الانتخابات الأمريكية

كيف ستتأثر ميزانية الدفاع الأمريكية بتحديد هوية الفائز في الانتخابات الرئاسية؟

تقريباً، لا توجد دولة في العالم تخوض غمار إشكاليات حقيقية تتعلق عما إذا كانت جمهورية أم إمبراطورية، كالولايات المتحدة الأمريكية. إذ تمتلك واشنطن القوة العسكرية الأعظم في العالم، فضلاً عن تراكم معرفي وتقني طال جميع جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والعسكرية ساهم في تعزيز هيمنة البيت الأبيض على مفاصل غالبية أحداث وتطورات العالم. فلا توجد قوة إقليمية أو دولية تنخرط خارجياً بسياسة نشطة، وتشتبك مع الجغرافيا السياسية، إلا وتأخذ في اعتبارها الموقف الأمريكي حيالها.

فعلى ما يبدو، أن إرث انتصارين عسكريين كبيرين في الحربين العظميين الأولى والثانية، وانتصار من دون حرب في الحرب الباردة، قد عزز من مفهوم سيادة القوة الأمريكية وإيمان نخبة واشنطن من الديمقراطيين والجمهوريين بالتفوق العسكري والتقني الساحق على سائر الأمم لاستمرار هيمنة الولايات المتحدة كقطب أوحد على مسار التطور السياسي والاقتصادي والمعرفي للعالم.

وعبرت الولايات المتحدة عن ايمانها ذلك، حتى في فترات عزلتها ما قبل الحرب العالمية الأولى، وبين الحرب العالمية الأولى والثانية. إذ استثمرت في تعزيز تفوقها البحري، فلا عجب ألا تتعرض البحرية الأمريكية لهزيمة قط، في تاريخها. وكذا استثمرت في تقوية قطاعات القوات المسلحة ومجتمع الاستخبارات. فكانت صاحبة الانفاق العسكري الأضخم خلال العقود التي تلت سقوط برلين النازية، وكذا سقوط جدار برلين.

وصارت الميزانية السنوية الدفاعية الأمريكية من أهم ركائز برامج مرشحي الرئاسة الأمريكية قبل وصولهم للبيت الأبيض، كما تقع الميزانية الدفاعية وتفاصيلها وتباعاتها كأولوية الرئيس المنتخب فور وصوله، وفريقه الاستشاري لما لها من بالغ الأثر على شكل هياكل القوة الأمريكية الصلبة، وكذا سمعتها في ميدان تحديات وتهديدات القرن الواحد والعشرين.

ومع بدء الاستحقاق الانتخابي الأمريكي الـ59، تجدر الأهمية لتسليط الضوء على الإنفاق الدفاعي الأمريكي وعما إذا كان سيتأثر بوصول أي من “ترامب” و “بايدن” للبيت الأبيض، ولاسيما أن المرشحين يخوضا سباق الانتخابات في سياقات وظروف استثنائية، جعلت الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية، الأكثر جدلاً.

فهي الانتخابات الأكثر تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة، كما أن نسبة تصويت المبكر وصلت مستويات قياسية وتجاوزت ثلثي إجمالي من صوتوا في انتخابات عام2016. وقبل الخوض في مدى تأثر الميزانية الدفاعية بوصول أحد المرشحين، يجب أولاً الوقوف على ميزانية الدفاع الأمريكية في السنوات الماضية وتأثيرها على هياكل القوة العسكرية الامريكية.

لماذا لدى الولايات المتحدة أكبر ميزانية دفاعية بالعالم؟

تتصدر الولايات المتحدة قائمة الدول الأكثر انفاقاً على ميزانياتها الدفاعية لعقود، كما أن ميزانية الدفاع الأمريكية تبلغ أكبر مما تنفقه 10 دول مجتمعة تليها في القائمة ؛ فلماذا تصل ميزانية الدفاع لهذا الحجم؟

لدى الولايات المتحدة التزامات أمنية، وأصول عسكرية استراتيجية في جميع أنحاء العالم تقريباً. فواشنطن لديها اتفاقات ومعاهدات تعاونية دفاعية مع أكثر من 51 دولة في أربع قارات، موزعة كالاتي:

28، في حلف شمال الأطلسي تغطي كندا ومعظم أوروبا.

18، في اتفاقية “ريو”، تغطي وسط وجنوب أمريكا.

2، مع استراليا ونيوزلندا.

اتفاقية تعاون دفاعي مع اليابان.

اتفاقية تعاون ثنائي مع كوريا الجنوبية.

اتفاقية تعاون ثنائي مع الفلبين.

بالإضافة إلى هذه الالتزامات التعاهدية، تتمتع الولايات المتحدة أيضًا بعلاقات وثيقة مع مصالح أمنية واضحة، وفي بعض الحالات القوات التي تم نشرها في دول ليس لدينا معها معاهدة رسمية. بعض هذه تشمل:

تايوان

إسرائيل

السعودية

العراق

أفغانستان

الأردن

أفغانستان

الإمارات العربية

قطر

ويستند الانتشار العسكري الأمريكي، على عدة مفاهيم للسيادة الجوية والبحرية لمنظري الاستراتيجية العسكرية “ألفريد ماهان”، و”ألكسندر سيفيريسكي”، وتشتمل على التأمين النيوكلاسيكي لرؤوس الجسور، والمضائق البحرية، وأعالي البحار. وعليه فقد كرست قدراً كبيراً من سياساتها للتوسعة الرأسية والأفقية حتى امتلكت امبراطورية للقواعد العسكرية. فضلاً عن الحفاظ على التفوق التقني والعسكري وخاصة في سلاح الجو.

وتراوحت الميزانية الدفاعية الأمريكية لتغطية هذه الأصول العسكرية الاستراتيجية والمهام، ومشاريع تطوير الأسلحة؛ بين 600 مليار لـ 700 مليار دولار كحد أقصي، مع رئيس ديمقراطي أو جمهوري خلال العقدين الماضيين.

وبالنظر لأداء إدارة الرئيس أوباما في ميزانية دفاع فترتيها، نجد أنها تركزت في أولوياتها حول:

  • مكافحة التنظيمات الإرهابية.
  • دعم التشكيلات القتالية المحدودة في مقابل إبطاء برامج الأسلحة الاستراتيجية.
  • دعم حركات التغيير في العالم تحت مسمي دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان.
  • تضمين “الخطر المناخي” جزءاً من الأمن القومي الأمريكي.

وتجدر الإشارة إلى أكبر ميزانية دفاعية أقرتها إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما وصلت لـ 618.7 مليار دولار في العام 2016.

أما بالنظر لأداء إدارة ترامب، في ميزانية الدفاع، فنجد انها تركزت حول:

  • زيادة رواتب العسكريين بنسبة هي الأكبر منذ 10 سنوات.
  • إطلاق مشاريع تطوير وشراء أسلحة لمواجهة التقدم التقني والعسكري للصين وروسيا.
  • تأسيس قوة فضائية جديدة تمثل الفرع السادس للقوات المسلحة الأمريكية.

وفي ديسمبر 2017، وقّع ترامب مرسوم ميزانية الدفاع الضخمة بمبلغ 700 مليار دولار، ووصفت حينها بأنها أكبر ميزانية في تاريخ أمريكا، بل والعالم كله. ما يعني أن رفعها 100 مليار أخرى دفعة واحدة قفزة كبيرة لها تداعياتها الدولية في عهد ترامب، خاصة مع إعلان روسيا والصين كذلك زيادة تحديث ودعم قواتهما المسلحة في الداخل والخارج.

وواصل  ترامب رفع ميزانية الدفاع سنويا بنسبة تتراوح ما بين 1-3 بالمائة. ما جعل الديمقراطيين يتقدمون بمشروع تعديل في يونيو الماضي، بمجلس النواب، لخفض ميزانية الدفاع 10%، وتخصيص النسبة لمشاريع البنية التحتية والصحة والتعليم.

