك يمكن لمصر توفير عدد كبير المعلمين، سواء عن طريق الازهر الشريف أو التربية والتعليم بما يسد العجز لدى جنوب السودان في المُعلمين.
  • من ناحية أخرى، يجب أن تعمل مصر على تقديم عدد أكبر من المنح الدراسية سواء في الأزهر الشريف أو الجامعات المصرية الأخرى للطلاب الجنوب سودانيين، خصوصًا في التخصصات النادرة في البلاد سواء الهندسية أو الطبية أو الزراعية.

خلاصة ما سبق أن المجتمع الجنوب سوداني الجديد بإمكانيته الواعدة يُمكنه استغلال القدرات المصرية في ظل الاتجاه المصري الجديد للتوجه للقارة الإفريقية وتعزيز الشراكة معها بما يُحقق المصلحة المُشتركة للطرفين.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى