معركة الاستقطاب في ميشيجان: كيف تٌقرأ تحركات “ترامب” لكسب الناخبين العرب والمسلمين؟
أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في آخر تجمع انتخابي له في ولاية ميشيجان، يوم السبت 2 نوفمبر 2024، أنه سيضع إحلال السلام في الشرق الأوسط على رأس أولوياته في حال انتخابه كرئيس؛ في محاولة لكسب أكبر قدر ممكن من دعم العرب والمسلمين هناك، حيث يشكلون نسبة لا يستهان بها من سكان الولاية التي تعتبر من أهم الولايت المتأرجحة في حسم نتيجة السباق الانتخابي، وهي نفس الرسالة التي أكدها يوم الجمعة السابق لتجمعه الانتخابي في مطعم لبناني مشهور في الولاية. ومن المثير للاهتمام أنه أكد أيضًا على دعمه لإسرائيل وحكومة نتنياهو، لكنه حقق بالفعل نتائج مبدئية تشير إلى تحول بعض الناخبين العرب لدعمه.
استراتيجية “ترامب” في استغلال الفرصة
في السنوات الأخيرة، اعترفت الديناميكيات السياسية في الولايات المتحدة بشكل متزايد بتنوع الناخبين، مما دفع المرشحين إلى تصميم رسائلهم بحيث يتردد صداها مع مجموعات سكانية مختلفة. وهو ما حاول ترامب فعله في تحركاته الأخيرة قبل موعد الانتخابات بأيام معدودة، خاصة وأن ولاية ميشيجان لها طابع خاص بالنسبة لترامب؛ إذ إن تفوقه فيها في عام 2016 كان عاملًا أساسيًا في فوزه في الانتخابات على حساب المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، فيما كان تفوق بايدن عليه فيها عام 2020عاملًا أساسيًا في خسارته. وبالرغم من أن ميشيجان واحدة من أهم الولايات المتأرجحة فإن سكانها يميلون، ولو بنسبة صغيرة، للديمقراطيين، خاصة في السنوات الأخيرة، مما يجعل تحقيق ترامب لأي مكاسب فيها صداه أكبر وأكثر أهمية.
ويشكل العرب حوالي 2% من سكان ولاية ميشيجان، وبالرغم من أن هذه النسبة تظهر في بداية الأمر أنها صغيرة وغير مؤثرة، إلا أن بالنظر إلى باقي المعطيات نجد أن تأثيرها ككتلة تصويتية في غاية الأهمية، فمن اللازم الأخذ في الحسبان أن هذه النسبة في ولاية متأرجحة، فعلى سبيل المثال لو كانت هذه النسبة في ولاية مثل كاليفورنيا الديمقراطية أو تكساس التي تميل للجمهوريين، قد تكون غير مؤثرة لأن الغالبية العظمى تميل بالفعل نحو طرف من الطرفين. لكن في ظل أن هذه النسبة في ولاية متأرجحة، خاصة في ظل إظهار استطلاعات الرأي تقاربًا شديدًا بين المرشحين في كافة الولايات المتأرجحة، فكسبها من الممكن أن يكون حاسمًا لنتيجة تصويت الولاية والنتيجة النهائية بشكل عام.
ولم تتعامل نائبة الرئيس كامالا هاريس والحزب الديمقراطي مع هذا الملف بأفضل شكل ممكن؛ ففي تجمعها الانتخابي الأخير، لم تهتم بالحديث عن الوضع في الشرق الأوسط وكيفية معالجته، إلا بعدما قاطعتها بعض الاحتجاجات من الحضور، والتي كانت تنادي بوقف العدوان على غزة، حيث ردت بالوعد بإنهاء الصراع وإعادة الأسرى، إلا أنها لم تبدِ اهتمامًا واضحًا بهذه القضية حيث استكملت حديثها عن قضايا وملفات أخرى. بالإضافة إلى ذلك، انتشرت مقاطع للرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في تجمع انتخابي آخر للديمقراطيين، أكد فيه على أن أن حماس هي التي تلام على الحرب في غزة وعلى الضحايا من المدنيين الفلسطينيين مشيرًا إلى رواية استخدام حماس للمدنيين كدروع بشرية، هذا بالإضافة إلى الإشارة إلى أحقية اليهود في الأراضي الفلسطينية وأنهم كانوا هناك من قبل المسلمين؛ في محاولة لاستقطاب الناخبين اليهود.
وتعامل “ترامب” مع هذه المعطيات بذكاء شديد، حيث بدأ في اتخاذ تحركات محسوبة بدقة، سواء عن طريق التوقف في مطعم لبناني مشهور اليوم السابق لتجمعه الانتخابي للتأكيد على احترامه للمجتمع العربي الأمريكي واهتمامه بتحقيق مصالحه، وهو تحرك نتج عنه ليس فقط إيصال هذه الرسال، لكن أيضًا جذب انتباه الكثير من العرب الأمريكيين لمتابعة تجمعه الانتخابي في اليوم التالي.
وبالرغم من أن “ترامب” حاله كحال “هاريس” لم يوضح كيف ينوي أو يخطط لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط فإنه يستخدم الحيلة التي يستخدمها في مختلف الملفات، وهي الاستشهاد بالمدة التي قضاها كرئيس ويشير إلى أنها كانت من أكثر الفترات هدوءًا وسلامًا على العالم بشكل عام والشرق الأوسط بشكل خاص، بالرغم من استمرار الصراعات في عهد الرؤساء الآخرين من قبله، وعهد بايدن من بعده، وهو ما يستخدمه للتأكيد على قدرته على حل الصراع.
وفي المقابل، يشير ترامب أيضًا إلى أن “هاريس” لا تمتلك أي أدوات لتهدئة الصراع، وأن وعودها بإحلال السلام هي مجرد وعود واهية، مثل وعود “بايدن” وإدارته، والتي تعد “هاريس” جزءًا أساسيًا منها. فقد وعدت إدارة “بايدن” بإنهاء الصراع ولكن لم يُترجم ذلك إلى أي خطوات فعلية على أرض الواقع. ولم يتوقف “ترامب” عند هذا الحد فقط، لكنه أكد على أن “هاريس” والديمقراطيين سيدعمون إسرائيل بشكل مطلق بدون الاهتمام بإحلال السلام أو بالعرب والفلسطينيين، مشيرًا إلى تصريحات بيل كلينتون وأنهم لا يحترمون قيم السلام ولا المجتمع العربي الأمريكي.
وبالرغم من أن “ترامب” أكد دعمه لإسرائيل ورئي وزرائها بنيامين نتنياهو، لكونه لا يرغب في خسارة مؤيديه من اليهود الأمريكيين، فإنه تناول القضية من زاوية أن إحلال السلام وتهدئة الصراع من المفترض أن يرضي الطرفين؛ اليهود والعرب، خاصة أنه لم يشر إلى كيفية حل الأزمة من وجهة نظره، فلقد استطاع، بنسبة على الأقل، الوقوف في منطقة وسط؛ فقد أكد للعرب أنه سينهي الصراع، وأكد لليهود على استمراره في دعم إسرائيل ومصالحها. شارك “ترامب” أيضًا مجموعة من القياديين العرب على المسرح في تجمعه الانتخابي وأكدوا على دعمهم الكامل له وثقتهم في قدرته على حل الأزمة في غزة، وهو ما أكد تصريرحات “ترامب” بدعم العرب الأمريكيين له، وهو ما من شأنه أيضًا أن يقنع بعض العرب الذين مازالوا غير متأكدين من قرارهم حتى الآن.
ولم يكتفِ ترامب بالتركيز على الوضع في الشرق الأوسط فحسب، لكنه أيضًا تحدث عن ملفات وقضايا أخرى تهم المجتمع العربي الأمريكي، ومن أهمها الجانب الاقتصادي الذي يهم بطبيعة الحال أي مواطن يعيش في الولايات المتحدة أيًا كان انتماؤه أو أصوله، لكنه اهتم بجانب معين في الملف الاقتصادي في حديثه، وهو التأكيد على اهتمامه بدعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة بكافة الطرق والتسهيلات الممكنة، وهو ما يهم أي أمريكي من أصول مهاجرة، فالأغلبية العظمى من المهاجرين يسعون لفتح مشاريعهم الخاصة لتحسين شكل حياتهم عما كانت عليه في بلادهم الأصلية، فبالتالي هي نقطة تمس معظم، إن لم يكن كل، العائلات عربية الأصل.
ركز “ترامب” أيضًا على جانب مهم يتفوق فيه بشكل كامل على “هاريس” بالنسبة للعرب الأمريكيين، وهو الثقافة الشرقية للأمريكيين العرب والمسلمين والتي تتسم بالتقليدية أو التحفظ في مقابل الليبرالية والتقدمية الشديدة “لهاريس” والديمقراطيين، خاصة في قضايا مثل الإجهاض وعمليات التحول الجنسي للأطفال، بالإضافة إلى إدراج القيم الداعمة للمثلية في المناهج الدراسية، وإجبار أولياء الأمور في بعض الأماكن على ترك الأطفال يحددون جنسهم وهويتهم الجنسية، وهو ما تسبب في مضايقات وعدم راحة كبيرة لكافة العائلات العربية والمسلمة، والمتدينة بشكل عام.
وفي النهاية، بقراءة ما حدث، يتضح لنا أن “ترامب” استطاع تغطية أكثر من جانب ليكتسب دعم العرب والمسلمين، حيث أكد على اهتمامه بإحلال السلام وقدرته على تنفيذ ذلك، بالإشارة إلى قدرته على فعل ذلك من قبل مما يعني أنه يمتلك الأدوات الكافية لفعل هذا في مقابل عجز إدارة “بايدن” و”هاريس” على تحقيق أي نوع من التقدم في هذا الملف، وبدون الإشارة أيضًا إلى آليات أو خطة محددة من الممكن أن تلقى عدم رضا جزء معين من الناخبين، إن كان العرب أو اليهود أو غيرهم. أيضًا لم يهتم “ترامب” فقط باستغلال الغضب والإحباط عند العرب من إدارة “بايدن” فيما يخص الحرب على غزة، لكنه أيضًا اهتم بالتركيز على البعدين الاقتصادي والاجتماعي اللذين يشكلان الأعمدة الأساسية لحياة أي مواطن أمريكي، واللذين يعاني منهما العرب الأمريكيين بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
ما ظهر من نتائج إلى الآن لهذه التحركات هو انقسام بين البعض المقتنعين بقدرة “ترامب” على إنهاء الصراع بالإضافة إلى تطلعاتهم لحل المشاكل الاقتصادية وتهدئة حدة التيار التقدمي خاصة في المدارس ومع الأطفال، وبين البعض الذين مازالوا غير مقتنعين باهتمام “ترامب” بالمجتمع العربي والمسلم، خاصة وأن تاريخه فيما يخص هذا الملف ليس في صالحه. وفي حالة عدم حدوث أي تغيرات جديدة سيكون هذا الانقسام في صالح “ترامب” بشكل أكبر من “هاريس”؛ إذ إن هذه الكتلة التصويتية كان يميل معظمها للديمقراطيين، ومن شأن نجاح “ترامب” في استقطاب حتى لو جزء منها، في ظل اقتراب فرص كلا المرشحين في هذه الولاية، سيصب في صالحه، إلا أن ما يحدث في هذه الانتخابات من تغيرات وتقلبات يشير إلى أن حالة عدم اليقين هي الثابت الوحيد، فمن الممكن حدوث أي متغير في أي لحظة يقلب الموازين في صالح أي من المرشحين.