ولعدم خسارة دعم مجمع الصناعات العسكرية الأمريكية، لم يتعهد باين في أكثر من تجمع انتخابي بتخفيض النفقات الدفاعية، لكنه تعهد بإعادة بناء وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. فيما أعلن ترامب أنه بصدد استكمال ما وصفه “إعادة بناء الجيش الأمريكي”.

“على الولايات المتحدة أن تبقى مستعدة وقادرة على الرد على هجوم روسي في شرق أوروبا وحلف شمال الأطلسي، وغزو الصين لتايوان، وهجوم كوريا الشمالية على جارتها الجنوبية، وبدء محاولة إيرانية لإغلاق مضيق هرمز”. من هذا الثابت تنبثق معظم بنود استراتيجية الأمن القومي الأمريكي.

بيد أن هناك تهديدات غير نمطية تبقي جيش الولايات المتحدة رهن قدرته على الاستجابة لها، وانتشاره في أرجاء المعمور وأي نقطة بها خلال 18 ساعة من خلال الفرقة المحمولة جواً 101. ونظيرتها الفرقة 82، ووحدات المارينز المنتشرة بالقواعد العسكرية في العالم، وكذا الموجودة على متن حاملات الطائرات. ولهذا الأمر خصصت الولايات المتحدة في هيكل وتصميم ميزانية الدفاع، “صندوق العمليات المحتملة في الخارج” وخصصت له حوالي 71 مليار دولار سنوياً.

لذا يتوقع العديد من المسؤولين السابقين في البنتاجون ومراقبي ميزانية الدفاع، ألا يمثل فوز بايدن تحقيق تخفيض كبير في ميزانية الدفاع، حيث يرجح الخبراء أن تنخفض بنسبة 2%، وأن تمثل الأشهر الأولي من إداراته فترة الاقتطاع الأبرز لميزانية الدفاع، على أن تنحصر بين 14 – 36 مليار دولار. سيتم تخصيصها لقطاعات التعليم والصحة وإعادة بناء وزارة الخارجية. فضلاً عن الجهود البحثية والدبلوماسية والسياسية الرامية لاحتواء أزمة المناخ. وذلك من شأنه أن يدفع بإبطاء الحصول وشراء بعض الأسلحة الاستراتيجية، وتقليص حجم هيكل القوات، مقابل تعزيز القدرات القتالية للتشكيلات المرتبطة بالقوات الخاصة، وهذا يتماشى مع توجهات الادارتين في تقليل الانخراط العسكري في مناطق الصراعات، وما وصفه بايدن بالخروج من الحروب الأبدية.

وفي حال فوز المرشح الجمهوري، فإن ميزانية الانفاق الدفاعي الأمريكي من المرجح أن تزيد بنسبة 2.4%، فلدي الكونغرس الأمريكي ميزانية دفاع العام القادم 2021، وتقدر بـ 705 مليار دولار، وفي عام 2022 ستصبح ميزانية 722. فيما طلب وزير الدفاع الحالي، مارك إسبر والعديد من مسؤولي البنتاجون أن تكون الزيادة السنوية لميزانية الدفاع 3-5%، كي تتمكن الولايات المتحدة من الحفاظ على هيمنتها والفارق الكبير بينها وبين خصومها ومنافسيها على الصعيد العسكري.

تجدر الإشارة أن ميزانية الدفاع التي يوافق عليها الكونغرس، لا تتضمن ميزانية كل من مجمع الاستخبارات الامريكية الذي يضم 17 وكالة مخابرات، وتكلفة تطوير وتشغيل وصيانة الأسلحة النووية، إذ تقدر هذه الحزمة بنحو 200 مليار دولار سنوياً. ما قد يجعل الولايات المتحدة أمام فاتورة دفاعية قياسية في حال فوز الرئيس الجمهوري الحالي دونالد ترامب.

+ posts

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى